مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةتراث

ضبط إجازة محمد بن حمدون بن الحاج(ت1273هـ)، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن علي المدعو لبزيوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فقد اعتمد علماء الحديث واللغة، على الرواية باعتبارها أداة من أدوات التواصل ونقل العلوم، وهي أنواع منها: السماع، والعرض، والإجازة.

والإجازة هي أن يقول المحدث لغيره: أجزت لك أن تروي عني كتابي، أو هذا الكتاب الذي حدثني به فلان، ويبين سنده دون سماع ولا عرض.

والإجازة في أصلها ضمان علم الطالب وقدرته على نقل هذا العلم، وقد بدأت مع علم الحديث، ثم انتقلت بعد ذلك إلى باقي العلوم الأخرى.وقد أطلقت الإجازة فيما بعد على كل أنواع الرواية، وأصبحت غير قاصرة على الحديث، وإنما تشمل سائر العلوم النقلية والعقلية[1].

ولها فوائد منها: 

أنها تعد وثيقة تاريخية يمكن أن يعرف من خلالها ثقافة علماء كل عصر وتكوينهم العلمي وما قرؤوا أو سمعوا من مصنفات.

 أنها مصدر من مصادر التراجم، إذ تتضمن أسماء أعلام كثيرين لا يوجد لهم ذكر في كتب التراجم المعروفة.

 أنها وسيلة لمعرفة بعض مراكز العلم في العصور الإسلامية وتحولاتها وغير ذلك.

 ولهذا اخترت الاشتغال على ضبط اثني عشر إجازة لعلماء مغاربة وغيرهم، وسأبدأ بإجازة محمد بن حمدون بن الحاج(ت1273هـ)، لأبي عبد الله سيدي محمد بن أحمد بن محمد بن علي  لبزيوي . 

أولا: التعريف بمحمد بن حمدون[2].

هو محمد الطالب بن حمدون ابن الحاج السلمي المرداسي  الفاسي،

أخذ عن مجموعة من العلماء منهم: أبو عبد الله سيدي محمد اليازغي،  ومحمد بن طاهر الحسني العلوي، وأبو العباس أحمد بن عبد الملك العلوي، والتهامي بن حمادي المكناسي، والعربي بن محمد الدمناتي، وعبد القادر بن أحمد الكوهن، وأبو بكر بن زيان الإدريسي، وإدريس البكراوي، والعباس ابن كيران، وعلي بن عبد الله المتيوي، وعبد السلام بن الطايع بوغالب.

له تآليف عديدة منها: حاشيته على شرح “المرشد” للشيخ ميارة، وحاشيته على باحراق الصغير، و”الأزهار الطيبة النشر في المبادئ العشر”، وكتاب “الإشراف على بعض من حل بفاس من مشاهير الأشراف”، و”عقد الدر واللآل في شرفاء عقبة ابن صوال”، و”روض البهار في ذكر جملة من مشايخنا الذين فضلهم أجلى من شمس النهار”، و “رياض الورد إلى ما انتهى إليه هذا الجوهر الفرد”، تكلم فيه على نسب أبيه أبي الفيض حمدون ابن الحاج وما يتعلق به من الولادة إلى الوفاة، وتعرض فيه لذكر شيوخه وتلامذته وما يتبع ذلك إلى غير ذلك من تآليفه.

أخذ عنه قاسم القادري[3].

قال ابن سودة: ” علم الأعلام، الداركة المحقق المؤرخ النسابة. ولي القضاء بمراكش مدة ثم بمقصورة السماط بفاس”[4]

تولى التدريس بالقرويين،  وولي  رحمه الله  القضاء بحضرة مراكش مدة، ثم بعد وفاة القاضي بفاس مولاي عبد الهادي؛ ورد الخبر على فاس من مراكش سابع ذي القعدة سنة اثنين وسبعين ومائتين وألف بتوليته للقضاء بها، ثم دخلها يوم الثلاثاء سادس وعشرين ذي القعدة من العام المذكور، وفي يوم الأربعاء الموالي له قرئ ظهير السلطان مولاي عبد الرحمن بتوليته بمنبر جامع القرويين، وبقي قاضيا بها إلى أن توفي بعد عصر يوم الجمعة التاسع من ذي الحجة الحرام متم سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف(ت1273هـ)، ودفن من الغد، وهو يوم النحر، بالبيت المذكور متصلا بالدكانة المرتفعة التي بها قبر سيدي أحمد بن العربي وولده.

ثانيا: ضبط نص الإجازة.

هي إجازة  أجاز بها محمد بن حمدون بن الحاج  أبا عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن علي المدعو لبزيوي[5]

وسأعتمد في إخراجها على نسخة محفوظة بمؤسسة العلامة سيدي علال الفاسي رحمه الله، تحت رقم: 391ع. مكتوبة بخط مغربي صفحاتها غير مرقمة.

نص الإجازة:

الحمد لله وحده، حمدا  لمن جعل شواهد الأراء والفهوم، قانصة لشوارد مسائل العلوم، وصير الأئمة والشيوخ ذوي الثبات والرسوخ ، شجرة أصلها في السماء،  تقطَف منها الأنوار، وكل خصلةٍ شمَّا، وصلاة  وسلما  على من هو أسُّ العلُوم وأصلها، ونتيجتها نوعها، جنسها  وفصلها، وعلى آله الكرام البررة، وصحابته  المنتخبين الخيرة، الذين وطَّئوا لنا العلومَ  ومهدوها،  وربوا أنفسهم وجاهدوها،…[6] فإن الفقيه الأديب النبيه الحسيب، اللوذعي الأريب، أبا عبد الله سيدي محمد بن أحمد بن محمد بن علي المدعو لبزيوي  طالما طالبني أن أجيزه،  وأزين إبريزه  مما يعوق به أهلَ زمانه الصعب الشاق، الذي لا ينجوا منه إلا من قام لعبادة مولاه على ساق، واتسق عقده فيها غاية الاتساق، حتى يكون لربه المساق، فأجبته  لذلك،  ولست ممن سلك وَعْرَ تلك المسالك؛  لأن بضاعة  مزجية بلا تحصيل، عند الإجمال والتفصيل،  لكن من حلاه مولاه بحلية القبول، فعليه أن يجيب الاستدعاء  فيقول: قد أجزت الفقيه  المذكور  بما في الدواوين  مسطور،   من منقول ومعقول، مستنبط لذوي العقول وخصوصا صحيح البخاري أمدني الله وإياه بمداده الساري، وما عليه من شرح وتعليق، وحاشية حلاها الطِراز، وألفية الاصطلاح، وتلخيص المفتاح، وما لها به تعلق وارتباط، وعليه النقل  مزيد الاحتياط، على العموم والإطلاق، والشمول والاستغراق، وأوصيه  وإياي بالتقوى، فإنها فيما هو بصدده الحبل المتين  والركن الأقوى، (واتقوا الله ويعلمكم الله) [7] (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا) [8]  من عمل بما علم،  ورثة الله علم ما لم يعلم،  وفي ذلك اكتفاء لمن يفهم، وعليه أن لا ينسانا في خلواته وجلواته . وكتبه الفقير المحتاج. محمد بن حمدون بن الحاج  سلك الله به أقوم المحاج هـ.

*****************

هوامش المقال:

[1]   انظر مقال تحت عنوان: الإجازات العلمية على عهد الدولة العلوية إجازة الشيخ المرابط الدلائي(لأبي علي اليوسي) نموذجا،  لحسن جلاب، مجلة دعوة الحق، العدد 326 شوال-ذو القعدة 1417/ مارس 1997، ص: 97_102.

[2]    مصادر ترجمته: سلوة الأنفاس(1/ 157)، شجرة النور(1 /572)، إتحاف المطالع(2 /211)، فهرس الفهارس(1 /465) الأعلام(6 /171).

[3]   شجرة النور(1 /537).

[4]   إتحاف المطالع(2 /211)

[5]  تنظر ترجمته  في الأعلام للزركلي (6 /24)  وورخ وفاته على أنها  في أوائل سنة(1368هـ)،  ناقلا  عن ابن سودة في إتحاف المطالع 2 /518.

[6]  بياض بالأصل مقداره ثلاث كلمات.

[7]  سورة البقرة الآية: 281

[8]  سورة العنكبوت الآية: 69.

**********************

جريدة المصادر والمراجع:

إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع: لعبد السلام ابن سودة، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1417هـ/1997م.

الإجازات العلمية على عهد الدولة العلوية إجازة الشيخ المرابط الدلائي(لأبي علي اليوسي) نموذجا،  لحسن جلاب، مجلة دعوة الحق، العدد 326 شوال-ذو القعدة 1417/ مارس 1997.

إجازة محمد بن حمدون بن الحاج(ت1273هـ)، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن علي المدعو لبزيوي، نسخة مؤسسة علال الفاسي بالرباط، رقم: 391ع.

الأعلام، لخير الدين الزركلي،  دار العلم للملايين. ط15، 2002 م.

سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، لجعفر بن إدريس الكتاني. تحقيق:  عبد الله الكامل الكتاني، وحمزة بن محمد الطيب الكتاني، ومحمد حمزة بن علي الكتاني، دار الثقافة، ط1ـ سنة 1425 هـ ،2004 م.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد لحاء بفاس لجعفر بن إدريس الكتاني ط دار الثقافة ط1، سنة 1425هـ تقيق ذ عبد الله بن محمد بن مخلوف، ط دار الفكر.

فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي بن عبد الكبير بن محمد الكتاني الحسني الإدريسي، تحقيق ذ إحسان عباس،  دار الغرب الإسلامي، ط2، سنة 1402ﻫ.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق