مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

التحسينات المالية في المذهب المالكي و تطبيقاتها المعاصرة 16

 

ذ/ عبد السلام اجميلي 

 من علماء القرويين

 

التفسير الثالث:

إن ترك الدليل للمصلحة، والأخذ بمبدأ المصلحة المجرد، من غير محاولة الحمل على النصوص، هو ما سماه الشافعي استحسانا وأنكره، أي أن إنكاره متوجه لهذا النوع من الاستحسان المشتهر عند المالكية([1]).

ومما يؤيد هذا التفسير: أن الإمام الشافعي في إبطاله للاستحسان شدد على أن المرجعية في الأحكام ينبغي أن تكون للكتاب والسنة والإجماع والقياس، واستحسان المالكية يقول فيه الإمام الشاطبي: ومقتضاه (أي الاستحسان الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل أي المصلحة المرسلة) على القياس([2]) وهذا ما لا يراه الإمام الشافعي جائزا.

ويمكن أن يعترض على هذا التفسير: بأن أصوليي المذهب الشافعي شنوا حربا لا هوادة فيها على الاستحسان الذي قال به الحنفية، وشنعوا على الحنفية في بعض الفروع التي بنيت على الاستحسان، هذا ولم يرد ذكر للمالكية في هذه المعركة([3]).

ويجاب عن هذا الاعتراض:

-أولا: أن الحنفية وفي مقدمتهم الإمام أبو حنيفة، هم أول من أطلق لفظ الاستحسان في مجال الفقه، فدار في فلكهم، فصاروا يعرفون به، وبهم يعرف.

-ثانيا: إن الحنفية من أكثر الفقهاء استعمالا للاستحسان.

-ثالثا: نسب إلى الإمام أبي حنيفة تعريفات للاستحسان غير مقبولة.

من أجل هذا توهم بعض الشافعية أن حملة إمامهم ضد الاستحسان قد شنت على الحنفية، فساروا وراء هذا الوهم دون تحقيق، حتى جاء من حقق فقال عن الخلاف اللفظي([4]).

التفسير الرابع:

إن الإمام وجد أن الاستحسان غير متضح المعنى عند بعض مناظريه من الحنفية الذين لجأوا للاستحسان دون بيان ماهيته عند عجزهم عن المناظرة الصحيحة([5]).

والحاصل أن الإمام الشافعي أنكر نوعين من أنواع الاستحسان هما (استحسان العادة واستحسان المصلحة)، ولما لم تكن هذه الأنواع متمايزة في عصره، حيث كان يكتفى بذكر حكم المسألة، والاستدلال عليه بقولهم: (استحسانا)، أبطل الشافعي الاستحسان جملة، فخلافه في هذين النوعين خلاف حقيقي، أما سائر الأنواع فلا خلاف للشافعي فيها سواء سميت استحسانا أو غير ذلك، أي خلافه لفظي([6]).

 

 


[1] -مالك حياته وعصره، آراؤه وفقهه لأبي زهرة، ص 286.

[2] -الموافقات في أصول الشريعة 4/162.

[3] -البصرة في أصول الفقه ص 492.

[4] -الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 4/138.

[5] -الاستحسان مسلك لفهم الدليل الشرعي وتطبيقه ص 901.

[6] -التحسينات المالية لحسن عوض ص 47.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق