مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض مظاهر العناية المغربية بالمولد النبوي الشريف في القصائد الشعرية

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

ها نحن في شهر ربيع النبوي الشريف، وكلما أقبل هذا الشهر الفضيل، نتحف القراء الكرام ببعض الكتابات المتعلقة بالجناب النبوي الشريف، ونحاول أن نتناول نواحي متعددة من سيرته الشريفة، منذ ولادته إلى وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مرورا بالأحداث التي مرت في حياته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في مجموعة من المواضيع، سيما وأن المغاربة فاضت أقلامهم في المرحلة الأولى من السيرة النبوية الشريفة، وهي ولادته ﷺ، وآثرت في هذا المقال الحديث عن بعض مظاهر عناية العلماء المغاربة في المولد النبوي الشريف من خلال قصائد شعرية متعلقة بمدح الجناب النبوي الشريفة، من خلال بعض كتابات البحاثة الفقيه محمد بن عبد الهادي المنوني المكناسي (المتوفى عام: 1419هـ).

لقد كتب في هذا الموضوع جلة من العلماء المعاصرين، وبسطوا الكلام من خلال كتاباتهم على تلكم العناية المنقطعة النظير في نظم سيرة الرسول الكريم ﷺ عامة، ومولده خاصة، فأتحفوا وأغنوا الخزانة العلمية المغربية، من أولئك الأعلام أذكر منهم: الفقيه محمد بن عبد الهادي المنوني المكناسي (المتوفى عام: 1419هـ) في مقال معنون بـ: “المولد النبوي الشريف في المغرب المريني”[1]، تحدث فيه بصفة خاصة على العصر المريني ومظاهر الاحتفال به، وبعض ما ألف فيه، وفي مقال معنون بـ: “المولديات في الأدب المغربي”[2]، تحدث فيه بصفة عامة عن منظومات المولديات ابتداء بلسان ابن الخطيب (المتوفى عام: 761هـ)، وانتهاء بأحمد بن عبد الحي الحلبي نزيل فاس (المتوفى عام: 1120هـ). ولابأس من ذكر استهلال غاية في الفائدة للفقيه المنوني أردت إيراده هنا، وهو قوله: من المعروف أن احتفال المغرب بالمولد النبوي يبتدئ من أوائل المائة السابعة للهجرة، وقد كان من بين أصداء هذا الاحتفال ابتداع موضوعات جديدة في الأدب المغربي، من مؤلفات في المولد الشريف، إلى قصائد التهاني المولدية، وهذه تفتتح -غالبا- بالحنين إلى البقاع المقدسة، وتتناول مدح الجناب النبوي، وتعداد معجزاته، ثم تتخلص إلى مدح السلطان مقيم الاحتفال وتهنئته.

وإلى جانب هذا ظهرت قصائد تعرف باسم: المولديات، وتتميز بثلاث خصائص:

التزام ذكر المولد الشريف والمديح النبوي خاصة، مع تمجيد شهر ربيع الأول، سهولة التعبير ووضوح المعنى، خفة أوزانها حيث تأتي -في الغالب- مجزؤة، أو موشحة، أو ما إلى ذلك، وقد عرفت هذه المولديات منذ أواسط العصر المريني”[3].

هذا العصر هو عصر تأريخ كثرة أنظام قصائد المدحة النبوية في مولده الشريف، وأخذ صبغة الصيرورة إلى عصرنا الحاضر وإن قل، فقد كان كلما بزغ فجر شهر ربيع النبوي من كل عام يثير المشاعر أكثر، ويغري الأدباء بالتزام الشعر في الجناب النبوي، والعكوف على صوغ القصائد الطنانة في هذا الاتجاه[4].

قبل العصر المريني وفي العهد الموحدي عرف ازدهارا في المديح النبوي، حيث ابتدأ ظهور مجموعات كبرى في المدائح النبوية، وهي تهدف إلى تدوين ما يقف عليها جامعها في الأمداح النبوية العامة، أو في أحد فروعها، وقد انتدب لتدوينها أدباء من الأندلس والمغرب في هذه الفترة وبعدها، كما تبع ذلك أيضا وضع أنظام مطولة في السيرة النبوية في نفس الفترة، وقد تبارى فيها فيما بعد شعراء مشارقة ومغاربة، ومما شجع هذه الظاهرة بفرعيها حدوث الاحتفال بالمولد النبوي في الغرب الموحدي[5].

ثم كثر نظم المولديات في العصر الوطاسي، وكان بعضهم ينظمها برسم الكتاتيب القرآنية، حتى تنشد في حفلاتها المولدية، أو في الحفلات العامة، والملاحظ أنها صارت تنظم في هذه الفترة بالشعر الملحون أيضا، إذ كان الزجالون يجتمعون ليلة المولد النبوي بقاعة سيدي فرج بالعطارين من فاس القرويين ليتناشدوا أشعارهم في المديح النبوي بمكان مخصوص هناك، وقد ازدهر نظم هذه المولديات الملحونة بعد هذا على عهد الشرفاء[6].

وفي العصر السعدي ظهر تلحين المولديات المعربة والملحونة حسب نغمات الموسيقى الأندلسية، وكانت حفلات المنصور الذهبي بالمولد الكريم تشتمل على تلحين خصوص المولديات المعربة، بينما تجمع بعض الحفلات الصوفية بين المعربة والملحونة[7].

وأخيرا فهذا العصر العلوي الشريف الذي عرف ازدهارا كبيرا منقطع النظير في نظم المولديات سواء المعربة أو الملحونة، وأدرجت ضمن دواوين، أو في مجموعة أشعار في الأمداح النبوية، أو في أزجال وموشحات، فقد كان بعض العلماء كثير الإنشاء للقصائد البديعية في المديح النبوي، مستغرقا في ذلك سائر أوقاته[8].

فهذه إطلالة سريعة، وأسطر قليلة قيدت بها بعض مظاهر العناية المغربية بالمولد النبوي الشريف من خلال قصائد المدائح النبوية، من خلال كتابات العلامة الفقيه محمد المنوني، وهذا غيض من فيض، وقطرة من بحر تراث أمتنا في ميدان هذا المدمار، الذي لا يمكن أن يلحق بهم أحد، ولنا في ذلكم عزة ورفعة.

********************

هوامش المقال:

[1] ) نشر بمجلة دعوة الحق، السنة: 12، العدد: 1، شعبان 1388/نوفنبر 1968، ص: 117_131.

[2] ) نشر في كتاب: قبس من عطاء المخطوط المغربي 2/ 1032_1038، وقبل ذلك نشر بمجلة دعوة الحق، السنة: 12، العدد: 7، شعبان 1388/نوفنبر 1968، ص: 62_65.

[3] ) مقال: “المولديات في الأدب المغربي” ضمن كتاب: قبس من عطاء المخطوط المغربي 2/ 1032.

[4] ) مقال: “مدائح نبوية مغربية” ضمن كتاب: قبس من عطاء المخطوط المغربي 2/ 1039.

[5] ) مقال: “ملاحم ودواوين في السيرة والمديح النبوي” ضمن كتاب: قبس من عطاء المخطوط المغربي 2 /725.

[6] ) مقال: “المولديات في الأدب المغربي” ضمن كتاب: قبس من عطاء المخطوط المغربي 2 /1033-1032.

[7] ) مقال: “المولديات في الأدب المغربي” ضمن كتاب: قبس من عطاء المخطوط المغربي 2/ 1034-1035.

[8] ) مقال: “مدائح نبوية مغربية” ضمن كتاب: قبس من عطاء المخطوط المغربي 2/ 1042.

*************

جريدة المراجع

المولد النبوي الشريف في المغرب المريني لمحمد بن عبد الهادي المنوني المكناسي، مجلة دعوة الحق، السنة: 12، العدد: 1، شعبان 1388/نوفنبر 1968، إصدارات وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.

المولديات في الأدب المغربي لمحمد بن عبد الهادي المنوني المكناسي، مجلة دعوة الحق، السنة: 12، العدد: 7، شعبان 1389/نوفنبر 1969، إصدارات وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.

قبس من عطاء المخطوط المغربي لمحمد بن عبد الهادي المنوني المكناسي، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1999.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق