البَيانُ في سُورةِ(الكَافرونَ): (بَيانُ التَّكرَار).
...ومِنْ ذَلِكَ التكْرارُ في سُورَة (الكافرُونَ). حَيْث تكرّرَ الجذْرُ اللُّغَويّ: (عبد)، ثمَاني مَرّاتٍ بصِيَغٍ مُختلفَةٍ: (أَعْبُد- تَعْبُدُون - عَابِدُون - أَعْبُد - عَابِدٌ - عَبَدتُمْ - عَابدُونَ - أعْبُد) . وذَلكَ في ستِّ آيَاتٍ قَصيرَاتٍ.
و رُ بَّمَا سَاعَدَ سَببُ نُزول السُّورَةِ، في فهْم دَلالةِ التكْرَار فيهَا.فَقَدْ ذُكرَ أنَّ جَمَاعَةً منْ رُؤُوسِ المُشركينَ، عَرَضُوا عَلَى النّبيِّ عَليهِ السَّلامُ أنْ يَعْبُدَ آلهَتَهُمْ سَنَةً ،ويَعْبُدُوا هُمْ إلَهَهُ سَنَةً. فكاَنَ الجَوَابُ بهَذَا النَّفي الزَّاجِرِ الجَازم، و هَذَا التّكْرَار التَّأكيدِيِّ الحَاسِم.
وأنْتَ إذَا أخَذْتَ تلكَ الصِّيَغ عَلى مُخْتَصَرٍ مِن القوْل، قُلْتَ إنَّ التكْرارَ فيهَا قَائِمٌ في الأصْلِ عَلَى صيغَتَيْن اثنتين: الفعْـلُ المُضَارعُ:(أعْبُدُ – تعْبُدُونَ)، واسْمُ الفاعِل:(عَابدٌ –عَابدُونَ). أمَّا عَلى الصِّيغةِ الأولَى، فإنَّ المُضَارعَ فيها يَدُلُّ عَلَى الحَال الحَاضر؛ حَيْثُ نفَى النَّبيُّ ،صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، عَنْ نفْسِهِ أنْ يَعْبُدَ آلهَتَهُمْ في الحَاضِر الحَاصِل مِنَ الزَّمَن، كَمَا يَعْبُدُونَها هُمْ في الحَاضر منَ الزَّمَن.
لكنَّ الانْتقَالَ إلى صِيغَةِ اسْم الفَاعِل، نَقَلَ الدَّلالَة مِنَ الحَاضِر إلى المُسْتَقبَل، بإضَافَةِ مَزيَّةٍ بيَانيَّةٍ في غَايَة مِنَ الدِّقّة؛ ذلكَ هُوَ التَّنْوينُ في (عَابدٌ) عَلى المُفْردِ، والنُّونِ في (عَابدُونَ ) عَلى الجمع المُذَكَّر السَّالم، وَالَّذي، في الغَالبِ مِنْ أحْوَالِهِ، يُخَلِّصُ اسْمَ الفَاعِل للدَّلالَةِ عَلى المُسْتـقبَل، ويَمْنعُ دَلالتَهُ عَلى المَاضي. فأنْتَ تقُولُ:(أنا كَاتبُ الرّسالةِ)، فَتكُونُ الكتابَةُ قدْ حَدَثتْ في الـمَاضِي، فإذَا قُلتَ بالتَّنْوين: (أنَا كَاتبٌ الرّسالةَ)،صَرَفْتَ المَعْنى خالصاً إلَى المُسْتقبَل، وَكَانَت الكتَابَةُ لمْ تحْدُثْ بَعْدُ. ويَصيرُ اسمُ الفاعِل(كَاتِبٌ)،بذلكَ عامِلاً عَملَ الفِعْل المضارعِ:(أَكْتُبُ)،فيَنصبُ الْـمَفعولَ بهِ:(الرِّسالةَ).ومِنْهُ قوْلُهُ تعَالَى ﴿وَلاَ تَقُولَنَّ لشيء اِنِّى فَاعِلٌ ذٰلك غَداً﴾. وقولُهُ تعَالى: [إِنِّى خَـٰلِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ]
وَفــي ذَلكَ يَقُول (سِـيـبَـوَيْهِ) في (الكتاب): « هَذَا بَابٌ مِن اسْمِ الفَاعلِ الّذي جَرَى مَجرَى المضَارعِ في الـمَفْعُول في المعْنَى، فإذَا أرَدْتَ فيهِ منَ المعْنَى مَا أَرَدْتَ في (يَفْعَلُ)، كانَ نكِرَةً مُنَوّناً. وذَلك قولُكَ : (هَذا ضَارِبٌ زَيْداً غَداً)، فَمعْنَاهُ وعمَلُهُ مثلُ: (هَذَا يَضْرِبُ زَيْداً غَداً)».
أمَّا الحَالةُ الثَّانيَة، حَالةُ الإضَافةِ وقَطع التَّنْوين، فَلا يُصرفُ اسمُ الفَاعِل إلَّا إلى الماضِي. يَقُولُ (سِيبَوَيْهِ):« فإذَا أخْبَر أنَّ الفعْلَ قَدْ وَقَعَ وَانقَطعَ، فهُوَ بغَيْر تَنْوينٍ ألْبَتَّةَ». ثمَّ قالَ :« لأنَّ مَعْنى الحَدِيث في قَوْلكَ: (هَذَا ضَارِبُ زَيْدٍ)،(هَذَا ضَرَبَ زَ يْداً)».وكَذلكَ النُّونُ في الجَمْع. فتَأثيرُهَا عَلى الدَّلالَةِ في الجَمْع كتَأثِير التَّنْوينِ في المفْرَد. وذلكَ في حالِ حذْفِها، وفي حالِ إثْبَاتِـها.
فإذا جَمَعْتَ الدَّلالتيْنِ؛ دَلالةَ الفعْل المُضارع عَلى الحَاضر الحَاصِل في الحَال، وَدَلالة اسْم الفَاعِل المُنَوَّن عَلى الاسْتقْبَال الآتي، تبَيَّنَ لك أنَّ هَذا التكْرَارَ بتنْويع الصِّيغَتَيْن، لمْ يكُنْ إلا لِـمَزيَّةٍ بَيَانيَّةٍ جَليلةٍ، تنْفِي عِبَادَة الشرْكِ عَن النَّبِيِّ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، نَفياً قاطِعاً يَسْتغرقُ الزمَنَ امْتدَاداً؛ حَاضِرَهُ وَالمُسْتقبَل جَميعاً. كمَا يَنْفي عَنهُمُ الإيمَانَ حَاضراً وَاسْتِقبَالاً، لذَلكَ ماتَ كُلّ أولَئكَ الجَمع مِنْ قُرَيشٍ، عَلى الشِّركِ ولمْ يَنْجُ منهُمْ أحَدٌ. قالَ(ابْنُ عطيَّة)في تفْسيرهِ: «جَاءَ البَيانُ بقَولهِ ﴿وَلٓاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾ أيْ أبَداً ومَا حَيِيتُ. ثمّ جاءَ قولُهُ ﴿وَلٓاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ ،الثَّانِي، حَتْماً عَليهمْ أنَّهُمْ لَا يُؤمنُونَ بهِ أَبَداً، كَالّذي كَشفَ الغَيْبَ».
البَيانُ في سُورةِ(الكافرُونَ): (بَيانُ الْـمُدُود)
ومن ذلك آيَاتُ سُورَة (الكافرُونَ).وهيَ سُورَةٌ يَطغَى عَليْها مَعنَيَان غَالبَان فيهَا ،همَا مَعنَى البُعْد، و مَعْنَى البَراءِ؛ في سِت آيَاتٍ، تَأخُذُكَ عنْد سَمَاعِهَا وَتدبُّرهَا، مَزيَّةٌ بيَانيَّةٌ غالبَةٌ، تتَخلّلُهَا منْ بدايَتهَا إلى نهَايَتهَا.
تلك هيَ كثْرَةُ الْـمُدُود. حَيْث تصِلُ إلى تسْعَة عَشَرَ مَدّاً، مِمّا يُقَاربُ ثُلُثَي كَلمَات السُّورَة. منْها عَشَرةُ مُدُودٍ طَويلة، إمّا بسَبَـب الهَمْـزَة، مِــــــــثْـــل:( ﻵ أعْبُدُ)، حَيثُ تُمدُّ الأَلفُ مَدّاً طويلاً مُشْبَعاً، لأنَّهَا تَلتْهَا هَمْزَة. أوْ بسَبَـب السُّكُون العَارض عنْدَ الوَقْف عَلَى فَوَاصلِ الآيَاتِ، مِثل: (الكَافرُونَ)؛ حيثُ يَنشَأُ عنْ تَسْكِينِ (النُّونِ) للوقفِ، مَدٌّ قدْ يَصلُ عِنْدَ إشبَاعِهِ إلَى ستِّ حَرَكاتٍ . والْـمَدُّ بُعْـدٌ في الأداءِ الصَّوْتيّ يَمْتدُّ فيهِ النَّفَسُ طويلاً، في تجَاوُزٍ بَارزٍ للصَّوْت الأصْلي للحَرْف، قدْ يَمْتدُّ إلَى سِتِّ حَرَكاتٍ.
هَذهِ الاسْتِطَالَةُ في مَدِّ الصَّوْت، والبُعْدُ في الوَقْع الأدَائِيِّ ،تجدُ لهُ أثـراً في الدلالَةِ عَلى بُعْدِ الكُفْر عَن الإيمَانِ، بُعْداً بحَجْم تلْكَ الـمُدُودِ. فالْكافِرُونَ بشِرْكِـهمْ أسْحَقُ بُعْداً منَ اللهِ. وَلئِنْ كانَ القُرآنُ قدْ صرَّحَ بذَلكَ تَصريحاً بعِبَارَة جَليَّة، فقالَ تعَالَى: ﴿فَسُحْقاً لَأِّصْحَـٰبِ السعير﴾، وقَالَ عزّ وجَلّ: ﴿فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُومِنُونَؐ﴾،فقَدْ لَـمّحَ إلَى ذَلكَ هُنَا تَلْميحاً بإشَارَةٍ خَفيَّة؛ تَرَى ذَلكَ جَليّاً مِنْ مُفتَتَحِ السُّورَة، في النِّداءِ بلفْظِ( يَآ أيُّهَا)،مَدّاً طَويلاً في يَاءِ النِّداءِ، وهُوَ ندَاءٌ لمْ يَأتِ بهَذِهِ الصُّورَة إلا في هَذهِ السُّورَة.
ثمَّ يَمْتَدُّ البُعْدُ الصَّوْتيّ مُتَوالياً، في انْبعَاثٍ للمُدُودِ التي ترْتفعُ في أعْطافِ السُّورَةِ، لتَزيدهُ قوَّةً تسْري فيهَا؛ وَهيَ مُدُودٌ مُنْفَصِلةٌ، تقْطعُهَا الهَمْزةُ في قُوَّةٍ وشِدَّةٍ، تُوحِي بانْفصَال التَّوْحِيدِ عَن الشِّرْكِ انْفصَالاً شَدِيداً، بَعِيدَ الغَوْر. وَتُنْبئُ عَن البَرَاءِ منْهُ، وَالقَطْع مَعَهُ قطعاً في غايَةٍ منَ الحَسْمِ وَالجَزْمِ: (لآأعْبُدُ – لآأنَا عَابِدٌ – لآأنْتُمْ عَابدُونَ – مَآ أَعْبُد).
وَتمْضي عَلَى ذلكَ حَتَّى تُخْتَمَ السُّورةُ خَتْماً، بمَدّ يَسْتلزمُ فضْلَ تأمُّلٍ؛ ذلكَ أنَّ كَلمَة(دِينِ) جَاءَت مَحْذُوفَةَ اليَاءِ رَسْماً. مِمَّا غيَّرَ حُكْمَ الوَقفِ عَليْـهَا، منَ الْـمَدّ الطَّبيعِيّ القَاصِر ، إلَى الْـمَدّ العَارِض للسُّكُون، المسْتَطِيل. لأنَّ النُّونَ المُتحَركةَ إذا وَقفْتَ عَليْهَا سَكَّنْتَهَا، فمُدَّت اليَاءُ التي قبْلَهَا كمَا تمَـدُّ الوَاوُ في (الكَافرُونَ) لنَفْسِ السَّبَب، مُشبَعةً، قدْ يصلُ مدُّها إلى ستِّ حَرَكاتٍ. وَلوْلا حَذْفُ اليَاءِ الأخِيرَةِ لـمَا حَدثَ ذلكَ. فقَولُكَ (دِينِـي) بإظهَارِ اليَاءِ في آخِرهَا، يَسْتلزمُ أنْ تَقفَ علَيْهَا بالمدِّ الطَّبِيعيّ، مَدّاً تبرُزُ معَهُ الكسرَةُ الّتي علَى النّون. فَيَكسِر ذلكَ تَناسُقَ الفَواصِل في سُكونِ أوَاخرهَا. فانْظُرْ كيفَ نَشَأَ عنْ حذْفِ تلكَ اليَاءِ، انْسِجامٌ صَوتيٌّ امتدَّ على ثَلاث فوَاصِل: ( الكَافرُونَ – تَعبُدُونَ – دِينِ).
بَيانُ الْـمَدّ والتَّكرارِ في الآيَةِ(76) منِ سُورةِ(الكَهْف):
ومنْ ذلكَ قولُهُ تعَالى في سُورَة(الكَهْف):﴿فَانطَلَقَا حتىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَة۫ 'سْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوَاْ اَنْ يُّضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَّنقَضَّ فَأَقَامَهُؐ, قَالَ لَوْ شِـئْـَـت لَتَّخَذتَّ عَلَيْهِ أَجْراًؐ﴾. حيثُ يسْتَوقفُكَ كثرةُ المدُود في الآيَة.
والمدُّ في الخِطابِ القُرْآنيّ لهُ أثَرَان: أثَرٌ لَفْظيّ وأثَرٌ دَلاليّ: فهوَ منْ جهَةٍ، يَمنحُهُ قوَّةً إيقَاعيَّة فريدَةً، ينبَعثُ بهَا الصّوتُ مُمتدّاً في الزَّمَان. وهوَ منْ جهَةٍ يَصبَغُ الخطابَ بظِلَالٍ منَ المعَاني الخَفيَّة الباطنَةِ، وأَفْياءٍ منَ الدَّلَالاتِ البَعيدَة الغَوْر وَالامْتِدَاد.
فمُوسَى عليْهِ السّلامُ، جاءَ يطلُبُ علْماً لَدُنِّيّاً؛ علماً يخْترقُ حُجُب الغيْبِ، ويُكشَفُ فيهِ لصاحبهِ عنْ حَقائق الحِكْمَة، وأسْرَار العِلَل. فبَعدَ خرْقِ السَّفِينَة وقتْل الغُلام لحِكمَةٍ لَدُنِّيَّةٍ مُسْتَغلقَة، جاءَ أوَانُ الفَجْأَةِ الثَّالثَة، بفِعْلٍ فيهِ خيْرٌ وفَضلٌ ناصحٌ جليلٌ: (إصْلَاحُ الجِدَار)،إزَاءَ فعلٍ فيهِ شرٌّ ولُؤْمٌ فاضحٌ ذَمِيم: (فَأبَوْا أنْ يُضَيّفُوهُما).
فانْظُر إلَى هَذا التَّصْوير القُرْآنيّ البَديعِ لِـمَشقَّةِ الاسْتِطعَام، وشدَّةِ وقْعِ الامْتِنَاع المتَوَاصل القَاسِي. وإنّكَ لتَجدُ تلكَ الـمُدُودَ الـمُشبَعَة الـمُترَادفَةَ، قدْ تكَاثفَتْ في أوَّل الآيَة؛ والمدُّ المشبَعُ، مدٌّ طويلٌ يَمتدُّ ستَّ حَركَاتٍ: (حتَّــيٰٓ ـــــــــــ إذَآ ـــ أتَيَآ ــــ اسْتَطْعَمَآ)،فكأنَّكَ تجدُ في ذَلكَ تعبيراً صوْتيّاً عنْ مُعَاناةٍ في الوُصُول وَالإتْيَان، ثمَّ عنِ اشْتِدادٍ في الطَّلب، وَ تحمُّل مَشَاقِّ الاسْتضَافَة، طوَافاً مُتواصلاً علَى كلِّ أهْل القَريَةِ، دُونَ جَدْوَى. جاءَ في(صحيح مُسلم): «فانْطَلقَا حتّى إذَا أتيَا أهلَ قريةٍ لئَاماً، فَطافَا في المجَالِسِ فاسْتطعَمَا أهلَهَا. فأبَوْا أنْ يُضيِّفُوهُما«.
ثمَّ انظُرْ إلى ذَلك التَّكرَار البَديعِ لِــــ(أَهْل)، في قَولهِ (أَهْلَ قريَةٍ اسْتَطعَمَا أهْلَهَا)؛فاستَغْنَى عَن الضمِيـر ، ولمْ يقُلْ (اسْتَطعَمَاهُمْ)،بل أعَادَ الاسْمَ ظاهراً مُكرَّراً. وفي ذلكَ لَفتَةٌ بيَانيَّةٌ بديعَةٌ، اسْتوقفَتِ العُلمَاء فأطَالُوا الوُقُوف. فذهبَ بعضُهُم إلى أنَّ التَّكرَار للتَّوْكيدِ، وآخرُونَ قَالُوا لأَنّ الضَّميرَ مُسْتَثقَلٌ. ومنْ أبدَع ما جَاء في ذلكَ، أنَّ تَكرَارَ (أهْل)،كانَ لبيَان أنَّ الاسْتطعَامَ عمَّ أهْلَ القريَة جَميعاً، لا بعْضاً منهُمْ. قَالَ ذلكَ(أبُو حيَّان الأندَلسيّ)في(البَحْر المحِيط). وقبْلهُ قالَ(تَقيّ الدّين السّبْكي)في المسْألَة:«فَأَتى بالظَّاهِر ،اسْتِشعَاراً بتَأكيدِ العُمُوم فِيهِ، وأنَّهُمَا لمْ يتْرُكَا أحَداً منْ أهْلِهَا حتَّى اسْتَطعمَاهُ، فأبَى.ومعَ ذلكَ قابَلاهُمْ بأحْسَن الجَزَاءِ».
وهَكذَا يَتجَلَّى لنَا كيْفَ سَاهَمَت اسْتطالَةُ المدُود، وتَكرَار اللَّفْظ، في بَيَان أنَّ تَحمُّلَ المشقَّة، والصَّبرَ عَلى أذَى النَّاس، في جَهْلهِمْ وعُنْفِ إعْرَاضهمْ، بَلْ مُكافَأة ذلكَ بنَقيضِهِ منَ الخيْـر والحِلْم والفَضْل، منْ ورَائهِ حِكَمٌ ربَّانيّةٌ بالغَةٌ، وأنَّهُ يُثمرُ آثاراً لا يُقدّر مَقادِيرَها إلا رَبّ العالَـمينَ. وإذَا بكَ تَصحُو في رُوعِكَ هَواتفُ ذَاكرَةٌ، وإذَا أنْتَ تذْكُرُ أحَاديثَ شَريفةً، عَظيمَةً جَليلةً، منهَا: «صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ».
جزاك الله عنا كل خير شيخنا الفاضل ونفع بك البلاد والعباد