مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

وقفات مع حديث: “كيف وقد قيل؟”

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد:

    لقد كان الصحابة رضي الله عنهم من أوائل الذين رحلوا في طلب العلم والحديث، وسار على نهجهم من جاء بعدهم من التابعين ومن بعدهم؛ فمنهم من كان يرحل لطلب حديث واحد، بهذا بوَّب الإمام البخاري أحد أبوابه لكتاب العلم في صحيحه قائلا: “باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله”، وأدرج فيه حديثا واحدا؛ وهو حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه ونصه: ” أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز ،فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة:، ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني؟ فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” كيف وقد قيل؟” ففارقها عقبة، ونكحت زوجا غيره”.

هذا الحديث أخرجه البخاري في الباب والكتاب المذكورين أعلاه برقم: (88)([1]) بهذا اللفظ، وبلفظ قريب  منه في كتاب: البيوع، باب: تفسير المشبهات، برقم: (2052) بلفظ مقارب([2])،  وفي كتاب: الشهادات، باب: إذا شاهد أو شهود بشيء وقال آخرون ما علمنا بذلك يحكم بقول من شهد، برقم: (2640) ([3])، وفي باب: شهادة الإماء والعبيد، برقم: (2659) ([4]) ، وباب: شهادة المرضعة، برقم: (2660) ([5])، وفي كتاب: النكاح، باب: شهادة المرضعة، برقم: (5104) ([6]).

لنا مع هذا الحديث ثلاث وقفات وهي كالآتي:

الوقفة الأولى: “أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج ظاهر هذا الحديث فيه دلالة على أن شهادة المرأة الواحدة تقبل، وإليه ذهب ابن عباس وجماعة من السلف وأحمد بن حنبل([7])

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة إلى أقوال: منهم من أخذ بظاهر هذا الحديث بمعنى: تكفي شهادة امرأة واحدة، وهو مذهب الحنابلة، ومنهم من قال:  بشهادة رجل وامرأة، أو امرأتين وهم: المالكية، ومنهم من قال بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين وهم الحنفية والشافعية وقال الشافعي أيضا: تقبل شهادة المرضعة مع ثلاث نسوة، بشرط أن لا تعرض بطلب أجرة([8]).

الوقفة الثانية: “فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله”؛ قال العيني: ” فيه الحرص على العلم، وإيثار ما يقربهم إالى الله تعالى. قال الشعبي: لو أن رجلا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن لحفظ كلمة تنفعه فيما بقي من عمره لم أر سفره يضيع” ([9]).

الوقفة الثالثة: “كيف وقد قيل؟” قال الطيبي رحمه الله: “كيف؟ سؤال عن الحال، و”قد قيل”: حال، وهما يستدعيان عاملا يعمل فيهما ؛ أي: كيف تباشرها وتفضي إليها، والحال أنه قد قيل أنك أخوها؟ إن ذلك بعيد عن ذي المروءة والورع ، ـوفيه أن الواجب على المرء أن يجتنب مواقف التهم والريبة، وإن كان نقي الذيل بريء الساحة، وأنشد:

 قد قيل ذلك أن حقا وإن كذبا ***  فما اعتذارك من شيءإذا قليلا

قال القاضي وهذا محمول عند الأكثرين على الأخذ بالاحتياط؛ إذ ليس هنا إلا إخبار امرأة عن فعلها في غير مجلس الحكم والزوج مكذب لها فلايقبل؛ لأن شهادة الإنسان على فعل نفسه غير مقبولة شرعا”([10])

ومما تقدم يمكن أن نخلص إلى الآتي:

أولا: الحرص على طلب العلم والسفر إليه ولو كان لحفظ كلمة واحدة ينتفع بها فلا يعد سفره ضائعا .

ثانيا: الدعوة إلى اجتناب مواطن الريبة والشبهة.

ثالثا: تحريم الزواج بين المرأة والرجل اللذين ثبت بينهما الرضاع المحرم شرعا ، ووجوب التفريق بينهما

******************

هوامش المقال:

([1])  صحيح البخاري (1 /48-49) .

([2])  صحيح البخاري (2 /74-75) .

([3])  صحيح البخاري (2 /247-248) .

([4])  صحيح البخاري (2/ 253) .

([5])  صحيح البخاري (2/ 253) .

([6])  صحيح البخاري (3 /363-364) .

([7])  سبل السلام (3 /593) .

([8])  انظر سبل السلام (3/ 593).

([9])  عمدة القاري (2 /102).

([10])  الكاشف عن حقائق السنن (6 /296-297)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 326-327).

************************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400.

سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام. لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني. مكتبة المعارف. تحقيق: محمد بن ناصر الدين الألباني ط1/ 1427هـ – 2006 م.

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى: الكاشف عن حقائق السنن. لشرف الدين الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي. اعتنى به وعلق عليه: أبو عبد الله محمد علي سمك. دار الكتب العلمية بيروت 2013م.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري. لبدر الدين محمود بن أحمد العيني. دار الفكر  (د. ت).

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح. لعلي بن سلطان محمد القاري ومعه: أجوبة الحافظ ابن حجر العسقلاني على رسالة القزويني. قدم له: الشيخ خليل الميس. تحقيق: صدقي محمد جميل العطار. دار الفكر  بيروت لبنان. ط 1414هـ – 1994م.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق