وقفات مع حديث : “الصبر عند الصدمة الأولى”
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين.
وبعد؛
فالصبر من صفات عباد الله الأخيار، ووصف الله به بعض الأنبياء وبعض المؤمنين من عباده، فقد صبر الأنبياء على أذى قومهم، وصبر المؤمنون على ما أصابهم من أذى في سبيل الله، ووردت أحاديث كثيرة في الصبر وما يترتب عليه من أجر وثواب، منها ما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: "اتقي الله واصبري"، قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، هذا الحديث قاعدة جليلة في فضل الصبر، ولأهمية هذا الحديث ارتأيت أن أقف معه لاستخراج بعض الفوائد منه وفق ما يلي:
أولا: تخريج الحديث:
أخرجه البخاري في كتاب: الجنائز، باب: زيارة القبور، رقم: (1283) [1].
ثانيا: مستفادات من الحديث.
يستفاد من هذا الحديث مجموعة من الفوائد والمقاصد والآداب، وهي كالآتي:
*الصبر الذي يثاب عليه الإنسان هو الذي يكون عند أول صدمة تهاجم القلب، قال الحافظ ابن حجر: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى في رواية الأحكام عند أول صدمة ونحوه لمسلم، والمعنى: إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر، وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله، فاستعير للمصيبة الواردة على القلب"[2].
* الإنسان يؤجر على حسن تثبته، وجميل صبره عند المصيبة، وليس على المصيبة، قال الحافظ ابن حجر: " إن المرء لا يؤجر على المصيبة؛ لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره، وقال بن بطال: أراد أن لا يجتمع عليها مصيبة الهلاك وفقد الأجر"[3] .
*"الحث على الصبر عند الصدمة الأولى، وقال الخطابي: المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على الأيام يسلو"[4].
* ما كان عليه الصلاة والسلام من التواضع والرفق بالجاهل فإنه لم يغلظ عليها ولم يرد غلظتها.
* مسامحة المصاب وقبول اعتذاره.
* ملازمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
*أن القاضي ومن ولي من أمور المسلمين شيئا لا ينبغي أن يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس.
*أن من أمر بمعروف ينبغي له أن يقبل الأمر ولو لم يعرف الآمر.
* أن الجزع من المنهيات لأمره لها بالتقوى مقرونا بالصبر.
* الترغيب في احتمال الأذى عند بذل النصيحة ونشر الموعظة.
*استدل به على جواز زيارة القبور سواء كان المزور مسلما أم كافرا لعدم استفصاله صلى الله عليه وسلم في ذلك، قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال بعضهم: لا تجوز زيارة قبر الكافر لقوله تعالى: (ولا تقم على قبره)، وهو قول مردود.
*جواز أمر الرجال النساء بالمعروف ووعظهم لهن.
* مهادنة الثائر المعترض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرفق به لئلا يفضي التغليظ عليه إلى ما هو أشد وأكثر ضررا.
* الحث على آداب الخطاب وإنزال الناس منازلهم"[5].
* الصابر على الحقيقة من صبر نفسه، وحبسها عن شهوتها، قال ابن بطال: "وإنما الصابر على الحقيقة من صبر نفسه، وحبسها عن شهوتها ، وقهرها عن الحزن والجزع والبكاء الذى فيه راحة النفس ، وإطفاء لنار الحزن ، فإذا قابل سورة الحزن وهجومه بالصبر الجميل، واسترجع عند ذلك ، وأشعر نفسه أنه لله ملك، لا خروج له عن قضائه، وإليه راجع بعد الموت ويلقى حزنه بذلك، انقمعت نفسه، وذلك على الحق، فاستحقت جزيل الأجر. قال المهلب : "نعم العدلان ، ونعمت العلاوة"، فقيل: العدلان : الصلوات والرحمة، والعلاوة : (وأولئك هم المهتدون)[6]، وقيل: (إنا لله وإنا إليه راجعون) [7]، والعلاوة: التي يثاب عليها"[8] .
والحاصل أن الصبر على الأذى والمصائب التي قد تهاجم الإنسان وتفاجئه، لها ثواب جزيل وأجر عظيم، قال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)[9].
******************
هوامش المقال:
[1] صحيح البخاري (2/ 79).
[2] فتح الباري (3/ 149 ـ 150).
[3] فتح الباري (3/ 150).
[4] فتح الباري (3 /149 ـ 150).
[5] المنهل الحديث في شرح الحديث (2/ 78).
[6] سورة البقرة الآية:157
[7] سورة البقرة الآية:156
[8] شرح ابن بطال للبخاري (3 /287).
[9] سورة الزمر الآية: 11.
*******************
جريدة المصادر والمراجع:
المنهل الحديث في شرح الحديث، لموسى شاهين لاشين دار المدار الإسلامي،ط1، 2002 م.
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، تحقيق : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة ـ بيروت ، 1379هـ.
شرح صحيح البخارى، لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، تحقيق : أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد ـ السعودية ـ الرياض، ط2، 1423هـ ـ 2003م.
الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه،لمحمد بن إسماعيل أبي عبد الله البخاري الجعفي،تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت-لبنان، دار المنهاج، جدة-السعودية، ط1، 1422، مصورة عن الطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1311.
*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار