مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكقراءة في كتاب

“معلمة القواعد الفقهية عند المالكية”

“معلمة القواعد الفقهية عند المالكية”

 للأستاذ رشيد المدور

إن من الحقائق الثابتة في مجال تقويم العلوم والمعارف المقومة للمجال التداول الإسلامي، أن الفكر التقعيدي في مجال الفقه يعد بحق وجها بارزا من وجوه الإبداع لدى علماء الإسلام، ذلك أن “الفقهاء على اختلاف مذاهبهم قد تركوا تراثا فقهيا لا نظير له، أودعوا فيه حصيلة اجتهاداتهم وفهومهم الفقهية، ونثروا فيه الآلاف المؤلفة من أجوبتهم الفقهية على ما عرض عليهم من نوازل وحوادث ووقائع في مختلف مجالات الحياة، حيث يستطيع الناظر في هذا التراث الفقهي الضخم أن يستخلص ما شاء من فقه التأصيل وفقه التنزيل، ويستنبط ما  شاء من فقه التنظير وفقه التأطير، ويستخرج ما شاء من فقه التحقيق وفقه التطبيق.. وإن من أروع ما تميز به الفقه الإسلامي: اختزاله في صيغ جامعات، وتجميع فروعه وجزئياته في قواعد وكليات، حتى صار ملفوفا في قواعده وضوابطه منشورا في أحكامه وجزئياته، محكما في أصوله وكلياته، مفصلا في فروعه وتطبيقاته.”[1]

وغير خاف على من يعنى بشأن الفكر التقعيدي لدى فقهاء الإسلام عامة وفقهاء المذهب المالكي على وجه الخصوص مدى الحاجة إلى دراسات ومقاربات تميط اللثام وتزيل الحجاب عن حقيقة الإبداع الفقهي في هذا المجال قدرا ومقدارا، كما تعرب عن مقام التبريز والريادة الذي نزل فيه المالكية، فتبوؤا بذلك المراتب العليا في سلم الإبداع التقعيدي الفقهي.

وفي هذا السياق تأتي الدراسة القيمة والمتفردة التي ازدانت بها المكتبة المالكية والمعنونة: “معلمة القواعد الفقهية عند المالكية” للباحث المقتدر الأستاذ رشيد المدور الذي اجتهد في تقريب معالم الاجتهاد التقعيدي في المذهب المالكي، من خلال رصد المسار التأليفي في فن التقعيد الفقهي على اختلاف أنواعه وأشكاله (القواعد والكليات والضوابط و النظائر…)، وهو رصد قصد فيه المؤلف إلى تمكين المهتمين  من تشكيل صورة واضحة المعالم حول مناهج التأليف في القواعد الفقهية ومضامينه الإجمالية، وذلك على الوجه الذي به يحصل تبين مكامن الابداع المالكي في هذا المجال، ويتحصل به إنصاف الاجتهاد التقعيدي المالكي الذي طاله الاجحاف وسوء الاعتبار. فجاءت هذه المعلمة محققة لمقاصدها، جامعة بين الاحكام المنهجي والانضباط الموضوعي، والمواكبة الميدانية، وحسن التكشيف ودقة التوصيف. يقول الدكتور محمد  الروكي في تقريظه للمعلمة :” وقد قيض الله لجمعها وعرضها ( أي مصنفات القواعد ) باحثا شابا جلدا هو الأستاذ رشيد المدور الذي قام بجمع مصنفاتها على اختلاف أنواعها ورتبها ترتيبا جيدا، فجاء عرضه لها مفيدا قيما تميزت به مطولاتها و مختصراتها، ومنثوراتها ومنظوماتها، كما تميزت به طرائق تناولها للقواعد بأسمائها المختلفة، وعلاقة جزئياتها بها، وتوج ذلك بتحلية كل مصنف بذكر مؤلفه ومنهجه في عرض مادته الفقهية، مع ترتيب ذلك ترتيبا دقيقا، ودراسته دراسة علمية جيدة توصل الباحث من خلالها إلى نتائج علمية قيمة” .[2].

"معلمة القواعد الفقهية عند المالكية"

كما تختص هذه المعلمة بمزايا وخصائص توجب لها الفضل والامتياز على سائر الدراسات المتصلة بهذا الموضوع، حيث استجمعها المؤلف في التقدم الزمني والشمولية والاستقصاء والإحاطة والتحيين والاستيعاب والإفراد في التأليف، والتفصيل في بيان المصنفات، والكثرة حيث إن عدد المصنفات التي أحصاها المؤلف عدد غير مسبوق (ما يفوق 190 مصنفا). كل هذه المزايا تجعل من هذه المعلمة سببا لتصحيح الانطباع السائد عن حجم مساهمة المالكية في التصنيف في القواعد الفقهية[3].

ولقد بنى المؤلف قواعد كتابه على ستة فصول استهلها بمقدمة وتوجها بخاتمة ضمنها نتائج البحث ثم أرفقها بتوصياته واقتراحاته.

إلا أن الفصل السادس والأخير من الكتاب أتاح للمؤلف المجال للاستقراء والاستشراف والاعتبار، وذلك من خلال مقاربة المعطيات الواردة في الفصول الخمسة مقاربة ببليومترية مكنت الباحث من مزيد الكشف والإيضاح والإبانة عن امتياز الكسب التقعيدي المالكي تاريخيا ومنهجيا و موضوعيا، وهكذا كشف المؤلف عن أربعة وعشرين وجها تدل “دلالة لا ريب فيها على أن إسهام العلماء المالكية في مجال القواعد والضوابط والكليات والفروق والنظائر الفقهية تقعيدا وتأصيلا، وصياغة وحبكة، ترتيبا ونظما، جمعا وتأليفا، إسهام متميز يشهد على نبوغهم وتفوقهم في هذه الصناعة”[4].

كما تتجلى فائدة “المعلمة” في كونها تفيد الباحثين ممن يعنى بشأن تقريب العلوم عامة وتقريب علم القواعد خاصة، في الوقوف على مظان التقريب فيه أصلا ومقصدا، واستجلاء تجلياته وأشكاله وأطواره، وهذا أمر واضح من خلال تمييز المؤلف بين المصنفات الأصلية أي المؤلفة ابتداء في كل فن من فنون القواعد، وبين المصنفات التبعية أي المبنية على الأصول والخادمة لها بالبيان أو الشرح أو التلخيص وغير ذلك من صور التقريب.

الهوامش:


[1] – من تقديم الدكتور محمد الروكي لكتاب معلمة القواعد الفقهية عند المالكية ص7.الطبعة الأولى دار الفتح للدراسات والنشر عمان الأردن.

[2] -نفسه ص8.

[3] -نفسه ص19-20.

[4] -نفسه ص 321

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق