مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكتراث

تقريب نظم ابن عاشرشذرات من شرح العلامة الشيخ أبي عبد الله محمد بن قاسم جسوس على توحيد ابن عاشر:(1)

و”عَقْد”: مصدر عقد يعقد إذا جزم، والمراد هنا اسم المفعول؛ أي عقائد الأشعري، وعقائد الأشعري هي عقائد السلف رضي الله عنهم بعينها، وإنما أضيفت إلى الأشعري لأنه لما كان مذهب المعتزلة في وقته شائعا، وكانوا أهل رياسة منهم الولاة والقضاة، كان يقصدهم للمناظرة في مجالسهم بنفسه، ويُظهر الحقَّ وينصره بالحجج النقلية والبراهين العقلية، فنُسبت عقائد أهل السنة إليه، وقد ألف في بيان عقائد أهل السنة والانتصار لهم تآليف كثيرة. قال الشارح: “رأيت في آخر كتاب لحن العوام لأبي علي عمر بن خليل الأصولي الإشبيلي ثم التونسي أن الإمام أبا الحسن الأشعري رضي الله عنه ألف كتاب المختزن في التفسير في أربعمائة سفر، وقد بلغت تواليفه ثلاثمائة وثمانين تأليفا وأزيد”[17]. انتهـى.

وكان أهل السنة يُلَقَّبون قبل ظهوره بالمُثْبِتة لأنهم أثبتوا ما نفت المعتزلة من الصفات الواجبة له تبارك وتعالى كصفات المعاني، وغير ذلك كخلقه تعالى لأعمال العباد وعموم تعلق إرادته سبحانه، وأن القرآن كلامه غير مخلوق، وأن الله تعالى يُرى في الدار الآخرة، وسؤال الملكين، والصراط، والميزان، والشفاعة في خروج من دخل النار من عصاة الموحدين، فصاروا يُلَقَّبون بعد ظهوره بالأشاعرة والأشعرية، ولم يفعل ذلك السلف قبله لعدم شهرة أهل البدع في وقتهم، ومن كان منهم لم تكن له صولة ولا رياسة ولا تقدُّم على الناس، وقد شارك الإمامَ الأشعري رضي الله عنه في نصرة الدين و[الذب][18] عن عقائد المسلمين جماعةٌ من شيوخ أهل السنة، كابن مجاهد المتكلم وأبي الحسن الباهلي صاحبَي الأشعري، وكعبد الله بن سعيد بن كُلَّاب، وأبي العباس القلانسي، والأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني، وأبي بكر بن فورك، والقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني، وأبي المظفر الاسفرايني صاحب الأوسط، وإمام الحرمين، وشيخه أبي القاسم الاسفرايني صاحب الأستاذ أبي اسحاق، وغيرهم من رجال الله المُعْتَنِين بالرد على المبتدعة والمناضلة عن الدين بالبراهين القطعية والقواطع السمعية، وكشف فضائحهم على مدى الدهر، وردِّ كيدهم في نحورهم، وقد سبقهم إلى ذلك علماء الحديث مثل البخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي وابن حنبل وابن ماجة والنسائي وابن حبان وابن خزيمة وإبراهيم الحربي والدارقطني والبيهقي وأبي نُعيم أحمد بن عبد الله الحافظ وأبي بكر بن ثابت بن الخطيب والحافظ بن عبد البر وغيرهم ممن اعتنى بالرد على المبتدعة وإبطال أهوائهم بالأحاديث النبوية والآيات القرآنية، والأشعريون إنما هم ناصرون لأهل الحديث بما رتبوه من الحجج القطعية وأبدوه من البراهين العقلية، فجزاهم الله تعالى جميعا عن الإسلام وأهله خيرا.

ونقل الأُبِّي عن الآمدي: “كان الناس على عقد واحد من الاعتقاد حتى نبع جهم ومعبد وشيعته آخر زمان الصحابة أن الأمر أنف، فلم تزل مذاهب أهل الأهواء حتى بلغ الاختلاف والفرق إلى ثلاثة وسبعين فرقة كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فكان كذلك، وهو من معجزاته وآياته”[19]. انتهى. يشير إلى قوله في الحديث: (افترقت بنو إسرائيل على اثنين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين الناجي منها واحدة)[20]. قال الإمام المنجور[21] في حواشيه على شرح الكبرى: قال الآمدي: الاثنان والسبعون: عشرون منها معتزلة، واثنان وعشرون شيعة، وعشرون خوارج، وخمسة مرجئة، وثلاثة نجارية، وواحدة جبرية، وواحدة مشبهة، قال: وما سوى ذلك من أرباب البدع راجع إلى بعضها[22]. وقد عد الفرق آخر المواقف فانظره[23]. وقد ذكر الرُّشَاطي[24] بسند متصل إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿وان جندنا لهم الغالبون﴾[25]، قال: هم أهل السنة والجماعة. انتهـى بنقل الإمام المقري في كتابه أزهار الرياض[26].

والأشعري هو الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل بن بشر بن إسحاق بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسم أبي موسى عبد الله بن قيس، وبين أبي الحسن وأبي موسى ثمان وسائط، وقد تجاذبته المالكية والشافعية، فذكره عياض في مداركه من المالكية، وذكره السبكي في طبقاته من الشافعية، ورَدَّ على من قال إنه من المالكية، ويقال أنه صلى الفجر بوضوء العشاء عشرين سنة، وقد صَنّف الحافظ أبو القاسم بن عساكر في مناقبه مجلدا. مولدُه سنة سبعين وقيل ستين ومائتين بالبصرة، وتوفي سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة ببغداد، ودفن بين الكرخ وباب البصرة.

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق