مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

أخلاق آل بيت النبوة عليهم السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه

 

  

د. محمد علي اليُولو الجزولي

باحث بمركز ابن القطان

مقدمة: 

     إن أهل البيت عليهم السلام معدن الأخلاق وأساسها، وجُؤْنَة[1] الفضائل ومنجمها؛ ذلك أن أخلاقهم، وفضائلهم متصلة بصلب الشريعة وقوامها، وكيف لا يكونون كذلك وقد خصَّهم الله تبارك وتعالى بالذكر الجميل في غير ما آية بالمودة، والتوقير، والطهارة، وغير ذلك من الشيم؟ قال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [2].

      وكيف لا ينالون هذا الشرف العلي وهم آل أفضل الرسل؟ وهم وصية الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: " أُذَكِّرُكُمْ الله في أهل بيتي"[3]، وكرّر ذلك ثلاث مرات، وهم أبناؤه وأحباؤه، وهم نسل بضعته البتول فاطمة عليها السلام سيدة نساء أهل الجنة، وهم نسل سيِّدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام، فمن ثبتت له المزية لأصله، ثبتت كذلك لفرعه.

      ولهذا فمحبتهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق، حيث ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله"[4]، ومن حبهم الثناء عليهم، بذكر جميل أخلاقهم وشيمهم، فأسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يتقربون إليه بحب آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.  

      وقد جمع أهل البيت رضي الله عنهم من الأخلاق والشيم أصولًا وفروعًا، فكانوا أَنْجُمًا في سماء الأخلاق: شجاعةً، ونجدةً، وكرمًا، وجودًا، وسخاءً، وزهدًا، وعبادةً، وتقىً، وورعًا، وإحسانًا إلى الخلق، وترفعًّا عن الدنيا وملذتها...فصدق فيهم قول القائل:

                 كُرَماءُ والـسُّحْبُ الـغِزارُ لَئيمَـةٌ ***حُـلَماءُ حــينَ تُسَفَّـهُ الشُّجْعـانُ

 إِن جالَدوا لَفَظَ السُّيوفَ جُفونُها***أَوْ جـاوَدوا غَمَرَ الضُّيوفَ جِفانُ[5]

فما أجمل أن نتعرف على أفراد هذا البيت النبوي الطاهر، وسيرة أمهات المؤمنين الماجدات، وأن نقتفي أثرهم؛ فإنهم رضوان الله عليهم القدوة الصالحة، والنور الذي شع من بيت النبوّة، نتوسّم من خلاله تصحيح المسير، لتحقيق الهدف الأسمى ألا وهو الاستقامة على المنهج الرباني الذي ارتضاه لنا رب العزة ذي الجلال والإكرام.

      ولما كان لأهل البيت عليهم السلام كل هذه الأخلاق الكريمة، وهذه الشيم المنيفة كان الحديث عنها مقصدا  شريفا، ومطلبا لكل مسلم ، ومن ثم جاء هذا المقال ليفصح عن موضوع: "أخلاق بيت آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، وذلك من خلال التعريف بهم، وبيان من يطلق عليهم هذا الوصف شرعا، ثم بعد ذلك الحديث عن أخلاقهم، واقتصرت على بعضهم وهم: الحسن بن علي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب، وزينب بنت جحشأم المؤمنين رضي الله عنهم.

أولا: التعريف بأهل البيت رضوان الله عليهم لغة واصطلاحا.

1 ـ تعريف أهل البيت لغة:

      قال الخليل: أهل الرجل: زوجه، والتأهل: التزويج[6]. 

     وأهل البيت: سكانه، وأهل الإسلام: من يدين به[7].

     أما الآل: فجاء في معجم مقاييس اللغة قوله: "آل الرجل: أهل بيته"[8].

      وقال ابن منظور: "وآل الرجل: أهله، وآل الله، وآل رسوله: أولياؤه، أصلها: (أهل)، ثم أُبدلت الهاء همزة، فصار في التقدير (أَأْل)، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفًا"[9].

      وهو لا يضاف إلا فيما فيه شرف غالبًا، فلا يقال: آل الحائك خلافًا لأهل، فيقال: أهل الحائك.

      وبيت الرجل: داره، وقصره، وشرفه[10] ، وإذا قيل: البيت انصرف إلى بيت الله الكعبة؛ لأن قلوب المؤمنين تهفو إليه، والنفوس تسكن فيه، وهو القبلة، وإذا قيل: أهل البيت، في الجاهلية، انصرف إلى سكانه من قريش خاصة، وبعد الإسلام إذا قيل: أهل البيت، فالمراد آل رسول الله صلى الله عليه وسلم[11].

2 ـ تعريف أهل البيت اصطلاحا:

اختلف العلماء في تحديد آل النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال أشهرها:

القول الأول: هم الذين حُرِّمت عليهم الصدقة، وبه قال الجمهور من أصحاب أحمد والشافعي[12].

القول الثاني: هم ذرية النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه خاصة، اختاره ابن العربي[13]،   وانتصر له، ومن القائلين بهذا القول مَنْ أخرج زوجاته.

القول الثالث: آل النبي صلى الله عليه وسلم هم أتباعه إلى يوم القيامة، واختاره الإمام النووي من الشافعية[14]، والمرداوي من الحنابلة[15].

القول الرابع: هم الأتقياء من أمته[16].

القول الخامس: أنهم أصحاب الكِساء خاصة، وهم: علي، والحسن، والحسين، وفاطمة، وهو مذهب عامة الشيعة الإمامية[17].

والراجح من هذه الأقوال هو القول الأول، أي أن آل البيت هم الذين حرِّمت عليهم الصدقة.

ثانيا: أخلاق أهل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم.

1 ـ أخلاق الحسن بن علي رضي الله عنهما:

      هو الإمام السيد القرشي الهاشمي المدني الشهيد، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبطه، وسيد شباب أهل الجنة، أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وأمه:  فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

     حلاه الذهبي بقوله: " وقد كان هذا الإمام سيِّدًا، وسيمًا، جميلًا، عاقلًا، رزِينًا، جوَّادًا، مُمَدَّحًا، خيِّرًا، دينًّا، ورِعًا، مُحتشمًا، كبير الشأْن"[18].

          ومن مكارم أخلاق الحسن رضي الله عنه الكرم والجود ، والسعي في الإصلاح بين الناس.

      أما الجود والكرم: فكان لا يوازيه فيه أحد ، ومن أمثلة كرمه رضي الله عنه أنه سمع ذات يوم رجلا إلى جنبه يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف، فبعث بها إليه[19].

       وعن علي بن جُدعان قال: " حج الحسن بن علي خمس عشرة حجة ماشيا، وإن النجائب لتقاد معه، وخرج من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرات "[20].

      أما خلة الإصلاح بين المسلمين، والحرص على وحدتهم، وجمع كلمتهم، وحقن دمائهم، فقد نال الحسن رضي الله عنه القِدح المُعَلَّى في ذلك،  حيث سعى في الصلح بين أهل العراق، وأهل الشام، فصدق فيه قول جده صلى الله عليه وسلم:" إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"[21]، على الرغم أن الحسن رضي الله عنه كانت معه الجيوش العظيمة؛ لكن مع ذلك تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه حفاظا على مصلحة المسلمين، فسمي ذلك اليوم :" بيوم الجماعة"، فأي خلق ، وأي فَضْل بعد هذا؟

2 ـ أخلاق جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه:

      هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

      أسلم بعد خمسة وعشرين رجلا وقيل بعد واحد وثلاثين[22]، وهاجر إلى الحبشة، فكان سببا في إسلام النجاشي ومن تبعه على يديه، وأقام جعفر عنده، ثم هاجر منها إلى المدينة، فقدم والنبي صلى الله عليه و سلم بخيبر، فاجتمعت للنبي صلى الله عليه وسلم فرحتان: فرحة بفتح خيبر، وفرحة بمقدم جعفر وإخوانه المهاجرين من الحبشة.

      وقد جمع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه الأخلاق والمكارم كلها، حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:" أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي"[23] ؛ لكن انفرد بخصلتين ملازمتين له هما: الشجاعة والكرم.

     أما الشجاعة والبأس: فهو ابن بَجْدَتِها، والحامل لرايتها، شهد له بذلك الأعداء، فقد أبلى البلاء الحسن في غزوة مؤتة ضد الروم، فبعد مقتل أمير الغزوة زيد بن حارثة رضي الله عنه، اقتحم جعفر عن فرسه الشقراء، ثم عقرها فأنشد:

    يا حبَّـذا الجنـةُ واقترابُهـا***طيـبـةً وبـارداً شـرابُــهـا

والرومُ رومٌ قد دنَا عذابُها***كافـرةٌ بـعيدةٌ أنـسـابُـهـا

عَــلَــيَّ إذا لاقـيـتُـهـا ضـرابُـهـا[24]

      ثم أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه فسقط شهيدا رضي الله عنه ، فأبدله الله جناحين يطير بهما في الجنة فسمي بجعفر الطيار، ولما التمس المسلمون جثته وُجد بها بضع وسبعون جراحة ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، كلها فيما أقبل من بدنه[25].

      أما خلق الكرم: فقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الإطعام للمساكين[26] ، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول:" ما احتذى النعال بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحد أفضل من جعفر"، يعني: في الإحسان إلى المساكين"[27].

      وقال أبو هريرة أيضا:" إن كنت لألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني ، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبى طالب ، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان فى بيته ، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة[28] التى ليس فيها شىء ، فنشقها فنلعق ما فيها "[29].

        وذكر عنه  أيضاً: " كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه فكان رسول الله   يكنيه بأبي المساكين "[30].

3 ـ أخلاق السيدة زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها:

      هي أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر بن مرة بن كثير بن غنم بن دوران بن أسد بن خزيمة، وتكنى بأم الحكم، من أخوالها حمزة بن عبد المطلب أسد الله وسيد الشهداء ، والعباس بن عبد المطلب عم النبي صلى عليه وسلم ، وخالتها صفية بنت عبد المطلب الهاشمية، أم حواري النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام الأسدي، ولها أخوان هما: عبد الله بن جحش الأسدي صاحب أول راية عقدت في الإسلام وأحد الشهداء، والآخر أبو أحمد واسمه عبد بن جحش الأعمى، وهو أحد السابقين الأولين ومن المهاجرين إلى المدينة، ولها أختان إحداهما: أميمة بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، والأخرى هي: حمنة بنت جحش من السابقات إلى الإسلام .

      وزينب بنت جحش اسم سرى في دُرَى المجد عنوانه، وغدت درَّةً مكنونة نادرة الوجود، من أرفع بيوتات قريش مكانة وسؤددا، أسلمت رضي الله عنها في بداية الدعوة، وتحملت أذى المشركين، ونالت فضل الهجرة للمدينة، فأكسبها الإسلام نبراس التقوى والعز، وغدت بزواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمًّا لكل مؤمن يوحد الله في الأرض، شاركت رضي الله عنها  مع النبي صلى الله عليه وسلم  في غزوة الطائف بعد حنين، وغزوة خيبر، ثم حجة الوداع ، وحفظت لسانها يوم الإفك عن عرض عائشة رضي الله عنها فلم تقل إلا خيرا، فحفظت لها عائشة رضي الله عنها ذلك الخلق.

       جمعت رضي الله عنها من مكارم الأخلاق أفضلها، وأسناها ، وشرَّفها الله جل في علاه بذكر قصة زواجها في القرآن الكريم، وأنزلت بسببها آية الحجاب، فأكرم به من تشريف لا يُضاهى ولا يُبارى، وكانت رضي الله عنها من النساء اللواتي حفظن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر حديثا ، واتفق الإمامان البخاري ومسلم لها على حديثين.

   كانت رضي الله عنها: صوَّامةً، قوَّامةً، سخيَّةً، تجود بكل ما تملك على فقراء المسلمين،  وكانت رضي الله عنها تنفق إنفاق من لا يخشى الفقر، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى "[31].

      بل كانت تصنع بيدها، وتدبغ، وتخرز، وتبيع ما تصنعه، وتتصدق به ، فلقبت بألقاب عدة منها: أم المساكين، ومفزع الأيتام، وملجأ الأرامل، قال ابن سعد - رحمه الله-:" ما تركت زينب بنت جحش - رضي الله عنها - درهما ولا دينارا، و كانت تتصدق بكل ما قدرت عليه ، وكانت مأوى المساكين"[32].

       فغدت بذلك قدوةً، وأسوةً، لكل المؤمنات، يقتدين بأخلاقها، وبهديها القويم.

    وقد ذُكر لها الكثير من المواقف النبيلة في دواوين الحديث، والسيرة، والتاريخ تدل على علو أخلاقها، وتؤكد على جودها، وكرمها رضي الله عنها، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله: "أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا" قالت : فكن ـ أمهات المؤمنين ـ يتطاولن أيتهن أطول يدا ، قالت : وكانت أطولنا يدا زينب ؛ لأنها تعمل بيدها، وتتصدق"[33].

      و قالت عائشة: " فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة قالت: وكانت زينب امرأة صناعة اليد فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله عز وجل"[34].

     وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانت زينب تغزل الغزل وتعطيه سرايا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخيطون به ويستعينون به في مغازيهم"[35].

هذه منقبة خالدة، وأسوة لكل النساء المؤمنات، أن يتعففن عن مد اليد، والاستجداء من فلانة وعلانة، فارفعي أختي الكريمة رأسك شامخة إن قصّرت بك نفقة الزوج، واعملي بيدك عملا شريفا يليق بك، فتكون يدك هي العليا بعملك الحلال، وتكون أسوتك أم المؤمنين زينب رضي الله عنها.

         ومن المواقف العظيمة الجليلة لأمنا زينب رضي الله عنها أنها لا تترك عطاء وردها من خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه إلا أنفقته كله على فقراء المسلمين، من ذلك " ما حدثت به برزة بنت رافع فقالت : لما خرج العطاء ، أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها ، فلما أدخل إليها قالت : غفر الله لعمر بن الخطاب ، غيري من أخواتي كانت أقوى على قسم هذا مني ، قالوا: هذا كله لك ، قالت: سبحان الله، واستترت منه بثوب، ثم قالت : صبوه واطرحوا عليه ثوبا ، ثم قالت لي : ادخلي يديك واقبضي منه قبضة، فاذهبي بها إلى بني فلان، وبني فلان من ذوي رحمها، وأيتام لها ، فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب فقالت برزة لها: غفر الله لك يا أم المؤمنين، والله لقد كان لنا في هذا المال حق ، قالت زينب: فلكم ما تحت الثوب فوجدنا تحته خمسمائة وثمانين درهما ، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا "[36].

        وإلى جانب كرمها وإنفاقها في سبيل الله، كانت أيضا أوَّاهة خاشعة متضرعة،" عن عبدالله بن شداد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر : " إن زينب بنت جحش أواهة " قيل : يا رسول الله ، ما الأوَّاهة؟ قال: " الخاشعة المتضرعة"، و"إن ابراهيم لحليم أواه منيب "[37].

     وقالت عائشة فيها :" لقد ذهبت حميدة ، متعبدة ، مفزع اليتامى والأرامل"[38].

الخاتمة

      الحمد لله الذي وفقني للحديث عن جزء يسير من أخلاق بعض من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان ما اتصفوا به من جميل الصفات والمكارم،  وقد اقتصرت على هذه الثلة الشريفة الزكية النقية المباركة، على أمل الحديث عن باقي العترة النبوية في ما يستقبل من قادم الأيام بحول الله تعالى وقوته.

      فأسأله جل في علاه أن يحشرني في زمرة العترة المباركة، وأن يجعل ما سطرته في حقهم ذخرا لي يوم لقائه ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

******************

لائحة المصادر والمراجع:

1-أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي، ت: علي البجاوي، دار الفكر. 

2-أسد الغابة في معرفة الصحابة: لأبي الحسن علي بن محمد بن الأثير الجزري، ت: محمد إبراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور، ومحمود عبد الوهاب فايد، دار الشعب، ب.تا. 

3-الإصابة في تمييز الصحابة: لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، ت: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت،ط1،  1412هـ. 

4-الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: لأبي الحسن علاء الدين علي بن سليمان المرداوي، ت: محمد حامد الفقي،  مطبعة السنة المحمدية، ط1،  1375 هـ/ 1956م. 

5-تفسير القمي: لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، 1428هـ/2007م. 

6-التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، ت: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، الناشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387هـ. 

7-جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام: لابن القيم، ت: مشهور حسن سلمان، دار ابن الجوزي، ط1، 1417هـ/ 1997م. 

8-حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم الأصفهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1405م. 

9-ديوان الأبيوردي: لأبي المظفر محمد بن أحمد القرشي الأموي المعلوي المشهور بالأبيوردي، طبع على نفقة عبد الباسط الأنسي مدير مطبعة المعارف والمكتبة الأنسية، وطبع في المطبعة العثمانية في لبنان سنة 1317هـ. 

10-السنن: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، ت: أحمد محمد شاكر، دار الفكر، ب.تا. 

11-سير أعلام النبلاء: لأبي عبد الله شمس الدين بن قيماز التركماني الذهبي  ت: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت ، ط1، 1409هـ/1988م.

12-السيرة النبوية: لأبي محمد عبد الملك بن هشام البصري، ت: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي، دار المعرفة، ب.تا. 

13-شرح صحيح مسلم (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): لأبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/1987م. 

14-الصحاح  (تاج اللغة وصحاح العربية): لإسماعيل حماد الجوهري، ت: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1990م.

15-صحيح البخاري: دار طوق النجاة، مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، ط1، 1422هـ.

16-صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، عناية: قتيبة نظر محمد الفاريابي، دار طيبة، ط1، 1427هـ/2006م.

17-الطبقات الكبرى: لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري، دار صادر، بيروت. ب.تا.

18-غريب الحديث:  لأبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيدالله بن حمادي بن أحمد بن جعفر ، ت : د.عبدالمعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1985.

19-فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، راجعه: قصي محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/1986م.

20-كتاب العين: لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، دار ومكتبة الهلال، ت: د.مهدي المخزومي، ود.إبراهيم السامرائي، ب.تا.

21-لسان العرب: لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، ب.تا.

22-مجمع البيان في تفسير القرآن: لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، دار الأسوه، طهران، ط1، ب.تا.

23-مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الفكر، بيروت، 1412هـ.

24-المستدرك: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، ت: مصطفى عبد القادر عطار، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ/1990م.

25-المسند: للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، ت: شعيب الأرناؤوط، عادل مرشد، وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1416هـ/1995م، إلى 1421هـ/2001م.

26-معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، ت: عبد السلام هارون، دار الفكر، 1399هـ/1979م.

27-المفردات في غريب القرآن: للحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، ت: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، ب.تا.

28-النهاية في غريب الحديث والأثر: لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير، ت: طاهر الزاوي، ومحمود الطناحي، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة، ب.تا.

****************

هوامش المقال:

([1])-  الجؤنة: سلة مستديرة مغشة أدما يجعل فيها الطيب والثياب. لسان العرب (13 /84) مادة. (جأن).

([2])- الأحزاب: 33.

([3])- أخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (رقم الحديث: 2408).

([4])- أخرجه الترمذي في كتاب: المناقب، باب: مناقب العباس بن عبد المطلب (رقم الحديث: 3758) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن أبي زياد، وقد أجاز العلماء رواية الضعيف في الفضائل وهذا منها.

([5])- ديوان الأبيوردي (ص: 23).

([6])-كتاب العين: للجوهري (4 /89).

([7])- المصدر السابق (4 /89)، ولسان العرب: لابن منظور (11 /28).

([8])- معجم مقاييس اللغة: لابن فارس(1 /161).

([9])- لسان العرب: لابن منظور (11 /31)، ونحوه في المفردات في غريب القرآن: للأصفهاني (ص:30).

([10])-النهاية في غريب الحديث والأثر: لابن الأثير (1 /170).

([11])-المفردات في غريب القرآن: للأصفهاني (ص:29).

([12])- انظر بسطها في جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام: لابن القيم (ص: 324-326).

([13])-  أحكام القرآن : لابن العربي(3 /623)، وحكى هذا القول أيضا ابن عبد البر في التمهيد (17/302-303)

([14])-  شرح صحيح مسلم: للنووي (4 /368).

([15])-  الإنصاف:للمرداوي (2 /79).

([16])- انظر بسطها في جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام: لابن القيم (ص: 324-326).

([17])- انظر تفسير القمي (ص: 543-544)، ومجمع البيان للطبرسي (8 /227-229)، والغريب أنهم يدخلون فيهم باقي الأئمة الإثني عشر المعصومين حسب مذهبهم، وهذا حجة عليهم في عدم إدخال باقي العترة المباركة أمثال: آل جعفر، وآل العباس، وآل عقيل رضي الله عنهم.

([18])- سير أعلام النبلاء(3 /253).

([19])- المصدر السابق(3 /260).

([20])- المصدر السابق(3 /267).

([21])- أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: مناقب الحسن والحسين (3746).

([22])-  الإصابة في معرفة الصحابة: لابن حجر (1 /486).

([23])- أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب: كيف يكتب هذا: ما صالح فلان بن فلان، وفلان بن فلان، وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه (2699).

([24])-السيرة النبوية: لابن هشام(2 /378).

([25])- أسد الغابة في معرفة الصحابة: لابن الأثير (1 /541-543).

([26])-فتح الباري: لابن حجر (7 /186).

([27])- أخرجه الترمذي في سننه (5 /612)(3764) وقال: " حسن صحيح غريب"، والحاكم في المستدرك (3 /43)(4350) وقال:" صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه"، قال الذهبي:" على شرط البخاري"، وأحمد في المسند (2 /413)، وقال الأرنؤوط:" إسناده صحيح على شرط البخاري" ، وصححه الألباني موقوفا (3 /223).

([28])- العكة:  العكة ما يوضع فيه السمن من ظروف الأدم. غريب الحديث: لابن الجوزي  (2 /121)

([29])- أخرجه البخاري في كتاب:فضائل الصحابة ، باب: مناقب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه (3708).

([30])-  رواه الترمذي (3767) وقال: " هذا حديث غريب. وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي. قال أبو عيسى هذا حديث غريب وأبو إسحاق المخزومي هو إبراهيم بن الفضل المدني وقد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه وله غرائب " وقد أجاز العلماء رواية الضعيف في الفضائل وهذا منها.

([31])- أخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضائل عائشة رضي الله عنها (2442).

([32])-  الطبقات الكبرى: لابن سعد (8 /114).

([33])-  أخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها (2452).

([34])-  أخرجه الحاكم في المستدرك (4 /26) وقال: هذا صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي.

([35])- أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد كتاب: علامات النبوة، باب: إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات (14070) من حديث عائشة وقال: في الصحيح بعضه، رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله وثقوا وفي بعضهم ضعف.

([36])- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: لأبي نعيم الأصفهاني (2 /54).  

([37])-  سير أعلام النبلاء: للذهبي(2 /217)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب، ثم هو مرسل.

([38])-  الإصابة في معرفة الصحابة: لابن حجر (7 /669).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق