دراسة حديثية لحديث: “من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال، فكأنما صام الدهر”
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد؛
فمن فضائل الأعمال، والسنن التي رغّب النبي صلى الله عليه وسلم في فعلها: صيام ستة أيام من شوال، لحديث:"من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال، فكأنما صام الدهر"[1]، ولأهمية هذا الحديث خصصته بهذا المقال متناولا فيه بعض من خرّجه، مع بيان بعض طرقه، وحكم بعض العلماء عليه.
1-تخريج الحديث وبيان بعض طرقه:
أخرج هذا الحديث مسلم في صحيحه في كتاب: الصيام، باب: استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعا لرمضان (1164)(1 /521) من طريق: يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، جميعا عن إسماعيل، قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني سعد بن سعيد بن قيس، عن عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
وأخرجه أبو داود في سننه، في كتاب: الصوم، باب: في صوم ستة أيام من شوال (2433)(4 /98) من طريق عبد العزيز بن محمد، عن صفوان بن سليم، وسعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب رضي الله عنه. واللفظ له.
والترمذي في سننه في كتاب: الصوم ، باب: ما جاء في صيام ستة من شوال (759)(2 /123) من طريق: أحمد بن منيع، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب رضي الله عنه. بلفظ:" ….فذلك صيام الدهر" بدل " …فكأنما صام الدهر".
وقال: "وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وثوبان. وحديث أبي أيوب: حديث حسن صحيح، وقد استحب قوم صيام ستة من شوال بهذا الحديث". وصححه الألباني في صحيح الترمذي (759)(1 /401).
والنسائي في السنن الكبرى كتاب: الصيام، باب: ذكر اختلاف الناقلين لخبر أبي أيوب رضي الله عنه فيه (2875)(3 /239) من طريق: أخبرنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، عن حسن، وهو ابن صالح، عن محمد بن عمرو الليثي، عن سعد بن سعيد، عن عمرو بن ثابت، عن أبي أيوب رضي الله عنه به.
وابن ماجه في سننه كتاب: الصيام، باب: صيام ستة من أيام شوال (1701)(ص: 232) من طريق: علي بن محمد، حدثنا عبد الله بن نمير، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب رضي الله عنه. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1741)(2 /78).
وأحمد في مسنده (23533) (38/ 515) من طريق: أبو معاوية، حدثنا سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه به، وقال شعيب الأرنؤوط: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، سعد بن سعيد ـ وهو ابن قيس الأنصاري أخو يحيى من رجال مسلم، وهو حسن الحديث، وقد توبع، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح"[2].
والطبراني في المعجم الكبير (3912)(4 /136) من طريق: عبد الله بن أحمد بن أسيد الأصبهاني، والقاسم بن زكريا قالا: ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي، ثنا بن غياث، عن يحيى بن سعيد، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب رضي الله عنه به.
كلهم: عن سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب رضي الله عنه به.
2- حكم بعض العلماء على الحديث:
تكلم بعض الأئمة على هذا الحديث، وسأعرض بعض أقوالهم، والترجيح بينها، ثم الحكم على الحديث.
وممن تكلم على هذا الحديث الإمام ابن دحية في كتابه: "العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور" ، والإمام القرطبي في كتابه: " المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم"، وضعفا الحديث بالآتي:
- تفرد سعد بن سعيد الأنصاري بالحديث:
حيث ذهبا إلى أن مدار الحديث على سعد بن سعيد الأنصاري، وأنه قد انفرد به، ولم يتابعه عليه أحد من الرواة.
قال ابن دحية (633هـ):" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يدور على سعد بن سعيد، وهو ضعيف جدا"[3].
و قال القرطبي (656هـ):" وحديث أبي أيوب المتقدم، وإن كان قد خرَّجه مسلم ليس بصحيح، وهو من جملة الأحاديث الضعيفة الواقعة في كتابه؛ وذلك لأن في إسناده: سعد بن سعيد بن قيس؛ قال فيه النسائي: ليس بالقوي، وغيره يضعفه، كما ذكره الترمذي، وقد انفرد به عن عمر بن ثابت"[4].
لكن هذا الحديث لم ينفرد بروايته سعد بن سعيد الأنصاري؛ بل تابعه عليه أيضا صفوان بن سليم وهو ثقة.
وحديث صفوان بن سليم عن عمر بن ثابت أخرجه ابن حبان في صحيحه (3634) قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد العزيز بن محمد، حدثني صفوان بن سليم، وسعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت الأنصاري عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان، وأتبعه بست من شوال، فذلك صوم الدهر"، قال الأرنؤوط: " إسناده صحيح على شرط مسلم"[5].
قال العلائي: "فقد تقرر بهذه الجملة أن سعد بن سعيد لم ينفرد به، وأنه يحيى بن سعيد وصفوان بن سليم روياه أيضا عن عمر بن ثابت"[6].
- ضعف سعد بن سعيد الأنصاري:
اختلفت أقوال الأئمة في سعد بن سعيد، حيث وثقه عدد من الحفاظ، وضعفه بعضهم، فأما المعدلون هم: ابن سعد قال:" كان ثقة قليل الحديث"[7]، وابن معين قال:"صالح"[8]، وابن عدي قال:"له أحاديث صالحة تقرُب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأسا"[9]، والعجلي قال:"ثقة"[10]، وقال الدارقطني :"ليس به بأس"[11]، وقال الذهبي في المغني:"حسن الحديث"[12]، وفي الكاشف:"صدوق"[13]، وقال ابن حجر:"صدوق سيئ الحفظ"[14].
وضعفه بعضهم منهم: أحمد بن حنبل قال:"ضعيف"[15]، والنسائي قال:"ليس بالقوي" [16].
وكما تقدم فالأكثرون على توثيق سعد بن سعيد الأنصاري، وأما جُرح من جَرّحه فقد جاء جرحهم مطلقا غير مفسر، فسعد بن سعيد إذن حسن الحديث؛ إذا توبع عليه، وقد تقدم أنه توبع. والله أعلم.
الترجيح:
بناء على ما تقدم؛ فإن حديث سعد بن سعيد الأنصاري المُخَرَّج في صحيح مسلم صحيح لغيره، وما ضُعِّف به مرجوح، والصواب خلافه لما يأتي:
1-تخريج مسلم له في صحيحه[17].
2-له شاهد صحيح من حديث الصحابي ثوبان رضي الله عنه. أخرجه الإمام أحمد في مسنده (22412)، من طريق: الحكم بن نافع، حدثنا ابن عياش، عن يحيى بن الحارث الذماري، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة". وجود القرطبي إسناده[18].
وقال الشيخ الأرنؤوط :" حديث صحيح"[19].
3-له متابعة من الثقة صفوان بن سليم. كما تقدم.
4- تصحيح الأئمة الحفاظ له.
وممن صحح الحديث من الأئمة: الترمذي في سننه (279هـ)، قال:" وحديث أبي أيوب: حديث حسن صحيح"[20]، وابن حبان أورده في صحيحه[21] (354هـ) ، والدارقطني (385هـ) في العلل الواردة في الأحاديث النبوية قال:" والصواب حديث أبي أيوب"[22]، والجوزقاني (543هـ) في الأباطيل قال:" هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم في الصحيح"[23] ، والقرطبي (671هـ) في الجامع لأحكام القرآن قال:" هذا حديث حسن صحيح من حديث سعد بن سعيد الأنصاري المدني"[24] ، والنووي (676هـ) في المنهاج شرح مسلم بن الحجاج قال: "هذا الحديث الصحيح الصريح"[25]، والهيثمي في مجمع الزوائد (807هـ) قال:"ورجاله رجال الصحيح"[26]، والألباني في صحيح سنن الترمذي قال:"حسن صحيح"[27]. وشعيب الأرناؤوط في صحيح ابن حبان قال:"إسناده صحيح على شرط مسلم"[28].
والحمد لله رب العالمين.
********************
هوامش المقال:
[1]- لفظ الحديث لأبي داود في سننه وسيأتي تخريجه.
[2]- المسند (38/ 515)(الهامش: 1).
[3]- رفع الإشكال عن صيام ستة من شوال (ص:20-21).
[4]- المفهم (3/ 238-239).
[5]- صحيح ابن حبان (8 /397)(الهامش: 2).
[6]- رفع الإشكال عن صيام ستة من شوال (ص: 36).
[7]- الطبقات الكبرى: القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم(ص: 339)
[8]- تهذيب الكمال (10 /264).
[9]- تهذيب الكمال (10 /264).
[10]- معرفة الثقات (1 /390).
[11]- ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق(ص: 83).
[12]- المغني في الضعفاء للذهبي (1 /368).
[13]- الكاشف (1/ 428).
[14]- تقريب التهذيب (ص: 369).
[15]- تهذيب الكمال (10 /264).
[16]- تهذيب الكمال (10 /264).
[17]- تقدم تخريجه.
[18]- الجامع لأحكام القرآن (2/ 331).
[19]- المسند (22412) الهامش رقم: 2.
[20]- رقم الحديث (759).
[21]- رقم الحديث (3634).
[22]- العلل الواردة في الأحاديث النبوية (6 /108).
[23]- الأباطيل (2 /91).
[24]- الجامع لأحكام القرآن (2 /331).
[25]- المنهاج شرح مسلم بن الحجاج (8 /80).
[26]- مجمع الزوائد (3/ 184).
[27]- رقم الحديث (759).
[28]- صحيح ابن حبان رقم الحديث (3634).
******************
لائحة المصادر والمراجع:
- الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير، أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني الهمذاني، ت: عبد الرحمن عبد الجبار الفرايوائي، إدارة البحوث الإسلامية والدعوة بالجامعة السلفية بنارس.
- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ، علاء الدين علي بن بلبان الأمير الفارسي ، ت : شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط1 ، 1412هـ/1991م.
- تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت : أبو الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، تقديم: بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة.
- تهذيب الكمال، يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبو الحجاج المزي، ت : د. بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2 ، 1408هـ/ 1987م.
- الجامع الكبير - سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي ، ت: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1996 م.
- الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، ت : هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1423هـ/ 2003م.
- ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ت: محمد شكور بن محمود الحاجي أمرير المياديني، مكتبة المنار، الأردن، ط1، 1406/1986.
- رفع الإشكال عن صيام أيام من شوال، أبو سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، ت: صلاح بن عايض الشلاحي، دار ابن حزم، ط1، 1415هـ/1994م.
- سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني، دار التأصيل، ط1، 1435هـ/2014م.
- سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني ، ت: شعَيب الأرنؤوط محمد كامِل قره بللي، دار الرسالة العالمية، ط1، 1430 هـ - 2009 م.
- سنن النسائي الكبرى ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي، ت: حسن عبد المنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط، قدم له: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط1، 1421 هـ - 2001 م.
- صحيح سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1420هـ/2000م.
- صحيح سنن ابن ماجه، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1417هـ/1997م.
- الطبقات الكبرى (القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم)، محمد بن سعد بن منيع الهاشمي، ت: زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم، ط2، 1408هـ/1987م.
- العلل الواردة في الأحاديث النبوية ، أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، ت: د. محفوظ الرحمن زين الله السلفي، دار طيبة، الرياض، ط1، 1405هـ/1985م.
- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ت: محمد عوامة، تخريج: أحمد محمد نمر الخطيب، دار القبلة، ومؤسسة علوم القرآن، جدة، ط1، 1413/1992.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، ت: حسام الدين القدسي دار الكتاب العربي، بيروت.
- مسند أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي، ت: شعيب الأرنؤوط، وعادل مرشد، وآخرون ، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1421هـ/2001م.
- المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ت: نظر محمد الفاريابي، دار طيبة، ط1، 1427هـ/2006م.
- المعجم الكبير ، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، ت: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية – القاهرة، بدون تاريخ.
- معرفة الثقات من رجال العلم والحديث ومن الضعفاء وذكر مذاهبهم وأخبارهم، أبو الحسن أحمد بن عبد الله العجلي الكوفي نزيل طرابلس، ت: عبد العليم عبد العظيم البستوي، مطبعة المدني.
- المغني في الضعفاء، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ت: الدكتور نور الدين عتر، إدارة إحياء التراث الإسلامي، قطر، 1407/1987.
- المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، ت: محيي الدين ديب ميستو - أحمد محمد السيد - يوسف علي بديوي - محمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دمشق - بيروت، ودار الكلم الطيب، دمشق - بيروت، ط1، 1417 هـ - 1996 م.
- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، مؤسسة قرطبة، ط2 ، 1414هـ/1994م.
*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور