مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

عرض لكتاب : آراء الكلابية العقدية وأثرها في الأشعرية

               في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة
                 هدى بنت ناصر بن محمد الشلالي

تقول الباحثة في مقدمة الكتاب: « نال هذا الموضوع أهميته من عدة نواحي:
1- إن الكلابية فرقة لم يتسن لها الاشتهار كغيرها من الفرق علما أن لها دورا كبيرا في الفكر الإسلامي، ذلك أنها دافعت عن العقيدة الإسلامية ضد المعتقدات المنحرفة الدخيلة عليها ولكن على قواعد كلامية عقلية، الأمر الذي كان له أثر في القرب أو البعد عن المنهج الإسلامي الذي يعتمد على النقل الذي لا يعارض العقل.
2- إن هذه الفرقة أوجدت أقوالا في الاعتقاد نتيجة لاعتمادها على المنهج العقلي الكلامي لم يسبقها في هذه الأقوال أحد، فكان جديرا أن تنسب إليهم هذه الأقوال مثل القول بالكلام النفسي، فكان هذا البحث محاولة لمعرفة مسائل الاعتقاد عندهم والأمور التي أحدثوها.
3- نتج عن ظهور هذه المدرسة أن تأثر بها من أتى بعدها كالأشعرية، فكان لابد من معرفة آثارها الاعتقادية في المذهب الأشعري.
4- معرفة موقف السلف من الأمور التي خالف فيها الكلابية»[1].
[وانطلاقا من ذلك فإن بحثها انبنى على أربعة فصول؛ خصصت الفصل الأول لعرض ترجمة أعلام المدرسة الكلابية، وهم: عبد الله بن كلاب، والحارث المحاسبي، وأبي العباس القلانسي، وأبي علي الثقفي، وأبي بكر الصبغي. وكان الهدف من هذه التراجم معرفة هذه الشخصيات عن قرب ومعرفة الحالة التاريخية لعصرهم. والفصل الثاني كان بعنوان: أهم آراء الكلابية في الصفات، وهو أهم فصول الكتاب، لأن معظم أقوال الكلابية تدور حول الصفات بين نفي وإثبات ورد على المخالفين. وكان الفصل الثالث بعنوان: أهم آراء الكلابية في القضاء والقدر. والفصل الرابع بعنوان آراء الكلابية في مسائل الإيمان، وهو ما سأعرضه في هذه المقالة كمثال على آراء الكلابية وأثرها في أقوال متكلمي الأشاعرة.]  
تقول الباحثة: «ظهر الفكر الكلابي كدفاع عن العقيدة من الانحرافات والتصورات الدخيلة عليها، فقد عاش ابن كلاب في زمن المأمون الذي كانت خلافته من 198هـ إلى 218هـ ومن بعده، وكان ابن كلاب رأس المتكلمين بالبصرة، أهم ما يميز حياته هو رده على المعتزلة والجهمية. وقد قال عنه ضياء الدين الخطيب والد فخر الدين الرازي:« ومن متكلمي أهل السنة في أيام المأمون عبد الله بن سعيد التميمي الذي دمّر المعتزلة في مجلس المأمون، وفضحهم ببيانه»[2]، وهذا يعني أن هذا الفكر الكلابي كان دوره كبيرا وقويا وجريئا في الرد على المخالفين من الجهمية والمعتزلة حتى في مجالسهم وفي مجالس الدولة التي تعتنق المذهب الاعتزالي..»[3]وتحت عنوان فرعي: “منهج ابن كلاب وشخصيته” تقول الباحثة:
« تميز ابن كلاب بمنهج جدلي يعتمد على العقل أولا ثم النص، ولعلنا قد ذكرنا أن سبب لقبه بابن كلاب لشدة مناظرته الخصم ولجذبه إليه كالكلاب، وقد كان له دور في الرد على المعتزلة والجهمية الذين اعتمدوا على العقل في أمور العقيدة، الأمر الذي جعلهم يخرجون عن جادة الصواب؛ من ذلك نفيهم للصفات والرؤية، وقد أقاموا الأدلة العقلية على ذلك وهي في الحقيقة غير صحيحة لأن دور العقل ينتهي ويتوقف تماما إذا تعلق الأمر بالأمور الغيبية من صفات الله سبحانه وتعالى ورؤيته وغير ذلك. لذا قام ابن كلاب للرد عليهم حتى في عز وأوج قوتهم وسلطانهم؛ حيث تحكم الدولة في الوقت بهذا المذهب، مما يدل على قوة شخصيته مع قوة حجته. فردّ عليهم معتمدا على منهج جديد يتضمن الجمع بين الأدلة العقلية والنقلية وإن كانت الصبغة  العقلية هي الأكثر وضوحا..» [4][ وتلاحظ الباحثة أن ابن كلاب الذي قام للرد على المعتزلة والجهمية الذين اعتمدوا على العقل؛ أنه لم يسلم من أصلهم الذي اعتمدوا عليه وهو الاعتماد  على العقل في الأمور الغيبية مع الفارق بينهما حيث يعتبر ابن كلاب خيرا وأقرب إلى السنة منهم، وذلك من خلال عرضها لأفكار ابن كلاب في مسألة الصفات في الفصل الثاني من الكتاب..]وعن مكانته في علم الكلام تقول الباحثة: «أما مكانة ابن كلاب من علم الكلام، فيعتبر من أعلامه الذين أضافوا إليه المزيد؛ ولكن بمنهج خاص به، فهو لم يعجبه منهج الجهمية والمعتزلة العقلي الجاف، كذلك لم يتقيد بنصوص النقل التي كانت في رأيه غير كافية لقوم يعتمدون على العقل، فوجب مخاطبة هؤلاء بما يؤمنون به وإلزامهم الحجة العقلية ودحض حججهم..»[5]، [مما نتج عنه أقواله وآراؤه التي عرضَتها في مختلف فصول ومباحث هذا الكتاب، والتي أثَّرت كثيرا في آراء متكلمي الأشاعرة، وسوف أقتصر في هذا المقال على عرض أحد هذه الآراء والمتمثل في مبحث الإيمان].
– أثر الآراء الكلابية في مسائل الإيمان على الأشعرية:
المطلب الأول: تعريف الإيمان:
تقول الباحثة: «في المبحث السابق ذكرنا أن قول ابن كلاب في تعريف الإيمان أنه: تصديق بالقلب وقول باللسان، وأنه الإقرار بالله عز وجل، بكتبه ورسله، ويكون ذلك عن معرفة وتصديق بالقلب. وذكرنا أن القلانسي والثقفي لم يكونا على هذا القول؛ بل نصروا مذهب السلف من أن الإيمان قول واعتقاد وعمل.[6] فالقول الأول هو قول ابن كلاب، والثاني هو قول القلانسي والثقفي الذي وافق السلف، فالكلابية لم تتفق على قول واحد في تعريف الإيمان، وكذلك الحال عند أبي الحسن الأشعري؛ فقد عرف عنه قولين، وإن كان  أحدهما أشهر من الآخر. فالقول الأول موافق لقول السلف من أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وهذا القول لم يشتهر به، إنما القول الثاني هو الذي عرف به؛ وهو أن الإيمان هو التصديق، وهذا الذي تابع فيه ابن كلاب، يقول عن ذلك:« فإن قال قائل: ما الإيمان عندكم بالله تعالى؟ قيل له: هو التصديق بالله، وعلى ذلك إجماع أهل اللغة التي نزل بها القرآن، قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)[إبراهيم-4] وقال تعالى:(بلسان عربي مبين)[الشعراء-195]، فلما كان الإيمان في اللغة التي أنزل الله تعالى بها القرآن هو التصديق، وقال تعالى:(وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين)[يوسف-17] أي بمصدِّق لنا، وقالوا جميعاِ: فلان يؤمن بعذاب القبر والشفاعةٍ؛ يريدون يصدق بذلك، فوجب أن يكون الإيمان هو ما كان عند أهل اللغة إيمانا وهو التصديق..وعلى هذا فالكلابية والأشعرية يعرفون الإيمان بأنه التصديق نقلا من تعريفه في اللغة، وأن الشرع لم ينقله إلى غير معنى التصديق، وأن الأعمال في الإيمان هي شرط لكماله وليست ركنا من أركانه»[7].
المطلب الثاني: دخول الأعمال في مسمى الإيمان:
تقول الباحثة: «ذكرنا في المطلب السابق أن الأشاعرة والكلابية جعلوا الأعمال شرط كمال لا ركنا من أركان الإيمان، فحقيقة الإيمان هو التصديق، ولكن هذا لا يمنع أن يذهب بعض الأشاعرة إلى القول بركنية الأعمال في الإيمان، فهذا البيهقي ذكر في كتابه الاعتقاد والهداية باب القول في الإيمان: «قال تعالى:(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا)[النفال-2-4] فأخبر أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال التي بعضها يقع في القلب، وبعضها باللسان، وبعضها بهما وسائر البدن، وبعضها بهما أو بأحدهما وبالمال، وفيما ذكر الله في هذه الأعمال تنبيه على ما لم يذكره، وأخبر بزيادة إيمانهم بتلاوة آياته عليهم، وفي كل ذلك دلالة على أن هذه الأعمال وما نبه بها عليه من جوامع الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وإذا قبل الزيادة قبل النقصان، وبهذه الآية وما في معناها من الكتاب والسنة ذهب أكثر أصحاب الحديث إلى أن اسم الإيمان يجمع الطاعات فرضها ونفلها»، وبعد عرض أحاديث تثبت أن الإيمان قول وعمل واعتقاد قال: «وفيما ذكرنا ههنا كفاية، وقد روينا في ذلك عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ثم عبد الله بن رواحة ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود.. وهو قول فقهاء الأمصار رحمهم الله مالك بن أنس والأوزاعي وسفيان بن سعيد الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل..» [8]المطلب الثالث: الاستثناء في الإيمان:
تقول الباحثة في هذا المطلب: «يوجب الكلابية ومعهم الأشعرية الاستثناء في الإيمان، وذلك بسبب قولهم بالموافاة وأزلية صفتي الرضا والغضب لله تعالى، فالله سبحانه وتعالى لم يزل راضيا عمن يعلم أنه يموت مؤمنا وإن قضى عمره كافرا، ولم يزل ساخطا عمن يعلم أنه يموت كافرا وإن قضى عمره مؤمنا، والإنسان لا  يعلم على ماذا يموت على الإيمان أم الكفر، لذلك لا يقطع بإيمانه؛ بل يجب أن يعلق الإيمان بمشيئته التي سوف يتوفاه الله عليها. فالاستثناء ليس لما هو عليه الإنسان في الوقت الحاضر بل هو لما سوف تنتهي عليه حياته.. وهنا نلاحظ متابعة الأشاعرة للكلابية في قولهم بالموافاة والتي توجب الاستثناء في الإيمان..»[9]المطلب الرابع: إيمان المقلد:
تقول الباحثة كذلك: «ترى الكلابية أن المقلد مؤمن، وحكم الإسلام لازم له، وهو مطيع لله تعالى بإيمانه، لكنه عاص على ترك النظر والاستدلال المؤدي إلى معرفة قواعد الدين، ومع ذلك يرجى له الغفران والشفاعة ورحمة الله تعالى، وهو قول ابن كلاب والمحاسبي والقلانسي ذكره البغدادي في أصول الدين. لكن أبا الحسن الأشعري هنا خالفهم واختار رأيا خاصا به؛ وهو أن المقلد مؤمن وليس بكافر، ومع ذلك لا يستحق اسم المؤمن إلا إذا نظر واستدل، وهو كذلك ليس مشركا ولا بمنزلة بين المنزلتين، فأبو الحسن الأشعري لا يقول بها، وهذا المقلد يرجى له العفو والغفران لأنه ليس مشركا أو كافرا وإن لم يتسمَّ باسم الإيمان»[10].
وتضيف الباحثة: «والذي عليه جمهور الأشاعرة هو صحة إيمان المقلد مع العصيان إن كان فيه أهلية للنظر وإلا فلا عصيان.. وهنا كذلك نلاحظ متابعة الأشاعرة للكلابية وإن اختلف  عنهم أبو الحسن الأشعري»[11].
المطلب الخامس: حكم مرتكب الكبيرة:
تقول الباحثة أيضا: «تابع الكلابية والأشاعرة مذهب السلف في حكم مرتكب الكبيرة وخالفوا الفرق الأخرى. فهذا أبو الحسن الأشعري يقول في رسالته لأهل الثغر: « وأجمعوا على أن المؤمن بالله تعالى وسائر ما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به لا يخرجه عنه شيء من المعاصي ولا يحبط إيمانه إلا الكفر، وأن العصاة من أهل القبلة مأمورون بسائر الشرائع غير خارجين عن الإيمان بمعاصيهم»[12]، ويقول في كتابه اللمع: « فإن قال قائل: فحدثونا عن الفاسق من أهل القبلة أمؤمن هو؟ قيل: نعم مؤمن بإيمانه فاسق بفسقه وكبيرته، وقد أجمع أهل اللغة أن من كان منه ضرب فهو ضارب، ومن كان منه قتل فهو قاتل، ومن كان منه كفر فهو كافر، ومن كان منه فسق فهو فاسق، ومن كان منه تصديق فهو مصدق، وكذلك من كان فيه إيمان فهو مؤمن.. وأيضا فإذا كان الفاسق مؤمنا قبل فسقه بتوحيده فحدوث الزنا بعد التوحيد لا يبطل اسم الإيمان الذي لم يفارقه»[13].. وقول الأشاعرة موافق لقول السلف في مرتكب الكبيرة أنه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وأنه تحت المشيئة إما أن يغفر له أو يعذبه ثم يخرج من النار ولا يخلد فيها لورود الأدلة بذلك»[14].
هذه إذن بعض آراء الكلابية ومدى تأثيرها في آراء متكلمي الأشاعرة كما عرضتها الباحثة في كتابها المختصر في هذا المقال، وقد خلَصَت في خاتمة بحثها إلى مدى قرب الأشاعرة من الكلابية، حيث وجدت نفس هذه الآراء عندهم، مع اختلاف بسيط بينهما.

[ آراء الكلابية العقدية وأثرها في الأشعرية في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة-

تأليف: هدى بنت ناصر بن محمد الشلالي –

مكتبة الرشد للنشر والتوزيع/الرياض – طبعة/2000]

الهوامش:

[1] من مقدمة الكتاب- : آراء الكلابية العقدية وأثرها في الأشعرية في ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة- تأليف:هدى بنت ناصر بن محمد الشلالي- مكتبة الرشد للنشر والتوزيع/الرياض- طبعة/2000- ص: 6
[2] طبقات الشافعية للسبكي- تحقيق: عبد الفتاح الحلو ومحمد الطناحي- دار المعرفة/ لبنان – ج2/ ص:52
[3] آراء الكلابية العقدية ص:44-45
[4] آراء الكلابية العقدية ص:55- 56
[5] آراء الكلابية العقدية ص:58-59
[6] اعتمدت الباحثة في جمع هذه الآراء من خلال المصادر التالية: أصول الدين للبغدادي-دار المدينة للطباعة والنشر/لبنان-الطبعة الأولى/1346- ص249/ ومجموع فتاوى ابن تيمية-جمع: عبد الرحمن بن قاسم وابنه- مطابع دار العربية للنشر/لبنان- ج7- ص119/ ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للأشعري- تصحيح: هلموت ريتر-ص297/ ورسالة إلى أهل الثغر للأشعري-تحقيق: عبد الله شاكر-مكتبة العلوم والحكم/المدينة المنورة- الطبعة الأولى/1409 – ص272
[7] آراء الكلابية العقدية ص: 263-264
[8] آراء الكلابية العقدية ص: 266-267
[9] آراء الكلابية العقدية ص: 268
[10-11] آراء الكلابية العقدية ص: 268-269
[12] رسالة إلى أهل الثغر للأشعري-ص:274
[13] كتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع للأشعري- تحقيق: عبد العزيز السيروان- دار لبنان للطباعة والنشر-الطبعة الأولى/1408-ص:154-155
[14] آراء الكلابية العقدية ص: 269-270

 

(أصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدمت بها الباحثة
 لنيل درجة الماجستير إلى جامعة الملك سعود)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق