مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامحوارات

صرخة نساء الأرض: “لا بيئة بدون تنمية”

حاورتها: سمية شكروني

ركن ضيف وحدث لقاء شهري  يهدف إلى التعريف بالكفاءات النسائية المغربية التي تلعب دورا فعالا في فتح النقاش حول واقع النساء بالمغرب وفي معالجة مجموعة من القضايا التي تمس المجتمع خصوصا فيما يتعلق بالمرأة والتنمية المستدامة؛ كالبيئة، والتعليم، والصحة، والمساواة، وحقوق الإنسان. كما يهدف إلى مواكبة الأحداث المحتفى بها وطنيا، وإقليميا، ودوليا.

وجهتنا هذا الشهر إلى مدينة الجديدة، في ضيافة السيدة فاطمة تقي الدين، رئيسة “جمعية القلب الكبير للبيئة والتنمية المستدامة” والفائزة الأولى بالجائزة الدولية لـ”نساء الأرض 2011″. وتأتي مناسبة هذا الحوار في سياق الاحتفال باليوم العالمي للبيئة الذي يوافق 05 يونيو من كل سنة.

بداية، نهنئكم على فوزكم بهذه الجائزة ونود أن نعرف ماذا يعني لكم هذا التتويج؟

صراحة هذا التتويج هو بالنسبة لنا نوع من الاعتراف والتحفيز الذي أعطي إلينا كفاعلين جمعويين، وبالأخص لجمعية القلب الكبير لكي تكمل مشوارها الذي أخذته عاتقا على كتفيها والذي يدخل في إطار مشروع “قافلة الشجرة المثمرة المستدامة” تحت شعار “المرأة القروية أساس التنمية المستدامة”. كما يعتبر هذا التتويج أيضا مرآة بالنسبة لنا كنساء تعكس الدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه المرأة كأم ومربية وفاعلة تنموية في إطار الحفاظ على البيئة والمساهمة في تدبير الشأن المحلي.

في إطار القافلة التي نظمتموها مؤخرا بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للأرض، ركزتم كثيرا على المرأة القروية. لماذا المرأة القروية بالخصوص؟ وما علاقتها بالبيئة؟

من خلال عملي كمدرسة بالوسط القروي، بدأت ألاحظ أنه هناك بؤر خضراء كثيرة بدأت تهمش وذلك طبعا بسبب الهجرة القروية. العديد من الناس قاموا بترك  تراكماتهم ومكتسباتهم وتقاليدهم وأعرافهم وأصبحوا يتوجهون نحو المدار الحضري الذي يعتبرونه رمز الحضارة، في حين أن القرية هي منبع تلك الحضارة. ونرى أنه من هنا تبدأ مشاكل البيئة حيث نجد أنفسنا أمام السكن العشوائي، دور الصفيح، بالإضافة إلى مجموعة من المعضلات الاجتماعية مثل الهشاشة، الفقر، البطالة، انحراف الشباب، الدعارة، الإجرام ومجموعة من الظواهر التي عندما نبحث عن أصلها، نجد أن نواتها دائما هي الهجرة القروية… إذن مشكل هذه الفئة القروية هو أنه وقع لديها نوع من العدوى إذا صح التعبير “عدوى الهجرة”. بالإضافة إلى هذه المشاكل الناتجة عن الهجرة القروية، هناك مشكل آخر متمثل بالخصوص في الانسلاخ عن هويتنا. حيث أننا بدأنا ننسلخ عن مبادئنا القيمية، انسلخنا من مكتسباتنا التي تنبع من ذلك الرصيد المغرب الأصيل الذي أصبحنا نفتقده. أصبحنا نقول “كنا زمان” “كنا زمان تنديروا الشريط” “ماكناش كنستعملو مواد السماد وكانت الفلاحة مزيانة”. هذا ما أصبحنا نسمع كلمة “زمان”. نحن لا نريد أن نسمع كلمة زمان بعد الآن، حان الأوان لكي نعود إلى تراثنا ونسترجع مكتسباتها الحضارية، ونتشبث بها أكثر، خصوصا أن المغرب هو بلد فلاحي، يعني بالرغم من درجة الحضارة التي وصلنا إليها وبالرغم من دخول التكنولوجيا، لكن نظل في الأصل بلدا فلاحيا. لذا يجب أن نهتم بهذه المناطق القروية وخصوصا المرأة لكي تعطينا فلاحا راقيا متشبتا بهويته وجذوره. والفلاح الراقي ليس بالشرط أن يكون ممارسا لهذا المجال، لكن يمكن أن يكون فلاحا طبيبا، فلاحا مهندسا، فلاحا أستاذا…
من جهة أخرى، معلوم أن النساء القرويات لديهن ثقافة زراعية، لكنها لا تشمل جميع أنواع الزراعات، خصوصا منها التزيينية. فالمرأة القروية لديها ثقافة زراعية محدودة في إطار المنتوج المحلي الذي يشتغل عليه الأب أو الزوج. وبالتالي فهي ليست منفتحة على زراعات أخرى تمكنها من الاستفادة من دخل قار يعطيها نوعا من الاستقلالية المادية. كما أن هناك العديد من النساء اللائي يملكن أراضي زراعية لكن لا يعرفن كيفية استغلالها. وهنا أريد أن أعطي مثالا لسيدة كانت تعمل عندي كمساعدة في الأعمال المنزلية، تملك مجموعة من الأراضي الباهضة الثمن، لكنها لا تدري كيف تستفيد منها، تركتها خلفها وخرجت “تسعى باب الله في الموقف”. ونحن نعلم أن هؤلاء النساء معرضات للعديد من الظواهر مثل: الاستغلال الجنسي، العنف الجسدي، العنف الاقتصادي وهضم الحقوق… إذن، هذه السيدة لديها كنز ثمين يمكن أن يغنيها عن كل ذلك، لكن للأسف لا تستفيد منه في ظل غياب الثقافة الزراعية لديها وكذلك الوعي بقيمة ما تملكه.

الحديث عن المرأة القروية والتنمية يفرض علينا الحديث عن التغيرات الجذرية التي حصلت على مستوى البيئة الأسرية في المجتمع المغربي، حيث أصبحت المرأة تقوم بأدوار متعددة. فبالإضافة إلى الأعمال المنزلية التي لا تحتسب لها، أصبحت تساهم في الإنتاج، وفي إعالة أفراد أسرتها ومساعدة الزوج في مصاريف المعيشة. وحسب مذكرة صدرت مؤخرا عن المندوبية السامية للتخطيط بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، كانت آخر المعطيات الخاصة بالمرأة القروية تشير إلى أن هذه الأخيرة تمثل 41.8 في المائة من مجموع النساء المغربيات (50.8%)، 36.6 في المائة منها هي فئة نشيطة، يعني ضعف الفئة النشيطة في المجال الحضري(%18.1) لكن بالمقابل كشفت هذه المعطيات أيضا عن أرقام صادمة على مستوى الصحة، تمدرس الفتاة القروية، الأمية. إذن في نظركم، كيف يمكن أن تساهم المرأة القروية في الحفاظ على البيئة في حين أنها تفتقر لأبسط مستلزمات الحياة مثل: الماء الصالح للشرب، الكهرباء، الطرق… ومجموعة من  المشاكل البنيوية؟

المشكل المطروح هو أننا عندما نتحدث عن مجال الحفاظ على البيئة، نجد أن الكثير يحصرها في جمع الأزبال وزرع الأشجار فقط. هذا مفهوم بيئي ناقص ومغلوط. لا يمكننا الحفاظ على البيئة بدون تنمية. أما بخصوص وضع النساء في المجال القروي، إذا قمنا بمسح خرائطي على جميع المساحات القروية، سنجد أن هذه الفئة تفتقر لأبسط مستلزمات الحضارة، مثل: البنيات التحتية على مستوى الطرق، المدارس،  المصحات، الماء الصالح للشرب. والمرأة القروية تعاني كثيرا من هذا الجانب حيث أنها تقضي ساعات طوال في السقي تحسب من وقتها، بالإضافة إلى التبعيات الأخرى المتعلقة بتربية الأبناء، والأعمال المنزلية، وتربية المواشي والدواجن، يعني أنها تقوم بأدوار متعددة لا يتم تقييمها لحد الآن، ويقال لها “آش كدير” . المشكل في نظري أننا أولينا اهتماما كبيرا لكل ما سيعطينا صورة جمالية على المستوى الدولي وأهملنا ما هو محلي. نحن لا يمكن أن نباهي الدول المتقدمة ما دامت المرأة القروية تعاني من الأمية التي لا تمس الوسط القروي فقط، بل أيضا الوسط الحضري وخصوصا الفئة المهاجرة التي لا زالت تفكر بتلك العقلية التي تعتبر أن المرأة ليست ملزمة بأن تدرس وتتعلم، بل ترى أن مكانها الطبيعي هو بيت زوجها، أو العمل من أجل مساعدة الأسرة أو بمعنى آخر “الدمير” بلغتنا المغربية العامية. وهنا تتجلى لنا العقلية الذكورية المسيطرة أكثر على التربية بالمجتمع القروي. من هنا جاء شعار المشروع الذي نقدمه، والذي يهدف إلى تحسيس المرأة القروية بقيمتها كامرأة. نعم المرأة القروية هي أم، ربة بيت وفاعلة محلية في منطقتها لكنها يجب أيضا أن ترتقي بذاتها.

هناك حركات نسائية مشهورة لعبت دورا كبيرا في مجال الحفاظ على البيئة وتمكنت من التأثير على قرارات الحكومات، والتاريخ يشهد على ذلك، نذكر على سبيل المثال الحركة التي انطلقت في عام 1906، عندما ربطت النساء في ولاية «شيبكو» Chipko في النيبال أنفسهن بالأشجار منعاً لاقتلاعها واستخدامها للأغراض التجارية، لتتطور فيما بعد لتصبح من أهم حركات الحفاظ على البيئة حيث نالت «جائزة الحياة السليمة» في عام 1987. هناك أيضا حركة “الحزام الأخضر” كانت تقودها سيدة كينية تدعى (وانغارى ماتاى Wangari Maathai)، حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2004 فى مجال البيئة، وقد نتج عن ذلك اعتراف دولي بدور المرأة في عملية الحفاظ على البيئة وصيانتها داخل وخارج المنزل. ماذا عن دور الحركات النسائية الإيكولوجية بالمغرب؟

أكيد أننا كنساء، لنا علاقة كبيرة مع البيئة، والمرأة بطبيعتها هي قادرة على الاصلاح وتقويم سلوك الطفل وبالتالي المجتمع ككل في إطار تعامله مع البيئة باعتبار أنها البيئة الأولى التي ينطلق منها الطفل، كما يمكنها أن تكون قيادية في هذا المجال. فمثلا: إذا نظرنا اليوم إلى أي أسرة، نجد أن المرأة انطلاقا من أشياء بسيطة تقوم بالتكرير(recyclage) بدون أن تعي بقيمة ما تقوم به. عندما تأخذ قارورة بلاستيكية وتحسكها كي تصنع منها وعاءا، فهي تساهم بذلك في الحفاظ على البيئة. عندما تقوم “بتسريب” لباس صوفي لتنسج منه لباسا آخرا، فهذا يعتبر نوعا من الإبداع الذي يساهم في حماية على البيئة. إذن المرأة القروية ليست ملوثة للبيئة، إذا ما ساعدناها على كسب استقلاليتها المادية من خلال توفير الآليات البنيوية والمشاريع المدرة للدخل عليها، بالتأكيد ستساهم معنا في الحفاظ على بيئة سليمة، وعلى هذا الأساس تعمل الجمعية. نحن نقوم بتوزيع الأشجار على مجموعة من النساء القرويات لكن نشاطنا متسلسلا. فعندما نتوجه للمرأة القروية، فنحن نخفي جانب الحفاظ على البيئة رغم أنه يمثل الهدف الأساسي لهذه القافلة، ونولي اهتماما أكثر للجانب التنموي المتمثل في تمكين المرأة على المستوى المادي من خلال تكوين تعاونيات، تنظيم ورشات تحسيسية في مجال الترشيد الزراعي. الحديث عن التعاونيات يعني الانفتاح على مجموعة من الأشياء الأخرى الموازية مثل: محو الأمية، التغطية الصحية، والحمد لله اليوم هناك الرميد. نتمنى من الله أن يساهم في حل المشاكل التغطية الصحية بالنسبة لفئة كبيرة من الناس…

هذا الكلام يقودنا إلى سؤال آخر يخص التمثيلية النسائية في مجال البيئة. ففي ظل الرهانات المطروحة على المستوى العالمي في مجال الحفاظ على البيئة. نجد أن هناك ضرورة ملحة لمشاركة المرأة في اتخاذ القرار، ووضع مخططات التنمية المحلية وبرمجة مشاريع القرب، في حين أننا  نرى أن التمثيلية النسائية في مجال البيئة هي شبه منعدمة، فباستثناء تجربة الحكومة السابقة التي أسندت حقيبة البيئة للسيدة “أمينة بنخضراء”، نجد أن المرأة إذا ما تولت منصب القرار، غالبا ما يكون في مجال الأسرة والطفل، والأمر نفسه بالنسبة للجمعيات الناشطة في المجال البيئي، حيث نجد أن هناك عددا قليلا من النساء اللاتي ينشطن في هذا المجال، في حين أنهن يتواجدن بكثرة في مجالات أخرى مثل محاربة العنف ضد النساء، حقوق المرأة، حقوق الطفل … ألا يرسخ هذا شيئا ما لنوع من النمطية في الأدوار والمهام أيضا؟ بمعنى آخر هل هذا المجال هو حكر على الرجل فقط؟

قبل قليل، أشرت في كلامي إلى نمط فكري لا زال يسيطر علينا ألا وهو العقلية الذكورية. الآن نجد المرأة تفكر بعقلية الرجل، لماذا؟ لأنها تربت في نفس الوسط الذي تربت فيه أمها وجدتها و…، وظل هذا شيء متوارث. اليوم، هناك من يرى أن العمل الذي نقوم به كنساء ينشطن بهذا المجال هو عمل رجالي والبعض الآخر يعتبره بطولي في حين أننا نراه عملا عاديا، غير مرتبط بجنس الإنسان، ولا علاقة له بالتركيبة البيولوجية. أنا امرأة مواطنة، أنتمي لهذا البلد، لدي هويتي كمغربية، أخذتني الغيرة على بلدي، وأريد أن أساهم  بدوري في تدبير الشأن المحلي وتنمية المنطقة التي انتمي إليها وفق ما استطيعه بالطبع. إذن المشكل يكمن في هذه العقلية المسيطرة التي تحصر المرأة في أدوار دون أخرى، هذا من جهة. من جهة أخرى، لا زلنا نعاني من  إشكالية “رهانات السبق”، من سيأخذ المسؤولية الرجل أم المرأة، لا زالت لدينا تلك المنافسة الغير الشريفة، والتهميش والإقصاء الذي يطال المرأة حتى من طرف المرأة نفسها، بالإضافة إلى ذلك، فالعمل في المجال البيئي ليس بالأمر السهل كما يعتقد البعض. نحن عندما نتكلم عن المحافظة على البيئة، فهذا يدخل فيه مجموعة من المطالب التي يمكن أن تخلق لنا نوعا من الحساسية مع جهات معينة.

لكن المغرب يعتبر من بين الدول التي صادقت على مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تنص على الحفاظ على البيئة وإدماج منظور النوع الاجتماعي من خلال اشراك المرأة في مناصب القرار وبرمجة مشاريع القرب، يعني أن هناك التزام؟

لكن المغرب لم يأت فجأة ويصادق على تلك الاتفاقيات. هناك مجتمع مدني كان يناضل ويطالب بالميثاق، طالب بالدسترة البيئية، لقد خرجنا إلى الشارع وطالبنا بالدسترة البيئية والاعتراف بالمناصفة بالنسبة للمرأة رغم أنها لم تفعل في المجال البيئي وهذا ما نلاحظه في الحكومة الحالية التي اكتفت بوجه نسائي واحد. وهنا يتجلى لنا مشكل الأحزاب التي تقصي النساء، يعني لا زالت هناك مسألة التفاوض بين الرجل والرجل. هناك مشكل آخر متمثل بالخصوص في عدم الاستقلالية المادية. المرأة المغربية لا زالت فقيرة حتى لو وصلت إلى مستوى عال، لا يمكنها أن تضاهي الرجل الذي يتوفر على رصيد مالي مهم، الشيء الذي يجعل المرأة دائما تابعة للرجل إما الزوج أو الأب. هذا هو المشكل المطروح بالنسبة للتمثيلية النسائية: عدم وجود الاستقلالية المادية، غياب الاستقلالية الفكرية، غيابها حتى على مستوى التوجه الايديولوجي… لا زلنا كنساء لا نتوفر على الجرأة لكي نختار ونقول أننا ننتمي إلى هذا التيار أو ذاك.

إذن، ربما حتى المرأة هي مسؤولة عن هذا الإقصاء؟

كما قلت قبل قليل، المشكل راجع إلى التبعيات والموروث الذي تشبعت به المرأة من جراء تنميطها، وعندما نتحدث عن التنميط، نعني بذلك ترسييخ الفكر الذكوري الذي لا يترك للمرأة المجال لكي تتقاسم المسؤولية وتتبوأ مناصب القرار للقيام بدورها إلى جانب الرجل. مثلا: هناك بعض من يستدل بالقول  “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” مع أن هذا الحديث له سياقه. هذا يعني أن المرأة بالنسبة للبعض هي غير قادرة على تولي المسؤولية، في حين أننا نرى العكس تماما خصوصا على مستوى التسيير. عندما تكون المرأة رئيسة قسم أو مسؤولة عن  تسيير مشروع ما أو مؤسسة معينة، فإنها في الغالب توفق، لماذا لأنها جادة في عملها، وبطبيعتها الفطرية معطاء ومعروفة بالشفافية ونكران الذات في العمل ولا تفكر كثيرا في الجانب المادي بقدر ما تفكر في نجاح المهام التي وكلت إليها. يعني على مستوى الحكامة وتدبير الشأن المحلي فهي مؤهلة بشكل كبير.

نبقى دائما في المجال الديني مادمت ذكرت قضية الولاية، يرى البعض أن معظم الحلول التي تم اقتراحها مؤخرا في مجال المحافظة على البيئة لا تنظر بنظرة جادة إلى دور الدين في حماية البيئة والإنسان، حيث نجد أن معظم الاتفاقيات الدولية التي عالجت القضايا البيئية وضعت حلولا مادية صرفة دون التطرق إلى أهمية البعد الديني في تأسيس سلوك الآخر مع العلم أن هناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة تنص على ضرورة حماية البيئة مثل قوله تعالى: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}(سورة الأنعام: [ الآية: 141 ].)، وقال عز وجل: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}(سورة الإسراء: [ الآية: 27 ].). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”، وقوله أيضا: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع آلا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها”  في نظركم، لماذا يا ترى هذا الإقصاء؟

المسألة هو أن المجتمع الدولي ينظر إلى هذه القضية من وجهة حقوق الإنسان وما سيستفيد منه الكون بصفة عامة، كل بلد يضع مسودة بالنسبة لمثل هذه الاتفاقيات وفق هذه المقاربة التي تقتضي إبعاد الدين لكي لا يقع نوع من التصادم. وإذا تحدثت أنا بصفتي مسلمة عما يقال عن البيئة من وجهة نظر الإسلام، سيأتي مسيحي ويتحدث عن نفس الموضوع في الإنجيل، وهكذا… وهنا سنقع في تصادم بين الأديان.

هذا على مستوى الكوني الذي ينطلق من منظور القيم وحقوق الإنسان التي لا نختلف حولها. لكن بالنسبة لتفعيل هذه القوانين على المستوى المحلي. لكل بلد أساليبه وآلياته التي يمكن أن يوظفها للوصول إلى الأهداف المرجوة حسب خصوصية كل بلد بالطبع. وبما أنكم تعتمدون أكثر، في معالجة المشاكل المرتبطة بالبيئة، على الجانب التوعوي والتحسيسي وكذلك على التربية البيئية التي تمر عبر مجموعة من المؤسسات التربوية كالأسرة، والمدرسة، والإعلام، والمسجد أيضا، فلماذا لا يتم العمل وفق مقاربة تشاركية مع المؤسسات الدينية بالنظر إلى كون المجتمع المغربي على العموم والمجتمع الريفي لا زال متدينا ويغلب عليه الطابع الديني.

بالنسبة للمدرسة، فهي حاضرة في هذا المجال والدليل على ذلك أن هناك مجموعة من الأندية المفعلة في المؤسسات التعليمية، وهناك أيضا مجموعة من المسابقات في مجال الدراسة في علم الإيكولوجيا مثلا المدرسة الخضراء، أو المدرسة الإيكولوجية التي تنظمها مؤسسة محمد السادس. هناك أيضا ميثاق البيئة والتنمية المستدامة الذي بدأ يفعل. أما على المستوى الديني، بالنسبة لنا نحن كبلد إسلامي وكمجتمع متدين يعترف بالديانة الإسلامية على المستوى المحلي، يجب أن نهتم أكثر بالعمل وفق هذه المقاربة، ولقد بدأنا نلاحظ خطباء المساجد يتحدثون عن البيئة والأضرار المحدقة بالإنسان من جراء الإضرار بها، لكن يبقى هذا نوعا ما نسبيا. لماذا؟ لأنه، في نظري، يجب أن يصبح المنبر مفتوحا على مستوى الأئمة، بالنظر إلى الصلة بينهم وبين المصلين. بالنسبة لنا كمجتمع مدني، هناك جمعيات تشتغل في هذا الإطار. نحن أيضا نركز على هذا الجانب في حملاتنا التوعوية التنموية. فمثلا خلال قافلة الشجرة المثمرة التي استهدفت النساء القرويات،  نبدأ دائما خلال الورشات التحسيسية بما قيل في القرآن حول شجرة التين المباركة وقسم الله بها في كتابه الكريم… لكن المشكل للأسف هو أن الناس لا يعرفون الكثير عن دينهم. فالثقافة الدينية مهمة في إطار المعلومة والتحسيس ببعض القضايا مثل قضية الحفاظ على البيئة.

بالنسبة للجمعيات، لا أحد ينكر دور المجتمع المدني في الضغط على الحكومات لاتخاذ مجموعة من القرارات والسياسات العمومية في هذا المجال، وقد برزت مؤخرا العديد من الجمعيات التي تعددت أنشطتها وطنيا ومحليا، لكن لا تزال منحصرة في تنظيم حلقات دراسية وأيام مفتوحة خاصة بالتوعية، وتتمركز أغلب نشاطاتها على مستوى المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء، بالإضافة إلى ذلك هناك انحصار عضوية هذه الجمعيات في عدد ضئيل من الأشخاص وخصوصا النساء، ماذا يمكنكم القول في هذه المسألة؟

هناك مسألة مهمة يجب الانتباه إليها عند الحديث عن الجمعيات. كما قلت قبل قليل مجال البيئة هو مجال صعب وهناك بعض الأشخاص يعانون من خلال نشاطهم بهذا المجال، لكن يبقى المجتمع المدني له دور كبير في تفعيل مجموعة من البرامج، وخلق مجموعة من السياسات العمومية، وهنا أريد أن أوجه، من خلال هذا المنبر، نداء للفعاليات الجمعوية لكي يصبوا اتجاههم صوب المجال القروي الذي هو في حاجة ماسة لمجهوداتهم، باعتبار أن البنيات التحتية هناك هي جد هشة، ناهيك عن الفقر والأمية  التي لا تزال منتشرة بشكل كبير… لذا يجب على المجتمع المدني أن ينفتح أكثر على هذه الشريحة على طول السنة وليس بشكل موسمي.
رسالة أخرى أريد أن أوجهها إلى أصحاب القرار، إلى الجهات المعنية، سواء الوزارة الوصية على هذا المجال، أو القطاعات الأخرى مثل التعليم، الصحة، الصناعة. الجميع مسؤول عن تدبير المجال البيئي باعتبار أن مهامهم متداخلة ومتشابكة  فيما بينها.  على الجميع تباحث الأمر لمعرفة مكمن الخلل ومحاولة ايجاد حلول جادة. يجب على هذه القطاعات أن تولي اهتماما أكثر للمجال القروي، وتهيئ زراعات بديلة تتماشى مع التغيرات البيئية الموجودة حاليا في حال تضرر الزراعة الأولى، وكذلك الحد من استيراد المواد الكيماوية أو ترشيد استعمالها.

بالنسبة للإعلام، ما هي الرسالة التي توجهونها للعاملين في هذا المجال؟

الإعلام حاليا بدأ ينكب على القضايا البيئية، لكن أريد أن أوجه رسالة للإعلام السمعي البصري بالخصوص لكي يخصص للبرامج البيئية توقيتا ملائما لكي يتم تتبعها من طرف عدد كبير من المشاهدين ولا تبث في ساعات متأخرة من الليل كما يقع بالنسبة لبعض البرامج الإيكولوجية. نريد وصلات إشهارية ولو “قيصرية”، ونحن على استعداد، إذا ما فتح أمامنا المجال، للعمل وفق مقاربة تشاركية لإعداد وصلات دعائية في مجال التحسيس بضرورة الحفاظ على البيئة.

في النهاية، ماذا يلزم لتحقيق الوعي البيئي وكذلك الاعتراف بدور المرأة في نشره؟

أولا، يجب علينا كنساء أن “نشمر” على سواعدنا، ونبرهن للمجتمع ككل أن عملنا في هذا المجال أو مجالات أخرى هادفة وايجابية غير مرتبط بالتركيبة البيولوجية بل مرتبط بالأساس بمجموعة من الخصائص أهمها: الإحساس بالانتماء، روح المسؤولية ونكران الذات. ثم تحقيق الوعي البيئي مرتبط كذلك بتظافر جهود الفرقاء وتعدد اختصاصات العاملين بهذا المجال، بالأخص مجال التعليم يلعب دورا جوهريا في مجال التربية سلوك الفرد وبالتالي المجتمع ككل.

نشر بتاريخ 01/06/2012

2012-06-13 15:09 wafae du Genre

L’interview qui est fait par Mme CHAKROUNI Soumia ne peut être que parfait. Bonne continuité et nous en sommes fières.

2012-06-07 22:22 Belhachmi touria

je suis trés ravie pr ce travail c”est une trés bonne chose qui ne fera qu”ajouter de l”intéret à la cause féminine et lui rendra service ; tu as posé différentes questions interessantes ,d”ailleurs il faut tjrs savoir joindre les sujets d”actualités aux sujets tabous aussi pr attirer l”attention sur les problèmes de notre socièté .
aussi il faut dire que c”est uune grande chance d”avoir justement une journaliste qui a étudié le genre et donc pourra faire passer le message à travers la presse.
au revoir et bon courage et pleine réussite.

2012-06-07 09:11 متتبع

مبادرة حسنة يجب دعم مثل هده النساء و هده الجمعيات الصادقة في عملها…

2012-06-05 23:13 فاطمة

حوار هادف وجاد فهنيئا لنا بمثل هده النساء الصارمات بالتوفيق

2012-06-01 15:25 عبدالله

بداية أود أن أن أنوهكم على هذا الركن الجديد، الذي سيفتح لنا لا محالة بابا للحوار و التعرف على شخصيات نستفيد من تجربتها.. حوار جميل وموضوع أجمل، وفقكم الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق