القنوت في شهر رمضان: (مفهومه، ومشروعيته)
![](https://www.arrabita.ma/wp-content/uploads/2024/04/9nout000.jpg)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان، على نبينا المصطفى، ورسولنا المجتبى، وعلى آله أهل التقى، وأصحابه أهل الصفا، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن القنوت يعد من السنن النبوية التي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها؛ فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم القنوت في الصلاة بسبب النوازل العارضة على المسلمين كاعتداء الكفار، أو انتشار الأوبئة ..الخ. ومن يتصفح سيرته الطاهرة يجدها حافلة بالمواقف التي تدل على ذلك. قال النووي: "والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلة كعدو، وقحط، ووباء، وعطش، وضرر ظاهر بالمسلمين، ونحو ذلك، قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات" ([1]).
وشهر رمضان يعد من الشهور المباركة التي يستحب فيها للمسلم أن يستغله بكثرة الطاعات والعبادات ومنه القنوت؛ ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أتناوله في هذا المقال الذي قسمته إلى الآتي:
أولا: مفهوم القنوت لغة واصطلاحا.
ثانيا: مشروعية القنوت.
ثالثا: القنوت في رمضان.
وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:
أولا: مفهوم القنوت لغة واصطلاحا:
أ-القنوت لغة:
والقنوت مشتق من الفعل الثلاثي (قنت) ويطلق على عدة معاني:
يأتي بمعنى الإمساك عن الكلام؛ قال ابن فارس : "وسمي السكوت في الصلاة والإقبال عليها قنوتا"([2]) ، وقال ابن منظور : القنوت :" الإمساك عن الكلام"([3]).
ويأتي بمعنى الدعاء في الصلاة؛ قال ابن منظور: "وقيل القنوت: الدعاء في الصلاة"([4]).
ويأتي بمعنى: الطاعة والاستقامة؛ قال ابن فارس: "القاف والنون والتاء أصل صحيح يدل على طاعة وخير في دين، لا يعدو هذا الباب. والأصل فيه: الطاعة، يقال: قنت، يقنت، قنوتا، ثم سمي كل استقامة في طريق الدين قنوتا..."([5]).
قال ابن منظور: "والمشهور في اللغة أن القنوت: الدعاء، وحقيقة القانت أنه القائم بأمر الله، فالداعي إذا كان قائما خص بأن يقال له: قانت؛ لأنه ذاكر لله تعالى وهو قائم على رجليه، فحقيقة القنوت: العبادة والدعاء لله عز وجل في حال القيام، ويجوز أن يقع في سائر الطاعة؛ لأنه إن لم يكن قيام بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية؛ قال ابن سيده: والقانت القائم بجميع أمر الله تعالى" ([6]).
ب-القنوت اصطلاحا:
يطلق القنوت في الاصطلاح على: الدعاء في الصلاة. قال ابن حجر: "القنوت هو: الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام"([7]).
ثانيا: مشروعية القنوت:
يعد دعاء القنوت من الأمور المشروعة فِعلها؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعلها؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه" ([8])، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه علم الحسن بن علي كلمات القنوت في الوتر؛ فعن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت "([9]).
ثالثا: القنوت في شهر رمضان.
يعد القنوت أمرا مستحبا فِعله في شهر رمضان، كما يستحب في غيره من الشهور؛ ، فعن علي رضي الله عنه أنه كان يقنت في رمضان كله، وفي غير رمضان ([10])، وعن الأسود قال: صحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ستة أشهر فكان يقنت في الوتر ([11]).
ويستحب فعله في جميع أيام شهر رمضان مثل جميع أيام السنة، أو في النصف الأخير منه؛ وقد روي هذا الأخير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأبي بن كعب رضي الله عنه ، ومعاذ بن الحارث الأنصاري رضي الله عنه ، وابن عمر رضي الله عنه.. ([12])، وغيرهم، ولا شيء على من لم يقنت.
قال ابن تيمية: " وأما القنوت في الوتر فجائز وليس بلازم، فمن أصحابه - أي النبي صلى الله عليه وسلم - من لم يقنت، ومنهم من قنت في النصف الأخير من رمضان، ومنهم من قنت السنة كلها، ... والجميع جائز، فمن فعل شيئاً من ذلك فلا لوم عليه"([13]).
وقال النووي: " المذهب أن السنة أن يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان، وهذا هو المشهور في المذهب، ونص عليه الشافعي رحمه الله؛ وفي وجه يستحب في جميع شهر رمضان، وهو مذهب مالك، ووجه ثالث: أنه يستحب في الوتر في جميع السنة"([14]).
وأمر القنوت على الاختيار كما قال ابن تيمية: "فإن قنت في جميع الشهر ، أو نصفه الأخير ، أو لم يقنت بحال فقد أحسن"([15]) .
وأما المداومة على فعله فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لما علم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما لم يأمر بتركه بعض الأحيان ولا بالمداومة عليه، فدل ذلك على جواز الأمرين معا.
الخاتمة:
وفي ختام هذا المقال خلصت إلى :
أن القنوت من الأمور المشروعة فِعلها؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعلها ،وهو أمر مستحب فعله في جميع أيام السنة، كما أنه مستحب فعله في شهر رمضان.
أن القنوت مستحب فعله في جميع أيام شهر رمضان، أو في النصف الأخير منه لما ثبت عن السلف الصالح.
أنه لا لوم على من ترك القنوت وهو على الاختيار كما قال ابن تيمية في المجموع.
********************
هوامش المقال:
([1]) شرح النووي على مسلم (3 /195).
([2]) معجم مقاييس اللغة (5 /31) مادة: قنت.
([3]) لسان العرب (2 /73) مادة: قنت.
([4]) لسان العرب (2 /73) مادة: قنت.
([5]) معجم مقاييس اللغة (5/ 31) مادة: قنت.
([6]) لسان العرب (2 /74) مادة: قنت.
([8]) أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 305)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة، برقم: (304)(677).
([9]) أخرجه أحمد في مسنده (2 /245)، برقم : (1718).
([10]) مختصر قيام الليل (ص: 314).
([11]) مختصر قيام الليل (ص: 314).
([12]) مختصر قيام الليل للمروزي (ص: 314-315).
([13]) الفتاوى الكبرى (2/ 245).
([14]) المجموع شرح المهذب (3/ 510).
([15]) الفتاوى الكبرى (2/ 343).
******************
لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:
صحيح مسلم بشرح النووي. حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة. ط1/ 1415هـ- 1994مـ.
صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ..
الفتاوى الكبرى لابن تيمية. تحقيق وتعليق وتقديم: محمد عبد القادر عطا- مصطفى عبد القادر عطا . دار الكتب العلمية بيروت (د.ت).
فتح الباري شرح صحيح البخاري .لابن حجر العسقلاني.. رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: عبد العزيز بن عبد الله بن باز- محمد فؤاد عبد الباقي دار الكتب العلمية بيروت 2017مـ
لسان العرب. لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور.ط6/ 1417هـ- 1997مـ
المجموع شرح المهذب للشيرازي. لأبي زكريا محي الدين بن شر النووي . حققه وعلق عليه : محمد نجيب المطيعي. مكتبة الإرشاد جدة السعودية. (د.ت).
مختصر قيام الليل. لأبي عبد الله محمد بن نصر المروزي. الناشر: حديث أكاديمي فيصل آباد باكستان ط1/ 1408هـ- 1988مـ.
مسند الإمام أحمد بن حنبل. (ج 2 ). أشرف على تحقيقه: شعيب الأرنؤوط. حقق هذا الجزء وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- عادل مرشد. مؤسسة الرسالة. (د.ت)
معجم مقاييس اللغة. لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا تحقيق: عبد السلام هارون. دار الفكر بيروت لبنان 1399هـ- 1979مـ.
*راجع المقال الباحث: محمد إليولو