مركز الأبحاث والدراسات في القيمغير مصنف

رسالة إلى الشباب

هذه رسالة، معشر الشباب، تستهدفكم باعتباركم طاقة حيوية، وفئة نشيطة محركة لدواليب المجتمع ، في نشاطاته المختلفة وتفاعلاته المتعددة. وقد حث الإسلام على حماية الشباب من كل أسباب التردي والضياع  باعتبارهم  دعامة أساسية يعتمد عليها لبناء مجتمع سليم . و في وقاية الشباب من الأخطار ضمان لسلامة المجتمع .عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (ص) قال لرجل وهو يعظه : “اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغنائك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك” (أخرجه في المستدرك) ، كما أن المجتمعات المتحضرة تقاس بقوة شبابها . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ص) “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف…” (أخرجه مسلم) . وفي تاريخ الإسلام أمثلة لشباب نموذج :

– فهذا مصعب بن عمير من أجمل شباب قريش وأغناها . كان إذا مر في دروب مكة وقفت الفتيات لرؤية جماله . وكان الناس يعرفون أن مصعبا مر من هذا المكان بفعل أثر العطر الذي يفوح خلفه. كان يحيا حياة الترف واللهو والعبث. فلما جاء الإسلام أنار قلبه وعقله فاعتنق الدين الجديد وأقبل عليه بكل كيانه. وحبسته أمه وقيدته وحرمته من الطعام ، فانفلت من القيد ونجا بدينه وإيمانه، فحرمته من المال فلم يأبه لذلك وسعى في طريقه طالبا النجاة بنفسه ودينه. وقد بعثه رسول الله (ص) إلى المدينة سفيرا إلى الإسلام والمسلمين، فخرج في سبيل الله يبلغ الدعوة. وقبل أن يصل الرسول(ص) إلى دار الهجرة كان قد أسلم على يد مصعب جموع كبيرة من أهل يثرب. لقد غير الإسلام مجرى حياة هذا الشاب الذي لم يكن يهمه من قبل إلا مظهره وملبسه وجماله.

– وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه  شاب قوي شجاع، يبيت في فراش رسول الله (ص) ليموه المشركين ويصرف نظرهم عن هجرته عليه السلام إلى المدينة. كان من الممكن أن يستهين أهل الشرك بأمر علي ويقتلونه، لكنه لم يحفل بذلك وواجه قريشا بكل قوته وشجاعته موظفا شبابه وفتوته في نصرة رسول الله (ص).
هذان مثلان لشابين من شباب الإسلام وغيرهما كثير،كانت لهم تضحيات  في مواطن تشهد لهم بالفضل من أجل الارتقاء بالأمة فحفظت لهم فضلهم .
 
 وشبابنا اليوم مهدد بشتى  المخاطر التي يخوضون فيها ولا يدركون عواقبها إما جهلا أو تهورا. ومن أهم هذه المخاطر التي تهدد الشباب الفراغ الروحي ، والاستلاب ، والتقليد الأعمى للآخر، والعلاقات الجنسية غير الشرعية، وتعاطي المخدرات. إنها رذائل تنتج مجموعة من العواقب السلبية. وهكذا يكون من الضروري محاورة الشباب  من أجل  تجنب الوقوع في المخاطر، وأن يكونوا صورة  لما وصفهم الله به في قوله تعالى: ″ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ″ سورة آل عمران. الآية 110 .
والأخطار التي تهدد صحة الشباب كثيرة ومنها تفشي السيدا بشكل كبير في أوساط الشباب العربي قياسا إلى الفئات العمرية الأخرى من الساكنة العربية . و معلوم أن أكثر من خمس ساكنة منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا شباب تتراوح أعمارهم ما بين 10 سنوات و 24 سنة ،  أي حوالي 95 مليون شخص.
إن انتشار السيدا يتصاعد ويتنامى، ومنطقتنا العربية لا تشكل استثناء، فالمعطيات تشير إلى الازدياد المستمر في عدد الأشخاص الذين يعانون من الوباء سنة بعد سنة، وخاصة في فئة الشباب من الجنسين.   
فمن الضروري الحرص على :

– عدم الوقوع في التهلكة لأن الإسلام يدعو الناس إلى التحلي بالسلوك الذي يؤمن ذلك…فكل تصرف يعرض صحة الفرد أو الجماعة للأخطار هو محظور شرعا. قال تعالى : ″ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَة″سورة البقرة.الاية195ِ ،وقال أيضا جل وعلا ׃ ″ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً″  ( سورة النساء .الآية 29) . ومن باب التذكير فإن فيروس السيدا( فيروس العوز المناعي البشري ) لا يأتي من تلقاء نفسه بل  يؤتى إليه : فمن انتهج سلوكا عرض به نفسه للإصابة بهذا الداء فذلك هو الملقى بيده إلى التهلكة، الهادم لمقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة، ألا وهي حفظ النفس  وحمايتها من الأضرار والمخاطر. وهو نوع من قتل النفس عمدا، لأنه ثبت علميا أن السيدا مرض قاتل.

– الحرص على سلامة الآخرين، وعدم إيذائهم ،مصداقا لقوله تعالى :″ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً″ (سورة الأحزاب الاية58)
– درء المفاسد مقدم على جلب المصالح : فردود أفعال نشاطات الإنسان إما أنها مصالح تفيده أو هي مفاسد تضره، وقد تصطدم مصلحة مرجوة مع مفسدة مؤكدة، فلا بد من دفع المفسدة وضررها قبل التمتع بالمصلحة وعواقبها، وهذا مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية. وقد يرى البعض اللذة في عمل ما فيقدم عليه ولكن الضرر الأكبر المترتب عن ذلك لا ينتبه إليه، ومثال ذلك الزنى وتعاطي المخدرات .  
وغالبا ما يحمل الفرد فيروس العوز المناعي البشري نتيجة لسلوك لم ير فيه إلا المتعة، ونسي مفسدة المرض . والوقاية من هذه المخاطر تكمن في أمور أهمها العفة، ويقصد بها الامتناع بلغة الشرع، حيث يعتبر الامتناع عن العلاقات الجنسية خارج الزواج من الأمور التي يفرضها الدين بغية التحلي بأخلاق الإسلام. قال تعالى : “قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا” (سورة النور الآية 30 و جزء من الآية 31) . ويؤدي الامتناع عن إتيان الفاحشة إلى الاستقامة على منهج الشرع  واتباع الهدى ، لأن الاستقامة أمر رباني فيها الأمان من الخوف والبعد عن الضنك في الدنيا والآخرة. قال تعالى : ” فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (سورة هود الآية 212)
وقال أيضا عز من قائل ׃  ” إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (سورة الاحقاف .الآية 13)    
وحدد الله عز وجل المنهج البشري في الحياة بقوله : ” فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ”  ( سورة طه ، الآية 123-124)
ثم إن النبي (ص) اختصر الطريق في الاستقامة بقوله : ” قل أمنت بالله ثم استقم” (أخرجه مسلم ، باب جامع أوصاف الإسلام).

-فمن استقام  على هدى الشرع وجنب نفسه هذه السلوكيات المحرمة المتصلة إما بالرغبة الجنسية أو العادات والتصرفات الخاطئة التي تنقل الفيروس جنب نفسه الإصابة به، فالاستقامة هي الحاجز الأول ، لأنها تعني البحث عن الصراط القويم ، والبعد عن كل درب معوج موبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق