مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

ثابت بن قيس بن شماس خطيب النبي صلى الله عليه وسلم

 

 

إعداد وتقديم: ذ/ نافع الخياطي.

هو: ثابت بن قيس بن شمَّاس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس الخزرجي الأنصاري أبو محمد «خَطِيبُ» الأَنْصَار، ويقال له أيضا «خَطِيبُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم».

كان رضي الله عنه من نُجَبَاءِ الصَّحَابَة، ولم يَشْهَدْ بَدْراً، وَشَهِدَ أُحُداً وبيعة الرِّضْوَان.

قال ابن إسحاق: «قيل: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عمَّار، وقيل: بل المؤاخاة بين عمَّار وحذيفة. وكان جهير الصوت، خطيبا، بليغا([1]).

روى الترمذي بإسناد على شرط مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نِعْمَ الرجل ثابت بن قيس بن شمَّاس»([2]).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خَطَبَ «ثابت بن قيس» مقدم رسول صلى الله عليه وسلم المدينة، فقال: «نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا؟».

قال صلى الله عليه وسلم: «الجنة». قالوا: رضينا.

وروى مسلم في صحيحه([3])، عن أنس بن مالك، قال:       

لَمَّا نزلت هذه الآية: (يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيء)([4]) الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته، وقال: أنا من أهل النار.

واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ فقال: «يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ اشتكى؟».

قال سعد: إنه لجاري، وما عَلِمْتُ له بشكوى.

قال: فأتاه سعد، فذكر له قَوْلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال ثابت: أُنْزِلَتْ هذه الآية، ولقد علمتم أَنِّي من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا من أهل النار.

فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل هو من أهل الجنة !!».

قلتُ: وهذه منقبة عظمى.. وفضل كبير.. وتعظيم عظيم لشأن هذا الصحابي الجليل «هنيئا له».

وأخرج مالك وغيره: عن ابن شهاب، عن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس: أن ثابت بن قيس قال: «يا رسول الله ! إني أخشى أن أكون قد هَلَكْتُ، ينهانا الله أن نُحِبَّ أن نُحْمَدَ بما لا نفعل([5])، وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الحَمْد. وينهانا الله عن الخُيَلَاء([6])، وإني امْرُؤٌ أُحِبُّ الجمال، وينهانا الله أن نَرْفَعَ أصواتنا فوق صوتك([7])، وأنا رجلٌ رفيع الصوت..

فقال صلى الله عليه وسلم: «يا ثابت! أما ترضى أن تعيش حَمِيداً، وتُقتل شهيداً، وَتَدْخُلَ الجنة؟»([8]). إسناده قوي([9]).

العبر المستخلصة من هذه القصة:

1-   الفصاحة، والمعرفة العميقة، وَقُوَّةُ الحُجَّة والإقناع، تُؤَهِّلُ صَاحِبَها للمهام العِظَام.

2-   قُوَّةُ المحبَّةِ وَشِدَّةُ الرَّوَابط تُوجِبُ المُؤَاخَاة بين الأَشبَاهِ والنظائر.

3-   جَهَارَةُ الصَّوت أساسيةٌ لإِبْلَاغِ الخطاب، وتوضيح المعاني.

4-   الأقوال والأفعال المحمودة تُوجِبُ حُسْنَ الثَّنَاء.

5-   محبَّةُ الصَّحابة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم جعلتهم يُؤْثِرُونَهُ على أنفسهم.

6-   جَوَازُ اشتراط تَبَادُلِ المصالح والمنافع.

7-   حُسْنُ آداب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

8-   احْتِبَاسُ ثابت بن قيس في بيته يُعَدُّ من باب سَدِّ الذَّرائع.

9-   تَفَقُّدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه، والبحث عن أحوالهم.

10- الإِحْسَاسُ بارتكاب الذَّنْبِ لاَ يَصْدُرُ إِلاَّ عن طَيِّبِ النَّفْسِ، قَوِيِّ الإِيمان.

11- ارتكابُ المخالفات تَدْفَعُ المؤمن إلى تَوَّقُّعِ المَحَاذير.

12-  سلامةُ الصَّدْرِ، وَقُوَّةُ اليقين، يَنَالُ بهما المؤمن حُسْنَ الجزاء.

13- القَتْلُ على الشهادة مِنْ إِخبار القرآن، ومُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّة.

 


([1])  انظر: سير أعلام النبلاء؛ للإمام شمس الدين الذهبي: 3/ 190.

([2]) سنن الترمذي، باب مناقب معاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأُبي [بن كعب]، وأَبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم- حديث رقم: 3795. وبهامشه: «أخرجه ابن سعد: 3/ 605، وأحمد: 2/ 419، وفي فضائل الصحابة، له (197) و(354)، والبخاري في الأدب المفرد (337)، وابن أبي عاصم في السنة (1244)، والنسائي في الكبرى (8230) و(8243)، وفي فضائل الصحابة (126) و(139)، وابن حبان (6997) و(7129)، والحاكم: 3/ 233 و268 و289 و425...وصحيح الترمذي؛ للعلامة الألباني: (2984)».

([3]) كتاب الإيمان، بَابُ مَخَافَةِ المؤمن أن يُحْبَطَ عَمَلُه. رقم الحديث: (119)، 1/ 65.

([4]) سورة: الحجرات، آية: 2.

([5]) في قوله تعالى: (لاَ يَحْسِبَنَّ الذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا).  سورة: آل عمران، آية: 188.

([6]) في قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور). سورة: لقمان، آية: 18. وقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورا). سورة: النساء، آية: 36.

([7]) في قوله تعالى: (لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيء). سورة: الحجرات، آية: 2.

([8]) صحيح البخاري، كتاب المناقب- باب علامات النبوة في الإسلام: 4/ 201.

([9]) من كتاب: (صور ومواقف من حياة الصحابة)؛ لمؤلفه: سعد يوسف أبو عزيز، ص: 128، 129. ولمزيد من الاطِّلاع على هذه القصة، انظر المؤلفات التالية: المعجم الكبير؛ للطبراني: 2/ 70. دلائل النبوة؛ للبيهقي: 6/ 354- 355- 366. الاستيعاب؛ لابن عبد البر: 1/ 101- 102. أسد الغابة؛ لابن الأثير، حرف الثاء: 1/ 451. مجمع الزوائد؛ للهيثمي: 9/ 321- 322. سير أعلام النبلاء؛ للإمام الذهبي: 3/ 190- 191.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق