مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من معاني حديث: ” إن من أشراط الساعة: أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا”

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد:

   لا شك إن الساعة آتية لا محالة كما في قوله تعالى: “إن الساعة لآتية لا ريب فيها”([1])، وأن وقتها لا يعلمها إلا الله فهي مما استأثر الله بعلمه مصداقا لقوله تعالى: “إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى”([2])، لكن وإن أخفاها فقد جعل الله لها علامات وأمارات، ورد ذكر بعضها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومنها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا” .

هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه من ثلاثة طرق عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه؛ حيث أخرجه في  كتاب: العلم، باب: رفع العلم وظهور الجهل برقم : (80)([3])  وفي كتاب: النكاح، باب:  يقل الرجال ويكثر النساء برقم: (5231) ([4])، وفي كتاب: الأشربة برقم: (5577) ([5])، وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب: العلم، باب: رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن، في آخر الزمان برقم: (2671) ([6]).

ومن معانيه أذكر الآتي:

في قوله: ” إن من أشراط الساعة “؛  و”أشراط” مفردها شرط أي: علامة وجمعه علامات، “قال أبو عبيد نقلا عن الأصمعي: “الأشراط؛ هي علاماتها، ومنه الاشتراط الذي يشترط الناس بعضهم على بعض، إنما هي علامات يجعلونها بينهم، ولذلك سميت الشرط، لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها  “([7])

و “قوله:  “أن يرفع العلم “؛ والمراد: رفعه بموت حملته وقبض العلماء، وليس المراد محوه من صدور الحفاظ وقلوب العلماء، والدليل عليه ما رواه البخاري في باب: كيف يقبض العلم عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله يقول: إن الله عز وجل لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء([8]).

وقوله: “ويثبت الجهل“؛ قال النووي: “يثبت الجهل من الثبوت، وفي بعضها: يبث -بضم الياء، وبعدها موحدة مفتوحة، ثم مثلثة مشددة- أي: ينشر ويشيع”([9])

وقوله: ” ويشرب الخمر”؛قال العيني:  “قال بعضهم: المراد كثرة ذلك واشتهاره ثم أكد كلامه بقوله، وعند المصنف في النكاح من طريق هشام، عن قتادة، “ويكثر شرب الخمر” أوالعلامة مجموع ذلك، قلت: -أي العيني-: قلت: لا نسلم أن المراد كثرة ذلك، بل شرب الخمر مطلقا هو جزء العلة من أشراط الساعة”([10])

وقوله: “ويظهر الزنا”: قال القسطلاني: “أي: يفشو ([11])؛ وقال: ” لأن معناه أنه يشتهر بحيث لا يتكاتم به لكثرة من يتعاطاه”([12])

وفي هذا الحديث من الفقه ما يلي:

أولا: في الحديث دلالة على الحث على طلب العلم ونشره. قال ابن حجر في الفتح: ” ومراد ربيعة: أنَّ من كان فيه فهم وقابلية للعلم، لا ينبغي له أنْ يهمل نفسه فيترك الاشتغال به، لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم، أو مراده: الحثّ على نشر العلم في أهله، لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم، أو مراده: أن يشهر العالم نفسه، ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه، وقيل: مراده تعظيم العلم وتوقيره، فلا يهين نفسه بأنْ يجعله عرضًا للدنيا. وهذا معنى حسن، لكن اللائق بتبويب المصنف، ما تقدم، انتهى. والله أعلم.” ([13])

ثانيا: وفيه دلالة كذلك على أهمية العلم وأثره في تقدم الأمة وازدهارها ، وخطر الجهل وأثره في انتشار الفتن و الفواحش التي تهدم صرح المجتمع. قال ابن حجر في الفتح: “وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي الدين، لأن رفع العلم يخل به والعقل؛ لأن شرب الخمر يخل به، والنسب؛ لأن الزنى يخل به، والنفس والمال؛ لأن كثرة الفتن تخل بهما”  ([14])

ثالثا:  وفيه دليل من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن فيه إخبار ببعض الأمور الغيبية التي ستقع فوقعت. قال ابن حجر في فتح الباري:  قال القرطبي: “في هذا الحديث علم من أعلام النبوة؛إذ أخبر عن أمور ستقع، فوقعت، خصوصا في هذه الأزمان ”  ([15])

ومما تقدم يمكن أن نخلص إلى الآتي:

  • الحث على طلب العلم ونشره.
  • . أهمية العلم في المحافظة على الأمة من الاندثار والهلاك في المعاش والمعاد، وتماسك المجتمع وبنائه
  • خطورة فشو الجهل وما ينتج عنه من انتشار  الفتن والفواحش.
  • في الحديث دليل من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.

*****************

هوامش المقال:

([1])  سورة غافر من الآية: (59).

([2])  سورة طه الآية: (15)

([3])  صحيح البخاري (1/ 46) .

([4])  صحيح البخاري (3 /395) .

([5])  صحيح البخاري (4 /11)

([6])  صحيح مسلم (2/ 1231).

([7])  غريب الحديث (1/ 40-41).

([8])  عمدة القارئ (2/ 83).

([9])  صحيح مسلم بشرح النووي (8/ 478).

([10])  عمدة القارئ (2 /82).

([11])  إرشاد الساري (10 /6).

([12])  إرشاد الساري (10 /6).

([13])  فتح الباري (1/ 234.).

([14])  فتح الباري (1 /236.).

([15])  فتح الباري (1 /236.).

******************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

إرشاد الساري شرح صحيح البخاري. لأحمد بن محمد بن أبي بكر  القسطلاني.  مطبعة الآداب والمؤيد بمصر سنة 1305هـ

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400.

صحيح مسلم بشرح النووي (م8). حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة. ط4 /1422هـ- 2001م.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.

عمدة القارئ شرح صحيح البخاري. لبدر الدين محمود بن أحمد العيني. دار الفكر  (د. ت).

غريب الحديث. لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي الأزدي . تحقيق: محمد عبد المعيد خان. مطبعة دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد الدكن. ط1/ 1384هـ- 1964م.

فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار السلام الرياض. ط 1421هـ- 2000م.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق