مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات محكمة

فقه العمليات في التراث الفقهي المغربي فقه الشركات ومتعلقاتها نموذجا(21)

2.3- ما جرى به العمل في القسمة

1.2.3- القيام بالغبن في قسمة المراضاة دون تقويم ولا تعديل

لقد سبق أن أشرت إلى أن المشهور في قسمة المراضاة دون تقويم ولا تعديل هو عدم سماع دعوى الغبن فيها لمن أراد القيام به؛ لأن المقاسم «لم يأخذ ما خرج به على قيمة مقدرة ولا على ذراع معلوم، ولا على أنه مماثل لما خرج عنه، فهي كبيع المساومة باتفاق، وهو لا قيام فيه بالغبن ولو بلغ الثلث على المشهور»([1]).

وهذا هو المنصوص عليه في التحفة إذ جاء فيها:

وقسمة الرضى والاتفـاق من غير تعديل على الإطلاق
كقسمة التعديل والتراضي فيما عدا الغبن من الأغراض

لكن لما كان هذا النوع من القسمة بيعا من البيوع باتفاق، وكان المشهور فيه أيضا القيام فيه بالغبن مطلقا كما هو نص التحفة، فإن هذا الاعتبار أيضا أي اعتبارها بيعا من البيوع يقتضي أيضا جواز القيام فيها بالغبن على المعمول به، وذلك لما ثبت من جريان العمل بالقيام بالغبن في الثمن والمثمن؛ أي في البيع كما نص عليه التسولي.([2])

قال العلامة المهدي الوزاني: «قال الفقيه سيدي يعيش الشاوي في (الكواكب السيارة) ما نصه: قلت: هذا أي كلام التحفة، جار على المشهور الذي صدر به في المتن من عدم القيام بالغبن إذ قال: «ولا بغبن ولو خالف العادة»([3])، وأما على ما جرى به العمل فإنه يقام فيها بالغبن حيث وجدت شروطه؛ إذ غايتها أنها بيع من البيوع فتأمله»([4]).

ويرى العلامة التسولي أن اعتبار هذه القسمة بيعا يقتضي إيجاب حكمه لها، ومن هذه الأحكام القيام بالغبن بالشروط المعلومة وفق ما جرى به العمل([5])، «فكان على الناظم –يقول التسولي معقبا- حيث درج فيما تقدم على أن البيع يقام فيه بالغبن، أن لا يستثنيه ههنا»([6]).

وهذا في اعتقادي يدل على أمرين:

± أولهما أن فيه تنبيها واضحا إلى ما ينبغي على المجتهد الحرص عليه من الحفاظ على تماسك النسق الشرعي، وذلك لحفظ أحكامه من أن يلحقها تناقض أو تخالف.

± وثانيهما أن فيه إيضاحا كافيا لكون العمليات والاجتهاد في رحابها يتسم كل ذلك بالامتداد والاتساع، بحيث يكون بالإمكان استنباط أعمال جديدة بناء على أعمال سالفة، لتنضاف إلى المجتهد إمكانية الاجتهاد والتخريج في مجال فقه العمل بواسطة آلية العمل نفسها.

الهوامش:


 ([1]) انظر البهجة في شرح التحفة للتسولي 2/253، والمقدمات 2/246.

([2]) انظر البهجة 2/191، وانظر حاشية المعداني على شرح ميارة للتحفة 2/64، وحادي الرفاق للرهوني ص 180.

([3]) لكن إذا كانت القسمة المذكورة معقودة بحكم الوكالة فللموكل القيام بالغبن إذا ظهر موجبه؛ لأن النائب عن غيره لا يمضى من أفعاله إلا ما هو سداد وفيه مصلحة. انظر البهجة 2/253، وحلي المعاصم لمحمد التاودي بهامش البهجة 2/253، وشرح ميارة للتحفة 2/103.

([4]) النوازل الكبرى، 7/527.

([5]) الشروط هي: عدم مضي العام، وكون المغبون جاهلا بالقيم والأثمان، وأن يكون الغبن ثلثا فأكثر.

([6]) البهجة، 2/253.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق