مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

“المذاهب والفرق بالمغرب”

 

«… أما  الفرق  والمذاهب  العقدية فإن منطقة المغرب والأندلس تساقطت إليها بعض من آرائها، وورد عليها بعض من الأشخاص الذين يحملونها، ولكننا لا نجد منها من استطاع أن يتأصل فيها ويمد جذوره ليستقطب مجموعة عريضة من الناس. 
ولعل أكثر النحل تساقطا إلى المغرب هي الشيعة، وقد استطاعت هذه الفرقة تكوين دولة بإفريقية هي الدولة العبيدية، ولعل دنو موقعها هو الذي  سهل قيام  الشيعة البجلية بالسوس في القرن الثالث بما كان من إفشائها للفكر الشيعي والتمهيد له في كامل منطقة المغرب، وقد كان الزوال النهائي لهذه الدولة من إفريقية في القرن الخامس مؤذنا بانقشاع كل وجود شيعي ذي بال بالمغرب[عبد الله علام-الدعوة الموحدية: 217/218 – عقلية الغناي- قيام دولة الموحدين:206].
     أما الخوارج فعلى الرغم من أنهم تمكنوا من تكوين دولتين بالمغرب هما: دولة بني مدرار التي أقامها الصفرية بسجلماسة سنة 140هـ/755م والرستمية التي أقامها الإباضية بتاهرت سنة 161هـ/777م [الخوارج في بلاد المغرب- محمود اسماعيل عبد الرزاق:109]، فإنه يبدو أنها لم يبق لها في القرن الخامس أثر مهم وخاصة بالمغرب الأقصى.
     وتذكر المصادر بعض الأخبار عن حضور للمذهب الاعتزالي بالمغرب لعل أهم مظاهره ما عرف بالواصلية، فقد ذكر ابن حوقل أنه:«من البربر زناتة ومزابة قبيلتان عظيمتان الغالب عليهم  الاعتزال من أصحاب واصل بن عطاء»[صورة الأرض- ابن حوقل:94]، ولعل ذلك من أثر تلك البعثة التي أرسلها واصل بن عطاء الغزال(ت131هـ/748م) مؤسس المعتزلة، فقد «أنفذ إلى المغرب عبد الله بن الحارث، فأجابه الخلق، وهناك بلد تدعى البيضاء يقال إن فيها مائة ألف يحملون السلاح، ويعرف أهله بالواصلية»[باب ذكر المعتزلة- أبو القاسم البلخي: من مقالات الإسلاميين:109]، ويشير صاحب الاستبصار إلى أنه نشأ تعاون بين هذه الفرقة وبين الأدارسة حيث «كان إسحاق بن محمد الأوربي معتزلي المذهب، فوافقه إدريس على مذهبه، وأقام عنده، وأمر إسحاق قبيلته بطاعته وتعظيمه» [الاستبصار في معرفة الأمصار- مجهول: 194/195 – المغرب للبكري:118-119].
     ولكن هذا الحضور المكثف للمعتزلة الذي وصفه البلخي والذي كان ناشئا عن تشجيع دولة الأدارسة لم يعمر طويلا، ولا نعثر في الفترات التالية إلا على أخبار تتعلق بأفراد رجعوا من المشرق وقد استهوتهم آراء المعتزلة فاعتنقوها وحاولوا الدعوة إليها، ولكنها بقيت تكتسي الصبغة الفردية دون أن تؤول إلى تيار عام. ومن هؤلاء الأفراد رجل اسمه عبد الأعلى أبو وهب بن عبد الرحمان وكان يطالع كتب المعتزلة الأمر الذي جلب له النكير والطعن من يحيى بن يحيى الليثي(234هـ/849م) وابن حبيب(238هـ/790م). ومنهم إبراهيم بن عبد الله بن حصن بن حزم الغافقي(ت404هـ/1013م) الذي قيل عنه إنه المالكي الوحيد الذي يذهب إلى الاعتزال، وكأنه لم يجد بالمغرب مناخا مناسبا له فارتحل إلى المشرق وتوفي بدمشق [ابن الآبار-التكملة: 1/133-134-ونفح الطيب-المقري:2/604-605].
     ولم يعدم المغرب والأندلس فرقا أخرى غريبة في طبيعتها، متشعبة في آرائها، مثل فرقة برغواطة التي أنشاها صالح بن طريف، والتي كان مذهبها مزيجا من عادات وثنية قديمة، وآراء تمت بصلة إلى التشيع كما يظهر في قولها بالمهدية على الطريقة الشيعية. ومثل ديانة غمارة التي أنشأها حاميم أبو محمد، ولم تكن بعيدة في بنيتها العامة عن ديانة برغواطة [الفرد بل- الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي ص: 173]. وقد كان عبد الله بن مسرة (ت319هـ/931م) أشاع في الأندلس مذهبا خليطا، يستمد أكثر آرائه من الفلسفة الشرقية في أمشاج من الأفلاطونية المحدثة والتصوف الغالي.
إلا أن هذه الفرق والمذاهب لم تبلغ في عمومها من القوة والعمق ما تستطيع به أن تكون تيارا ذا شأن يستطيع أن يقارع التيار الغالب على أهل المغرب المتمثل في سلفيتهم القائمة على العقيدة في ثوبها المأثور عن الصحابة والتابعين، وعلى الفقه  في ثوبه المالكي، وهو ما يفسر خلو المغرب من حركة حوارية تتناظر فيها الملل والنحل كما هو الشأن بالمشرق…»
المهدي بن تومرت (أبو عبد الله محمد بن عبد الله المغربي السوسي المتوفى سنة:524هـ/1129م- حياته وآراؤه وثورته الفكرية والاجتماعية وأثره بالمغرب)- للدكتور:عبد المجيد النجار، ط: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى:1983، ص: 48/49/50

   «… أما  الفرق  والمذاهب  العقدية فإن منطقة المغرب والأندلس تساقطت إليها بعض من آرائها، وورد عليها بعض من الأشخاص الذين يحملونها، ولكننا لا نجد منها من استطاع أن يتأصل فيها ويمد جذوره ليستقطب مجموعة عريضة من الناس.

   ولعل أكثر النحل تساقطا إلى المغرب هي الشيعة، وقد استطاعت هذه الفرقة تكوين دولة بإفريقية هي الدولة العبيدية، ولعل دنو موقعها هو الذي  سهل قيام  الشيعة البجلية بالسوس في القرن الثالث بما كان من إفشائها للفكر الشيعي والتمهيد له في كامل منطقة المغرب، وقد كان الزوال النهائي لهذه الدولة من إفريقية في القرن الخامس مؤذنا بانقشاع كل وجود شيعي ذي بال بالمغرب[عبد الله علام-الدعوة الموحدية: 217/218 – عقلية الغناي- قيام دولة الموحدين:206].

   أما الخوارج فعلى الرغم من أنهم تمكنوا من تكوين دولتين بالمغرب هما: دولة بني مدرار التي أقامها الصفرية بسجلماسة سنة 140هـ/755م والرستمية التي أقامها الإباضية بتاهرت سنة 161هـ/777م [الخوارج في بلاد المغرب- محمود اسماعيل عبد الرزاق:109]، فإنه يبدو أنها لم يبق لها في القرن الخامس أثر مهم وخاصة بالمغرب الأقصى.

   وتذكر المصادر بعض الأخبار عن حضور للمذهب الاعتزالي بالمغرب لعل أهم مظاهره ما عرف بالواصلية، فقد ذكر ابن حوقل أنه:«من البربر زناتة ومزابة قبيلتان عظيمتان الغالب عليهم  الاعتزال من أصحاب واصل بن عطاء»[صورة الأرض- ابن حوقل:94]، ولعل ذلك من أثر تلك البعثة التي أرسلها واصل بن عطاء الغزال(ت131هـ/748م) مؤسس المعتزلة، فقد «أنفذ إلى المغرب عبد الله بن الحارث، فأجابه الخلق، وهناك بلد تدعى البيضاء يقال إن فيها مائة ألف يحملون السلاح، ويعرف أهله بالواصلية»[باب ذكر المعتزلة- أبو القاسم البلخي: من مقالات الإسلاميين:109]، ويشير صاحب الاستبصار إلى أنه نشأ تعاون بين هذه الفرقة وبين الأدارسة حيث «كان إسحاق بن محمد الأوربي معتزلي المذهب، فوافقه إدريس على مذهبه، وأقام عنده، وأمر إسحاق قبيلته بطاعته وتعظيمه» [الاستبصار في معرفة الأمصار- مجهول: 194/195 – المغرب للبكري:118-119].

   ولكن هذا الحضور المكثف للمعتزلة الذي وصفه البلخي والذي كان ناشئا عن تشجيع دولة الأدارسة لم يعمر طويلا، ولا نعثر في الفترات التالية إلا على أخبار تتعلق بأفراد رجعوا من المشرق وقد استهوتهم آراء المعتزلة فاعتنقوها وحاولوا الدعوة إليها، ولكنها بقيت تكتسي الصبغة الفردية دون أن تؤول إلى تيار عام. ومن هؤلاء الأفراد رجل اسمه عبد الأعلى أبو وهب بن عبد الرحمان وكان يطالع كتب المعتزلة الأمر الذي جلب له النكير والطعن من يحيى بن يحيى الليثي(234هـ/849م) وابن حبيب(238هـ/790م). ومنهم إبراهيم بن عبد الله بن حصن بن حزم الغافقي(ت404هـ/1013م) الذي قيل عنه إنه المالكي الوحيد الذي يذهب إلى الاعتزال، وكأنه لم يجد بالمغرب مناخا مناسبا له فارتحل إلى المشرق وتوفي بدمشق [ابن الآبار-التكملة: 1/133-134-ونفح الطيب-المقري:2/604-605].

   ولم يعدم المغرب والأندلس فرقا أخرى غريبة في طبيعتها، متشعبة في آرائها، مثل فرقة برغواطة التي أنشاها صالح بن طريف، والتي كان مذهبها مزيجا من عادات وثنية قديمة، وآراء تمت بصلة إلى التشيع كما يظهر في قولها بالمهدية على الطريقة الشيعية. ومثل ديانة غمارة التي أنشأها حاميم أبو محمد، ولم تكن بعيدة في بنيتها العامة عن ديانة برغواطة [الفرد بل- الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي ص: 173]. وقد كان عبد الله بن مسرة (ت319هـ/931م) أشاع في الأندلس مذهبا خليطا، يستمد أكثر آرائه من الفلسفة الشرقية في أمشاج من الأفلاطونية المحدثة والتصوف الغالي.

إلا أن هذه الفرق والمذاهب لم تبلغ في عمومها من القوة والعمق ما تستطيع به أن تكون تيارا ذا شأن يستطيع أن يقارع التيار الغالب على أهل المغرب المتمثل في سلفيتهم القائمة على العقيدة في ثوبها المأثور عن الصحابة والتابعين، وعلى الفقه  في ثوبه المالكي، وهو ما يفسر خلو المغرب من حركة حوارية تتناظر فيها الملل والنحل كما هو الشأن بالمشرق…».

 

المهدي بن تومرت (أبو عبد الله محمد بن عبد الله المغربي السوسي المتوفى سنة:524هـ/1129م- حياته وآراؤه وثورته الفكرية والاجتماعية وأثره بالمغرب)- للدكتور:عبد المجيد النجار، ط: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى:1983، ص: 48/49/50.

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق