مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

مصطلح شيخ عند بعض المحدثين المتقدمين

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم:

     إن الناظر في كتب الجرح والتعديل يجد نقاد الحديث المتقدمين لهم اصطلاحات كثيرة في بيان مراتب الرواة المتكلم فيهم جرحا وتعديلا، وهي متفاوتة في معناها تبعا لقائليها من النقاد، ولهذا لابد من معرفة مقاصدهم من تلك المصطلحات كما قال الإمام الذهبي رحمه الله: “نحن نفتقر إلى تحرير عبارات  التعديل والجرح، وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة، ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام عرف ذلك الجهبد واصطلاحه ،ومقاصده بعباراته الكثيرة”. [1]

ومن بين هذه المصطلحات : مصطلح : “شيخ”؛ الذي أُطلق على عدد من الرواة الضعفاء ،وكذا على الثقات، وهذا اللفظ إما أن يكون مطلقا، أو مقيدا بأحد عبارات التوثيق أو التجريح،   وأكثر من استخدمه من النقاد: الإمام  أبي حاتم الرازي( 277هـ) رحمه الله.

ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أكتب حوله مقالا أبين فيه مدلول هذا المصطلح عند بعض النقاد  المتقدمين من خلال عرضي لبعض النماذج من الرواة الذين قيل فيهم ذلك، دون استقصاء كامل للموضوع، لأن ذلك غير ممكن في مقال مختصر كهذا ، وقبل الخوض في هذا الموضوع لابد من التعريف الموجز بكلمة “شيخ”  من الناحية اللغوية فأقول وبالله التوفيق:

تعريف مصطلح “شيخ ” من الناحية اللغوية:

1-الشيخ لغة: كلمة تدل على الهرم والشيخوخة والكبر .

قال ابن فارس: “الشين والياء والخاء كلمة واحدة، وهي الشيخ. تقول: هو شيخ، وهو معروف، بين الشيخوخة والشيخ والتشييخ”[2].

وقال ابن منظور: “الشيخ : هو الذي استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب “[3].

مصطلح شيخ عند بعض المحدثين المتقدمين:

أطلق نقاد الحديث المتقدمين مصطلح ” شيخ”  على بعض الرواة إما مطلقا ، أو مقيدا بمصطلح آخر من مصطلحات النقد الحديثي، قد يكون من مصطلحات التوثيق، وقد يكون من مصطلحات التجريح ، وإن من أكثر الأئمة الذين استعملوا  هذه العبارة بنوعيها- مطلقة ومقيدة – على الرواة:  الإمام  أبو حاتم الرازي (277هـ) رحمه الله، وسأتناول في هذه النقطة مصطلح “شيخ ” بنوعيه –المطلق والمقيد -من خلال نماذج منتقاة من الرواة الذين أطلق بعض الأئمة النقاد المتقدمين عليهم ذلك ، وهي كالآتي:

النوع الأول: مصطلح “شيخ” المطلق عند بعض النقاد المتقدمين  مع ذكر نموذجين ممن قيل فيهم ذلك .

    إن أول من وضع مراتب الجرح والتعديل الإمام الحافظ ابن أبي حاتم الرازي في كتابه: “مقدمة الجرح والتعديل”، وجعل مصطلح “شيخ” في أدنى مراتب التعديل؛ حيث وضعه في المنزلة الثالثة وهي المرتبة التي يكتب حديثه  وينظر فيه للاعتبار قال: “وإذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه؛ إلا أنه دون الثانية”[4].

قال الزركشي نقلا عن الحافظ جمال الدين المزي:  ” المراد بقولهم ” شيخ ” أنه لا يترك ولا يحتج بحديثه مستقلا” [5].

وممن ذكر هذا من المتقدمين الإمام مسلم حيث نقل لابن جريج كلاما بشأن هشام بن بهرام قال: “أما الأحاديث التي ذكرناها من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق”[6] فليس منها واحد يثبت، وذلك أن ابن جريج قال في حديث أبي الزبير عن جابر: فأما رواية المعافى بن عمران، عن أفلح ، عن القاسم، عن عائشة، فليس بمستفيض عن المعافى، إنما روى هشام بن بهرام، وهو شيخ من الشيوخ ، ولا يقر الحديث بمثله إذا تفرد” [7].

كما أن الاستعمال المطلق لكلمة شيخ وإن كان عند بعض المتقدمين  يطلقونه على من كان بمنزلة من يكتب حديثه  للاعتبار ، إلا أنه يطلق كذلك على  الراوي الثقة الذي يقل عن درجة الإتقان ويؤيد ذلك ما قاله  الحافظ ابن رجب الحنبلي : “إن الشيوخ في اصطلاح أهل العلم عبارة عمن دون الأئمة الحفاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيره”[8].

ومن نماذج ذلك أذكر نموذجين :

خالد بن علقمة الهمداني الوادعي؛ قال يحيى بن معين (233هـ) : “ثقة”، وكذلك قال النسائي (303هـ)[9]،  وقال أبو حاتم (277هـ): شيخ[10] .

عبيد بن أبي أمية الحنفي الإيادي؛ قال أبو حاتم: شيخ [11]، وقال يحيى بن معين: ثقة[12]، وقال              أبو زرعة: لابأس به[13].

النوع الثاني: مصطلح “شيخ” المقيد مع كلمة أخرى عند بعض النقاد المتقدمين من خلال نماذج منتقاة من الرواة الذين قيل فيهم ذلك:

إن مصطلح “شيخ” المقيد بمصطلح آخر من مصطلحات النقد الحديثي، قد يكون من ألفاظ التوثيق، وقد يكون من ألفاظ التضعيف ،  وفي هذه الحالة يعتبر اللفظ النقدي الذي اقترن به قرينة قوية دالة على معناه؛ كقولهم في الراوي: “شيخ ثقة ” ، و “شيخ صدوق”، أو  ” لابأس به” ..الخ التي تدل على التوثيق، كقول أحمد بن حنبل في إسحاق بن حازم المدني  : شيخ ثقة[14]،  وقول أبي حاتم الرازي في حكيم بن سيف بن حكيم الأسدي الرقي: “شيخ صدوق لا بأس به يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين”[15]؛ وقال ابن حجر : قال ابن عبد البر : “شيخ صدوق لا بأس به عندهم”[16].

وأما قولهم في الراوي: “شيخ ضعيف” مثل قول الإمام أبي حاتم الرازي  في إبراهيم بن الجعد: شيخ ضعيف[17]، أو “شيخ منكر الحديث” مثل قول أبي حاتم في حازم بن عطاء : شيخ منكر الحديث ليس بالقوي[18]، أو شيخ ليس بذاك، مثل قول الإمام أبي زرعة الرازي في الحكم بن فضيل: هو شيخ ليس بذاك[19].. الخ فهذه العبارات كلها للتضعيف كما تدل عليه القرائن التي اقترنت  بهذا اللفظ.  

الخاتمة:

من خلال ما تقدم خلصت إلى أن:

أن مصطلح شيخ عند بعض النقاد المتقدمين التي أطلقوها على بعض الرواة  قد تكون مطلقة ، وقد تكون مقيدة بمصطلح آخر من مصطلحات النقد الحديثي.

من أكثر الأئمة الذين استعملوا هذا اللفظ بنوعيه المطلق والمقيد : الإمام أبو حاتم الرازي.

أن مصطلح شيخ ” إذا أطلق عند بعض المتقدمين فهو بمنزلة من لا يترك حديثه ولا يحتج به منفردا.

أن مصطلح “شيخ”يطلق كذلك على  الراوي الثقة الذي يقل عن درجة الإتقان.

أن مصطلح شيخ إذا قيد بعبارة أخرى  من العبارات قد تكون من عبارات التوثيق وقد تكون من عبارات التجريح ؛ في هذه الحالة يعتبر اللفظ النقدي الذي اقترنت به قرينة قوية دالة على معناه .

***********************

هوامش المقال:

[1]  – الموقظة في علم الحديث (ص: 82).

[2]  – معجم مقاييس اللغة (3 /234) مادة “شيخ”.

[3] – لسان العرب (3/ 31) مادة : “شيخ”.

[4]  – الجرح والتعديل (2/ 37).

[5]  – النكت على مقدمة ابن الصلاح (ص: 286).

[6] – أخرجه أبو داود في سننه (3 /161) ، كتاب الحج، باب : في المواقيت برقم (1739).

[7]  – التمييز (ص: 215).

[8]  – شرح علل الترمذي (2/ 658).

[9]  –  تهذيب الكمال (8/ 134).

[10]  –  انظر: الجرح والتعديل (3/ 343).

[11]  –  الجرح والتعديل (5 /401).

[12]  – نقلا عن  تهذيب الكمال (19 /188).

[13]  – نقلا عن  تهذيب الكمال (19 /188).

[14]  –  علل أحمد  (1 /531).

[15]  –  الجرح والتعديل (3 /205).

[16]  –  تهذيب التهذيب (2 /449)

[17]  – الجرح والتعديل (2 /91).

[18]  – الجرح والتعديل (3 /279) .

[19]  – سؤالات البرذيعي  لأبي زرعة الرازي  (1 /250).

************************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني. طبعة دار المعارف تصوير: دار الكتاب الإسلامي القاهرة. 1414هـ- 1993مـ

تهذيب الكمال في أسماء الرجال. لجمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي. حققه وضبط نصه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. مؤسسة الرسالة بيروت. ط 2/ 1407هـ- 1987مـ.

الجرح والتعديل. لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الرازي . دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الهند  سنة 1371هـ- 1952مـ. تصوير دار الكتب العلمية بيروت .

سنن أبي داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. حققه وضبط نصه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي – شادي محسن الشياب. دار الرسالة العالمية طبعة خاصة 1430هـ- 2009م.

سؤالات البرذيعي لأبي زرعة الرازي. ومعه كتاب أسامي الضعفاء. تحقيق: أبو عمر محمد بن علي الأزهري. الناشر: الفاروق الحديثة القاهرة. ط1/ 1430هـ- 2009مـ

شرح علل الترمذي. لابن رجب الحنبلي. تحقيق ودراسة: د همام عبد الرحيم سعيد. مكتبة الرشد الرياض. ط2/ 1421هـ- 2001مـ

العلل ومعرفة الرجال. لأحمد بن حنبل تحقيق وتخريج: د وصي الله بن محمد عباس دار الخاني الرياض. ط2/ 1422هـ- 2001مـ

لسان العرب . لجمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي. دار صادر بيروت ط3/ 1414هـ- 1994مـ.

معجم مقاييس اللغة. لأحمد بن فارس بن زكريا. تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر بيروت 1399 هـ- 1979مـ.

منهج النقد عند المحدثين لمصطفى الأعظمي  ويليه كتاب التمييز لمسلم . مكتبة الكوثر السعودية ط3/ 1410هـ – 1990مـ .

الموقظة في علم مصطلح الحديث. لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. اعتنى به: عبد الفتاح أبو غدة. الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب ط 2/ 1412هـ.

النكت على مقدمة ابن الصلاح. لبدر الدين الزركشي. تحقيق: محمد علي سمك. منشورات دار الكتب العلمية  2004 مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق