مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

شرح حديث: أفطر الحاجم والمحجوم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى آله الطاهرين، وصحابته الأخيار الطيبين.

وبعد؛ فقد اختلف أهل العلم في الحجامة، هل تفطر الصائم في رمضان، أم لا تفطره؟ وقد أورد كل فريق دليله في المسألة، ومن هذه الأدلة حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "أفطر الحاجم والمحجوم"[1]، ولأهمية هذا الحديث فقد أفردته بهذا المقال الذي سأتناوله من خلال مطالب ثلاث:

المطلب الأول: تعريف معنى الحجامة لغة واصطلاحا.

المطلب الثاني: تخريج الحديث.

المطلب الثالث: شرح الحديث.

المطلب الأول:

 تعريف معنى الحجامة لغة واصطلاحا :

1-الحجامة لغة:

قال ابن منظور الإفريقي  (711هـ) في لسان العرب: "الحجم: " المص، يقال: حجم الصبي ثدي أمه إذا مصه"[2].

2-الحجامة اصطلاحا:

عرف الحجامة المناوي في فيض القدير بقوله: "الحجامة: إخراج الدم من صفحة القفا لا بالفصد"[3].

المطلب الثاني:

تخريج الحديث:

أخرجه أبو داود في كتاب: الصوم، باب: في الصائم يحتجم[4]، وابن ماجه في كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الحجامة للصائم[5]، وأحمد في المسند[6]، وابن حبان في صحيحه[7].

كلهم من طرق إلى أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم: "وقال عثمان بن سعيد الدارمي: صح عندي حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" لحديث ثوبان وشداد بن أوس- وأقول به، وسمعت أحمد بن حنبل يقول به وذكر أنه صح عنده حديث ثوبان وشداد"[8].

المطلب الثالث:

شرح الحديث:

قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم):

قال السندي (1138هـ) في حاشيته على سنن ابن ماجه: " أفطر الحاجم والمحجوم : من لا يقول بظاهره يؤوله بأنه تعرض بعروض الضعف للمحجوم ووصول شيء إلى الجوف بمص القارورة للحاجم وقيل: هو على التغليظ لهما والدعاء عليهما لكراهة فعلهما وقيل: بل المراد بذلك رجلان بعينهما كانا مشتغلين بالغيبة فقال صلى الله عليه وسلم ذلك على معنى: ذهب أجرهما "[9].

وقال العظيم آبادي الهندي (1329هـ) في عون المعبود شرح سنن أبي داود: " أفطر الحاجم والمحجوم ) قال الخطابي: اختلف الناس في تأويل هذا الحديث، فذهب طائفة من أهل العلم إلى أن الحجامة تفطر الصائم قولا بظاهر الحديث، هذا قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وقالا: عليهما القضاء وليست عليهما الكفارة.  وعن عطاء قال: من احتجم وهو صائم في شهر رمضان فعليه القضاء والكفارة ، وروي عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يحتجمون ليلا منهم: ابن عمر، وأبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك رضي الله عنهم ، وكان مسروق، والحسن، وبن سيرين، لا يرون للصائم أن يحتجم  وكان الأوزاعي يكره ذلك،  وقال ابن المسيب، والشعبي، والنخعي: إنما كرهت الحجامة للصائم من أجل الضعف،  وممن كان لا يرى بأسا بالحجامة للصائم سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. 

وتأول بعضهم الحديث فقال: معنى قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" أي: تعرضا للإفطار، أما المحجوم فلضعف الذي يلحقه من ذلك إلى أن يعجز عن الصوم، وأما الحاجم فلا بد من أن يصل إلى جوفه من طعام الدم، أو من بعض أجزائه إذا ضم شفتيه على قصب الملازم ... وقيل فيه وجه آخر وهو أنه مر بهما مساء فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم" كأنه عذرهما بهذا القول إذا كانا قد أمسيا ودخلا في وقت الإفطار ... وقال بعضهم: هذا على التغليظ لهما والدعاء عليهما كقوله فيمن صام الدهر لا صام ولا أفطر، فمعنى قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم" على هذا التأويل أي: بطل أجر صيامهما؛ فكأنما صارا مفطرين غير صائمين. وقيل : أيضا معناه جاز لهما أن يفطرا "[10].

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

1-اختلف أهل العلم في الحجامة للصائم هل تفطر أم لا تفطر؟

2-وممن قال أن الحجامة تفطر الصائم: الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعطاء، فأوجب عليه أحمد وإسحاق القضاء دون الكفارة، وأوجب عليه عطاء القضاء مع الكفارة معا.

3-من الصحابة الذين كانوا يجتمعون ليلا: عبد الله بن عمر، وأبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك رضي الله عنهم.

4-وممن ذهب إلى جواز الحجامة في رمضان وأنها لا تفطر: سفيان الثوري، والإمام مالك بن أنس، والشافعي، وأبو حنيفة.

والحمد لله رب العالمين.

****************

هوامش المقال:

[1]  - سيأتي تخريجه.

[2]  - لسان العرب (12/ 116-117).

[3]  - فيض القدير (3 /403).

[4]  - سنن أبي داود (ص: 415) (2368) (2367) (2370).

[5]  - سنن ابن ماجه (ص: 294) (1680).

[6]  - مسند أحمد (37 /64) (22382) (37 /93) (22410) و (37 /108) (22432) و (37 /116) (22449) و (37 /117) (22450).

[7]  - صحيح ابن حبان (6908).

[8]  - تهذيب سنن أبي داود (ص: 37).

[9]  - حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 316-317).

[10]  - عون المعبود شرح سنن أبي داود (4 /37-38).

***************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته. لابن القيم الجوزية. ت: نبيل بن نصار السندي. دار ابن حزم. بيروت لبنان. ط2/ 1440هـ- 2019مـ.

حاشية السندي على سنن ابن ماجه. لأبي الحسن السندي الحني. ت: الشيخ خليل مأمون شيحا. دار المعرفة. بيروت لبنان. ط1/ 1410هـ- 1996مـ.

سنن ابن ماجه. حكم على أحاديثه: الألباني. اعتنى به : مشهور آل سلمان. مكتبة المعارف . الرياض. ط1 (د.ت).

سنن أبي داود. حكم على أحاديثه : الألباني. اعتنى به: مشهور آل سلمان. مكتبة المعار . الرياض. ط1/ (د. ت).

صحيح ابن حبان (التقاسيم والأنواع). ت: د. محمد علي سونمر ود. خالص آي دمير. وزارة الأوقاف. قطر. ط1/ 1433هـ- 2012 مـ.

عون المعبود شرح سنن أبي داود. للعظيم آبادي. عليها أحكام الألباني. اعتناء: مشهور آل سلمان. مكتبة المعارف. الرياض. ط1/ 2009مـ.

فيض القدير شرح الجامع الصغير. لمحمد عبد الرؤوف المناوي. دار المعرفة بيروت لبنان. ط2 1391هـ- 1972مـ.

لسان العرب. لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري. دار صادر . بيروت. ط6/ 1417هـ- 1997مـ

مسند أحمد بن حنبل. ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون. مؤسسة الرسالة. بيروت. لبنان. ط1/ 1421هـ- 2001مـ.

*راجع المقال الباحث: يوسف ازهار

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق