مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

شبهةٌ حول الخليفة عثمان بن عفّان ونفيه أبا ذرّ إلى الرّبَذَة وضربه ضرباً وجيعاً

 

 

بقلم: يونس السباح

من الشّبه التي سارت بها الرّكبان، وتلقّفها بعض المغرضين ممن لا دراية لهم بعلوم الدين، ولا عناية لهم بسيَر الصحابة والتّابعين، شبهة حول الخليفة الراشد، الشهيد المظلوم، سيّدنا عثمان رضي الله عنه، ونفيه أبا ذرّ إلى الرّبَذَة([1])  وضربه ضرباً وجيعاً.

وهذه الشّبهة في أصلها لا تقوم على صرح علمي متين، وحاشا أن ينسب لصحابة رسول الله ما لا يليق، وينقص من قدرهم، فالطّعن فيهم طعن في الرسول صلى الله عليهم وسلّم باللّزوم، إذ هو المعلّم والمربّي، ولم يربّهم إلا على خلق التسامح والبرّ.

ويكفي سيّدنا عثمان رضي الله عنه فخراً أنه ذو النّورين، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، والذي ورد فيه من الفضائل الشيء الكثير. منها قوله عليه الصلاة والسّلام:  (أشدّ أمتي حياء عثمان بن عفان)([2]). ودخل يوما على النبي صلى الله عليه وسلم وركبته بادية فغطاها فقيل له في ذلك فقال:  إني لأستحي  ممن  استحيت منه الملائكة([3])

هذه بعض فضائل هذا الخليفة العادل، الشهيد، الذي ألصقت به كثير من التّهم، وطُعن باللّسان قبل السّنان.

وأمّا المتّهم الثاني أبو ذرّ الغفاري جندب بن جُنادة رضي الله عنه والذي قال عنه الحبيب صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن عمرو قال: (سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: ما أقَلّت الغَبْراءُ ولا أظَلّت الخضراءُ من رجل أصدق لهجة من أبي ذرّ)([4]). وبصدق لهجته، نفى عن نفسه هذه الفرية المزعومة، وهذا الظلم المختلق الذي نسب إليه وهو منه براء.

وهذه القصة كما رواها الإمام البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب، قال: (مررت بالربَذَة فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه ، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في:(و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لاينفقون في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)([5]) قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني، فكتب إلي عثمان: أن اقدم المدينة فقدمتها، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذاك لعثمان ” فقال لي: إن شئت تنحيت، فكنت قريبا، «فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت»([6]).

قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: (وإنما سأله زيد بن وهب عن ذلك لأن مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر وقد بيّن أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان كان باختياره. نعم؛ أمره عثمان بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه المذكور فاختار الرّبذة، وقد كان يغدو إليها في زمن النبي صلى الله عليه و سلم)([7]).

وقد وردت القصة بتفصيل أكثر عند ابن سعد في طبقاته، قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسّان عن محمّد بن سيرين أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال لأبي ذرّ: إذا بلغ البِنَاءُ سَلْعًا فاخرج منها، ونحا بيده نحو الشام، ولا أرى أمراءك يَدَعونَك!” قال: يا رسول الله أفلا أقاتل مَن يحول بيني وبين أمرك؟ قال: ” لا”، قال فما تأمرني؟ قال: “اسْمَعْ واطِعْ ولو لعبدٍ حَبَشيّ. قال: فلمّا كان ذلك خرج إلى الشام فكتب معاوية إلى عثمان: إنّ أبا ذرّ قد أفسد الناس بالشام، فبعث إليه عثمان فقدم عليه، ثمّ بعثوا أهله من بعده فوجدوا عنده كيسًا أو شيئًا فظنّوا أنّها دراهم، فقالوا: ما شاء الله! فإذا هي فلوس. فلمّا قدمَ المدينةَ قال له عثمان: كُنْ عندي تغدو عليك وتروح اللّقاح، قال: لا حاجة لي في دنياكم، ثمّ قال: ائْذَنْ لي حتى أخرج إلى الرّبَذَة، فأذن له فخرج إلى الرّبذة وقد أقيمت الصلاةُ وعليها عبدٌ لعثمان حبشيّ فتأخّر فقال أبو ذرّ: تَقَدّمْ فصلّ فقد أُمِرْتُ أن أسْمَعَ وأطيعَ ولو لعبدٍ حَبشيّ فأنت عبد حبشيّ([8]).

ومن هذه القصة التي وردت في هذين المصدرين يتبيّن لنا أنا أبا ذرّ رضي الله عنه لمّا قدم المدينة لم يكن يبادر بالكلام ابتداء، وإنّما تكاثر الناس عليه يستفتونه، وهو يجيبهم ولا يكتم العلم.

 ثمّ إن المسألة المختلف فيها تقبل النّقاش، كسائر الآيات التي حصل فيها خلاف علمي بين الصحابة الكرام، إضافة إلى هذا؛ فأبو ذرّ رضي الله عنه  هو الذي استأذن في الخروج إلى الربذة، ولم ينفه لا معاوية، ولا عثمان بن عفّان رضي الله عنه. فأين هذا من الافتراء المزعوم، وأنّه نفاه وضربه ضرباً وجيعا؟؟.

 يقول الإمام ابن العربي المعافري تعليقاً على هذه القصّة: (وأما نفيُه أبا ذرّ إلى الرَّبذة فلم يفعل، كان أبو ذر زاهدا، وكان يقرّع عمال عثمان، ويتلو عليهم {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، ويراهم يتسعون في المراكب والملابس حين وجدوا، فينكر ذلك عليهم، ويريد تفريق جميع ذلك من بين أيديهم، وهو غير لازم. قال ابن عمر وغيره من الصحابة: إن ما أديت زكاته فليس بكنز  فوقع بين أبي ذر ومعاوية كلام بالشام  فخرج إلى المدينة، فاجتمع إليه الناس، فجعل يسلك تلك الطرق، فقال له عثمان: لو اعتزلتَ. معناه: إنك على مذهب لا يصلح لمخالطة الناس، فإن للخلطة شروطاً وللعزلة مثلها  ومن كان على طريقة أبي ذرّ فحاله يقتضي أن ينفرد بنفسه، أو يخالط ويسلِّم لكل أحد حاله مما ليس بحرام في الشريعة، فخرج إلى الرّبذة زاهداً فاضلا، وترك جلة فضلاء، وكل على خير وبركة وفضل، وحال أبي ذر أفضل، ولا تمكن لجميع الخلق، فلو كانوا عليها لهلكوا فسبحان مرتب المنازل)([9]).

وللإمام ابن تيمية كلام نفيس في هذا الصّدد، وردّ قويم على هذا الشبهة، أورد في كتابه الماتع (منهاج السنّة)، وأورده بنصّه على طوله لفائدته.

(..وأما قوله: إنه نفى أبا ذر إلى الربذة وضربه ضربا وجيعا، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال في حقه: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي  لهجة أصدق من أبي ذر) . وقال: (إن الله أوحى إلي أنه يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم. فقيل له: من هم يا رسول الله؟ قال: علي سيدهم، وسلمان، والمقداد، وأبو ذر).

فالجواب: أنّ أبا ذر سكن الرّبذة ومات بها لسبب ما كان يقع بينه وبين الناس، فإن أبا ذر رضي الله عنه  كان رجلا صالحا زاهداً، وكان من مذهبه أن الزّهد واجب، وأن ما أمسكه الإنسان  فاضلا عن حاجته فهو كنز يكوى به في النار، واحتج على ذلك بما لا حجة فيه من الكتاب والسنة. احتج  بقوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) ، وجعل الكنز ما يفضل عن الحاجة، واحتج بما سمعه من النبي  صلى الله عليه وسلم  وهو أنه قال: (يا أبا ذر ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا يمضي عليه ثالثة وعندي منه دينار، إلا دينارا أرصده لدَين). وأنه قال: (الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا).

ولما توفي عبد الرحمن بن عوف وخلف مالا، جعل أبو ذر ذلك من الكنز الذي يعاقب عليه، وعثمان يناظره في ذلك، حتى دخل كعب ووافق عثمان، فضربه أبو ذر، وكان قد وقع بينه وبين معاوية بالشام بهذا السبب.

وكان أبو ذر يريد أن يوجب على الناس ما لم يوجب الله عليهم، ويذمهم على ما لم يذمهم الله عليه، مع أنه مجتهد في ذلك، مثاب على طاعته رضي الله عنه   كسائر المجتهدين من أمثاله.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم  ليس فيه إيجاب، إنما قال: (ما أحب أن يمضي علي ثالثة وعندي منه شيء) فهذا يدل على استحباب إخراج ذلك قبل الثالثة لا على وجوبه. وكذا قوله: (المكثرون هم المقلّون) دليل على أن من كثر ماله قلت حسناته يوم القيامة إذا لم يكثر الإخراج  منه، وذلك لا يوجب أن يكون الرجل القليل الحسنات  من أهل النار، إذا لم يأت كبيرة ولم يترك فريضة من فرائض الله.

وكان  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه يقوم رعيته تقويما تاما، فلا يعتدي  لا الأغنياء ولا الفقراء. فلما كان في خلافة عثمان توسع الأغنياء في الدنيا، حتى زاد كثير منهم على قدر المباح في المقدار والنوع، وتوسع أبو ذر في الإنكار حتى نهاهم عن المباحات. وهذا من أسباب الفتن بين الطائفتين.

فكان اعتزال أبي ذر لهذا السبب، ولم يكن لعثمان مع أبي ذر غرض من الأغراض)(([10])).

 

 

 

 


([1]) الرّبذة من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. معجم البلدان، باب الراء والباء 3/24.

([2])أخرجه أبو نعيم في (حلية الأولياء) باب عثمان بن عفان ج1 ص 96 و ذكره المتقي في (الكنز): باب فضائل ذي النورين عثمان بن عفان ج 11 ص 585 رقم: 32792 وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الجامع الصغير) رقم: 1002 وفي (الصحيحة) رقم: 1224.

([3])أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عثمان بن عفان. رقم 2401.

([4])  أخرجه الإمام أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص I 6/192. رقم 6630. تح أحمد شاكر.

([5])  سورة التوبة آية 34.

([6])  أخرجه البخاري في صحيحه. كتاب الزكاة، باب ما أدي زكاته فليس بكنز 2/107. حديث رقم 1406.

([7])  فتح الباري 3/274.

([8])  الطبقات الكبرى لابن سعد 4/170. ط دار الكتب العلمية..

([9])  العواصم من القواصم  لابن العربي تقديم و تعليق: محب الدين الخطيب طبعة الأوقاف السعودية. ص 73

([10])  منهاج السنّة النبوية 6/271

go married men that cheat i dreamed my wife cheated on me
online go how to catch a cheat
why do women cheat why husbands cheat reasons why women cheat on their husbands
go open click
mifepristone misoprostol go prices for abortions
metformin metformin metformin
gabapentin and leg weakness http://lensbyluca.com/and/leg/weakness gabapentin and leg weakness

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. جزاكم الله خيرا وبارك في مجهودتاكم

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق