مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم: من خلال سيرته

بسم الله الرحمن الرحيم

 


بقلم: الباحث: د. محمد بن علي اليولو الجزولي*

      الحَمْد لله الذي اختصَّ نَبيَّه سيِّد المُرسلين بِالمُعجِزَات البَاهِرة، والخَصَائِص التي أَشْرَقَت إشْرَاق البُدور السَّافرة، فانْشَرحت لهَا صُدور قَوْمٍ مُؤمنين ، وقُلوب طَائفةٍ آمِنين، فازْدَادُوا إيمانًا مع إيمَانهم، والصَّلاة والسّلام عَلى المَوصُوف بِجميل السِّمات والخَصَائص، الذي لم تَر العَيْنُ قَبْله ولا بَعْده مِثله في كَمال الصِّفات والفَضَائل.

      وَبَعْد؛   فَقَد أَكْرم الله عَزَّ وجل نَبِيه مُحمد صلى الله عليه وسلم بِخَصَائص لم يُعْطِها غيره من الأنبياء والرسل عليهم السلام، ولا الناس أجمعين، وفي ذلك يقول الناظم:

نمتك إِلى المَجْدِ الأَصِيلِ خَصَائِصٌ ** يقصرُ عَنْها نَجْلُ زيدٍ وَحَاجِبِ[1] 

       إن الخصائص النبوية تعد موردا أصيلا أثيلا في علم السيرة النبوية، لما تحويه من مادة عظيمة لا يُستغنى عنها دَارس السيرة النبوية؛ حيث نجد أنها تتناول كل ما يتعلق بذاته الشريفة صلى الله عليه وسلم سواء في الدنيا والآخرة: من الواجبات، والمباحات، والمحرمات، والفضائل والكرامات، وما اختص به في أمته في الدنيا والآخرة أيضا من الفضائل، والكرامات، والدرجات، والخصوصيات.

      ونظرا لهذه الأهمية فقد اهتبل العلماء بهذا العلم الشريف ، وأولوه ما يستحقه من العناية والرعاية التامة؛ وذلك حبا في الجناب النبوي، والمقام المصطفوي، ورعاية لحقوق النبوة المعظم، فأفردوه بالتأليف نظما ونثرا، ومن بين هذه الأعمال نذكر على سبيل المثال لا الحصر: نهاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لابن دحية الكلبي (633هـ)، وبداية السول في تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم للعز بن عبد السلام (660هـ)، وغاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لسراج الدين عمر ابن الملقن (804هـ)، ومرشد المحتار إلى خصائص المختار، لمحمد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي الحنفي (ت 953ﻫ)والخصائص الكبرى للسيوطي (990هـ)….وغيرها.

      وقد أوردت في مقالي هذا جملة من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي ذكرت في سيرته العطرة، مع اعتماد ما صح منها، وقبل ذلك لابد من تعريف موجز للخصائص لغة واصطلاحا.

أولا: تعريف الخصائص لغة واصطلاحا:

أ ـ الخصائص لغة:

 قال الفيروزآبادي في القاموس:” (خَصَّهُ) بالشيء خَصًّا، وخُصوصًا وخُصوصِيَّةً ويُفْتَح وخِصِّيصَى، وَيُمَدُّ وخَصّيَّةً وتَخِصَّةً: فَضَّلَهُ”[2]. وفي لسان لعرب لابن منظور:” خصه بالشيء يخُصه خَصًّا وخُصوصًا وخَصُوصيَّةً وخُصوصية (خصص) والفتح أفصح وخصيصى وخصصه، واختصه: أفرده به دون غيره ويقال: اختص فلان بالأمر وتخصص له إذا انفرد”[3].

ب ـ الخصائص اصطلاحا: وهي الفضائل والأمور التي خص الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم وامتاز بها على سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وسائر البشر”[4].

وخصائصه صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما اختص به صلى الله عليه وسلم عن جميع الأنبياء عليهم السلام، وهذا لا يشاركه فيه أحد.

القسم الثاني: ما اختص به صلى الله عليه وسلم عن الأمة، وهذا قد يشاركه فيه أو في بعضه الرسل عليهم السلام .

بعض من خصائصه صلى الله عليه وسلم:

ثانيا: نماذج من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم من خلال سيرته ومغازيه.

1 ـ أن الله تعالى أباح له الصفي من الغنائم:

      وهو ما يصطفيه النبي صلى الله عليه وسلم، ويختاره لنفسه قبل القسمة، قال ابن الملقن في غاية السول:” اصطفاه: ما يختاره من الغنيمة قبل قسمتها من جارية أو غيرها، ويسمى المختار الصفي والصفية، والجمع الصفايا، ومن صفاياه صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي؛ اصطفاها واعتقها وتزوجها”[5].

2 ـ إباحة دخوله صلى الله عليه وسلم مكة من غير إحرام:

      قال ابن الملقن:” وأفاده صاحب المغني من الحنابلة أن له عليه الصلاة والسلام خمس الخمس وإن لم يحضر :” دخول مكة بغير إحرام: نقله صاحب التلخيص وغيره وفي جوازه لغيره من غير عذر خلاف ودليل ما ذكرناه ما أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء من غير إحرام) [6] وعبر القضاعي في عيون المعارف بالحرم بدل مكة وهو المراد هنا وذكر أن ذلك مما خص به دون من قبله من الأنبياء”[7].

3 ـ أن الله تعالى أباح لرسوله صلى الله عليه وسلم القتل لمن سبَّه أو هجاه:

      ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم، أن الله سبحانه وتعالى أباح له دون غيره سفك دماء بعض المشركين في مكة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه :” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه[8].      

       وقد أحلها الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار كما ورد في الصحيح قال: ( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، لا يحل لامرئ يؤمن الله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فيها، فقالوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب ) [9].

 4 ـ نزع لامة الحرب (الدرع):

     وممّا حرم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكذلك إخوانه الأنبياء عليهم السّلام -دون غيره من الأمّة- أنّه إذا لبس لامة الحرب وعزم على الجهاد في سبيل الله  أن ينزعها ويقلعها حتّى يلقى العدوّ ويقاتل.

      ودليل ذلك ما روى جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا منحرة، فأولت أن الدرع الحصينة المدينة، وأن البقر نفر، والله خير)،  قال: فقال لأصحابه: (لو أنا أقمنا بالمدينة فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم)، فقالوا: يا رسول الله، والله ما دخل علينا فيها في الجاهلية، فكيف يدخل علينا فيها في الإسلام؟ – قال عفان في حديثه: فقال: ” شأنكم إذا ” – قال: فلبس لأمته، قال: فقالت الأنصار: رددنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، فجاءوا، فقالوا: يا نبي الله، شأنك إذا، فقال: ( إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل)[10].

قال الحافظ ابن كثير:” قال عامة الأصحاب: إن ذلك كان واجبا عليه، وأنه يحرم عليه أن ينزعها حتى يقاتل”[11].

 ******************

لائحة المصادر والمراجع

1ـ الجامع الصحيح المختصر: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، دار ابن كثير ، اليمامة، بيروت، ط2 ، 1407هـ/ 1987م.

2ـ الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم: لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي ط1، الشركة الجزائرية اللبنانية، الجزائر،1427هـ/2006 م .

3ـ القاموس المحيط: لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي، بيروت، دار الجيل، د. تا.

4ـ المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ت: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، دار طيبة، الرياض، ط1، 1427هـ/2006م.

5ـ المسند: لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، ت: شعيب الأرنؤوط، وعادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط1، 1421 هـ / 2001 م.

6ـ خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء: للصادق بن محمد بن إبراهيم، مكتبة دار المنهاج ط2، 1426هـ.

7ـ ديوان بن الخطيب: لسان الدين  محمد بن عبد الله بن الخطيب السلماني الأندلسي ، ت: محمد مفتاح، دار الثقافة ، الدار البيضاء،ط1، 1989م.

غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم: لأبي حفص عمر بن علي الأنصاري الشهير بابن الملقن، تحقيق : عبد الله بحر الدين عبد الله، دار البشائر الإسلامية، بيروت ، 1414هـ / 1993م.

9ـ لسان العرب: لمحمد مكرم بن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت، ط1، د.تا.

10ـ مرشد المحتار إلى خصائص المختار صلى الله عليه وسلم: لمحمد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي الحنفي، ت: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1،1428هـ/2007م.

 

هوامش المقال:

****************

[1]  ـ ديوان لسان الدين بن الخطيب (1 /62).

[2]  ـ القاموس المحيط (2 /300).

[3]  ـ لسان العرب (7 /24).

[4]  ـ خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء، د. الصادق بن محمد بن إبراهيم (ص:16).

[5]  ـ غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم (ص: 30).

[6]  ـ أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب:الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام (1 /616)(رقم: 1358) بلفظ:” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة. وقال قتيبة: دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام”.

[7]  ـ غاية السول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم (ص: 32).

[8]  ـ أخرجه البخاري في صحيحه كتاب: الحج باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام (2 /655)(1749)، ومسلم في صحيحه كتاب: الحج باب: جواز دخول مكة بغير إحرام(1 /616)(1357) واللفظ للبخاري.

[9]  ـ أخرجه البخاري في صحيحه كتاب: المغازي، باب: منزل النبي صلى الله عليه و سلم يوم الفتح (4 /1563)(4044).

[10]  ـ أخرجه أحمد في مسنده (23 /100)( 14787).

[11]  ـ الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (ص: 205).

*راجعت المقال: الباحثة خديجة أبوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق