مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامشذور

طبائع الصلات بين النبي صلى الله عليه وسلم والنساء الصحابيات

     تتعدد المطارحات في موضوع المرأة في السيرة المشرفة، كما تتدرج الأسئلة المثارة من البعد العقدي إلى الفقهي فالاجتماعي، وهي أمور متشابكة في ذاتها يستعصي تحليل بعضها إلا باستدعاء الآخر.

ولقد ألفت في موضوع علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء كتب كثيرة، يبرز من خلالها  الحضور القوي للمرأة في المجتمع النبوي؛ منها كتاب “نساء حول النبي صلى الله عليه وسلم؛ دراسة للعلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم ونساء مجتمع المدينة”، لمحمد بن فارس الجميل، وهو بحث يتغيى دراسة مستويات العلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المدينة، والتي ردها إلى ثلاثة:

  • المسار الأول: في الجانب الاجتماعي.
  • المسار الثاني: في الجانب الفقهي (فقه الأسرة).
  • المسار الثالث: في الجانب الجهادي.

وسنكتفي في هذا المقام بشذور مما ساقه المؤلف في ذلك؛

  • “المسار الأول: في الجانب الاجتماعي:

يهدف هذا المسار إلى التعرف على طبيعة العلاقة الاجتماعية، المتمثلة في الزيارات التي كانت متبادلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض نساء المجتمع وما كان يدور في خلالها وما يسفر عنها.

ومن ذلك زياراته صلى الله عليه وسلم لأم سليم بنت ملحان؛ لقد حدث ذات يوم أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم في بيتها ، فأتته بتمر وسمن ضيافة له، فاعتذر لها بأنه صائم.

و كان صلى الله عليه وسلم يتبسط مع أم سليم وأهل بيتها، قال أنس: زارنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخ لي أصغر مني يكنى أبا عمير.فقال : يا أم سليم ما شأني أرى أبا عمير ابنك خاثر النفس؟ فقالت: يا نبي الله، ماتت صعوة له، كان يلعب بها. فجعل النبي يمسح برأسه و يقول: “يا أبا عمير ما فعل النغير”

و في مجال عيادة الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض المرضى من الصحابيات ، حدث ذات يوم أن قام بزيارة لأم السائب. وهي تزفزف، فقال لها :”مالك؟” قالت: الحمى أخزاها الله.فقال:” مه،لا تسبيها فإنها تذهب خطايا المسلمين كما تذهب الكير خبث الحديد”.

و هذه سيدة أخرى تدعى أم العلاء، ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم زارها و هي مريضة ، فبشرها بأن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه ، كما تذهب النار خبث الذهب و الفضة.

ومن جهة أخرى فإن بعض النساء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقمن بعيادته إذا مرض؛ منهن فاطمة بنت اليمان  أخت حذيفة بن اليمان العبسي،قالت: عدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة وإذا سقاء معلق و ماؤه يقطر عليه-أي على النبي صلى الله عليه وسلم _من شدة ما يجد من حر الحمى،فقلنا يا رسول الله، لو دعوت الله فأذهب عنك هذا. فقال : “إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”.

إضافة إلى ما سبق فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحضر أفراح المجتمع و يبارك لهم في أعراسهم.

و على وجه الإجمال،فإنه تصعب الإحاطة بالنساء اللاتي كان لهن اتصال برسول الله لأي سبب من الأسباب.

  • المسار الثاني: في الجانب الفقهي:

أما هذا المسار من الدراسة فإنه يدور على ضرب آخر من ضروب العلاقة بين الرسول صلى الله عليه وسلم و بين نساء مجتمع المدينة؛ و يتلخص في تردد  بعض النساء على الرسول صلى الله عليه وسلم إما لشكوى أو طلب فتوى في شأن من الشؤون الدينية أو الاجتماعية؛ ومن ذلك:

أن أم سليم الأنصارية ، والدة انس بن مالك خادم رسول الله . ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت عائشة وفي حضرة بعض نسائه، فسألته عن احتلام المرأة وكيف تفعل؟

قالت :يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق ، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل أتغتسل أم لا؟ فقال رسول الله:” نعم، فلتغتسل إذا وجدت الماء” ، و كأن عائشة أم المؤمنين أنكرت على أم سليم سؤالها؛فأقبلت عليها، و قالت لها: “أف لك، و هل ترى ذلك المرأة؟”  قالت عائشة فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ فقال:”تربت يمينك يا عائشة و من أين يكون الشبه؟” …

لقد كان رسول الله يجيب عن الأسئلة و يفصل في الجواب حتى لا يترك في المسألة إشكالا، و كانت هاته النساء لا يجدن حرجا في الحديث مع الرسول صلى الله عليه وسلم عما يواجهنه من إشكالات هي في صميم فقه العبادات.

و من قضايا النساء التي كانت شائعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما تعلق بالزواج و الطلاق والخلع والنفقة وحق الولاية، من تلك الأحوال حالات الزواج القسري؛ فمما ورد في ذلك أن خنساء بنت خالد بن خذام ، استشهد زوجها يوم أحد (3ه/624م ) فزوجها أبوها و هي كارهة برجل من بني عمرو بن عوف فرفعت أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها خطبت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر، وقالت : يا رسول الله إن أبي زوجني و لم يشعرني .فقال لها:” لا نكاح له.و انكحي من شئت” فنكحها أبا لبابة بن عبد المنذر.

و هناك مسائل عدة ليس لها علاقة بالطهارة و لا بالظهار أو الطلاق بل تتصل بقضايا عامة تهم المرأة المسلمة وتضطر إلى عرضها على النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يجد لها مخرجا مما هي فيه.

ومن ذلك شكوى أسماء بنت عميس و فتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ إن أسماء من المسلمات الأوائل في مكة، ثم هي من المهاجرين إلى الحبشة برفقة زوجها جعفر بن أبي طالب، و عندما عادت من المهجر إلى المدينة في السنة السابعة من الهجرة (7ه/628م) ، وجدها عمر ابن الخطاب في زيارة لابنته حفصة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها من تكون فلما علم أنها أسماء بنت عميس ، خاطبها بلغة الاستنكار قائلا : الحبشية هذه ! البحرية هذه ! قالت أسماء : نعم . فقال عمر :” سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحق برسول الله منكم” فغضبت أسماء من مقولة عمر و ردت عليه.ثم ذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت :يا نبي الله إن عمر قال : كذا و كذا.فقال لها:”ليس بأحق بي منكم، و له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان”.

  • المسار الثالث: في الجانب الجهادي:

هذا المسار ينحصر في النساء اللاتي أحطن برسول الله صلى الله عليه و سلم ورافقنه ووقفن بجانبه في بعض مغازيه .

  ولقد كانت نسيبة بنت كعب أم عمارة من بين من خرج في يوم أحد،و يظهر أنها لم تكن تنوي مشاركة الرجال في القتال ؛ إذ إنها خرجت أول النهار لتنظر ما يصنع الناس، و معها سقاء فيه ماء . قالت فانتهيت إلى رسول الله و الدولة و الربح للمسلمين ،فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله ، و قمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عنه بالقوس حتى خلصت الجراح إلي…

و من النساء اللاتي خرجن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض مغازيه، أم سنان  الأسلمية، تحدثت أم سنان عن غزوة خيبر(7ه/628م) فقالت: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى خيبر، جئته فقلت: يا رسول الله! أخرج معك في وجهك هذا ، أخرز السقاء و أداوي المريض، إن كانت جراح و لا تكون، و أبصر الرحل . فقال صلى الله عليه وسلم : اخرجي على بركة الله ، فإن لك صواحب قد كلمنني ، و أذنت لهن من قومك ، و من غيرهم. فان شئت فمع قومك ، و إن شئت فمعنا . قلت : معك . قال : فكوني مع أم سلمة زوجتي .

وأخيرا فإن الشئ الذي يجب التأكيد عليه في هذه الدراسة أن هذا النوع من التواصل الوثيق بين النبي صلى الله عليه وسلم ونساء مجتمع المدينة قد شكل فيما بعد العمود الفقري لمنظومة ما عرف بعد بفقه الأسرة.”

نساء حول النبي صلى الله عليه وسلم؛ دراسة للعلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم ونساء مجتمع المدينة ، محمد بن فارس الجميل، جداول للنشر والترجمة والتوزيع، الطبعة الأولى، 2016م، لبنان، (بتصرف).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق