مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الاشاعرة 17

 

 محمد كرماط 

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

 

وأما قول اللقاني في “الجوهرة”[1]:

وعندنا الشيء هو الموجود

 

وثابت في الخارج الموجود

 فليس مراده به أن الشيء لا يطلق لغة على المعدوم، بل مراده به أن المعدوم ليس له تقرر وثبوت في الخارج لأن الماهيات عند أهل السنة مجعولة، وقالت المعتزلة: إن الماهيات غير مجعولة. فمن أجل ذلك قالوا: إن المعدوم شيء بمعنى أن له تقررا وثبوتا في الخارج، فليس خلافهم في ما يطلق عليه لفظ الشيء، بل خلافهم إنما هو في الماهيات: هل هي مجعولة أم لا؟[2]

 وإذا كان الشيء بمعنى ما يصح الإخبار عنه، لم يكن الخلق خاصا بإيجاد الموجود الخارجي، لأن الله تعالى خالق كل شيء، والشيء ليس مخصوصا بالموجود الخارجي بل شامل للأمر الاعتباري، فيشمل الخلق التأثير فيه أيضا.

فمن النوع الأول من النصوص قول الله تعالى: ﴿الله خالق كل شيء﴾[3] وقوله سبحانه: ﴿خلق كل شيء﴾      [4].ومن النوع الثاني من النصوص قول الله تعالى: ﴿قل إن الأمر كله لله﴾[5] وقوله: ﴿بل لله الأمر جميعا﴾   [6]، وقوله تعالى: ﴿قل كل من عند الله ﴾[7] ولفظ الكل من غير تعيين ما يضاف إليه تدخل فيه الأمور الاعتبارية أيضا، وقوله: ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة﴾[8] وقوله تعالى: ﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون﴾[9].

وقول النبي : (لا حول ولا قوة إلا بالله)[10] وتعلق القدرة والإرادة وصرفهما من الحول المنفي عن العبد المحصور في الله تعالى، وقوله: (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن)[11] ولفظ (ما) من ألفاظ العموم تشمل الأمور الاعتبارية كالإرادة الجزئية عند الماتريدية والقدرة الجزئية[12]، والجملة الأولى تقتضي دخولها تحت مشيئة الله تعالى، والجملة الثانية تقتضي عدم تحققها على تقدير عدم دخولها تحت مشيئة الله تعالى، فهذا الحديث يدل على أن كل ما شاء الله واقع. والنصوص المتقدمة دالة على أن كل ما هو واقع فهو أثر قدرة الله تعالى، فينتج أن كل ما شاء الله فهو أثر قدرته.

وتعلق المدح أو الذم بالإنسان من أفعاله على هذا المذهب، إنما هو لكونه محلا ومظهرا لتلك الأفعال لا لكونه فاعلها[13]، كما أن الإنسان يمدح لحسنه ويذم لقبحه مع أن شيئا منهما لم يكن أثر صنعه وإنما مناسبتهما له مناسبة الحال مع المحل.

 

 

 


[1] – برهان الدين اللقاني”جوهرة التوحيد”ضمن”المجموع الكامل للمتون”ص:11

[2] – انظر ما ذكره الشيخ صالح الغرسي في “حاشيته على شرح الباجوري للجوهرة” لم يطبع.

[3] – سورة الأنعام،الآية:102

[4] – سورة الفرقان،الآية:02

[5] – سورة آل عمران،الآية:154

[6] – سورة الرعد، الآية:31

[7] – سورة النساء،الآية:78

[8] – سورة القصص،الآية:68

[9] – سورة النحل،الآية:93

[10]– جزء من حديث رواه الشيخان

[11] – تقدم تخريجه

[12]القدرة  عند السادة الماتريدية نوعان:

النوع الأول: القدرة الكلية: وهي صفة خلقها الله في العبد صالحة للتعلق بكل من الفعل والترك بها يتمكن العبد من الفعل والترك ، ومن شأنها التأثير في الفعل وإن لم تكن مؤثرة فيه بالفعل،  وهي متقدمة على الفعل مخلوقة لله تعالى بلا اختيار للعبد فيها.

النوع الثاني: القدرة الجزئية: وهي عبارة عن تعلق القدرة الكلية بأحد طرفي الفعل والترك، وعن صرف الآلات إلى أحدهما. وهذه القدرة مقارنة للفعل وهي من الأمور الاعتبارية الانتزاعية، وليس من الموجودات الخارجية، بخلاف القدرة الكلية.

كما أن الإرادة نوعان:

النوع الأول: الإرادة الكلية وهي صفة خلقها الله في العبد، صالحة للتعلق بكل من طرفي الفعل والترك، والصرف إلى أحدهما وهذه الإرادة خلقها الله في العبد بدون اختيار منه ولا دخل للعبد في وجودها كالقدرة الكلية.                                                                                       

النوع الثاني: الإرادة الجزئية والقصد الجزئي: ، وهي عبارة عن تعلق الإرادة الكلية بأحد طرفي الفعل والترك وصرفها إلى أحدهما، وهي من الأمور الاعتبارية كالقدرة الجزئية.وهذا التعلق عبارة عن ترجيح أحد الجانبين _ الفعل والترك_ على الآخر لان الإرادة شأنها الترجيح .ويتفرع على هذه الإرادة الجزئية القدرة الجزئية التي هي عبارة عن تعلق القدرة الكلية بأحد الجانبين وصرف الآلات إليه، بمعنى أن تعلق الإرادة يصير سببا عادياً لتحقق صفة في العبد متعلقة بالفعل، وهي القدرة الجزئية المقارنة للفعل بحيث لو كان لها تأثير بالاستقلال  لأوجدت الفعل.

ويترتب على الإرادة الجزئية والقدرة الجزئية تعلق قدرة الله تعالى بخلق الفعل، بمعنى أن الله تعالى أجرى عادته أن لا يخلق الفعل الاختياري في العبد إلا عقب تعلق إرادة العبد وقدرته  بالفعل وصرف الآلات إليه.

[13] – واعتبار كونه فاعلها واشتهاره كذلك وإسناد تلك الأفعال إليه بمقتضى قاعدة النحو إسنادا حقيقيا، مرجع كل ذلك إلى العرف المبني على الظاهر  ولا يعتد به هنا بل يبحث في الحقيقة الواقعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق