وحدة الإحياءدراسات عامة

موقف الإمام المازري من انتقاد الجويني للإمامين مالك والأشعري

يتناول البحث إشكال تعقب أبي عبد الله المازري لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني في رده على الإمامين مالك والأشعري، وبعض الآراء المختلفة في هذا من القول بان المازري لم يؤلف كتابه “إيضاح المحصول من برهان الأصول” إلا للرد على الجويني، والقول الآخر لم ينتقد أصلا الإمامين بما يستحق أن يرد عليه المازري، وأنه كان لينا هادئا.

ويدرس البحث هذا الإشكال من خلال بيان طريقة تلقي المازري لردود الجويني في منافحته عن إماميه في العقيدة (الأشعري) والفقه (مالك) من خلال نماذج بالغ فيها الجويني في الرد على الإمامين المذكورين؛ وهما مسألة عموم الأقوال النفسية، والمصالح المرسلة، وكيفية تعقيب المازري على ذلك ومميزاته في التعقيب، وأدلته في ذلك.

ويستخلص البحث مجموعة من النتائج المهمة قاد إليها البحث تتعلق ببعض ما ساقه ابن السبكي في كون التعصب دافع المازري، وغيره من المغاربة، لتناول “البرهان في أصول الفقه” الجويني، وقصد المازري إلى الرد على الجويني في بعض المسائل. والتساؤل عن كون إيضاح المحصول كل ما كتبه المازري في الأصول.

عرف الجويني باجتهاده وجرأته وقوته في الخطاب، حتى لا يكاد يعرف حدودا لآرائه وأقواله. وقد رد عليه العلماء جملة من الآراء، لعل أكبرها ما روي من ادعائه أن الله يعلم الكليات لا الجزئيات[1].

 وقد كانت قوة شخصيته ظاهرة في صلابة خطابه، وشدة ردوده على بعض العلماء.

وقد استغرب العلماء تجرأه على الرد على إمام أهل السنة أبي الحسن الأشعري، ثم على مالك وكذا أبي حنيفة رحمهم الله تعالى. فكيف كان موقف العلماء من هذا الانتقاد والردود؟

نستهدف من هذا البحث تبيان هذا الإشكال بيانا تاما، بالبحث في تلقي المازري لردود الجويني على هذين العلمين (الأشعري ومالك)، وكيف نافح عنهما، وصحة ما نسب إليه في ذلك.

خاصة وأنه لم يفرد أحد هذا الإشكال بالدراسة، حسب اطلاعي، وإنما يأتي هذا عرضا أثناء الحديث عن ترجمة الجويني أو المازري، خاصة عند الاستشهاد بكلام ابن السبكي؛ فلذلك يأتي هذا البحث ليحاول سد هذه الثغرة.

وسوف أتبع في هذا البحث خطة تعتمد على تمهيد، انطلاقا من النقطتين الآتيتين:

المازري والدفاع عن الإمامين مالك والأشعري، هل ألف المازري كتاب الإيضاح للرد على الجويني؟

وذلك بناءً على العنصرين التاليين:

أولهما؛ خصص لرد المازري على الجويني دفاعا عن الأشعري، من خلال أنموذج عموم الأقوال النفسية للرد على الجويني، وثانيهما؛ انصب على رد المازري على الجويني دفاعا عن مالك، وصولا إلى استخلاص بعض النتائج.

المازري والدفاع عن الإمامين مالك والأشعري

كان للإمام أبي عبد الله محمد بن علي المازري[2] (ت536هـ) من العلماء الذين لهم مع الجويني[3] في ردوده على العلماء صولة وجولة؛ حيث رد عليه ردا عنيفا دفاعا عن أئمة الإسلام.

وقد ظهر موقف الإمام المازري من الجويني وآرائه تجاه أبي الحسن الأشعري[4] ومالك في تصنيف اشتغل فيه على كتابه “البرهان في أصول الفقه”، حيث وضع عليه كتاب “إيضاح المحصول من برهان الأصول” الذي كان إملاء على تلامذته الحاضرين مجالسه لشرح برهان الجويني. وهي عادة المازري أن تكون كتبه إملاء على طلابه[5].

إلا أن الكتاب، مع الأسف، لم يستغرق كل البرهان بل توقف في أول كتاب الإجماع.

هذا إن كان كل ما أملاه المازري في الأصول موجودا بين أيدينا، لأن المازري ذكر في شرح التلقين بعض المسائل، وأشار إلى بسطها فيما أملى من أصول الفقه، كمسألة الإجماع على تحريم ربا النسيئة[6]. وهي لا توجد في إيضاح المحصول المطبوع[7].

هل ألف المازري كتاب الإيضاح للرد على الجويني؟

يتضمن هذا الكتاب فعلا، إضافة إلى كتاب شرح التلقين، ردودا للإمام المازري على الجويني، غير أنه يظل الجزم في كون السبب في تأليف الكتاب هو الرد على الجويني يثير تساؤلا. نجد من بين أدلة القول بكون الغرض هو الدفاع عن الأشعري ومالك، كون ابن السبكي[8] يرى أن المازري[9] لم يشرح البرهان إلا لما رأى فيه من انتقاص من قدر الأشعري ومالك[10]. وهو نص مشتهر عند المترجمين للمازري.

إلا أن بعض المعاصرين لم يسلموا لابن السبكي ما ذهب إليه، وحاولوا الدفاع عن الجويني بكونه لم ينتقص من الأشعري ومالك أصلا؛ فمنهم من ذهب إلى القول: “وقد أحصيت المواضع التي ذكر فيها الإمام الأشعري والإمام مالكا في البرهان، فلم أجد ما يستحق ذلك، بل وجدته يعظم الأشعري، وينسب ما لا يرضاه إلى سوء فهم مذهبه وغلط الناقلين عنه”[11]. هذا عن الإمام الأشعري، وأما الإمام مالك فيضيف الدكتور الديب قائلا: “وكذلك مع مالك فقد ورد في خمس مرات في مناقشة هادئة […] كانت عبارة إمام الحرمين [فيها] رقيقة لينة”[12].

ولربما يكون حسن الظن بما بين أئمة العلم مُمْتطى صاحب هذا الرأي في نفيه وجود ما يستحق جعْل إيضاح المحصول من برهان الأصول ردا على البرهان وصاحبه دفاعا عن الأشعري ومالك.

وقوله بورود ذكر مالك خمس مرات فقط مجانب للصواب، إذ ذكر قرابة ثلاثين مرة في أكثر من عشرة مسائل، بعضها فيه تحامل على الإمام مالك كما سيأتي.

وعلى العكس من ذلك فهناك من اعتبر أن المازري قد “أغمض الجفن عما قاله أبو المعالي الجويني”[13]؛ أي أن ردود المازري على الجويني أقل مما نسبه الجويني إلى الأئمة. ولا يستقيم هذا في بعض الأحيان، إلا أن تكون عبارات البرهان الغائبة عن المازري تتضمن بعضا من هذا، لكونه أملى الإيضاح دون الكتاب (البرهان)، فظن البعض أنه أغمض الجفن عنها. أو أن الأمر يتعلق بمسألة الاستصلاح كما سوف نرى.

والذي أراه من خلال استحضار نصوص الكتاب، وطريقة المازري في كتبه وإملائه أنه أملى الإيضاح قاصداً به الدرسَ الأصولي لما قد رأى من مزايا في الكتاب يفوق بها غيره. وهي عادته في اختيار كتب الدرس، تماما كما فعل مع صحيح مسلم، والتلقين للقاضي عبد الوهاب البغدادي.

وقبل هذا وبعده، ومثلَه معه، لا يُفَوِّت ما يستحق الرد دون أن يفعل. منافحة عن إماميه في العقيدة والفقه، وقد جُبل على حبه لهما، ونسبة الفضل إليهما، إذ بذلك يتدين الله تعالى. ولك أن تستخرج هذا بسهولة من أي كتاب من كتبه.

ولو كان الكتاب في أول الأمر ردا لما توانى المازري من تسميته بالرد، تماما كما فعل مع الإحياء للإمام الغزالي حين وضع عليه كتابه: “الكشف والإنباء في الرد على الإحياء” لأن المازري لا يداهن في العلم. بل إنه لما رأى بعضا مما لا يعجبه في كتاب البرهان تمنى لو محاها بماء بصره[14]، وهي مسألة علم الله بالكليات وليس الجزئيات، أو الاسترسال، التي قال بها الجويني بحسب ما فهم من عبارته في البرهان، كما نقل العلماء عن المازري[15].

أولا: رد المازري على الجويني دفاعا عن الأشعري

على الرغم من تشجيع المازري على الاجتهاد وإيمانه به، واحتكامه لقواعد العقل وإعمال الأدلة؛ فإنه لم يستسغ ما صدر من الجويني من انتقاد للمتكلمين الأشاعرة، وعلى رأسهم الإمام الأشعري، والانتقاص منهم بوصفهم أنهم طاشت أحلامهم. فلم ير المازري بُدّاً من الدفاع عن هؤلاء المتكلمين ـ ومن ضمنهم، بحسب المازري، الإمام أبو الحسن الأشعري.

وفي ذلك يقول رحمه الله: “فرأيت أن الواجب الذب عن هؤلاء الأئمة وإبانة أنهم لم تطش بهم أحلامهم، بل هو الذي طاش به حلمه إذ كان في القديم من كتبه […] على رأيهم، ثم انتقل عنهم لتخيلات الشعراء واستغراب الصوفية، مجانبة لحقائق المتكلمين. نام المتكلمون فيما قالوا ملء جفونهم، وسهر هو ومن خالفهم واختصموا”[16].

وقد ارتأيت أن آخذ أنموذجا واحدا يتبين فيه عمل المازري في الرد على الجويني في المسائل العقدية التي ردها على الأشاعرة وإمامهم أبي الحسن. وهي مسألة عموم الأقوال النفسية.

أنموذج عموم الأقوال النفسية للرد على الجويني

ولبسط المسألة التي نسب فيها الجويني إلى أئمة المتكلمين هذه الأوصاف؛ (أعني طيش الأحلام، والتخبط، والاضطراب) أرجع بالقارئ إلى أصلها؛ وهو ما أورده الجويني في فصل حد العلم وحقيقته، وارتباط ذلك كله بعموم وخصوص الأقوال النفسية، وألخص كلامه فيه، وما رآه في المسألة، لأصير، فيما بعد، إلى ما عقب به المازري عليه.

أ. رد الجويني القول بعموم الأقوال النفسية بطريقة عنيفة

رَدَّ الجويني حدود العلم الصادرة عن الأشعري وغيره من أصحاب مذهبه، ووصف تعريف الإمام بأنه مدخول وفاسد. وإليك التعريف متبوعا بالتعليق: “وقال الشيخ أبو الحسن رحمه الله: العلم ما يوجب لمن قام به كونه عالما، [فعلق عليه بقوله] وهذا وإن كان يطَّرِد وينْعكس فهو مدخولٌ، فإن من جهل العلم وحمله جهله به على السؤال عنه فهو جاهل بكل اسم مشتق منه ووضوح ذلك يغنى عن بسطه وأصدق شاهد في فساده جريانه في كل صفة يفرض السؤال عنها وهو بمثابة قول القائل العلم ما علمه الله تعالى علما”[17].

ورد بأكثر من هذا على تعريف ابن فورك[18]حيث عقب عليه بقوله: “وليس في المقولات في حد العلم أظهر فسادا من هذا”[19]. وأنت ترى التعابير المستعملة في الرد كيف هي، فمن وصف بالفساد والدخل، إلى الأظهر في الفساد على الإطلاق.

فالجويني رد في هذا الفصل تعريفي الأشعري وابن فورك، كما رد بعدهما تعريف القاضي أبا بكر الباقلاني الذي هو: “العلم معرفة المعلوم على ما هو به”[20] وإن كان رده عليه ليس بنفس الحدة التي عقب بها على السابقَيْن. إذ قال: “فإذا قيل له المعرفة هي العلم. قال مجيبا: الحد هو المحدود بعينه ولو كان غيره لم يكن حده، وإنما على الحاد أن يأتي بعبارة يظن السائل عالما بها إن جهل ما سأل عنه فإن جهل العبارات كلها فسحقا سحقا. ولست أرى ما قاله القاضي سديدا فإن الغرض من الحد الإشعار بالحقيقة التي بها”[21].

إن هذا النقد المتتابع لحدود الأشعرية للعلم نظر إليه الإمام المازري باعتباره تقَصُّداً من الجويني إلى انتقاص هؤلاء. على غير عادة العلماء المنتسبين إلى المذهب، حيث يجلون علماءه فضلا عن إمامه، ويلتمسون لهم التأويلات الحسنة.

بل إن الجويني نفسه شعر بهذا المسلك والتتابع في رد حدودهم. فقال في ذلك: “فإن قيل قد تتبعتم عيون كلام المحققين[22] بالنقض فما المرتضى عندكم في حقيقة العلم، وهل العلم مما تحويه صناعة الحد أم لا فليس كل شيء محدودا…”[23].

وعندما كان بصدد بحث العموم والخصوص، وأن محققي الأشاعرة يرون أن صفتي العموم والخصوص، قائمتان بالنفس، والعبارات تراجم عنهما، مثل الأمر والنهي، لم ينل هذا رضاه أيضا؛ لكونه ليس ظاهرا برأيه كون العموم ضمن القائم بالنفس، كما ظهر في الأمر.

ورجَّح أن تكون عموم الألفاظ مجرد علوم بالمعلومات، إذ ذلك عنده من الفكر؛ أي الحديث المنفصل عن العلم. لأن العلم تقوم في النفس فكرته وحديث عنه، و”معظم ما يحسبه من لم يعظم حظه في الحقائق علما فهو فكر، وهو المعنى بكلام النفس. ومن دقيق ما يتعلق بمدارك العقول أن فكر النفس متعلقة بالمعلومات والمعتقدات ولا تتعلق النفس بالعلم الحق”[24].

وهي أمور بالغة الخفاء تحتاج إلى كثير من التأمل، والأمثلة، وقد رأى الجويني أن هذا الباب لا يستطيع أحد فتحه بله استقصائه[25]. وأن صاحب الفكر إذا اعتقد أنه ناطق بالعلم، فقد جعل “العلم معلوما منطوقا به”[26]. ومن ثم صار إلى اعتبار هذا الاعتقاد هو المسؤول عما وقع فيه المتكلمون في نظره. وعبارته هي: “وهذا هو الذي اختلج في عقول المتكلمين وطيش أحلامهم حتى اضطربوا في أن العلم بالشيء هل هو علم بأنه علم به وهذا الذي اختبطوا فيه اضطراب منهم في فكر النفس لا في العلم نفسه”[27]، وقد سبق إيراد تعريف أبي الحسن الأشعري للعلم الذي هو “ما يوجب لمن قام به كونه عالما”[28].

ب. انتقاد المازري لرد الجويني على الأشعرية

وعبارتا الطيش والتخبط اللتين وصف بهما الجويني أئمة الأشاعرة، لعدم إتقانهم وضع حد للعلم، (كما يريد الجويني) حتى يُعرف به المحدود ومتعلقاته، ويُعرف تعلق الفكر والعموم والخصوص بالعلوم عند النطق بها، مما شنعه الإمام المازري على الجويني.

وقد ألجأ هذا المازريَ إلى الحديث عن مذاهب الفلسفة في القوة الفكرية والعقلية، على غير عادته، والتمس لذلك العذر حين قال في إيضاح المحصول: “دعت الضرورة في هذا الكتاب إلى الخروج عن رسم ما يقتضيه التأليف في هذا العلم، وذلك أن أبا المعالي رمز فيه إلى مذاهب الفلسفة في القوة الفكرية والعقلية، وخرج عن عادته القديمة في إكبار أئمة الأشعرية، وتحسين المخارج لهم فيما قد يظن ظان أنه يتوجه عليهم فيه قدح”[29]. وذلك أن المازري كان من أوائل من دعا إلى تخليص أصول الفقه مما تعلق بها من الفلسفة والمنطق والكلام، مما ليس له تعلق ببناء الفروع على تلكم الأصول. وقد يكون الإمام أبو إسحق الشاطبي تلقّف هذه الفكرة من المازري، ليصير من بعد من أكبر الدعاة إلى هذا المبدأ[30].

قال الدكتور سامي النشار: “أما الأشاعرة فقد احترزوا بأصولهم عن منطق أرسطو، ونجد هذا واضحاً لدى عدو ممتاز للتراث اليوناني أبي بكر الباقلاني […] ولكن ما لبث علم الأصول أن اتجه وجهة أخرى على يد إمام الحرمين، […] ويمهد الطريق بذلك لتلميذه أبي حامد الغزالي”[31].

ج. بيان ما ادعى الجويني أن لا سبيل في مفاتحته

وما ادعاه الجويني من كونه لا مطمع في مفاتحته، فضلا عن استقصائه. وهو موضوع الفكر والعلم في النفس، نظر إليه المازري على أنه تهويل لهذا “الفصل حتى نظر إلى الريح الرخاء بعين الزعازع”[32]. ومن ثم جاء النص الذي يستدل به على قصد المازري للدفاع عن الأشعري، وغيره من الأئمة، بتصنيف إيضاح المحصول وهو قوله: “فرأيت أن الواجب الذب عن هؤلاء الأئمة وإبانة أنهم لم تطش بهم أحلامهم، بل هو الذي طاش به حلمه إذ كان في القديم من كتبه […] على رأيهم، ثم انتقل عنهم لتخيلات الشعراء واستغراب الصوفية، مجانبة لحقائق المتكلمين. نام المتكلمون فيما قالوا ملء جفونهم، وسهر هو ومن خالفهم واختصموا”[33].

ويمعن المازري، رحمه الله، في تبيين ما أشار إليه الجويني بأنه لا مطمع في مفاتحته فضلا عن استقصائه، ألا وهو تعلق النفس بالعلم الحق وبالقول في النطق النفسي[34]، فبسطه بسطا تاما[35] في حوالي سبعة عشر صفحة، ومع هذا فكأني بالمازري لم يشف هذا غليله في إثبات رأي الأشعرية والرد على من ناوءهم، فأجَّل ذلك إلى حين إفراده بتصنيف. قال رحمه الله: “وقد أخذنا في إملاء ما تعلق بكلام أبي المعالي، ونيتنا استيفاء ما قالوه، والرد عليهم كما يجب، ثم رأينا تأخيره إلى أن يسر الله في إفراد تصنيف متعلق بهذا النوع”[36].

وحين ناقش مسألة العموم في الأقوال النفسية اعتذر، مرة أخرى، بأن تحقيق القول في “تصوير عموم النفس والانفصال عن طريق التشكك فيه يحتاج إلى إطالة وإطناب يقطع التشاغل به عن مقصود الكتاب”[37]؛ أي أصول الفقه الذي قدمنا أن المؤلف لا يؤمن بإدخال ما لا يبنى عليه الفقه فيه.

ولو كان كتاب “إيضاح المحصول من برهان الأصول” ردا على برهان الجويني لما اعتذر عن الخروج، لأن هذا مما يقتضيه الرد، بل يوجبه، لكن المازري يهتم بالمسائل الأصولية أكثر من الردود.

د. مقارنة المازري بين صنيع الجويني مع المعتزلة والأشاعرة في البرهان

ومن ذكاء المازري أنه لم يناقش الجويني في تعليقه على حد العلم ليصحح تعريف الأشاعرة؛ ليس لأنه ربما يسلم صحة الاعتراض، ولكن لاهتمامه بأصل الإشكال وهو أن طريقة الرد ليست مستساغة. خاصة وأن المعتزلة أيضا قد تخبطوا، بحسب طريقة الجويني في تعريف العلم[38]. مع أنه أشاد في الكتاب بأئمة الاعتزال كابن الجبائي “في مواضع مع تحسين الظن بهم. وتخريج المخارج الجميلة لكلامه في موضع آخر”[39]. وفي رأي المازري فإن أئمته أولى بحسن الظن ذاك، وأحق به من المعتزلة.

وأنت إذا رجعت إلى البرهان وجدت الجويني يذكر ابن الجبائي ولا ينتقده، فعلا، وإنما يشير إليه بالإكبار[40]، ويمدحه[41]، أو يؤول كلامه[42]، أو ينسب الغلط للناقلين عنه[43]، أو يرى الناس غير قادرين عن الانفصال عنه ومختبطين في ذلك[44]، بل يرد على منتقديه طريقة ردهم عليه[45]، وحتى إن اضطر إلى الرد عليه فإنه يفعل ذلك بلطف[46].

إن هذا التمييز بين أقطاب الاعتزال من جهة، وبين أقطاب الأشعرية من جهة ثانية، لم يكن ليخفى على الإمام المازري، خاصة وأن الجويني معروف بقوته في الخطاب والردود. ولما كان الأمر كذلك فإن المازري كان له بالمرصاد، بعد أن خرج (الجويني) عن عادته في إكبار الأشعرية، وسبق له أن كان على رأيهم في النقطة المشار إليها سابقا، والتي رد فيها على أقطاب الأشاعرة[47].

ويعجب المازري من اعتقاد الجويني في أئمته الجهل بحقائق العلم وطريقة حصوله، ونسبته طيش الأحلام والتخبط إليهم، مع أنه وقف على أعيان مصنفاتهم، “ومذاكرته على ما يذكر لأعظم أيمتهم ولم يقف على ما وقف عليه على برهان على هذا الذي رتبوه وزينوه”[48]. وأتى التعجب منه لأن الجويني أتقن علم الكلام ووقف على دقائقه قبل أن يجري في طريق الفلسفة، عكس الإمام الغزالي، في رأي المازري الذي انتقده وأرجع عدم تبحره في أصول الدين لعدم تقديمه في التحصيل على الفلسفة، لأن أهل الفلسفة لهم جرأة على المعاني، ولا يخافون من مخالفة الشرع أو الأئمة[49]. وإن كان رد هذا الكلامَ عليه تاج الدين السبكي[50]، إلا أننا نقتبس منه ما يهمنا من جرأة أهل الفلسفة وعدم مخافتهم من مخالفة الأئمة خاصة.

ﻫ. تلخيص المازري رأي الجويني

أورد المازري المذهب في تصور معنى العموم والخصوص في الأقوال النفسية قائلا: “وأما الوجه الثاني وهو تصور العموم والخصوص في الأقوال النفسية، فإن المشهور من مذاهب سائر أئمة الأشعرية تصور ذلك في الأقوال النفسية، كما يتصور في الأقوال النفسية الأمر والنهي”[51].

وهذا ما أنكره أبو المعالي الجويني في البرهان، وقال فيه إنه ليس متضحا كاتضاح الأمر والنهي مخالفا بذلك جماعته الأشعرية[52]. ولكن عبارة الجويني لم توضح رأيه، فقام المازري ببيانه حتى يسهل على الباحث تصوره وفهمه، ومن ثم الوقوف على صحته من ضعفه، أو الرد عليه.

وعمدة الجويني أن القائل، مثلا، حين يقول: “اضرب فلانا” يحس في نفسه اقتضاء للضرب، وهذا الاقتضاء في النفس لا ينكره عاقل، ولا يخالف في النفس في إحساسه أحد[53]، وليس هذا الاقتضاء إلا الأمر. ولم يجوِّزوا أن يقال فيه إنما أراد إيقاع الضرب، فظهر بذلك كون معنى الأمر قائما في النفس واتضح؛ وأما استيعاب قوله تعالى:  ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ (التوبة: 5) جميعهم فإنما مرده إلى إرادة القائل.

كما أن الجمع معنى معقولٌ يجد الإنسان تصوره والعلمَ به في نفسه. ولابد لكل علم في النفس من خبر يقارنه، ويكون (هذا الخبر) بالنفس أيضا[54]. وهذا يقتضي إثبات قول نفسي كما هو معلوم وبين. وهذا وضحه المازري بطريقة بسيطة نوعا ما، مبينا فيه مذهب الجويني وما ساقه إليه.

ومذهب الجويني هنا صعب الاستيعاب والفهم، ويزيد من ذلك تفريق الكلام فيه بين فصل حد العلم وحقيقته، وبين باب العموم والخصوص، إضافة إلى إيجاز بالغ في العبارة، مع ذهابه إلى استحالة مفاتحة الباب بله استقصائه.

ولأن المازري يملي “إيضاح المحصول من برهان الأصول” على تلامذته، فقد وضح رأي الجويني بطريقة أبسط، سهلة الاستيعاب، لو سلكها صاحب الرأي (الجويني) لكان أفضل في الإقناع[55].

وفي ذلك يقول: “وقد يستغني عن هذا كله بأن يقول: “إنما أنكرت وجود قول في النفس يتضمن معنى الاستيعاب بنفسه وحقيقته، وأما إثبات قول في النفس هو خبر عن معنى العموم فليس هو المراد المنازع فيه، وقوله ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ (التوبة: 5) ليس ذكر المشركين، هاهنا، خبرا، وإذا لم يكن خبرا لم يتقرر فيه معنى العموم كما قدمنا”[56].

وهذا يوقفك على أهمية هذا الكتاب لفهم البرهان للجويني، ونقد آرائه، ومعرفة أسباب تلك الآراء، وتزيد بذلك الحسرة على عدم تمامه.[57] ولقد صدق تاج الدين السبكي حين قال في المازري متحدثا عن البرهان الذي عمل عليه إملاءه: “لا يحوم نحو حماه ولا يدندن حول مغزاه إلا غواص على المعاني ثاقب الذهن مبرز في العلم”[58].

و. تقويم

لقد وفّى المازري لنهجه الأشعري ودافع عن آراء المذهب وقدر علماءه حق قدرهم، وذلك ظاهر من كتبه كلها، سواء التي بين أيدينا، كإيضاح المحصول وشرح التلقين[59]، والمعلم بفوائد الإمام مسلم[60]، أو من أسماء الكتب المفقودة أيضا مثل: النكت القطعية في الرد على الحشوية والذين يقولون بقدم الأصوات[61]، و نظم الفرائد في علم العقائد[62]. مثلما فعل مع المذهب الفقهي وأئمته. وإن بلغ رتبة الاجتهاد فلم يجاوز المشهور في المذهب في أقواله، كما اشتهر عنه[63].

ثانيا: رد المازري على الجويني دفاعا عن مالك

لما كان كتاب البرهان إنما هو في أصول الفقه، فقد كان لازما أن يتطرق الجويني إلى بعض الأحكام الفقهية، ويقارن بين المذاهب فيها. وما يقال في الأحكام يقال في تعاريف المصطلحات، وأكثر منه في طرق الاستدلال على الأحكام؛ التي تذكر للمقارنة أيضا وللترجيح بين الآراء والمذاهب في الأخذ بها من عدمه. ولو أن الفن المختص بذلك هو كتب الخلاف، ومصنفات بناء الفروع على الأصول، فإن كتب الأصول عند الأقدمين حبلى بالأمثلة الفقهية التي يتغيَّى من خلالها المؤلفون بيان الباب من أجل فهمه.

أ. حديث الجويني عن مذهب مالك

ولذلك فقد تعرض الجويني إلى مذهب مالك وآرائه أكثر من تعرضه لمذهب وآراء الأشعري؛ وبالتالي كانت ردوده على مالك أقوى من نظيرتها على المذهب الكلامي، ولك أن تقرأ ما كتبه عن أخذ مالك بالمصلحة المرسلة في باب الاستدلال[64] لتقف على هذا، ومثل ذلك عند الحديث عن عمل أهل المدينة والاحتجاج به في مقابل خبر الآحاد[65].

ب. الجويني والحكم على المذهب المالكي

غير أن ما يميز تعامل أبي المعالي مع مذهب مالك هو أنه لم يفهم مضمون الأقوال في المذهب ومؤداها في النقط التي رد فيها عليه. وهي ضربة ما فتئ المذهب المالكي يتلقاها حينا بعد حين، فقد شاع عن مذهب مالك كثير من الأحكام الجزافية التي لم يعرف أول من صدرت عنه. ومن ثَمَّ اتبعها بعض الناس وغالوا في ترديدها وحكايتها[66]. وهذا ينبئك أن ردود الأصوليين وتعقيباتهم للمذاهب ليست مثل ردود من صنف في الخلاف العالي/الفقه المقارن الذي يستحضر فيه المؤلف أدلة المذهب، وطرق الاستدلال بها، وخصائص المذهب في الأخذ بالدليل[67].

ومن هنا ظهرت بعض العصبية للمذهب الشافعي في كتاب البرهان تماما كما ظهرت عند بعض المؤلفين في أحكام القرآن. وهو أمر لا يتحمل تبعته مصنف خاص.

وقد شكّل موضوع المصلحة المرسلة، أكبر المواضع التي رد فيها الجويني على مالك، ولذلك فقد ارتأيت الاهتمام بها لكونها تعطي صورة على حكم الجويني على مذهب الإمام مالك.

ج. المصلحة المرسلة في المذهب المالكي من وجهة نظر الجويني

يرى الجويني أن مالكا يفرط في القول بالاستدلال، وألزم مالكا كون هذا يُخرج الأمر عن الضبط. لكن الجويني يحسب له أنه مرة استدرك قائلا:”إن صح ما روي عنه”[68]. وهذا كما يشم منه الاعتذار لمالك، فإنه يشم منه الاستغراب من كونه يقول بمثل هذا القول. إن الجويني يعتقد أن مالكا بتوسعه في الاستدلال بالمصلحة المرسلة مغال إلى درجة الخَبَال؛ إذ برأيه يفتح الباب للتعلق بكل رأي دون أيما انضباط. وفي ذلك يعطي المثال التالي: “لو ساغ ما قال مالك لاتخذ العقلاء أيام كسرى في العدل والإيالة معتبرهم، وهذا يجر خبالا استقلالا به”[69]. ومن تطبيقات هذا الخبال كما ذكر تجويز مالك، بحسب الجويني، قتل الثلث لمصلحة الثلثين، والتأديب بالقتل[70].

إن عدم الضبط هو مأخذ الجويني على مالك في الاستدلال بالمصالح، وقد ذكر هذا في أكثر من عشرة موضع. ذكر فيها أن مالكا لم يرع الضبط للمصالح مما يجعلها تصل إلى حد الإفراط[71]، وزلل النظر[72]، وغيرها من الأحكام.

وقبل أن أبحث عن تعامل المازري مع هذا الانتقاد، أرى أن ننظر في كتب المالكية هل نجد فيها فعلا هذا التساهل والإفراط وعدم الانضباط، في الأخذ بالمصالح دونما احتياط. أم إن الجويني جانب الصواب في نقل الرأي في المسألة؟

د. المصالح المرسلة في المذهب المالكي

المصالح المرسلة أو الاستصلاح، أو الاستدلال أو المصلحة هي ألقاب للأصل الفقهي المعروف عند الأصوليين[73]. والمصلحة كالمنفعة وزنا ومعنى، وقد عرفت بتعاريف كثيرة نأخذ منها ما فسرها به الغزالي؛ “بأن يوجد معنى يشعر بالحكم مناسب له عقلا ولا يوجد أصل متفق عليه”[74]. وذلك لأن الشرع كله إنما جاء لمصالح العباد، بجلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم. غير أن المصالح الموجودة في الحياة عند تأملها لا تخرج عن أقسام ثلاثة قررها الأصوليون منذ القديم، وذلك بحسب الدليل الشرعي ومنظور الشرع لها؛ فهي إما أن تكون فعلا يقرها الشرع نصا بالحث عليها (المصلحة المعتبرة)؛ أو يردها بالنهي عنها (المصلحة الملغاة)؛ أو يسكت ويترك الأمر (المصلحة المرسلة).

فكان لابد أن يخلق القسم المرسل، المتروك، الجدل بين العلماء في الأخذ به عند بناء الأحكام، أو عدمه. وإن ثم البناء عليه باعتبار أن الشريعة مصالحٌ كلها، فهل يسلم للمعتمد عليها ذلك؟ وماذا إن التقى مع غير المعتمد في النتيجة؟

إن المصلحة باعتبارها مقصود الشرع من التشريع لا يمكن لأي مذهب أن لا يعتمدها مبنى للفروع، إلا أن الاختلاف يكون في تقرير هذا الاعتماد والذهاب إلى المصلحة رأساً باعتبارها أصلا شرعيا من أصول الفقه، أو في عدم ذلك؛ أو في التوسع في الأخذ بها، والتقليل منها. أما الأخذ ففي النهاية كل المذاهب لا مناص لها من الأخذ بها.

وهذا ما أراد القرافي إثباته والدفاع عن المذهب المالكي فيه عندما تناول هذه الجزئية في كتابه “شرح تنقيح الفصول” بقوله: “قد تقدم أن المصلحة المرسلة في جميع المذاهب عند التحقيق لأنهم يقيسون ويفرقون بالمناسبات ولا يطلبون شاهداً بالاعتبار ولا نعني بالمصلحة المرسلة إلاّ ذلك”[75] “… والذي جهل أمره هو المصلحة المرسلة التي نحن نقول بها، وعند التحقيق هي عامة في المذاهب”[76]. “وأما المصلحة المرسلة فالمنقول أنها خاصة بنا، وإذا افتقدت المذاهب وجدتهم إذا قاسوا وجمعوا وفرقوا بين المسألتين لا يطلبون شاهداً بالاعتبار لذلك المعنى الذي به جمعوا وفرقوا، بل يكتفون بمطلق المناسبة، وهذا هو المصلحة المرسلة، فهي حينئذ في جميع المذاهب”[77].

“وأما المصلحة المرسلة فغيرنا يصرح بإنكارها ولكنهم عند التفريع نجدهم يعللون بمطلق المصلحة ولا يطالبون أنفسهم عند الفروع والجوامع بإبداء الشاهد لها بالاعتبار بل يعتدون على مجرد المناسبة وهذا هو المصلحة المرسلة”[78].

إن هذه النصوص هي إدراك لتلك الأحكام الملْصَقة بالمذهب المالكي، ولا تنمحي إلا بتقرير حقيقة الأمر في كتب الأصول.

والقرافي لا ينكر اعتبار المصلحة من أصول المذهب، أو يساوي فيها بين المذهب وغيره؛ إنما لا يقبل كون البعض يرى أن المصلحة المرسلة أصل مختص بالمذهب المالكي.

ويستمد المالكية تأصيلا للمصلحة من عمل الصحابة أنفسهم بها[79]، فضلا عن كون الشرع إنما جاء لمصلحة العباد في العاجل والآجل. وما أشار إليه الجويني من انعدام الضبط، وترك الباب مشرعا أمام الناس ليروا في أمر الشريعة ما يوافق آراءهم وأهواءهم، يرده المالكية بشروطهم التي اشترطوها في المصلحة.

وهذه الشروط هي:

ـ أن لا تصادم المصلحة نصاً خاصاً من كتابٍ أو سنةٍ، وأن لا تصادم الإجماع.

ـ أن تكون معقولة المعنى في ذاتها.

ـ أن يكون من يحتج بالمصلحة المرسلة مجتهداً توفرت فيه شروط الاجتهاد.

ـ أن لا تعارض المصلحة مصلحة أرجح منها، أو يترتب على العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها.

ـ أن لا تكون المصلحة في باب العبادات سداً لباب الابتداع في الدين.

وقد اعتنى بهذا الجانب الدكتور سعيد رمضان البوطي، رحمه الله، فخصص لذلك بحثه للحصول على درجة الأستاذية من الأزهر، وعنونه بضوابط المصلحة.

فذكر ضوابط وخصص لها فصولا في كتابه، وهي:

ـ اندراجها صمن مقاصد الشريعة.

ـ عدم معارضتها للكتاب.

ـ عدم معارضتها للسنة.

ـ عدم معارضتها للقياس.

ـ عدم تفويتها مصلحة أهم منها[80].

إن المالكية لم يطلقوا العنان، كما قد توهم نصوص الجويني وغيره من الأصوليين كتلميذه الغزالي، بل قيدوا هذا الاستنباط، وضبطوه لئلا يصل إلى الإفراط. وإن شئت فراجع تلك الأمثلة التي مثل بها الجويني وغيره في أخذ المالكية بالمصالح، في الكتب الفقهية، لتعرف قول مالك فيها. وحينئذ تكتشف أن تلك الأقوال الملصوقة بالمذهب المالكي ليس لها من الصحة أساس. وأن المالكية ما فتئوا يبينون هذا الأمر رغم ما قد تحمل عليه نصوصهم من تأكيد الفهم المراد إلغاؤه أحيانا، مثلما وقع مع نص للإمام المازري.

هـ. الإمام المازري وادعاء الجويني في المصلحة المرسلة

لم يتطرق الإمام المازري إلى مسألة الاستصلاح في كتابه إيضاح المحصول، لأن الجويني أثارها عند الحديث عن ترجيح الأقيسة، والمازري ربما لم يصل في تعليقه على البرهان إلى كتاب القياس، هذا إذا كان ما طُبع هو كل ما علق به المازري على البرهان.

ولَكَم وددت لو تطرق إليها بإيضاح ليرد فيها على الجويني وغيره فيما ألزموا به المالكية مما لا يلزمهم، لأن المازري في تعقيباته علميٌّ إلى أبعد الحدود، وله قدرة عظيمة على بيان ما هو من المذهب، مما ليس منه. يدرك هذا من نظر في تعقيباته على اللخمي أو ابن خويزمنداد، مثلا، في شرح التلقين.

على أن لدينا نصوصا تبين فعلا عناية المازري بالمصلحة المرسلة، يتضمنها كتابه المعلم وشرح التلقين وغيرهما. وإرجاء المازري التطرق إلى هذه المسألة، ينبئك أن التعليق على البرهان لم يكن للرد عليه أصالة؛ وإلا اقتنص المازري أي فرصة لمحاسبة الجويني على ما أضافه إلى مذهب مالك في مسألة الاستصلاح.

وهذا الإرجاء هو ما جعل الشيخ النيفر يقول إن المازري قد أغمض الجفن عما نسبه الجويني لمالك[81]. إذ ما كان المازري ليترك تبيان المسألة لو وصل تعليقه إليها، لأن الكتاب اتخذه مقررا دراسيا لطلابه.

وفضلا عن عدم تناول المازري لهذه المسألة كما يؤمل أن يفعل، وكما ورد السبكي من كون القصد هو الدفاع عن مالك والأشعري[82]، فإن المازري نُقِل عنه نصٌّ موهم موافقته للجويني فيما أضافه من إفراط مالك في الاستصلاح. وهذا النص نقله الشيخ خليل في التوضيح، وهو قوله: “ذكر أبو المعالي أن مالكاً كثيراً ما يبني مذهبه على المصالح، وقد قال أنه يقتل ثلث العامة لمصلحة الثلثين. [قال] المازري: وهذا الذي حكاه أبو المعالي صحيح”[83].

وتصحيح المازري إنما هو عائد على أول الكلام، لا آخره. إذ ما يمكن للمازري أن يصحح ادعاء الجويني قول مالك بقتل ثلث العامة لمصلحة الثلثين. وهذا ما تولى بيانه الحطاب رحمه الله في مواهب الجليل بالرجوع إلى نسخ أخرى لكتاب التوضيح حين قال: “تنبيه: تضمين الصناع من المصلحة العامة قال في التوضيح: وذكر أبو المعالي أن مالكا كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح، وقد قال: إنه يقتل ثلث العامة لمصلحة الثلثين. المازري: وهذا الذي حكاه أبو المعالي عن مالك صحيح انتهى. وفي بعض نسخ التوضيح ولكنه في تضمين الصناع، وانظر كلام القرافي في آخر شرح المحصول فإنه تكلم في مسألة المصالح المرسلة بكلام حسن، وأنكر ما ذكره إمام الحرمين عن مالك، وقال إنه لا يوجد في كتب المالكية فتأمله والله أعلم”[84].

وزاد الشيخ محمد عليش ومن بعده من المحشين بيانا لهذا قائلا: “وقول المازري ما حكاه أبو المعالي صحيح راجع لأول الكلام هو أنه كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح، لا إلى قوله نقل عنه قتل الثلث الخ، أو أنه حمله على تترس الكفار ببعض المسلمين. […] وهو تنبيه مهم تنبغي المحافظة عليه لئلا يغتر بما في التوضيح”[85].

خاتمة

إن المازري اشتهر بدقته في تحرير المسائل، ولا يألو جهدا في بسط الجزئيات، ومعرفة مأخذها وأدلتها، وما انبنت عليه من قواعد وأشباه، وما تفترق عنه من صور، ووجوه الفرق وعللها. وإن تعلق الأمر بأئمته في المذهبين العقدي والفقهي فهو لا يخرج غالبا عن هذه الدقة. وقد رأينا كيف لم يستبق الفرص للرد على الجويني في مسألة الاستصلاح، مع أنه لا يفوت فرص الرد على الجويني إن كان لها مقتضى في الموضوع، وقد عُرف عن المازري الرد العلمي المبني على القواعد.

الهوامش:

[1]. قال الذهبي: قال المازري في شرح البرهان في قوله: “إن الله تعالى يعلم الكليات لا الجزئيات”: وددت لو محوتها بدمي.

قلت: [القائل هو الذهبي] هذه لفظة ملعونة. قال ابن دحية: هي كلمة مكذبة للكتاب والسنة، مكفر بها، هجره عليها جماعة، وحلف القشيري لا يكلمه أبدا؛ ونفي بسببها مدة، فجاور وتاب. تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، للذهبي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز (ت748هـ)، تحقيق: الدكتور بشار عوّاد معروف، [10/424]، ط1، دار الغرب الإسلامي، 2003م.

وفي سير أعلام النبلاء: “وقيل: لم يقل بهذه المسألة تصريحا، بل ألزم بها لأنه قال بمسألة الاسترسال فيما ليس بمتناه من نعيم أهل الجنة، فالله أعلم. قلت: هذه هفوة اعتزال، هجر أبو المعالي عليها، وحلف أبو القاسم القشيري لا يكلمه، ونفي بسببها، فجاور وتعبد، وتاب – ولله الحمد – منها” [18/472].

وقال السبكي في الطبقات: “لقد فحصت عن كلمات هذا الإمام في كتبه الكلامية فوجدت إحاطة علم الله تعالى عنده بالجزئيات أمرا مفروغا منه وأصلا مقررا يكفر من خالفه فيه” [5/193]. ونقل عنه في الشامل قوله: “إذا علم العالم منا أن معلومات الباري لا تتناهى انبهر” [5/194]. وقد دافع عنه السبكي وحاول تفسير كلامه على غير محمل المازري. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي عبد الوهاب، تحقيق: محمود محمد، وعبد الفتاح محمد الحلو، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، 1413هـ، 5/196-206.

ومهما يكن من أمر فإن نقل العلماء عن الإمام المازري هذا ومحاكمة الجويني على أساسه مظهرٌ مكانةَ المازري في تبيان كلام الجويني، والرد عليه وتعقبه فيما يوجب التعقب.

[2]. ترجمته في الديباج المذهب، ص280، والغنية للقاضي عياض، ص132-133، عبر الذهبي، 1/100، ونفح الطيب للمقري، 1/565، وأزهار الرياض له أيضا 3/165، ووفيات الأعيان لابن خلكان، 4/285، وشذرات الذهب 14/144، وشجرة النور الزكية لمخلوف، 1/127، وغيرها

[3]. ترجمته في طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة، 1/255. والطبقات الكبرى، 5/165. وسير أعلام النبلاء، م، س، 18/468 وغيرها كثير. وقد خصص له مجموعة من العلماء كتبا لترجمته منهم: فوقية حسين محمود: الجويني إمام الحرمين. وعبد العظيم الديب: إمام الحرمين حياته وعصره، ومحمد الزحيلي: الإمام الجويني. وغيرها.

[4]. انظر في ترجمة الأشعري: تاريخ بغداد، 11/346، والفهرست ص231. والمنتظم لابن الجوزي، 6/332. والكامل في التاريخ، 8/392. والأنساب للسمعاني، 1/273. واللباب، 1/64. وترتيب المدارك، 5/24. ووفيات الأعيان 3/284. والعبر، 2/23. وسير أعلام النبلاء، للذهبي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز، مؤسسة الرسالة، ط11، (1417هـ/1996م)، 15/85. والبداية والنهاية، 11/187. وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة، 1/81، وللسبكي، 3/347. وغيرها كثير.

[5]. وفي كتبه الأخرى يتعرض لبعض الردود على الجويني، ولكن ليس كما فعل في إيضاح المحصول، ومن ذلك ما جاء في شرح التلقين، عند إيراده إنكار أبي المعالي رواية خبر عائشة رضي الله عنها: فرضت الصلاة ركعتين، ركعتين في الحضر فزيدت في صلاة الحضر وأقرت في صلاة السفر، قال المازري في ذلك: “وهذا الذي قاله طريقة انفرد بها. والحديث أشهر من أن ينكر” انظر: [شرح التلقين، الإمام المازري، تحقيق: محمد المختار السلامي،  تونس: دار الغرب الإسلامي، ط1، 2008، 1/890] ثم رد عليه ردا علميا جميلا.

[6]. قال: “فارتفع حكم الخلاف المتقدم بإجماع من تأخر على مذاهب الأصوليين، ولم يرتفع حكم الخلاف في قول بعضهم على ما ذكرناه في كتابنا الذي أمليناه في أصول الفقه” [شرح التلقين، م، س، 4/260] وأتيت بالنص ليسهل على من رام تتبع القضية حتى يصحح هل فعلا ما طبع من إيضاح المحصول هو كل ما أملاه المازري في الأصول، ويوقفنا عليه.

[7]. حاولت في السابق الحصول على مخطوطة أخرى للكتاب، لكن دون جدوى، فقد ذكر محمد بن عاشور في عرض له تحت عنوان: “الإمام المازري حياته وآثاره”، بملتقى الإمام المازري أن نسخا للمخطوط [يريد إيضاح المحصول] موجودة في كل من القاهرة واسطنبول، وذكر أنه لم يوفق للوقوف عليها، وإنما وقف “على نسخة بها نقص في الأول والوسط والآخر بخزانة الشيخ محمد بن عاشور” ملتقى الإمام المازري (الصراع العقائدي في الفلسفة الإسلامية)، المنعقد بالمنستير، الإمام المازري حياته وآثاره، المنستير تونس، سنة 1975، ص130.

[8]. انظر ترجمته في: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني 1/390، طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة 3/104.

[9]. ومعه الأبياري والشريف أبو يحيى المالكية المغاربة.

[10]. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، 5/192.

[11]. البرهان في أصول الفقه، للجويني إمام الحرمين أبو المعالي، تحقيق: عبد العظيم الديب ط1، دار الوفاء المنصورة، مصر، [مقدمة المحقق] 1/92.

[12]. المرجع نفسه، 1/93.

[13]. المعلم بفوائد مسلم، للإمام أبو عبد الله محمد بن علي المازري، تحقيق: محمد الشاذلي النيفر، طبعة دار الغرب الإسلامي، 1/93.

[14]. قال في إيضاح المحصول: “وبودي لو محوت هذا من هذا الكتاب بماء بصري، لأن هذا الرجل له سابقة قديمة وآثار كريمة في عقائد الإسلام، والذب عنها وتشييدها، وحسن العبارة عن حقائقها، وإظهار ما أخفاه العلماء من أسرار، ولكنه في آخر أمره ذكر أنه خاض في فنون من علم الفلسفة”. انظر: إيضاح المحصول من برهان الأصول، لأبي عبد الله محمد بن علي المازري، تحقيق: عمار الطالبي، ط دار الغرب الإسلامي، ص125.

[15]. انظر تاريخ الإسلام، م، س، 10/424.

[16]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، للمازري أبو عبد الله محمد بن علي التميمي، تحقيق: عمار الطالبي، ط دار الغرب الإسلامي، ص251.

[17]. البرهان في أصول الفقه، للجويني إمام الحرمين أبو المعالي، تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب، ط.1 دار الوفاء المنصورة، مصر، 1/97-98.

[18]. التعريف هو: لله العلم ما يصح من المتصف به إحكام الفعل وإتقانه، [البرهان، م، س، 1/98. انظر في ترجمة ابن فورك: سير أعلام النبلاء، م، س، 17/214، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 1/136، تبيين كذب المفتري، ص232، وإنباء الرواة 3/110، ووفيات الأعيان 4/272، وسير أعلام النبلاء، م، س، 17/214.

[19]. تمام التعليق: “فإنه أولا حد العلم بكيفية العمل وخلى معظم العلوم على أن العلم لا يتأتى به الإحكام دون القدرة فيلزم من ذلك إدراج القدرة في حد العلم وإخراجها عن الرأي الذي رآه” البرهان، م، س، 1/98.

[20]. البرهان في أصول الفقه، م، س، 1/99.

[21]. المرجع نفسه.

[22]. يريد بهم من ذكرتهم بالاسم إضافة إلى المعتزلة الذين أورد أيضا حدهم للعلم وعقب عليه كذلك. والتعريف هو: “حد العلم اعتقاد الشيء على ما هو به مع طمأنينة النفس” البرهان، م، س، 1/98. وانظر تعقيبه في المصدر ذاته.

[23]. البرهان في أصول الفقه، م، س، 1/100.

[24]. المرجع نفسه، 1/220.

[25]. مما زاد المسألة خفاء عبارة الجويني إذ لم توضح مراده كما سيأتي.

[26]. المرجع نفسه.

[27]. المرجع نفسه.

[28]. المرجع نفسه، 1/97ـ98.

[29]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص250.

[30]. تحدث حجة الإسلام الغزالي أيضا عن هذه المسألة، لكنه لم يستطع إلا الانسياق عما وجد عليه التأليف. وقد قال فيه المازري: “هو أعرف بالفقه منه بأصوله” [طبقات الشافعية 6/241]. وانظر المستصفى في أصول الفقه، الغزالي الإمام أبو حامد، دار الفكر، د. ت، ص7 وما بعدها

[31]. مناهج البحث عند مفكري الإسلام، النشار علي سامي، طبعة 4 دار السلام للنشر والتوزيع والترجمة، ص7 طبعة 4.

[32]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص250، قال الأزهري: “قلت: وإرخاء الفرس مأخوذ من الريح ” الرخاء”، وهي السريعة مع لين” [تهذيب اللغة مادة أرخ] في أساس البلاغة: “زعزعت الريح الشجر وهو التحريك بشدة… وريح زعزع وزعزاع ورياح زعازع” [أساس البلاغة، الزمخشري أبو القاسم محمود بن عمرو، جار الله، ص270 مادة زعزع، دار الفكر، (1399هـ/1979م)؛ أي أن الجويني ألبس المسألة ما هو أكبر منها، فجعل الريح اللينة كالشديدة القوية

[33]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص250.

[34]. البرهان في أصول الفقه، م، س، 1/111.

[35]. ذكر المازري عند الاعتذار بذكر مذاهب الفلاسفة والرد عليها في الموضوع أنه أعان عليه سؤال التلاميذ المجتمعين لإملاء إيضاح المحصول عما أخفى الجويني، فضلا عن الرغبة في الدفاع عن الأئمة أقطاب الأشعرية [انظر إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص250-251.

[36]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص268، ولربما تكون العبارة هكذا: إلى أن ييسر…الخ لأن المازري لم يعرف له كتاب في هذه المسألة، إن لم يكن بحثها في بعض كتبه العقدية إلا أن هذا لا يساعد عليه عبارة: “رأينا تأخيره”، وهذه الكتب ألفها المازري قبل إيضاح المحصول. والكتب التي ألفها في علم الكلام هي: “نظم الفرائد في علم العقائد”، و”قطع لسان النابح في المترجم بالواضح” و”النكت القطعية في الرد على الحشوية والذين يقولون بقدم الأصوات” [انظر بحث: تراث الإمام المازري ومصادره في إيضاح المحصول، للحنفي المراد، بحث مرقون بكلية الشريعة-فاس،ـ المغرب 2010، ص12-16.

ولو وُجد هذا لكتاب فعلا لكان هو الرد على الجويني، والغالب أن الأجل لم يمهله لتصنيفه، إذ لم يتم حتى الكتاب الذي هو بصدده، وإن كانت مجالس الإملاء عند المازري متعددة، فيشير في كتاب ما إلى آخر؛ وفي هذا الآخر إلى الكتاب الأول.

[37]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص270.

[38]. نقل الجويني عن المعتزلة أن حد العلم عندهم هو: “حد العلم اعتقاد الشيء على ما هو به مع طمأنينة النفس”. [البرهان في أصول الفقه، م، س، 1/21].

[39]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص250.

[40]. البرهان في أصول الفقه، م، س، 1/104.

[41]. المرجع نفسه، 1/200، قال: ” وليس هو ممن تزعه التهاويل”.

[42]. المرجع نفسه، 1/18.

[43]. المرجع نفسه، 1/23.

[44]. المرجع نفسه، 1/96.

[45]. المرجع نفسه، 1/102.

[46]. المرجع نفسه، 1//11.

[47]. انظر إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص250.

[48]. المرجع نفسه، ص266.

[49]. قال السبكي: قال المازري: ” وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين فإنه صنف فيه أيضا وليس بالمستبحر فيها ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره فيها وذلك أنه قرأ علم الفلسفة قبل استبحاره في فن أصول الدين فأكسبته قراءة الفلسفة جراءة على المعاني وتسهيلا للهجوم على الحقائق لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها وليس لها حكم شرع ترعاه ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها” [طبقات الشافعية، 6/241].

[50]. قال في الطبقات: ” فليس الأمر كذلك بل لم ينظر في الفلسفة إلا بعد ما استبحر في فن الأصول وقد أشار هو أعني الغزالي إلى ذلك في كتابه المنقذ من الضلال وصرح بأنه توغل في علم الكلام قبل الفسلفة” [6/247].

[51]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص270.

[52]. البرهان في أصول الفقه، م، س، 1/110، وإيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص270.

[53]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص270

[54]. المرجع نفسه، ص270.

[55]. ينأى المازري دوما عن الغموض، ويشنع على المصنفين حشوهم المؤلفات بكلام غير مفهوم، قال في الإمام الغزالي بحسب ما أورده السبكي في الطبقات: “وقد رأيت له أنه ذكر أن في علومه هذه ما لا يسوغ أن يودع في كتاب، فليت شعري أحق هو أو باطل فإن كان باطلا فصدق، وإن كان حقا وهو مراده بلا شك فلم لا يودع في الكتب الغموضة ودقته، قال فإن كان هو فما المانع أن يفهمه عليه” [طبقات الشافعية 6/242]، ولم يجد السبكي ما يدافع به عن الغزالي، هاهنا، إلا قوله: “… أو خفي عليه أن للعلوم دقائق نهى العلماء عن الإفصاح بها خشية على ضعفاء الخلق وأمور أخر لا تحيط بها العبارات” [الطبقات 6/251] إلا أن عدم الإفصاح ينافي الذكر الغامض، وهو المخوف على ضعفاء الخلق. وليس العكس.

[56]. إيضاح المحصول من برهان الأصول، م، س، ص270.

[57]. معلوم أن المازري لم يتم الإملاء على كل أبواب البرهان بل وقف عند باب الإجماع.

[58]. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، م، س، 6/243، ومن هنا يتبين لك أن ردود السبكي لم تكن موفقة كما يأمل، لأنه نفسه القائل: “ربما خالف الأشعري وأتى بعبارة عالية على عادة فصاحته فلا تحمل المغاربة أن يقال مثلها في حق الأشعري” [5/192]، فأنى لبعض العبارات الفصيحة أن تخفى على المازري، حتى يفهمها على غير معناها.

[59]. طبع في ثمانية أجزاء بدار الغرب الإسلامي سنة 2008م.

[60]. طبع بتحقيقين الأول للشاذلي النيفر، في ثلاثة أجزاء عن دار الغرب الإسلامي سنة 1992م. والثانية بتحقيق متولي خليل عوض الله، وموسى الشريف طبع بالقاهرة سنة (1417هـ/1997م).

[61]. من التراث المفقود للإمام المازري لحد الآن.

[62]. المرجع نفسه.

[63]. المرجع نفسه.

[64]. البرهان في أصول الفقه، م، س، 2/171.

[65]. المرجع نفسه، 1/459.

[66]. علما أن الأصوليين المالكية ما فتئوا ينصون على هذا في كل مسألة مسألة. كما سيأتي بعض ذلك في نصوص القرافي.

[67]. ضرب ابن رشد الحفيد المثل الأروع في هذا في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مع روعة الأسلوب وجمال المنهج واختصار العبارة.

[68]. البرهان في أصول الفقه، م، س، 2/724.

[69]. المرجع نفسه، 2/276.

[70]. المرجع نفسه، 2/785.

[71]. المرجع نفسه، 2/721.

[72]. المرجع نفسه، 785.

[73]. انظر: البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي بدر الدين، تحقيق: محمد محمد تامر، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، (1421هـ/2000م)، 4/377.

[74]. المرجع نفسه، 4/377.

[75] . شرح تنقيح الفصول، للقرافي شهاب الدين، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، ط1، (1393هـ/1973م)، ص446.

[76]. المرجع نفسه، ص393.

[77]. المرجع نفسه، ص394.

[78]. المرجع نفسه، ص448.

[79]. قال في مراقي السعود:

والوصف حيث الاعتبار يجهل فهو الاستصلاح قل والمرسل.

نقبله لعمل الصحابة               كالنقط للمصحف والكتابة.

تولية الصديق للفاروق              وهدم جار مسجد للضيق.

وعمل السكة تجديد الندا           والسجن تدوين الدواوين بدا.

انظر: نشر البنوذ على مراقي السعود، للعلوي الشنقيطي سيدي عبد الله بن إبراهيم، اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، 2/189-190.

[80]. انظر: ضوابط المصلحة، البوطي سعيد رمضان، ص115 وما بعدها.

[81]. مقدمة تحقيق المعلم بفوائد مسلم، للشاذلي النيفر، 1/93.

[82]. طبقات الشافعية الكبرى، م، س، 5/192.

[83]. التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب، لخليل بن إسحاق بن موسى، المصري، تحقيق: أحمد بن عبد الكريم نجيب، مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، ط1، (1429هـ/2008م)، 7/218.

[84] . مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، للحطاب محمد بن محمد الطرابلسي المغربي الرُّعيني، تحقيق: زكريا عميرات، دار عالم الكتب، (1423هـ/2003م)، 7/558.

[85]. منح الجليل شرح على مختصر سيد خليل، لعليش محمد، بيروت: دار الفكر، (1409هـ/1989م)، 7/513-514.

Science
الوسوم

ذ. الحنفي المراد

كلية الآداب جامعة ابن طفيل

القنيطرة-المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق