مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

حول كتاب “خصائص المذهب المالكي” لفضيلة العلامة المحقق سيدي محمد التاويل

إعداد الدكتور مولاي إدريس غازي

 باحث بمركز دراس بن إسماعيل

“خصائص المذهب المالكي” إسهام علمي جديد مبارك لفضيلة العلامة المحقق شيخ القرويين الدكتور سيدي محمد التاويل حفظه الله، والكتاب على صغر حجمه، عظيم النفع، جليل الفائدة، كبير العائدة، إذ قصد فيه المؤلف إلى مطارحة خصائص مذهب إمام أهل المدينة مالك بن أنس الأصبحي رضي الله عنه، حيث أجاد في تحقيق مسعاه في تقريب الأوصاف الإجمالية للمذهب المالكي على الوجه الذي يتبين به الناظر تميز مذهب مالك وامتيازه على سائر مذاهب الإسلام.

وإن القارئ لمفردات هذا السفر الجليل، سرعان ما يلحظ أمورا ثلاثة طبعت فحص المؤلف لخصائص المذهب وهي:

ـ استكشاف مزايا وخصائص أخرى للمذهب لم تستأثر باهتمام جل من كتب في الموضوع من المحققين قبله، فكان تناوله لها تنبيها إلى لزوم تعميق البحث فيها؛ إذ هي مظهرٌ مجلٍّ لعظمة المذهب وخصوصيته بشكل أقوى وآكد.

ـ الإبانة عن قوة عارضة المؤلف وقدرته على الإبحار في مجاري الأنظار المذهبية؛ إذ الخصوصية لا تدرك إلا من خلال الرؤية الشمولية المبنية على ذوق رفيع ووعي دقيق بمواطن الوفاق والخلاف، ودراية تامة بآليات المقارنة ومناهج الموازنة؛ وهذا يقتضي كون المؤلِف ـ كما ينبئ عن ذلك مؤلَّفه ـ قد خبر أسرار المذهب المالكي، مثلما حصل أمهات مسائل المذاهب الأخرى، وبفضل هذا الاطلاع النوعي حُق لعالم القرويين تحرير القول في موضوع الخصائص: “خصائص المذهب المالكي”.

ـ التحلي الراسخ بروح الموضوعية والتجرد العلمي، إذ ظل المؤلف في سائر تحريراته وتحقيقاته بعيدا كل البعد عن التكلف والتحامل والتعصب، كما جاءت تقريراته مطبوعة بالهدوء العلمي الرصين، والإثبات المدلل والمسند، بل كثيرا ما نجده يستشهد لقضاياه برأي المخالف المذهبي من العلماء، فنجده مثلا يقول في تقرير الميزة السابعة المتعلقة بالبعد العلمي والمعرفي بنصوص الشريعة الإسلامية: ” ومن أجل هذا البعد  العلمي والمعرفي كان الفقه المالكي أقرب المذاهب الفقهية إلى الكتاب والسنة، وأقلها مخالفة للحديث الصحيح كما قال ابن تيمية، وكان أكثرها صوابا وأصحها قياسا كما قال الشافعي رحمه الله، وأرجحها رأيا كما قال الإمام أحمد، وأقلها خطأ كما قال ابن خويز منداد، وأحسنها تأويلا وأصوبها جمعا وتوفيقا بين النصوص المختلفة والأدلة المتعارضة، والحديث الشريف يشهد لهذا كله، فإن الأعلم والأفقه لا يكون علمه وفقهه إلا هكذا صحيحا صوابا لا خطأ فيه، موافقا للكتاب والسنة.” [أنظر الصفحة:112 من الكتاب]

وحاصل القول في مقام التعريف بكتاب”خصائص المذهب المالكي”، أن شرف مقصد التأليف ينبئ عن جودة التصنيف، لأن المؤلف حفظه الله أشار في مقدمة كتابه إلى أن مصنفه جاء ترجمة لما يعيشه العالم الإسلامي من نهضة مباركة “ينبغي أن تواكبها حملة للتوعية بهذا التراث الخالد والعمل على إحيائه والتعريف به” [أنظر الصفحة:4 من الكتاب]. فكان كتاب”خصائص المذهب المالكي” محاولة “للتعريف بمذهب الإمام مالك، إمام الأئمة في الفقه والحديث بلا منازع، هذا المذهب الذي اختاره المغاربة عن إيمان واقتناع، وحجة وبرهان، ونبذوا ما سواه من المذاهب التي سبقته، والتي حاولت بعض الدول فرضها عليهم بالقوة، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا واعتصاما بحبله وتمسكا به واحتكاما إليه، في عبادتهم ومعاملاتهم، وفي مساجدهم ومحاكمهم وسياستهم، وفي أسواقهم وبيوتهم وسائر شؤونهم الخاصة والعامة، ولم يبغوا عنه بديلا منذ عرفوه، فجمع شملهم ووحد كلمتهم، وصان دولتهم، وعصمهم من التفرق والاختلاف بما يمتاز به من خصائص لا تتوفر لغيره من المذاهب الفقهية التي سبقته والتي عاصرته والتي جاءت بعده على الصعيدين: على صعيد أصول الفقه، وعلى صعيد الفقه نفسه.” [أنظر الصفحتين: 4-5 من الكتاب، مطبعة آنفو برانت، فاس، 2014].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق