مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعناية المغاربة بها -نظرة في حركة التأليف

 

 


إعداد: يوسف أزهار

الحمد لله رب العالمين، المصلي على نبيه الكريم، وكذا ملائكته المقربين -مِنَ الله رحمة، ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله- الذي أمر سبحانه وتعالى المؤمنين بالصلاة والسلام عليه، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 أما بعد:

فإن الله عز جل أنعم على البشرية بأن بعث فيهم رسلا مبشرين ومنذرين، واصطفى منهم خيرته من خلقه: محمداً صلى الله عليه وسلم، لينقلهم من ذل العبودية للمخلوق، وضنك المعيشة، وعمى البصيرة إلى عزِّ العبودية للخالق، وسعة المعيشة، ونور البصيرة.

ولما تحققت هذه النعم الجليلة وغيرها، كان النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فأوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين مجموعة من الحقوق، منها: الصلاة والتسليم على البشير النذير، والسراج المنير، والرءوف الرحيم، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

واستحضار اسمه صلى الله عليه وسلم في المجالس والصلاة عليه: يفتح العقول، وينير القلوب، ويبهج النفوس، ويرطب الألسن، ويرسخ الإيمان، وهي من أجلِّ العبادات، وأعظمها عند الله تعالى، لأن منزلة النبي صلى الله عليه عند الله سبحانه وتعالى جليلة، فهو صلوات ربي وسلامه عليه خليل الرحمن.

والكلام بالتفصيل عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلتها وحكمها مبسوط في كثير من الكتب، ليس أوان إيرادها في هذا المقال، وإنما أحصر حديثي فيه على عناية المغاربة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تصنيفا[1]، والتصنيف في هذا الموضوع عموما ينقسم إلى قسمين: قسم يتعلق بفضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقسم يتعلق بصيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

فأما القسم الأول: الذي يتعلق بفضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمنهم من بثَّ الأحاديث النبوية وآثار الصحابة التي جاءت في فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم[2]، ومنهم من أفرد فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالتأليف[3]، ومنهم من نقل أقوال العلماء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم[4].

وأما القسم الثاني: الذي يتعلق بصيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد تعددت التآليف المغربية في هذا القسم على وجه الخصوص، ويمكن تجزئة هذا النوع من التصانيف -وفق مناهج مؤلفيها- إلى نمطين، الأول: يندرج فيه التصليات المأثورة، والثاني: يندرج فيه التصليات المصنوعة:

فأما النمط الأول: فقد تضمن صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم المأثورة عن الصحابة والتابعين، ومن هذا النمط: كتاب الفوائد المتناثرة من الأحاديث المروية والصلاة والسلام على خير البرية لعامر بن الحسن بن الزبير الحسيمي كان حيا عام ( 1023هـ)[5].

وأما النمط الثاني: فقد تضمن صيغا أنشأها أصحابها، لم تكن معروفة من قبل، وقد رتبها كل مؤلف وفق منهجه الخاص، إما على الأسماء الحسنى، أو الأسماء النبوية، أو الحروف المعجمية بالترتيب المغربي أو المشرقي[6]. ومن الكتب المنضوية تحت هذا النمط، والتي ذاع صيتها في المشرق والمغرب وانكب العلماء على خدمتها:

الصلاة المشيشية لعبد السلام ابن مشيش، المتوفى عام (625 هـ).

صلوات أبي الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي، المتوفى عام (656 هـ). 

ذخيرة المحتاج في الصلاة على صاحب اللواء والتاج لمحمد المعطى بن محمد الصالح الشرقي البجعدي، المتوفى عام (1180 هـ).

ولما كانت الكثرة تفيد العناية، فقد زخرت خزائن الكتب المغربية الخاصة منها والعامة على مؤلفات عديدة، وإن كان قد طبع النزر اليسير منها، فأغلبها لا يزال مخطوطا، وحري بالمهتمين بالتراث المغربي أن يولوا هذا الباب من التأليف بأهمية كبيرة، لأن درجة من أُلف عنه عظيمة، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

*****************

مراجع المقال 

– طبقات الحضيكي: محمد بن أحمد، تحقيق: أحمد بومزكَو، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى:  1427/ 2006.

– فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لإسماعيل بن إسحاق البغدادي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة الثالثة: 1977.

– فهرس ما لم يفهرس من المخطوطات العربية لأحمد بن عبد الكريم نجيب، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، القاهرة، الطبعة الثانية: 1429/2008.

– قبس من عطاء المخطوط المغربي محمد بن عبد الهادي المنوني، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى: 1999.

– المعسول لمحمد المختار بن علي بن أحمد الإلغي السوسي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى:  1383/1963 .

 

هوامش المقال:

*************

[1] – كتب محمد بن عبد الهادي المنوني المتوفى عام (1420 هـ) رحمه الله تعالى مقالا ضمن كتاب قبس من عطاء المخطوط المغربي 2 /826_847، سماه: مؤلفات مغربية في الصلاة والتسليم على خير البرية أورد فيه جملة من الكتب التي ألفها علماء المغرب العربي، كما أشار رحمه الله تعالى إلى مكان وجود ما هو مخطوط منها، وما هو مطبوع طباعة حجرية، وإن كانت بعض الكتب طبعت طبعات حديثة. فالمقال غزير الفوائد فليرجع إليه القارئ الكريم.

[2] – وهي المصادر الحديثية كالصحيحين، والكتب الستة، وغيرها.

[3] – الذي حاز قصب السبق في هذا الموضوع هو شيخ المالكية القاضي إسماعيل بن إسحاق البغدادي المتوفى عام (282 هـ)، فقد ألف كتابا عنونه بـ: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، طبع في المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثالثة: 1977، بتحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ثم تتابعت التصانيف في ذاك الموضوع. 

[4]- فهذا الإمام محمد بن أحمد الحضيكي، المتوفى عام (1189 هـ) نقل في طبقاته 1 /184 ما نصه: “سئل رضي الله عنه -يعني: محمد بن يوسف السنوسي المتوفى عام (895 هـ)- عن قول أبي إسحاق الشاطبي: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة لا ترد، هل هو صحيح؟ فأجاب: بأنه مشكل؛ إذ لو قطع بقبولها لقطع للمصلي عليه صلى الله عليه وسلم بحسن الخاتمة. ويجاب بأن معنى القطع بقبولها، أنه إذا ختم له بالإيمان وجد حسناتها مقبولة لا ريب فيها، بخلاف سائر الحسنات لا وثوق بقبولها وإن مات صاحبها على الإيمان.

ويحتمل أن قبولها على القطع إذا صدرت من صاحبها محبة في النبي صلى الله عليه وسلم، فينقطع بانتفاعه بها في الآخرة، ولو بتخفيف العذاب عنه إن قضى عليه به، ولو على سبيل الخلود المؤبد لعظم محبته صلى الله عليه وسلم”.

وقال المؤرخ الوزير محمد المختار بن علي بن أحمد الإلغي السوسي، المتوفى عام (1383 هـ) رحمه الله نقلا في موسوعته المعسول 7 /62 ما نصه: “اعلموا أن الصلاة على النبي الأكرم، والرسول المعظم، من أشرف القربات وأفضل الأعمال الصالحات، وأرجى في قبول الحسنات، من مولانا رفيع الدرجات، فلذا أمرنا بها”

[5] – مخطوط بالخزانة المحجوبية بسوس. فهرس ما لم يفهرس من المخطوطات العربية في الخزانات الخاصة بالمملكة المغربية لأحمد بن عبد الكريم نجيب ص: 85 .

[6] – مؤلفات مغربية في الصلاة والتسليم على خير البرية ضمن: كتاب قبس من عطاء المخطوط المغربي للفقيه المنوني 2 /834. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق