مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض الأحداث التي وقعت قبل ولادة النبي ﷺ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

إن العام الذي ولد فيه النبي ﷺ عام شهد حدثا عظيما، غيَّر مجرى تاريخ الإنسانية، وأخرجها من ظلمات الشرك والظلم، خلال فترة من الرسل بين نبي الله عيسى والنبي محمد صلى الله عليهما وسلم امتدت إلى ستمائة سنة، لم يبعث فيها رسول من الله تعالى، كما روى البخاري بسنده عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: “فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ست مائة سنة”[1].

ذلك بعد هذه الفترة الطويلة، وبشارة الكتب السماوية ببعث رسول اسمه: أحمد، قضت حكمة الله تعالى ورأفته بعباده أن يولد سيد البشر ﷺ، ورسول رب العالمين إلى سائر الخلق، وهو خاتم النبئين المرسلين: محمد ﷺ، واصطفى سبحانه أن يكون من قبيلة من قبائل العرب: قريشا، وذلك عند بزوغ فجر يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، عام الفيل، ذلك العام الذي ولد فيه ﷺ.

قبل هذا الحدث العظيم وقعت وقائع، دونها أصحاب السير وغيرها في كتبهم، فقد كان لعلماء الغرب الإسلامي أوفر نصيب بالعناية بسيرة النبي الحبيب ﷺ، من أمثال: العلامة النحوي المحدث أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي المالقي (المتوفى عام: 581هـ) في كتابه: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، والعلامة المحدث المؤرخ الأديب: أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الحميري البلنسي (المتوفى عام: 634هـ) في كتابه: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله ﷺ والثلاثة الخلفاء، والعلامة الأديب أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر الأنصاري التلمساني السبتي  (المتوفى عام: 697هـ) في نظمه: نتيجة الخِيَر ومنزلة الغِيَر في نظم مغازي رسول الله ﷺ والسِّير، والمحدث الحافظ تقي الدين محمد بن أحمد بن علي المكي الفاسي الأصل (المتوفى عام: 832هـ)، في كتابه: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، والعلامة محمد المهدي بن أحمد بن علي الفاسي (المتوفى عام: 1109هـ) في كتابه: سمط الجوهر الفاخر من مفاخر النبي الأول و الآخر، والعلامة أبو سرحان مسعود بن محمد بن علي جمُّوع الفاسي (المتوفى عام: 1119هـ) في كتابه: نفائس الدرر من أخبار سيد البشر، والعلامة أبو مدين محمد بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي (المتوفى عام: 1181هـ) في كتابه: مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار.

إن من تلك الأحداث التي دونتها الكتب المذكورة آنفا: حفر بئر زمز، وقدوم أصحاب الفيل إلى الكعبة،  ووفاة أب النبي ﷺ عبد الله، وهذا أوان الحديث عنها.

الحَدَث الأول: إعادة حفر بئر زمز:

صنف العلماء في ماء زمزم مؤلفات عديدة، ذكر جملة منها الدكتور سائد بن محمد يحيى بكداش في كتابه: فضائل ماء زمزم، التي أوصلها إلى ثمانية عشر[2].

زمزم هي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، التي سقاه الله حين ظمأ وهو صغير، وكانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة بين صنمي قريش: إساف ونائلة عند منحر قريش، ولم تزل دارسة عافيا أثرها، حتى آن مولد المبارك الذي كان يستسقى بوجهه غيث السماء وتتفجر من بنانه ينابيع الماء، صاحب الكوثر والحوض الرواء، فلما آن ظهوره أذن لله تعالى لسقيا جده عبد المطلب بن هاشم أن تظهر، ولما اندفن من مائها أن تجتهر، فكان ﷺ قد سقت الناس بركته قبل أن يولد[3].

الحَدَث الثاني: وفاة أب النبي ﷺ عبد الله:

صنف العلماء عدة مؤلفات في والدي النبي ﷺ، ولعل من المكثرين في هذا الموضوع: العلامة جلال الدين السيوطي (المتوفى عام: 911هـ)، نشر له حسين محمد علي شكري ست رسائل في الموضوع.

لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب، أبو رسول الله ﷺ، أن هلك وأمه حامل به، وفي ذلك خلاف بين العلماء، فقد قال العلماء على أن النبي ﷺ كان في المهد لما توفي، وقيل: ابن شهرين، وقيل: ابن سبعة أشهر، وقيل: أكثر من ذلك، ومات أبوه عند أخواله بني النجار، ذهب ليمتار لأهله تمرا من يثرب كما كانت تسمى قبل الهجرة النبوية الشريفة، وهي المدينة المنورة كما تسمت بعد الهجرة، ودفن في دار النابغة، وقيل: توفي بالأبواء، وكان يوم مات ابن ثمان عشرة سنة، وقيل: خمس وعشرين -وهو الأثبت-، وقيل: ثمان وعشرين سنة، وقيل: ابن ثلاثين سنة[4]، وفي وفاة أبيه يقول أبو إسحاق التلمساني في لاميته:

فمات أبوه وهْو في بطن أمه***فبورك منسول وأنجب ناسل[5]

الحَدَث الثالث: قدوم أصحاب الفيل إلى الكعبة:

قدم أبرهة ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي مع جنوده لهدم الكعبة، ممتطيا فيلا عظيما، وبلغ ذلك عبد المطلب، فنادى في قومه: يا معشر قريش لا يصل إلى هدم؛ لأن لهذا البيت ربا يحميه ويحفظه، وبأمر من الله تعالى، ولما توجه جيش أبرهة ومعهم الفيل لهدم البيت برك الفيل، فضربوه في رأسه ومراق بدنه حتى بالحديد ضربا شديدا ليقوم فأبى، فوجهوه راجعا فقام يهرول، ثم أرسل الله تعالى عليهم طيرا أبابيل، كل جماعة منها طائر يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق، لكل طائر ثلاثة أحجار، حجر في منقاره، وحجران في رجليه كأمثال العدس أو الحمصة، لا تصيب أحدا إلا أهلكته، وأصيب أبرهة، ولم يعجل هلاكه زيادة في العقوبة[6].

وفي ذلك يقول أبو إسحاق التلمساني في لاميته:

لقد حفظ الله الحصينة مكة***لمولده فيها فما غال غائل

لجرَّاه جر الله حتف مريدها***ببَغْي وقاد الحتف طير أبابل

فلم تُغن رب الفيل كثرة جمعه***وأن جميع الناس للبيت خاذل

أناخ بها يوما وعبَّا جيوشه***ولم يبق إلا أنه الغد داخل

هنالك وافى شيبة الحمد نحوه***فقال له: يا شيب ما أنت سائل

فقال: عسى إبلي تُرد فإنها***عتاد قِرى عندي إذا ضَنَّ باخل

فقال: اسْتَنْزَرْت عقلك إذ لهي***براسخه عن بيت عزك جامل

فقال: أنا رب الجمال وإنه***لذلك رب عنه ما هو غافل

فبات على إمضاء عزمه***فصبَّحه حتْقٌ من الله عاجل[7]

هذه الأحداث الثلاث المدونة في كتب أئمتنا الأعلام المغاربة، والتي كانت قبل ولادة النبي ﷺ، وكان قبل ذلك في بطن أمه، هي وقائع عظيمة، دلت على قدوم بعث واصطفاء نبي ورسول، مبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله تعالى بالحنيفية السمحة، وحمل رسالة التوحيد، ونشره بين الأنام ليخرجهم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد.

 *****************

هوامش المقال:

[1] ) صحيح البخاري 5/ 71: كتاب مناقب الأنصار، باب إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، رقم الحديث: 3948.

[2] ) فضائل ماء زمزم ص: 19_26.

[3] ) الروض الأنف في شرح السيرة النبوية 2 /110، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله ﷺ والثلاثة الخلفاء 1-1 /122، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1/ 410.

[4] ) الروض الأنف في شرح السيرة النبوية 2 /160، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله ﷺ والثلاثة الخلفاء 1-1/ 131، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ….، سمط الجوهر الفاخر من مفاخر النبي الأول و الآخر 1 /92، نفائس الدرر من أخبار سيد البشر 1/ 90، مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار ص: 78_81.

[5] ) نتيجة الخِيَر ومنزلة الغِيَر في نظم مغازي رسول الله ﷺ والسِّير ص: 164.

[6] ) الروض الأنف في شرح السيرة النبوية 1 /245، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله ﷺ والثلاثة الخلفاء 1-1 /131، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1/313، سمط الجوهر الفاخر من مفاخر النبي الأول و الآخر 1/92، نفائس الدرر من أخبار سيد البشر 1 /90.

[7] ) نتيجة الخِيَر ومنزلة الغِيَر في نظم مغازي رسول الله ﷺ والسِّير ص: 164-165.

*****************

جريدة المراجع

الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء لأبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي، تحقيق: محمد كمال الدين عز الدين علي، عالم الكتب، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1417 /1997.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت-لبنان، دار المنهاج، جدة-السعودية، الطبعة: الأولى: 1422، طبعة مصورة عن الطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1311.

الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، مكتبة ابن تيمية، مكتبة العلم بجدة، دار النصر للطباعة، دار الكتب الحديثة، دار الكتب الإسلامية، 1410-1387/ 1967-1990.

سمط الجوهر الفاخر من مفاخر النبي الأول و الآخر لأبي عبد الله محمد المهدي بن أحمد بن علي الفاسي، تحقيق: سعاد رحائم، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء- المغرب، الطبعة الأولى: 1431 /2010.

شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام لتقي الدين محمد بن أحمد بن علي، المكي الحسني الفاسي، تحقيق: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1428 /2008.

فضائل ماء زمزم وذكر تاريخه وأسمائه وخصائصه وبركاته ونية شربه وأحكامه والاستشفاء به وجملة من الأشعار في مدحه لسائد بن محمد يحيى بكداش، دار البشائر الإسلامية، بيروت- لبنان، الطبعة الخامسة: 1421.

مستعذب الأخبار بأطيب الأخيار لأبي مدين محمد بن أحمد الفاسي الفهري، تحقيق: أحمد عبد الله باجور، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1425 /2004.

نتيجة الخِيَر ومنزلة الغِيَر في نظم مغازي رسول الله ﷺ والسِّير لأبي إسحاق إبراهيم بن أبي بكر الأنصاري التلمساني السبتي، تحقيق: مصطفى عكلي، منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، دار الأمان، الرباط- المغرب، الطبعة الأولى: 1436 /2015. 

نفائس الدرر من أخبار سيد البشر لأبي سرحان مسعود بن محمد بن علي جمُّوع الفاسي، تحقيق: طارق طاطمي، الحسن الخبية، عبد اللطيف علوان، عبد الحميد تدرارني، مصطفى رفيق، إبراهيم أملاك، حميد آيت امعيط، منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، دار الأمان، الرباط- المغرب، الطبعة الأولى: 1431 /2010.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق