من فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (3)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»([1]).
لقد ألقى الله عز وجل في قلوب المسلمين، محبة الصحابة الكرام الذين نـصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغوا هذا الدين إلى الآفاق، وأبلوا في الإسلام بلاء حسنا، ومن هؤلاء الصحابة أزواجه ونسائه اللواتي هن أمهات المؤمنين، والصفوة المختارة من الناس لحسن معاشرة أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم ، لقد كن خير الأزواج لخير زوج، حياتهن قدوة للمسلمات، وتتبع سيرتهن من صور حبهن رضي الله عنهن، فهن اللاتي ارتضاهن الله عزوجل زوجات لرسوله صلى الله عليه وسلم وأمهات للمؤمنين، وقد صنف علماء المسلمين مصنفات وكتب هادفة لتتبع سيرهن وبيان فضلهن، والدفاع عنهن من شبهات المغرضين. ومن هؤلاء أحبّ نسائه إليه، الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها. أخرج البخاري في الصحيح، وأحمد في الفضائل، عن مرة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفَضْلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»([2]).
فقد وردت أحاديث وآثار عديدة في ذكر فضائلها ومناقبها، رضي الله عنها، وهو مما اشتهر واستفاض وذاع حتى تلقّته الأمة بالقبول، ولم يردّه إلا من لا يعتدّ بخلافه ولا يعتبر بموافقته، بل وأفرده علماء أجلاء بالتصنيف، كأبي القاسم ابن عساكر، وأبي الحسن ابن القطان، وشمس الدين الذهبي، والشاذلي، وغيرهم.
أخرج البخاري ومسلم في الصحيح، وأحمد في فضائل الصحابة، من طرق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: «يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام»، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته([3]).
روى ابن سعدٍ، من طريق عبدالملك بن عُمَيْر عن عائشة، قالت: أُعْطِيتُ خِلالاً ما أُعطيتها امرأةٌ: ملكني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا بنت سبع سنين، وأتاه المَلَكُ بصورتي في كَفِّه لينظر إليها، وبنى بي لتسع سنين، ورأيت جبريل، ولم تره امرأة غيري، وكنت أحب النساء إليه، وكان أبي أحبّ أصحابه إليه، ومَرِضَ رسول الله في بيتي فمَرّضْتُهُ فَقُبِض، ولم يَشْهَدْهُ غيري والملائكة([4]).
أخرج أحمد في فضائل الصحابة، عن قيس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل، قال: قال عمرو بن العاص قلت: يا رسول الله، من أحبّ الناس إليك؟ قال: «عائشة»، قال: قلت إنما أقول من الرجال؟ قال: «أبوها»([5]).
وأخرج مسلم في الصحيح، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أُرِيتُك في المنام ثلاث ليال، جاءني بكِ الملَكُ في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه»([6]).
وفي صحيح البخاري، من طريق حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. قالت: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فَمُري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يأمر الناس أن يُهْدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار. قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم ، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليّ، ذكرت له ذلك، فأعرض عني، فلما كان في الثالثة، ذكرت له ذلك، فقال: «يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عَلَيّ الوَحْي، وأنا في لِحَاف امْرأةٍ منكنّ غيرها»([7]).
وأخرج أحمد في فضائل الصحابة، عن أبي إسحاق: أن رجلاً وقع في عائشة وعابها، فقال له عمار: ويحك، ما تريد من حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما تريد من أم المؤمنين؟ فأنا أشهد أنها زوجته في الجنة، بين يدي علي وعلي ساكت([8]).
وفي رواية: قال له عمار: اخرج مقبوحاً منبوحا، والله إنها لزوجة رسول الله في الدنيا والآخرة([9]).
وأخرج أحمد في الفضائل، عن معمر، عن الزهري، قال: كنت عند الوليد، وكاد أن يتناول عائشة، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ألا أحدثك عن رجل من أهل الشام، وكان أوتي حكمة، قال: من هو؟ قلت: هو أبو مسلم الخولاني، وسمع أهل الشام كادوا ينالون من عائشة، فقال: ألا أخبركم بمثلكم ومثل أمكم هذه، كمثل عينين في رأس، يؤذيان صاحبهما ولا يستطيع أن يعاقبهما، إلا بالذي هو خير لهما قال: فسكت([10]).
وأخرج الدّورقي في مسند سعد، وابن زنجويه في الأموال، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: كان عطاء أهل بدر ستة آلاف، وكانت عطية أمهات المؤمنين عـشرة آلاف، لكل امرأة منهن، غير ثلاثة نسوة: عائشة؛ فإن عمر قال: أفَضّلها بألفين لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وجويرية وصفية، سبعة آلاف، سبعة آلاف ([11]).
وأخرج ابن سعد، من طريق أم دُرَّة([12]) قالت: بعث ابن الزُّبَيْر إلى عائشة بمال في غَرَارَتَيْن يكون مائة ألف، فدعت بِطَبَق، وهي يومئذ صائمة، فجعلت تقسم في الناس. قال: فلما أمست قالت: يا جارية هاتي فطري. فقالت أم درة: يا أم المؤمنين، أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه؟ فقالت: لا تُعَنِّفِيني، لو كنت أذكرتني لفعلت([13]).
قال حسان بن ثابت الأنصاري، وهو يبرئ عائشة مما قيل فيها، ويعتذر إليها:
حصانٌ رزانٌ ما تزن بريبةٍ | وتصبح غرثى من لحوم الغوافل |
حليلة خير الناس ديناً ومنصباً | نبي الهدى والمكرمات الفواضل |
عقيلة حي من لؤي بن غالبٍ | كرام المساعي مجدها غير زائل |
مهذبةٌ قد طيب الله خيمها | وطهرها من كل سوءٍ وباطل |
فإن كان ما قد جاء عني قلته | فلا رفعت سوطي إلي أناملي |
وإن الذي قد قيل ليس بلائطٍ | بها الدهر بل قول امرئ بِيَ مَاِ ِحل |
فكيف وودي ما حييت ونـصرتي | لآل رسول الله زين المحافل |
له رتب عالٍ على الناس فضلها |
-----------------------------------------------------------------------------------------
([1]) أخرجه البخاري في الصحيح-كتاب أصحاب النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -باب فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا -5/29 رقم:3770، ومسلم في الصحيح-كتاب فضائل الصحابة -باب في فضل عائشة رضي الله عنها - 4/1895، رقم 2446.
([2]) صحيح البخاري: 3/1374-1375/ح3558-3559 كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضي الله عنها ، فضائل الصحابة: 2/870/ح1632.
([3])صحيح البخاري: 3/1374/ح3557 كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة رضي الله عنها ، صحيح مسلم: 4/1895/ح2447 كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة رضي الله عنها ، فضائل الصحابة لأحمد: 2/869/ح1627.
([5]) فضائل الصحابة: 2/872/ح1637.
([6]) صحيح مسلم: 4/1889-1890/ح2438 كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة رضي الله عنها.
([7])أخرجه البخاري في صحيح البخاري- كتاب فضائل الصحابة. باب فضل عائشة. 3/36. رقم: 3775.
([8]) فضائل الصحابة: 2/868/ح1625.
([9]) فضائل الصحابة: 2/870/ح1631.
([10]) فضائل الصحابة: 2/870/ح1630.
([11]) مسند سعد للدورقي: 125/ح68، الأموال لابن زنجويه: 2/505، 536/ح803، 876.
([12]) أم درة مدنية تابعية ثقة. الثقات للعجلي 2/461.
([14]) فضل أم المؤمنين عائشة لابن عساكر: 39/ح5، وانظر سيرة ابن هشام: 4/272-273.
([15]) عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في تراث الغرب الإسلامي. الرابطة المحمدية للعلماء-الرباط. الطبعة الأولى 1434هـ/2013م.