مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكأعلام

من أعلام القضاء والفتوى بفاس:

الشيخ محمد العربي الزرهوني

(ت: 1260هـ)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن الشريعة الإسلامية أتت بالنصوص الأساسية والقواعد العامة، لتشمل كافة مناحي الحياة البشرية، ويندرج تحتها كافة القضايا والأمور، حتى ولو تغيرت الأماكن والأزمان، واختلفت العادات والأعراف والبيئات.

ولذلك ترك الشارع الحكيم، للمجتهدين من علماء هذا الدين، مهمة الاجتهاد من أجل استنباط الأحكام الشرعية، وإيجاد الأجوبة الفقهية، لما يجدّ للأمة من وقائع وأحداث.

وقد قام علماء الأمة الإسلامية عموما والمغربية خصوصا -منذ دخول الإسلام لهذه الربوع- بهذه المهمة العظيمة والأمانة الجسيمة خير قيام، فقد كانوا دوما مواكبين باجتهاداتهم الفقهية لما يعرفه العصر من تقلبات، وما ينزل بالأمة من مستجدات.

وممن علا شأنه في هذا المضمار، وذاع صيته بين الخاص والعام، واشتهر أمره بين الأنام، قاضي فاس ومفتيها، الشيخ محمد العربي بن الهاشمي العزوزي الزرهوني المتوفى بمدينة الصويرة سنة: 1260هـ/1844م.

وفيما يلي تعريف بهذا العالم الجليل، وبيان لما قدمه للأمة من خدمات، وما تركه للساحة الثقافية من مؤلفات.

المبحث الأول: حياة محمد العربي الزرهوني:

الحديث عن حياة الشيخ محمد العربي الزرهوني، يقتضي التعريف بأسرته التي ترعرع بين أحضانها، ولعبت دورا أساسيا في تكوين شخصيته، وهو ما نعقد له المطلب الأول. كما يقتضي الحديث عن وتاريخ ومكان ولادته، وهو ما أخصص له المطلب الثاني. بالإضافة إلى اسمه ونشأته وأخصص لذلك المطلب الثالث.

المطلب الأول: أسرته.

تنتمي أسرة الزرهونيين في الأصل إلى جبل زرهون، ويبعد عن مدينة فاس المغربية نحو ثلاثين ميلا إلى الشمال الغربي منها. وقد تأسست بهذا الجبل مدينة اتخذها مولاي إدريس الأكبر -مؤسس دولة الأدارسة- عاصمة لدولته بعد سنة: 172هـ/788م، لتمثل هذه المدينة، أول عاصمة لأول دولة إسلامية بالمغرب الأقصى مستقلة عن المشرق، ولا زالت هذه المدينة تحتضن ضريحه إلى اليوم. وينسب الشيخ محمد العربي الزرهوني رحمه الله إلى هذه المنطقة، لسكنى بعض آبائه بها([1]).

وأسرة الزرهونيين، تعتبر من الأسر الفاسية العريقة في العلم والنسب، وبيتهم بمدينة فاس من بيوتات العلم والأدب والصلاح والتقوى. وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن أول تواجد لهذه الأسرة بمدينة فاس، كان في وقت مبكر من تاريخ هذه المدينة.

يقول الكتاني في السلوة في ترجمة سيدي مهدي الزُرَيْهِني (بالتصغير): “الشيخ الفقيه الصالح، جد بني الزرهوني بفاس، وهم بربر من جبل زرهون، كان بيتهم بيت فقه وصلاح، وهو أول قادم منهم عليها من زرهون وبها توفي. وكان خيّرا صالحا متمسكا بالدين، وأولاده فقهاء صلحاء. وانظر هل هذا هو القاضي الزريهني الذي كان بفاس، وكان صلبا في الحق، معاصرا لأبي الفضل راشد الوليدي وأبي الحسن الصغير؟”([2]).

وقد ذهب صاحب بيوتات فاس إلى أن الذي كان قاضيا بفاس في هذه الفترة، هو ابنه حيث يقول: “وولي ابنه قضاء المناكح بفاس وكان من أعرف أهل زمانه بالفقه”([3]).

ومن الملاحظ أن هذين النصين لم يحددا تاريخا معينا لقدوم جد الزرهونيين سيد المهدي الزريهني هذا إلى مدينة فاس، غير أن النص الأول يستفاد منه بأن هذه الأسرة قد استقرت بهذه المدينة في وقت مبكر. حيث إن القاضي الزريهني المذكور في النص أعلاه، كان متواجدا بهذه المدينة في عصر أبي الفضل راشد الوليدي، وأبي الحسن الصغير، أي في حدود القرن السابع الهجري، والنصف الأول من القرن الثامن([4]).

المطلب الثاني: تاريخ ومكان ولادته.

أجمعت كل المصادر التي ترجمت للشيخ محمد العربي الزرهوني رحمه الله، على القول بأنه ولد في سنة: 1196هـ/1781-1782م، لكنها لم تصرح باليوم ولا بالشهر ولا بالمكان الذي ولد فيه. ويشير معظم من ترجم له إلى أنه نشأ بمدينة فاس، وطلب العلم بها([5]).

وهذا ما يمكن معه القول بأنه ولد بهذه المدينة ونشأ بها، وهو ما صرح به المترجم له نفسه، حيث قال في مقدمة شرحه للآجرومية: “يقول راجي عفو مولاه، محمد العربي بن محمد الهاشمي الزرهوني أصلا، الفاسي منشئاً وداراً وقرارا”([6]).

ومن خلال هذه المعطيات، يمكن القول بأن الشيخ محمد العربي الزرهوني رحمه الله، قد ولد بمدينة فاس ونشأ بها، وتلقى جل العلوم التي برع فيها عن علمائها، وإن لم تصرح مصادر ترجمته بذلك والله أعلم.

المطلب الثالث: اسمه ونشأته.

أ- اسمه: هو: أبو حامد، محمد العربي بن محمد الهاشمي العزوزي الزرهوني. وقد اتفقت جل المصادر المترجمة له في الكنية حيث أوردته كلها باسم: “أبي حامد”، وزاد العباس السملالي المراكشي، في الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأنام: “أبا المعالي” علاوة على: “أبي حامد”([7]).

بينما اختلفت بعض هذه المصادر في اسمه واسم أبيه، فبعضهم كابن سودة في إتحاف المطالع، والدكتور حسن الوزاني في تحقيق معجم طبقات المؤلفين لابن زيدان يقول: “العربي بن محمد بن الهاشمي العزوزي الزرهوني”([8]). وذهب محمد مخلوف في شجرة النور والكتاني في سلوة الأنفاس، وعمر كحالة في معجم المؤلفين إلى أن اسمه: “العربي بن الهاشمي الزرهوني”([9]).

والبعض الآخر يقول: “العربي بن محمد الهاشمي العزوزي الزرهوني”([10]).

وذكره عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس بلفظ: “العربي بن الهاشمي”، وبلفظ: “محمد العربي بن الهاشمي”([11]). وأورده الزركلي باسم: “محمد العربي بن محمد الهاشمي الزرهوني”([12]).

وهذا ما صرح به المترجم له نفسه في مقدمة شرحه للآجرومية حيث قال: “وبعد فيقول راجي عفو مولاه، محمد العربي بن محمد الهاشمي الزرهوني أصلا الفاسي منشأ ودارا وقرارا”([13]).

وفي مقدمة كتابه النوازل الفقهية حيث قال: “وبعد: فيقول أفقر الورى لعفو مولاه، الراجي مغفرته ورحماه: محمد العربي بن محمد الهاشمي الزرهوني العزوزي”([14]).

وبهذا اللفظ أيضا، كان المترجم له يوقّع فتاويه أحياناً، حيث كان يختم جوابه عن النوازل التي ترفع إليه بقوله: “وكتب محمد العربي بن محمد الهاشمي الزرهوني كان الله له([15]).

كما كان يختم جوابه عن النازلة أيضا بقوله: “وكتب محمد العربي الزرهوني”([16]).

ويمكن اعتبار هذا الاختلاف في الاسم، مجرد اختلاف لفظي لا علاقة له بجوهر القضية، إذ قد يكون الاسم الحقيقي للمترجم له هو: العربي وأضاف لنفسه أو أضيف إليه اسم: ‘محمد’ تبركا باسم النبي صلى الله عليه وسلم. أو أن يكون اسمه: محمد، وأضاف لنفسه أو أضيف إليه لفظ: ‘العربي’ على جهة النسب أو اللقب. وما يسري على اسمه يسري على اسم أبيه أيضا.

ومثل هذا كان شائعا في مدينة فاس وغيرها من هذه الربوع، حيث كانت بعض العائلات المغربية تضيف إلى أبنائها اسم محمد تبركاً باسم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسمون ذلك بـالتلقيمة، كما كان بعض أهل التصوف يسمي جميع أبنائه الذكور باسم: محمد، ويضيف للتمييز بينهم لفظ: الكبير أو الصغير أو الوسط، أو لفظ العدد مثل: محمد الأول ومحمد الثاني وهكذا.

وهذا الصنيع ينبئ عن شدة حب المغاربة للنبي صلى الله عليه وسلم، والتلذذ بذكره والتبرك بتسمية أبنائهم باسمه صلى الله عليه وسلم.

ب- نشأته: لم تتحدث المصادر التي ترجمت للشيخ محمد العربي الزرهوني، بشيء من التفصيل عن نشأته، كل ما هنالك أنهم يقولون درس العلم بفاس([17]).

وقد كانت الطرق المعهودة لدى المغاربة في تعليم أبنائهم، البدء بحفظ القرآن الكريم بالكتاتيب القرآنية التي كانت منتشرة بفاس وبغيرها من المدن والقرى بكثرة، وكان روادها بموطن مترجمنا الشيخ الزرهوني هم أبناء الأسر الفاسية، حيث كانوا ينهون دراستهم الابتدائية بها ثم يلتحقون بالدراسة بالقرويين ويتابعون عيشهم في أسرتهم([18]).

1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق