وحدة الإحياءدراسات عامة

ملامح من منهج النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام في بيان معاني القرآن

إن تفسير القرآن الكريم من أعظم العلوم شأنا، وأرفعها قدرا، وأشرفها موضوعا وغرضا. فقد جعله الله تعالى كتاب الإنسانية جمعاء على امتداد الزمان واتساع المكان، ودعاها إلى تلاوته وتدبر آياته وفهم معانيه.

   قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 28].

   قال الإمام القرطبي في تفسيره: “فالواجب على من خصه الله بحفظ كتابه، أن يتلوه حق تلاوته ويتدبر حقائق عبارته، ويتفهم عجائبه ويتبين غرائبه”1.

  فالغاية من تفسير كتاب الله تعالى وبيانه هو تدبره والوقوف على أسراره ومقاصده؛ لأنه دستور الحياة البشرية والقادر على إمدادها بأجوبة قيمة ومناسبة لأسئلتها المتجددة.

  ومنذ نزول الكتاب الكريم والرسول، صلى الله عليه وسلم، يوضح ويبين ما جاء في آياته، وينبه على معانيه وأسراره، مبلغا ما أمره الله تعالى بتبليغه، ومبينا للناس ما نزل إليهم.

قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44].

  وبيان الرسول، صلى الله عليه وسلم، للقرآن كان في تفسير ما كان مشكلا، وتفصيل ما كان مجملا، وتحقيق ما كان محتملا، مطبقا لأحكام الشرع الحكيم وموضحا لغاياته ومقاصده.

وهو في ذلك، صلى الله عليه وسلم، يرسم لأصحابه ولأمته معالم منهجه القويم، وهديه الكريم في فهم معاني كتاب الله تعالى، وتدبر أسراره وحكمه، وكيفية تنزيله على واقع حياتهم.

وعلى هذا الأساس سار الرعيل الأول من الصحابة الكرام، فأقبلوا على مائدة القرآن الكريم،

مستمدين أحكامه، مستنبطين أسراره، محكمينه في حياتهم، وملبين دعوة الحق سبحانه: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ [ص: 28].

ولقيمة هذا المنهج العظيم وأصالته في الاستمداد من الوحي، سأشير في هذه المداخلة إلى بعض ملامحه ومعالمه من خلال النقط الآتية:

أولا: الحديث عن بعض ملامح منهج النبي، صلى الله عليه وسلم، في بيان معاني القرآن الكريم بصفته مبلغا ومبينا لكلام رب العالمين.

ثانيا: ذكر بعض معالم منهج الصحابة الكرام في تفسير القرآن العظيم وهم من ورث علم النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن ثم ورثوا منهجه عليه الصلاة والسلام في فهم القرآن الكريم وتدبر آياته.

ملامح منهج النبي، صلى الله عليه وسلم، في بيان معاني القرآن الكريم

من سنن الله تعالى في إرسال الرسل أن يبعث لكل أمة رسولا أو نبيا بلسان قومه.         

قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 5].

وقال عز وجل: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2].

فكان من الطبيعي أن يفهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، القرآن الكريم جملة وتفصيلا، حتى يتأتى له القيام بما كلفه به ربه تعالى من تفسيره وتبيينه لأمته، إذ خاطبه عز وجل بقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44].

وفي قوله عز وجل: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64].

فمهمة الرسول، صلى الله عليه وسلم، تجمع بين تبليغ ما أنزل إليه من ربه تعالى، وتبيين ذلك المنزل وتفسيره للناس، وهذا ما نفهمه بوضوح من هذه الآية الكريمة: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ  [النور: 52].

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم عربا خلصا يفهمون القرآن الكريم بمقتضى السليقة العربية، وإذا أشكل عليهم شيء سألوا عنه النبي، صلى الله عليه وسلم، فيبينه ويوضحه لهم، وقد اختلف العلماء في معنى “البيان” الوارد في الآية الكريمة (ليبين لهم).

قال الألوسي في روح المعاني: “عن مجاهد أن المراد بهذا التبيين تفسير المجمل وشرح ما أشكل إذ هما المحتاجان للتبيين، وأما النص والظاهر فلا يحتاجان إليه. وقيل: إيقافهم على حسب استعداداتهم المتفاوتة على ما خفي عليهم من أسرار القرآن وعلومه التي لا تكاد تحصى ولا يختص ذلك بتبيين الحرام والحلال، وأحوال القرون الخالية والأمم الماضية، واستأنس له بما أخرجه الحاكم وصححه عن حذيفة قال: “قام فينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مقاما أخبرنا فيه بما يكون إلى يوم القيامة عقله منا من عقله ونسيه من نسيه”. وهذا في معنى ما ذكر غير واحد أن التبيين أعم من التصريح  بالمقصود ومن الإشارة إلى ما يدل عليها، ويدخل فيه القياس وإشارة النص ودلالته وما يستنبط منه من العقائد والحقائق والأسرار”2.

وقال القنوجي في فتح البيان في مقاصد القرآن: “وبيان الكتاب يطلب من السنة والمبين لذلك المجمل هو الرسول صلى الله عليه وسلم”3.

   والقول بأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو المبين لما أجمل وأشكل في القرآن الكريم، يستلزم منه أنه، صلى الله عليه وسلم، فهم القرآن الكريم جملة وتفصيلا؛ لأنه أعلم الناس بأسرار الكتاب الكريم وأدراهم بخطابه تعالى الذي يخاطب به عباده، ويؤكد هذا الأمر ويجليه ما ورد في السنة النبوية الشريفة من أحاديث كثيرة تبين تفسير الرسول، صلى الله عليه وسلم، للقرآن الكريم.

  وبيان الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليس من الضروري أن يكون لكل لفظ من القرآن؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يرجعون إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما لم يشكل عليهم فهمه.

وقد اختلف العلماء في المقدار الذي بينه الرسول، صلى الله عليه وسلم، من القرآن الكريم لأصحابه:

فمنهم من قال: أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، فسر كل القرآن؛ لأنه مأمور بالتبليغ، فلابد له أن يبلغ معانيه كما بلغ ألفاظه.

ومنهم من ذهب إلى: أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يفسر القرآن الكريم جملة وتفصيلا، بل قليل من معاني القرآن.

ولكلا الفريقين أدلته التي استند إليها لترجيح مذهبه، والرأي الذي يمكن الاطمئنان إليه في هذه المسألة: هو أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يفسر من القرآن ما أشكل على الصحابة رضي الله عنهم وذلك لأنهم أهل لغة، وكانت لهم قدرة وملكة على فهم الكثير من القرآن دون الرجوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكذلك أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يفسر كل معاني القرآن، بل ترك الآيات التي لم يكن الصحابة رضي الله عنهم في حاجة إلى تبيانها، وكان يكفيهم الرجوع إليها اعتمادهم على قدراتهم وطاقاتهم لفهمها، ومما يؤكد ذلك اختلاف الصحابة، رضي الله عنهم، في تفسير بعض الآيات وتفاوتهم على مستوى فهمها وبيانها.

وقد أوضح لنا هذا الرأي بشكل جلي د. محمد الحسين الذهبي حين قال: “والرأي الذي تميل إليه النفس بعد أن اتضح لنا مغالاة كل فريق في دعواه، وعدم صلاحية الأدلة لإثبات المدعى هو أن نتوسط بين الرأيين فنقول: الرسول، صلى الله عليه وسلم، بين الكثير من معاني القرآن لأصحابه، كما تشهد بذلك كتب الصحاح، ولم يبين كل معاني القرآن؛ لأن من القرآن ما استأثر الله تعالى بعلمه، ومنه ما يعلمه العلماء، ومنه ما تعلمه العرب من لغاتها، ومنه ما لا يعذر أحد بجهالته؛ لأنه لا يخفى على أحد، ولم يفسر لهم ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة، وحقيقة الروح، وغير ذلك من كل ما يجري مجرى الغيوب التي لم يطلع الله عليها نبيه، وإنما فسر لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعض المغيبات التي أخفاها الله عنهم وأطلعه عليها، وأمره ببيانها لهم، وفسر لهم أيضا كثيرا مما يندرج تحت القسم الثالث، وهو ما يعلمه العلماء ويرجع إلى اجتهادهم، كبيان المجمل وتخصيص العام وتوضيح المشكل وما إلى ذلك من كل ما خفي معناه والتبس المراد به، هذا وإن مما يؤيد أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يفسر كل معاني القرآن أن الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، وقع بينهم الاختلاف في تأويل بعض الآيات، ولو كان عندهم فيه نص عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما وقع هذا الاختلاف ولارتفع بعد الوقوف على النص”4.

وإذا تأملنا منهج الرسول، صلى الله عليه وسلم، في بيان القرآن الكريم، وجدناه يستمد تفسيره من القرآن نفسه، ويبين آياته الكريمة في سنته الشريفة، قولا وفعلا وتقريرا، ويتأول معانيه ومبادئه في سلوكه وأخلاقه وتصرفاته.

   تفسير القرآن بالقرآن

قال الإمام ابن تيمية: “فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له”5.

بمعنى أن ما ورد من آيات القرآن المفسرة لآيات أخرى، ولأن القرآن الكريم قد يجمل في مكان ويبين في مكان آخر، وما جاء مطلقا في موضع قد يقيد في موضع ثان، فيحمل المطلق على المقيد ويحمل العام على الخاص.

ومثال ذلك: ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزل قول الله عز وجل:

  ﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام: 83].

شق ذلك على الصحابة لما فهموه من عموم الظلم، حتى بين لهم النبي، صلى الله عليه وسلم، أن هذا الظلم خاص بالشرك مستدلا بآية أخرى وهي قوله تعالى حكاية عن وصية لقمان لابنه:

﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 12].

تفسير القرآن بالسنة

ميز العلماء بين مصطلحين مهمين هما: التفسير النبوي وتفسير القرآن بالسنة.

فالتفسير النبوي: هو تفسير جاهز صدر عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، سواء كان قولا أو فعلا أو إقرارا صريحا في إرادة التفسير، فأفعاله، صلى الله عليه وسلم، وأقواله وتقريراته وسيلة بيانية وتفسيرية لما جاء في القرآن الكريم، ويدخل ضمن ذلك السنة الفعلية والقولية والتقريرية التي تتضمن بيان الرسول، صلى الله عليه وسلم، لوجوه الأمر والنهي في القرآن والأحكام والتشريعات ومقادير الفرائض والحدود وغيرها.

قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي: “كل ما حكم به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو مما فهمه من القرآن”6.

ويمكن أن نحصر أمثلة التفسير النبوي في ثلاثة أنواع:

أن يسأل الصحابة عن المعنى المراد من الآية ومثله: ما رواه الإمام الترمذي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، سألاه عن “البشرى” وذلك في قوله تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ [يونس: 64]. وقد فسرها الرسول، صلى الله عليه وسلم، بقوله: “هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له”.

أن يبتدر الرسول صحابته بتفسير آية ومنه: ما أخرجه الإمام البخاري ومسلم عن أبي هريرة

 أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: “قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا: حطة تغفر لكم خطاياكم” فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا: حبة في شعرة”7.

وما أخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة ولا اللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، واقرؤوا”8 ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا إن شئتم يعني قوله: أن يتأول أمرا أو نهيا في القرآن الكريم: والتأول هو ما يقوم به من أفعال تكون تفسيرا للخطاب القرآني ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 213].

والمتتبع  لمصنفات السنة النبوية التي أفردت أبوابا للتفسير المأثور عن النبي، صلى الله عليه وسلم، يجد أنها ذكرت عددا من أسئلة الصحابة رضي الله عنهم  لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما أشكل عليهم من القرآن الكريم، كما تضمنت كثيرا من تفسير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ابتداء باعتباره مبلغا عن الله تعالى ومبينا لما جاء في كتابه الكريم.

أما تفسير القرآن بالسنة: هو تفسير يدخل ضمن دائرة الاجتهاد، حيث يخضع إلى محاولات المفسر البحث عن المعنى المراد من خلال الأحاديث النبوية التي يمكن أن تكون تفسيرا للآية المراد شرحها، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم: 31]، روى الطبري عن ابن عباس أنه قال: “ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي  صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه”.

السيرة النبوية والبيان النبوي

إن سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، تجسيد حي لتعاليم الإسلام السمحة، كما أرادها الله تعالى أن تطبق في الواقع، وتطبيق واقعي لمنهجه الكريم، وتفسير أمثل لكتابه العظيم مما يعين على فهمه وإدراك مقاصده السامية وحكمه الجليلة، ومعرفتها ضرورية لعلماء الشريعة عموما والمفسرين منهم على وجه الخصوص، وذلك لأنها توضح الإطار العام للآيات القرآنية الكريمة، وتبين سياق ورودها، وتحدد أسباب ومواضع نزولها.

وليتم البيان ولتقوم الحجة على العالمين، جعل الله تعالى الرسول، صلى الله عليه وسلم، نموذجا بشريا وأسوة حسنة للناس جميعا، حيث بين، صلى الله عليه وسلم، بفعله وقوله مبادئ القرآن الكريم وترجم بسلوكه وأخلاقه المنهج الرباني القويم. قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].

والمتتبع لأحداث السيرة النبوية يجد هذا البيان النبوي لعدد من الآيات الكريمة، خاصة ما يتعلق بغزواته، صلى الله عليه وسلم، والأحداث الكبيرة في حياته عليه الصلاة والسلام فعدد مهم منها تفسرها أحداث السيرة النبوية، وتجليها أسباب وظروف نزولها، ومواقع حدوثها.

ويمكن أن نجمل القول: أن من مميزات المنهج النبوي في بيان القرآن الكريم، البيان بالقول والفعل، وذلك لبيان مجمل، أو توضيح مشكل، أو تخصيص عام، أو تقييد مطلق، أو بيان معنى لفظ، أو توضيح مبهم، أو تأول أمر وغيره.

بعض معالم منهج الصحابة الكرام في تفسير القرآن العظيم 

فهم الصحابة الكرام القرآن الكريم جملة؛ لأنه نزل بلغتهم وعلى أساليبهم، وكان إذا أشكل عليهم شيء من القرآن سألوا عنه النبي، صلى الله عليه وسلم، لكن حين التحق الرسول، عليه الصلاة والسلام، بالرفيق الأعلى، حاولوا الكشف عن المعنى المراد باجتهادهم، متبعين في ذلك منهجا متميزا يمكنهم من الفهم الصحيح للآيات المراد تفسيرها.

وقد اشتهر بالتفسير عدد منهم، ذكرهم جلال الدين السيوطي في الإتقان حيث قال: “اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم علي بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة نزرة جدا، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم، كما أن ذلك هو السبب في قلة رواية أبي بكر رضي الله عنه  للحديث”9.

ويمكن إجمال منهج الصحابة رضي الله عنهم في تفسير القرآن باعتمادهم على المصادر الآتية:

تفسير القرآن بالقرآن وتدبر مجموع آياته، إذ أن بعضه يفسر بعضا.

استقصاء ما يصل الواحد منهم من سنة نبوية.

معرفتهم بأسباب النزول وسياقاتها المختلفة.

الاستناد إلى معرفتهم باللغة العربية وأساليبها وعادات الجاهلية وأوضاعها.

اعتماد بعضهم على من أسلم من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، ووهب بن منبه وكعب الأحبار في تفصيل ما ورد مجملا في القرآن عن مبدأ الخليقة، والأمم الغابرة وقصص الأنبياء وذلك عندما  لا يجدون فيه تفصيلا في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ويكون مما لا يتعارض مع ما ورد في القرآن، ولا مع ما هو مقرر في معتقدات الإسلام.

استعمال الرأي والاجتهاد

ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم على مستوى واحد في استيعاب كل هذه المصادر التي يعتمد عليها منهجهم في التفسير، بل إن ما يعلمه البعض منهم في كل مصدر قد يغيب عن البعض الآخر، ويمكن أن نرجع ذلك إلى:

تفاوتهم في أدوات الفهم، كالعلم باللغة، فمنهم من كان واسع الاطلاع فيها عالما بغريبها، ومنهم دون ذلك.

تفاوتهم في ملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم.

تفاوتهم في معرفة أسباب النزول.

تفاوتهم في مداركهم العقلية شأنهم شأن غيرهم من البشر.

  وإن تفسير الصحابي، عند العلماء، له حكم المرفوع إذا كان مما يرجع إلى أسباب النزول، وما ليس للصحابي فيه رأي، وقد أكد ذلك بدر الدين الزركشي في قوله: “فإن تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم”10.

أما ما يكون للرأي فيه مجال فهو موقوف عليه، ما دام لم يستند إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو القسم الذي اختلف فيه العلماء من تفسير الصحابي.

ومن أمثلة تفسير الصحابة للقرآن:

ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، من طريق ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم: فيمن ترون هذه الآية نزلت: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ [البقرة: 265] قالوا: الله أعلم، فغضب عمر، فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال: ابن عباس: في نفسي شيء، فقال: يا بن أخي، قل ولا تحقر نفسك. قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لرجل يعمل بطاعة الله، ثم بعث له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.

 ومن مميزات تفسير الصحابة رضي الله عنهم:

أن تفسيرهم كان مطبوعا بطابع النقل والرواية، حتى فيما يقولونه بالرأي والدراية، ولذلك اعتبر تفسير علمائهم من مصادر التفسير كعلي وابن عباس11.

كثيرا ما يكتفون بالمعنى الإجمالي، وتوضيح المعنى اللغوي الذي فهموه بأخصر لفظ، وذلك بعد التدبر والنظر.

قلة اختلافهم في فهم معاني القرآن الكريم.

هذه بعض ملامح ومعالم منهج النبي، صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام في بيان معاني القرآن الكريم، ولعل في المناقشة ما يثري هذه المحاور ويغنيها.

الهوامش

  1. أبو عبد الله محمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، بيروت: دار الكتب العلمية/ لبنان، ط5، 1/25.
  2. أبو الفضل الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، (1415هـ/1994م)، 7/389.
  3. أبو الطيب القنوجي، فتح البيان في مقاصد القرآن، صيدا-بيروت: المكتبة العصرية، طبعة (1412هـ/1992م)، 7/248.
  4. محمد الحسين الذهبي، التفسير والمفسرون، القاهرة: مكتبة وهبة/مصر، ط5، (1413هـ/1992م)، 1/50.
  5. ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، تحقيق: الدكتور عدنان زرزور، مكة المكرمة: دار الرسالة/المملكة العربية السعودية. طبعة (1415هـ/1995م)، ص: 82.
  6. المصدر السابق.
  7. أخرجه الإمام البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب :﴿وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية)، والإمام مسلم في صحيحه، أبواب التفسير.
  8.  أخرجه الإمام البخاري في صحيح كتاب التفسير باب: ﴿لا يسئلون الناس إلحافا).
  9.  جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، بيروت: دار الكتاب العربي/لبنان، ط1، (1419هـ/1999م)، ص466.
  10.  بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط3، دار الفكر، 2/157.
  11.  يقول الزركشي في ذلك: “وصدور المفسرين من الصحابة: علي، ثم ابن عباس -وهو تجرد لهذا الشأن، والمحفوظ عنه أكثر من المحفوظ عن علي، إلا أن ابن عباس كان أخذ عن علي- ويتلوه عبد الله بن عمرو بن العاص، وكل ما ورد عن الصحابة فحسن مقدم” البرهان، 2 / 157.
Science
الوسوم

الدكتورة بشرى غرساوي

عضو الرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق