سبق لي في زمن ليس بالقريب إعداد بحث في موضوع السياق عند الأصوليين[1]، وقد كان القصد وقتئذ، بالنظر إلى غياب مؤلف مستقل بالموضوع عند علماء الشرع[2]، إثبات وجود هذه الأداة/السياق عند الأصوليين ضمن أدواتهم في الكشف عن المعنى، والاستدلال على حضورها وبيان المقصود منها من خلال تتبع مواضع كلام هؤلاء عنها لفظا ظاهرا، أو مفهوما مستعملا ومدلولا عليه بغيره.
لكن، هاهنا، وبعد أن توالت الدراسات والبحوث المنجزة في "السياق" تثرى، بنظر أصولي أو تفسيري أو لغوي، أجدني مدفوعة إلى الوقوف قليلا لألاحظ الجهد المبذول في المجال الذي اشتغل فيه، وأثير بعض الأسئلة والإشكالات، وأحفز الدارسين إلى مزيد من البحث الذي نتجاوز فيه ما تكرر ذكره من الاستدلال على وعي العلماء بالسياق وبيان أهميته ووظيفته، إلى التصدي لتفاصيل إعمال هذه الأداة، ورصد حالات إهمالها وتفسيرها، وتتبع موقعها من جملة أدلة وقواعد الفهم لكتاب الله تعالى، وما إلى ذلك من مسائل تبدو الحاجة ماسة اليوم إلى تحليلها وتمحيصها وتوجيهها.
وقد اخترت أن أقف وقفتين: الأولى؛ تخص تعريف السياق في مجال التفسير وعلوم القرآن، والثانية؛ تخص توظيف هذا السياق.
أولا: تعريف السياق: مراجعات علمية ومنهجية
غير خاف أهمية مصطلحات التفسير وعلوم القرآن ليس فقط لكونها مصطلحات العلم المضاف إلى القرآن الكريم إضافة مباشرة، ولكن أيضا لكون عدد منها مصطلحات محورية تختزل في مفهومها مضمون مباحث هذا العلم ومسائله، ومنها مصطلحات أصول التفسير، وقواعد الفهم التي ينتج عن الخلل في وضعها أو فهمها؛ خلل في الفهم والتفسير واضطراب في التطبيق والتنزيل.
وعلى الرغم مما بذله علماء الأمة عبر التاريخ من جهود في مجال علوم القرآن، إلا أن عنايتهم بمصطلحات هذا العلم عامة ومصطلحات أصول التفسير خاصة، لم تبلغ درجة العناية بمصطلحات علمية أخرى كمصطلحات الفقه وأصوله مثلا[3].
فالناظر في معنى السياق عند المفسرين ونظيره عند الأصوليين يجد أن هذا الأخير منضبط إلى حد ما[4]، حتى لقد وقع التصريح بتعريفه، قال العلامة عبد الرحمن البناني[5] معرفا قرينة السياق":هي ما يدل على خصوص المقصود من سابق الكلام المسوق لذلك أو لاحقه"[6]. وقال الشيخ حسن العطار أيضا[7]: "والسياق ما سيق الكلام لأجله"[8].
بينما لا نقف في كتب التفسير وعلوم القرآن على تعريف معنى السياق بالرغم من كثرة تداوله واستعماله أداة لا تخفى أهميتها في الكشف عن المعنى، واعتباره قاعدة من قواعد الفهم والترجيح التي لا يجوز تجاهلها أو إغفالها:
ففي ثنايا التفسير: كثيرا ما نجدهم يقولون:
".. وإنما اخترنا ما قلنا من القول في ذلك لأنه في سياق الآية.."[9]. "هذا هو مقتضى سياق الكلام"[10]، ".. ولا يساعده سباق النظم الكريم وسياقه"[11]، "وفي سياق الآية دليل عليه.."[12]، "وسياق الآية يدل على أن المعنى..."[13]، "وهذا القول بعيد من سياق الآية"[14]، "... كما دل عليه سياق الكلام"[15]. "... كما هو الظاهر من السياق"[16]. "وهذا السياق يقتضي..."[17]. "وهذا السياق يدل.."[18]، "وهذا النوع... هو المناسب لسياق الآية"[19]. "الظاهر من السياق أن..."[20].
ووقع التصريح في مناسبات عديدة بإعمال السياق في الترجيح وتقرير قواعد في ذلك تبين شروط هذا الإعمال وضوابطه من ذلك:
قول الإمام الطبري (ت310ﻫ): "فتوجيه الكلام إلى ما كان نظيرا لما في سياق الآية، أولى من توجيهه إلى ما كان منعدلا عنه"[21]، "فغير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنزيل أو خبر عن الرسول تقوم به حجة "[22].
وفي كتب علوم القرآن وأصول التفسير ومعها مقدمات كتب التفسير اتفقت عباراتهم في النص على أهميته والتنبيه على وظيفته البيانية والترجيحية من ذلك:
قول الشيخ ابن تيمية (ت728ﻫ) في مقدمته في أصول التفسير في معرض بيانه جهتي الخطأ في التفسير الذي مستنده الاستدلال: "إحداهما؛ قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، والثانية؛ قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه... من غير نظر إلى المتكلِّم بالقرآن والمنزَّل عليه والمخاطَب به"[23]، وهؤلاء برأيه "راعَوا مجرد اللفظ وما يجوز عندهم أن يريد به العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم وسياق الكلام"[24].
وقول الإمام ابن جزي الكلبي (ت741ﻫ) في معرض ذكره لوجوه الترجيح في التفسير: "السادس: أن يشهد بصحة القول سياق الكلام ويدل عليه ما قبله وما بعده"[25].
وقول الإمام الزركشي (ت794ﻫ) ضمن ذكره للأمور التي تعين على المعنى عند الإشكال: "الرابع: دلالة السياق: فإنها ترشد إلى تبيين المجمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظيره وغالط في مناظراته وانظر إلى قوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ (الدخان: 46) كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير[26].
وقوله أيضا مثنيا على منهج الإمام الراغب (502ﻫ) في تفسير ما لم يرد فيه نقل عن المفسرين: ".. وطريق التوصل إلى فهمه النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها، واستعمالها بحسب السياق، وهذا يعتني به الراغب كثيراً في كتاب (المفردات)، فيذكر قيداً زائداً على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ؛ لأنه اقتنصه من السياق"[27].
كما أثنى على كتابه ضمن حديثه عن كتب غريب القرآن: "ومن أحسنها كتاب (المفردات) للراغب وهو يتصيد المعاني من السياق؛ لأن مدلولات الألفاظ خاصة"[28].
وفي الدرس القرآني المعاصر عمد عدد لا بأس به من الباحثين إلى تعريف السياق ضمن بحوثهم التي منها ما اتخذ من بعض التفاسير مجالا للبحث عن هذا المفهوم، وتقديم الأمثلة المتنوعة على إعماله في البيان والترجيح عند هذا المفسر أو ذاك[29]، ومنها ما كان عبارة عن دراسة نظرية عن السياق أو دراسة نظرية وتطبيقية على بعض سور القرآن الكريم[30].
وقد اختلفت عباراتهم في تحديد معنى السياق[31]، فمن قاصد إلى مجموع "السباق واللحاق" وما يرتبط به من نسق التركيب، وتتابع الألفاظ، وتسلسل المعاني، من ذلك، تعريف السياق بأنه: "تتابع الكلام وتساوقه وتقاوده"[32] وتعريف دلالة السياق القرآني بأنها: "بيان اللفظ أو الجملة في الآية بما لا يخرجها عن السابق واللاحق، إلا بدليل صحيح يجب التسليم له"[33]. ويتسع عند بعضهم ليشمل المقطع كله والسورة بكاملها، بل والقرآن كله أيضا، من ذلك: تعريف السياق بأنه: "تتابع المعاني وانتظامها في سلك الألفاظ القرآنية لتبلغ غايتها الموضوعية في بيان المعنى المقصود دون انقطاع أو انفصال"[34]. وأيضا تعريف السياق بأنه: "تتابع المفردات، والجمل، والتراكيب القرآنية المترابطة لأداء المعنى"[35].
ومن قاصد إلى الغرض الذي من أجله وردت الآية أو الآيات مدلولا عليه بالقرائن المقالية والقرائن الحالية، ومنه تعريف السياق بأنه: "الغرض الذي تتابع الكلام لأجله مدلولا عليه بلفظ المتكلم، أو حاله، أو أحوال الكلام، أو المتكلم فيه، أو السامع"[36].
ومن قاصد إلى كل تلك العناصر، من ذلك تعريف السياق بأنه: "ما يحيط بالنص من عوامل داخلية أو خارجية لها أثر في فهمه؛ من سابق، أو لاحق، أو حال من حال، المخاطِب والمخاطَب، والغرض الذي سيق له، والجو الذي نزل فيه"[37].
فهل السياق في كلام المفسرين مقصور على المقال؟ أم هو شامل للمقال والحال؟ أم هو بمعنى الغرض؟ وهل المقصود غرض الآية أو المقطع من الآيات وغرض السورة؟ أم يضاف إليهما أغراض القرآن الكريم عامة؟ وهل للسياق معنى واحد عند جميع المفسرين؟ أم يمكن أن يختلف هذا المعنى من مفسر إلى آخر؟ وأي من تلك المعاني ينطبق عليها لفظ السياق الوارد في عدد من القواعد المتعلقة به؟
يقتضي المنهج العلمي لمعرفة مدلول المصطلحات غير المعرفة؛ تتبع مواضعها، وملاحظة إعمالها، وجمع الإشارات والتلميحات المفيدة في تعريفها، دون نسيان معاني ما يرتبط بها من مفردات دائرة في فلكها، ولم يدَّعِ أحد من دارسي السياق في هذا المجال أنه استقرأ التراث التفسيري كله وتتبع استعمالات كلمة السياق ليخلص إلى التعريف المختار[38]، ولم يقم بهذا الاستقراء، على الأقل بحسب ما يبدو من الظاهر[39]، الدارسون للسياق عند مفسر واحد، ولم يظهر من منهج ومضمون دراستهم أن أصحابها صاغوا محاولتهم في تعريف السياق عند هذا المفسر على الأقل انطلاقا من كلام المفسر نفسه دون أن نأمل في إحصاء دقيق لمواضع استعمالا للفظ، ودراسة متأنية للمعنى المستعمل وجمع الخلاصات والمستفادات من تلك المواضع مجتمعة.
وتبعا لغياب المنهج العلمي اللازم لاستخلاص التعريف، يلاحظ على دراسة السياق في الاصطلاح التفسيري ما يلي:
ـ الانطلاق من تعريفات جاهزة عند دارسين سابقين وبخاصة في الحقل اللغوي الحديث.
ـ الخلط في الاستدلال على المعنى المختار بين مجالات علمية متنوعة لغوية وأصولية وتفسيرية.
ـ إطلاق أحكام عامة دون الاستدلال عليها، من ذلك قولهم: "وكذا أئمة التفسير يطلقون مصطلح السياق ويريدون به المقال"[40]، والمقصود بأئمة التفسير ابن جرير الطبري، وابن عطية، وابن تيمية، وأبو حيان، وابن قيم، وابن كثير، رحمهم الله، وغيرهم. "وغالب إطلاقهم للسياق مقصود به الغرض الذي ورد الكلام لأجله.."[41].
ـ الخلط في التعريف بين مستويي الاستعمال: الاستعمال الصريح للفظ السياق، والاستعمال غير الصريح لهذا اللفظ:
فعلى مستوى الاستعمال الصريح للفظ: نستطيع أن نجزم بتضمن السياق لمعنى السياق اللغوي الخاص أو السياق المقالي القريب (سياق الآية وسياق المقطع)، وذلك لكثرة الشواهد الدالة على استعماله عند المفسرين وعلماء القرآن[42]. وممن استعمل هذا المعنى أكثر من غيره الإمام الطبري.
ونضيف إليه معنى سياق السورة، وهو معنى وإن أهملته بعض التعريفات، فإنه يحضر في عدد من الاستعمالات، من ذلك قول الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ص وَالْقُرْءَانِ ذِي الذِّكْرِ﴾ (ص: 1): "واختلفوا في جواب هذا القسم (...) وقيل: جوابه ما تضمنه سياق السورة بكمالها"[43]، وقول الإمام البقاعي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ (النحل: 66): "ولما كان الأنعام اسم جمع، فكان مفردا كما نقل ذلك عن سيبويه، وذكر المسقي وهو اللبن، لما اقتضاه سياق السورة من تعداد النعم، فتعينت إرادة الإناث لذلك.."[44].
كذلك نجزم باستعمال السياق بمعنى الغرض؛ أي الغرض الذي وردت لأجله الآية أو الآيات، وهذا المعنى وإن لم ينتصر له بعض الدارسين، فإن الشواهد عليه كثيرة من كلام المفسرين وعلماء القرآن، ومنها ما سيأتي ضمن الوقفة الثانية.
أما معنى سياق القرآن الكريم، كما تصوره القائلون به شاملا لجميع آيات وسور القرآن الكريم، فضلا عن شموله لمقاصد القرآن الأساسية وما يطرد استعماله من أساليب ومعاني ألفاظ، فيفتقر إلى أدلة عليه أي أدلة على استعمال السياق باللفظ الصريح للدلالة على هذا المعنى.
الأمر نفسه بالنسبة لسياق الحال؛ فلم يستطع الدارسون القائلون بشمول دلالة السياق في الاصطلاح التفسيري لهذا النوع من السياق تقديم شواهد من كلام المفسرين وعلماء القرآن على هذا المعنى[45]. ومن الدارسين الذين أطلقوا مصطلح السياق على المقال فقط من اجتهد في إيراد الأدلة على أن دلالة الحال هي دلالة مستقلة عن دلالة السياق، منها قصور المدلول اللغوي للسياق عن تأدية معنى الحال، وتعبير أئمة التفسير عن دلالة الحال بالحال أو المقام أو قرائن الأحوال وغيرها، وتفريق عدد من العلماء في كلامهم بين دلالة السياق ودلالة الحال[46].
أما على المستوى الثاني من الاستعمال: فما من شك أن المفسرين وعلماء القرآن عرفوا المعنى الموسع للسياق وإن اختفت العبارة الدالة عليه، كما عرفوا هذا المعنى من خلال عبارات أخرى دالة على عنصر من عناصره، وقد عُني عدد من البحوث بالاستدلال على حضور هذا المعنى بما لا حاجة إلى تكراره هنا[47]، وبذلك يكون تعريف السياق، بما هو شامل للقرائن المقالية والقرائن الحالية، إنما ينطبق بالقطع على هذا المستوى من الاستعمال.
إن التمييز بين المستويين من الاستعمال ضروري في تعريف السياق، فإذا كان البحث على المستوى الأول يربط الأسماء بمسمياتها الحقيقية، ويصل المصطلحات بمدلولاتها المستعملة عند أصحابها، وفي ذلك ما فيه من ضبط للمسائل المنبنية عليه، فإن البحث على المستوى الثاني من الاستعمال يوسع من دلالة السياق ويوفر إمكانية مسايرة التطور الحاصل في البحث الدلالي الحديث، والاستفادة من علوم الآخرين ومناهجهم والتي هي نتاج العقل البشري لصناعة مفهوم جديد متفق عليه بين أهل الاختصاص، ولا مانع يمنع ذلك شريطة الوعي به والوعي بموقع كلام العلماء منه، وما ينبني عليه من تطبيقات المسائل والقضايا المرتبطة به، فضلا عن الوعي بخصوصية نصوص القرآن الكريم، وخصوصية اللغة التي وردت بها هذه النصوص.
ومن شأن بحث مفهوم السياق على المستويين معا أن يسهم في جمع شتات ما تفرق من مكونات هذا المفهوم ومسائله في دواوين علوم القرآن وبطون كتب التفسير ومعها كتب علمية متنوعة (لغوية وأصولية على الخصوص) متضمنة لآراء قيمة ونظرات فاحصة في وسائل الكشف عن مقصود الشارع من كلامه، ومنهج التعامل السليم مع كتابه عز وجل.
ولا شك يظهر عند البحث مكونات خاصة بمفهوم السياق القرآني تدعو الحاجة إلى ضبطها والكشف عن مجالات إعمالها وما يرتبط بذلك من حدود وشروط وقواعد.
ثانيا: توظيف السياق في التفسير: مشكلات وشواهد
لست بحاجة إلى تأكيد أهمية السياق ووظيفته في بيان الدلالات وتصحيحها، وترجيح المعاني وتكميلها، فقد تعددت الكتابات الدالة على مراعاة المفسرين للسياق، وتنافس الدارسون في إيراد الشواهد على إعمال السياق واعتباره في الفهم والكشف عن مراد الله تعالى، ولكن قَلَّ من تتبع كيفية هذا الإعمال وبَيَّن حدوده واستخلص شروطه وضوابطه، ولأهمية المشاركة في هذا الورش البحثي الكبير، أقف، هاهنا، وقفة قصيرة للتنبيه على بعض الأمور وإثارة بعض المشكلات والصعوبات التي ترتبط بإعمال هذه الأداة في الفهم والتفسير.
ومن المفيد أن أحدد معنى السياق الذي أقصده في هذه المحاولة المتواضعة، فلست أعني السياق بمعناه الشامل للمقال والمقام، فما من شك أن هذا المفهوم شاسع وينفتح على جملة من أدوات الفهم التي يكون الحديث عنها حديثا عن علم أصول التفسير بكامله، وقد شعر أحد الدارسين بصعوبة الخوض في السياق بهذا المفهوم قائلا: "وهذا المعنى للسياق القرآني واسع جداً؛ إذ هو في الحقيقة يشمل جل ما يتعلق بالتفسير، فهو جامع لأصول التفسير، ولهذا فقد كنت أمام بحر لا ساحل له، وعلم لا نهاية له"[48].
والحديث عن إعمال السياق بهذا المعنى الواسع، حديث عن إعمال أدوات متعددة يقتضي استحضار جملة عناصر ومناهج، كما يقتضي تجاوز عدد من الصعوبات ومعالجة جملة إشكاليات: فإعمال السياق القرآني العام في التفسير له شروطه، كما ترتبط به إشكالات تفسير القرآن بالقرآن[49]، وإعمال ظروف التنزيل وملابساته المتمثلة أساسا في أسباب النزول المرتبط بإعمال مرويات السلف عامة، واستحضار هذه المرويات في فهم كلام الله تعالى له شروط من الصحة والصراحة، كما له قواعد في الترجيح بين الروايات المتعددة... وما إلى ذلك[50].
وإعمال عادة المتكلم في كلامه المرتبط بحال المخاطِب، وكذا معهود العرب في الخطاب المرتبط بحال المخاطَب، لهما علاقة بمعرفة اللسان العربي، والتمييز بين الدلالات المستعملة عصر النزول والدلالات الحادثة بعد ذلك، والتمييز أيضا بين الدلالات اللغوية العامة، والدلالات القرآنية الخاصة، وكل ذلك له شروط وضوابط مثلما ترتبط به إشكالات حقيقية.
سأقتصر إذا على معنى السياق المقطوع باستعماله على مستوى العبارة؛ وهو السياق القريب (سياق الآية وسياق المقطع) فضلا عن سياق السورة، وكذا السياق بمعنى القصد والغرض، وذلك رغبة في الإفادة وإصابة الهدف، وسأذكر من قضايا إعمال هذا السياق ومشكلاته ما يلي:
1. تعيين السياق
فيما يخص معنى السياق المقالي:
إذا كان السياق المقالي القريب، مثلا، هو على المستوى النظري تعبير عن جزء من السورة له موضوع وغرض واحد، فإن التعرف على حدود هذا الجزء عمليا لا يكون دائما بالأمر السهل وكثيرا ما يقع الاختلاف في تعيين بداية المقطع أو انتهائه على فرض انتماء الآية، المراد بيانها، إلى هذا المقطع، كما يقع الاختلاف في انتماء هذه الآية أصلا إلى هذا المقطع إذ تجد المفسرين يحشدون الأدلة على اتصال السياق أو انقطاعه في موضع هذه الآية.
والاختلاف في حدود السياق منه ما لا يؤثر في المعنى وهذا لا إشكال فيه، ومنه ما له أثر واضح في المعنى وهنا يعمد المفسر إلى الاجتهاد لمعرفة هذه الحدود، ويستعين في ذلك بكافة المعطيات للاستدلال على رأيه.
ومن الأمثلة على الاختلاف المؤثر في المعنى ما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا. ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا. ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا. وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ (مريم: 67-72).
قال الإمام الرازي شارحا وجه الاختلاف في هذا الموضع: "واعلم أنه تعالى لما قال من قبل: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ﴾ ثم قال: ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ﴾ أردفه بقوله: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾؛ يعني جهنم واختلفوا فقال بعضهم المراد من تقدم ذكره من الكفار فكنى عنهم أولا كناية الغيبة ثم خاطب خطاب المشافهة، قالوا: إنه لا يجوز للمؤمنين أن يردوا النار ويدل عليه أمور: أحدها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ (الأنبياء: 100) والمبعد عنها لا يوصف بأنه واردها. والثاني: قوله سبحانه: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ (الأنبياء: 102) ولو وردوا جهنم لسمعوا حسيسها. وثالثها: قوله عز وجل: ﴿وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ﴾ (النمل: 91)، وقال الأكثرون: إنه عام في كل مؤمن وكافر لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾، فلم يخص"[51]؛ أي "هو خطاب للناس وابتداء كلام منه، عز وجل، بعدما أتم الغرض من الأول فلا التفات أصلاً"[52].
فبينما رأى عدد من المفسرين أن الآية تنتمي إلى سياق جديد؛ ومنهم الإمام أبو حيان الذي رجح الرأي الثاني قائلا: "والظاهر أنه عام للخلق، وأنه ليس الورود الدخول لجميعهم، فعن ابن مسعود والحسن وقتادة هو الجواز على الصراط لأن الصراط ممدود عليها، وعن ابن عباس: قد يرد الشيء ولم يدخله كقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ (القصص: 23) ووردت القافلة البلد ولم تدخله، ولكن قربت منه أو وصلت إليه... وقال الزمخشري: ويجوز أن يراد بالورود جثوهم حولها"[53].
رأى مفسرون آخرون أن الآية واردة في سياق الآيات السابقة، ومنهم الإمام الطاهر بن عاشور إذ قال في شرح الآية: "فليس الخطاب في قوله عز وجل: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾، لجميع النّاس مؤمنهم وكافِرِهم على معنى ابتداء كلام بحيث يقتضي أن المؤمنين يردون النّار مع الكافرين ثم يُنْجوَن من عذابها؛ لأنّ هذا معنى ثقيل ينبو عنه السياق، إذ لا مناسبة بينه وبين سياق الآيات السابقة، ولأنّ فضل الله على المؤمنين بالجنّة وتشريفهم بالمنازل الرفيعة ينافي أن يسوقهم مع المشركين مَساقاً واحداً، كيف وقد صُدّر الكلام بقوله سبحانه: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا. وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ (مريم: 86-87)، وهو صريح في اختلاف حشر الفريقين، فموقع هذه الآية هنا كموقع قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الحجر: 43) عقب قوله سبحانه: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ (الحجر: 42). فلا يتوهم أن جهنّم موعد عباد الله المخلصين مع تقدّم ذكره لأنّه ينبو عنه مقام الثناء"[54].
وقد نسب الإمام الزركشي إلى بعض مشايخه المحققين قوله: "والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة.."[55].
ونورد، هاهنا، نصا للإمام الطبري يكشف عن قصد المفسرين إلى تحديد السياق الذي تنتمي إليه الآية ضمن عملية التفسير: قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُومِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء: 64).
قال الإمام الطبري: "واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية وفيمن نزلت، فقال بعضهم: نزلت في الزبير بن العوّام وخصم له من الأنصار، اختصما إلى النبيّ، صلى الله عليه وسلم، في بعض الأمور (...) وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في المنافق واليهودي اللذين وصف الله صفتهما في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ (النساء: 59)"[56]، ثم استدل على صحة هذا القول الثاني بانتماء الآية إلى سياق قصة الذين ابتدأ اللّه الخبر عنهم بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾، وأن هذا السياق متصل بما قبله، قال: "ولا دلالة تدلّ على انقطاع قصتهم، فإلحاق بعض ذلك ببعض ما لم تأت دلالة على انقطاعه أَوْلَى.
فإن ظنّ ظانّ أن في الذي رُوي عن الزبير وابن الزبير من قصته وقصة الأنصاري (...) ما ينبئ عن انقطاع حكم هذه الآية وقصتها من قصة الآيات قبلها، فإنه غير مستحيل أن تكون الآية نزلت في قصة المحتكمين إلى الطاغوت، ويكون فيها بيان ما احتكم فيه الزبير وصاحبه الأنصاريّ، إذ كانت الآية دالة على ذك. وإذ كان ذلك غير مستحيل، كان إلحاق معنى بعض ذلك ببعض أولى ما دام الكلام متسقة معانيه على سياق واحد، إلا أن تأتي دلالة على انقطاع بعض ذلك من بعض، فيعدل به عن معنى ما قبله"[57].
أما فيما يخص السياق بمعنى القصد والغرض من الكلام: فمن أمثلة الاختلاف بين المفسرين في تعيين هذا الغرض ما أورده ابن العربي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُومِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُومِنَاتِ﴾ (النساء: 25)، قال:"فِيهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: (...) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي فَهْمِ سِيَاقِ الْآيَةِ: اعْلَمُوا وَفَّقَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا سِيقَتْ مَسَاقَ الرُّخَصِ، كَقَوْلِهِ سبحانه: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ وَقَوْلِهِ عز وجل: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ وَنَحْوُهُ (...)؛ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا أَصْلًا، وَجَوَّزَ نِكَاحَ الْأَمَةِ مُطْلَقًا"[58]، ثم استدل على صحة السياق الأول الذي اختاره بقوله: "وَقَدْ جَهلَ مَسَاقَ الْآيَةِ مَنْ ظَنَّ هَذَا؛ أي السياق الثاني، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا؛ عَدَمُ الطَّوْلِ. وَالثَّانِي؛ خَوْفُ الْعَنَتِ؛ فَجَاءَ بِهِ شَرْطًا عَلَى شَرْطٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَرَائِرَ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْحَرَائِرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ذِكْرًا مُطْلَقًا؛ فَلَمَّا ذَكَرَ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ ذَكَرَهَا ذِكْرًا مَشْرُوطًا مُؤَكَّدًا مَرْبُوطًا"[59].
ويرجع اختلاف المفسرين في تعيين السياق بهذا المعنى إلى كون "دلالة السياق بهذا الإطلاق ذوقية تختلف باختلاف الأذواق إلى حد كبير، وذلك لأن الغرض الذي سيق له النص يُستخرج بالنظر والتأمل في كلام المتكلم وفي ظروف الخطاب، وهو أمر مسكوت عنه يتم إدراكه بالفهم والتعقل"[60]، وهو ما يظهر من عبارات بعض العلماء: قال الشيخ ابن دقيق العيد (ت702ﻫ) في معرض تقسيمه للألفاظ العامة بوضع اللغة معترضا على من يطالب المتفهم للنص بالدليل على ما فهمهمن قصد الخطاب:" وهذا الطلب ليس بجيد؛ لأن هذا أمر يُعرف من سياق الكلام، ودلالة السياق لا يقام عليها دليل. وكذلك لو فهم المقصود من الكلام وطولب بالدليل عليه لعسُر. فالناظر يرجع إلى ذوقه، والمناظر يرجع إلى دينه وإنصافه"[61].
وقد نبه الدكتور محمد بن عبد الله الربيعة في معرض بيانه منزلة السياق من قرائن الترجيح إلى مسألة مهمة برأيه يجب اعتبارها؛ "وهي أن معرفة السياق مبنية على الاجتهاد وغلبة الظن، وعليه فيكون تحديد السياق أمراً ظنياً لا قطعياً، ولهذا تجد الاختلاف في تحديد السياق في الآية الواحدة"[62].
2. تنازع السياق مع غيره
تتعدد الأدوات التي تعين المفسر على فهم النص القرآني، وهي مع تعددها تتفاوت من حيث قوة دلالتها على المراد، وواجب على المفسر اعتماد أقواها. من هذه الأدوات؛ السياق الذي يمكن في مواضع أن لا يتردد المفسر في تقديمه على غيره، ويمكن في مواضع أخرى أن يقدم غيره عليه، وقد يتفق في ذلك مع مفسر آخر وقد يختلف معه.
والسؤال الذي يرد هنا: إلى أي حد تُعتبر دلالة السياق؟ وما هو موقع هذه الأداة ضمن أدوات الفهم المتعددة؟
ولعل في بعض الأمثلة توضيحا للمقصود:
قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (الأحقاف: 9).
قال الإمام الطبري: "وقوله تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وشهد شاهد من بني إسرائيل، وهو موسى بن عمران، عليه السلام، على مثله، يعني على مثل القرآن، قالوا: ومثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة (...) عن مسروق في هذه الآية: وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فخاصم به الذين كفروا من أهل مكة، التوراة مثل القرآن، وموسى مثل محمد صلى الله عليه وسلم (...).
وقال آخرون: عنى بقوله: وشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ عبد الله بن سلام، قالوا: ومعنى الكلام وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل هذا القرآن بالتصديق. قالوا: ومثل القرآن التوراة (...).
والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل؛ لأن قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش، واحتجاجا عليهم لنبيه، صلى الله عليه وسلم (...) فتُوَجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دلّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدّم الخبر عنهم معنى، غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأن ذلك عنى به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل"[63].
فلقد كاد الطبري أن يأخذ بالمعنى الذي يؤيده السياق؛ وهو سياق خطاب مشركي مكة كما دل عليه قوله تعالى في الآيات السابقة عن هذه الآية: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ (الأحقاف: 3-4)، لولا أن ظهر له دليل يعتقده أقوى في الدلالة على المعنى في هذه الآية.
ولم يتردد مفسرون آخرون بالأخذ بدلالة السياق حاملين لفظ الشاهد في الآية على معنى عام يصلح أن يدخل فيه المعنى الذي ذكره أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال الإمام ابن كثير: "وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلام وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام. وهذه كقوله: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ (القصص: 53)، وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا. وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا﴾ (الإسراء: 107)"[64].
وقال الشيخ الطاهر بن عاشور: "فالمراد بـ﴿شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ شاهدٌ غيرُ معين؛ أي أيَّ شاهد، لأن الكلام إنباء لهم بما كانوا يتساءلون به مع اليهود (...) فالخطاب في قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ وما بعده موجه إلى المشركين من أهل مكة (...). ويجوز أن تكون الآية نزلت بالمدينة وأمر بوضعها في سورة الأحقاف، وعلى هذا يكون الخطاب في قوله سبحانه: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ وما بعده لأهل الكتاب بالمدينة وما حولها. وعندي أنه يجوز أن يكون هذا إخباراً من الله لرسوله، صلى الله عليه وسلم، بما سيقع من إيمان عبد الله بن سَلام فيكون هو المراد بـ﴿شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ وإن كانت الآية مكية"[65].
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ (المائدة: 3).
لخص الإمام الرازي الخلاف في تفسير ﴿شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ في هذه الآية قائلا: "واختلف المفسرون في المراد بشعائر الله، وفيه قولان: الأول: قوله تعالى: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾؛ أي لا تخلوا بشيء من شعائر الله وفرائضه التي حدها لعباده وأوجبها عليهم، وعلى هذا القول فشعائر الله عام في جميع تكاليفه غير مخصوص بشيء معين (...). والثاني: أن المراد منه شيء خاص من التكاليف"[66] يرتبط بالحرم أو الإحرام أوالحج.
ولا شك أن القول الثاني هو الأنسب للسياق، وممن اختاره الإمام الزمخشري والإمام أبو السعود والإمام الطاهر بن عاشور، قال الإمام الزمخشري: "الشعائر جمع شعيرة وهي اسم ما أُشعِر؛ أي جعل شعاراً وعلماً للنسك، من مواقف الحج ومرامي الجمار، والمطاف، والمسعى، والأفعال التي هي علامات الحج يعرف بها من الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق، والنحر"[67]، وأخذ الإمام أبو السعود بهذا المعنى واصفا إياه بأنه: " أنسب بالمقام"[68].
وعلى الرغم من ذلك اختار عدد من المفسرين، منهم الإمام الطبري والإمام ابن عطية والإمام القرطبي، القول الأول وقدموا دلالة العموم على دلالة السياق، قال الإمام الطبري: "وإنما قلنا ذلك القول أولى بتأويل قوله تعالى: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾؛ لأن الله نهى عن استحلال شعائره ومعالم حدوده، وإحلالها نهيا عامّا من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء، فلم يجز لأحد أن يوجه معنى ذلك إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها، ولا حجة بذلك كذلك"[69].
وصرح الإمام الشوكاني قائلا: "ولا مانع من حمل ذلك على الجميع اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولا بما يدل عليه السياق"[70].
قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة: 231).
على خلاف تفسير الآية السابقة، اختار الإمام الطبري في هذه الآية المعنى الموافق للسياق، وقدم دلالة السياق على دلالة العموم في تفسير المقصود بالوالدات، قال: "يعني تعالى ذكره بذلك: والنساء اللواتي بِنَّ من أزواجهنّ ولهن أولاد قد ولدنهم من أزواجهن قبل بينونتهن منهم بطلاق أو ولدنهم منهم بعد فراقهم إياهن من وطء كان منهم لهن قبل البينونة يرضعن أولادهن..."[71].
وفسر الإمام الطاهر بن عاشور هذا الاختيار قائلا من جملة ما ذكره: "والوالدات عام لأنه جمع معرف باللام، وهو هنا مراد به خصوص الوالدات من المطلقات بقرينة سياق الآي التي قبلها من قوله: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ (البقرة: 228)، ولذلك وصلت هذه الجملة بالعطف للدلالة على اتحاد السياق، فقوله: (والوالدات) معناه: والوالدات منهن؛ أي من المطلقات المتقدم الإخبار عنهن في الآي الماضية؛ أي المطلقات اللائي لهن أولاد في سن الرضاعة"[72].
وقد أورد القائلون بهذا الرأي جملة أدلة مستفادة من هذا السياق منها:
ـ "قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ﴾ الآية، فإن اللائي في العصمة لهن النفقة والكسوة بالأصالة"[73].
ـ "أن الخلاف في مدة الإرضاع لا يقع بين الأب والأم إلاّ بعد الفراق، ولا يقع في حالة العصمة"[74].
ـ "تعليل الحكم بالنهي عن المضارة بالولد، وإنما تضار بذلك المطلقة دون التي في العصمة فبين أن للمطلقة الحق في إرضاع ولدها كسائر الوالدات"[75].
ومن المفسرين من أخذ بالعموم وجعل الوالدات لفظا شاملا للزوجات والمطلقات، ومنهم الإمام الآلوسي إذ قال: "ولا يخفى أن الحمل على العموم أولى"[76]. وذلك "أن اللفظ عام وما قام دليل التخصيص فوجب تركه على عمومه"[77]. واستدل هؤلاء أيضا بجملة أمور عقب عليها الشيخ رشيد رضا قائلا: "وأنت ترى أن هذا خلاف المتبادر من الآية، ونحن لا نستفيد من جعل الآية عامة، زيادة عما نستفيد بجعلها خاصة"[78].
إن القصد من إيراد هذه الأمثلة، وغيرها كثير، ليس هو ترجيح معنى على معنى، ولكن بيان أنه مع اتفاق المفسرين نظريا على أهمية السياق في تحديد المعاني، وعلى وجوب مراعاته في الترجيح، فإنه عمليا يختلف هؤلاء في أخذهم بهذا السياق، ويتفاوتون من جهة الالتزام بدلالته.
وهذا الاختلاف مرتبط بالطرق الموصلة إلى التفسير وأدلة الفهم لكتاب الله تعالى، ومرده أساسا إلى الاختلاف في ترتيب هذه الأدلة من حيث قوة دلالتها على المقصود في الموضع المخصوص.
فعلى فرض الاتفاق، على مستوى النظر، على تقديم بعض الأدلة على بعض؛ كتقديم دليل الكتاب ودليل الخبر الصحيح على دليل السياق كما قرر الإمام عز الدين بن عبد السلام: "قد يتردد؛ أي معنى الآية، بين محامل كثيرة يتساوى بعضها مع بعض، ويترجح بعضها على بعض، وأولى الأقوال ما دل عليه الكتاب في موضع آخر أو السنة أو إجماع الأمة أو سياق الكلام"[79].
فإنه أثناء عملية التفسير قد يهمل المفسر دلالة السياق لأولوية غيرها عنده، كما فعل الإمام الطبري في تفسيره للآية العاشرة من سورة الأحقاف حين تردد بين إعماله للسياق وأخذه بإجماع الصحابة فانتهى إلى أخذه بدلالة الإجماع جريا على مذهبه الذي قرره بقوله في موضع آخر: "وفي إجماع أهل التأويل على خلاف هذا القول، الكفاية المغنية عن الاستشهاد على فساده بغيره"[80].
وقد يأخذ مفسر آخر بدلالة السياق كما وجه الإمام الزركشي بقوله: "ليكن محط نظر المفسر مراعاة نظم الكلام الذي سيق له، وإن خالف أصل الوضع اللغوي لثبوت التجوز، ولهذا ترى صاحب الكشاف يجعل الذي سيق له الكلام معتمدا حتى كأن غيره مطروح"[81]، ويرى أن غيرها من الأدلة، مثلا، لا تصلح للاستدلال بها في هذا الموضع، إما من جهة المعنى كعدم مطابقة معنى الآية، أو الحديث، لما استدل به، أو من جهة الثبوت أيضا فيما يتعلق بالحديث والرواية التفسيرية؛ إذ قد يترك الاستدلال بالخبر للتشكيك في صحته.
وفي حالات يعمد المفسر إلى اختيار معنى يجمع فيه بين دلالة السياق ودلالة غيره.
وعموما، فإن واقع التفسير يشهد بأن القول باعتبار السياق لا يعني إعماله في كل مرة، وبحث حالات إهماله مرتبط ببحث موقع السياق ضمن أدلة الفهم والتفسير والترجيح، كما أن بحث حالات إعماله مرتبط ببحث الشروط والضوابط، وكل ذلك يستدعي جهودا متواصلة وقراءات متأنية للتفسير.
ولا يمكن التعويل على السياق في تجديد التفسير وإنجاز المراجعة المنشودة للتراث التفسيري دون تبين موقعه الصحيح واستخلاص ضوابط وشروط إعماله.
3. السياق وقبول جميع محتملات الآية
جعل الإمام الطاهر بن عاشور (ت1393ﻫ) عنوان المقدمة التاسعة من تفسيره: "في أن المعاني التي تتحملها جُمَل القرآن تعتبر مرادةً منها"[82]؛ إذ يرى أن مختلِف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته مرادة لمنزلها ما لم يمنع من ذلك مانع صريح أو غالب من دلالة شرعية أو لغوية أو توقيفية[83]، وقد أطال النفس في التأصيل للفكرة مستشهدا بفهم النبي، صلى الله عليه وسلم، وفهم صحابته الكرام لعدد من الآيات القرآنية، من ذلك؛ ما رواه أبو سعيد بن المُعَلَّى قال: كنتُ أُصلِّي في المسجدِ، فدعاني رسولُ اللهِ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فلمْ أُجبْهُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إني كنتُ أُصلِّي، فقالَ: ألم يقلِ اللهُ: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: 24)"[84].
قال الطاهر بن عاشور: "فلا شك أن المعنى المسوقةُ فيه الآية هو الاستجابة بمعنى الامتثال... وأن المراد من الدعوة الهداية... وقد تعلق فعل (دعاكم) بقوله: (لما يحييكم)؛ أي لما فيه صلاحكم، غير أن لفظ الاستجابة لما كان صالحاً للحمل على المعنى الحقيقي أيضاً، وهو إجابة النداء، حمل النبي، صلى الله عليه وسلم، الآية على ذلك في المقام الصالح له، بقطع النظر عن المتعلِّق، وهو قوله: ( لما يُحييكم)"[85].
وكذلك ما روي عن عمرو بن العاص أنه احتلم في ليلة باردة في غزوة فتيمم وصلى بأصحابه فذُكر ذلك للنبي، صلى الله عليه وسلم، ولما سأله عليه السلام عن فعله قال: "فأخبرتُه بالذي منعني من الاغتسالِ وقلتُ إني سمعتُ اللهَ يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ فضحك رسولُ اللهِ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولم يقُلْ شيئًا"[86]، قال الطاهر بن عاشور: "مع أن مورد الآية أصله في النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضا"[87].
وواضح من كلامه أن المعاني التي أوردها مضافة إلى المعاني التي يقتضيها سياق الآيات، لا يعتبرها مخالفة للمقصود من هذا السياق بدليل قوله في شأن المحامل المتعددة "إذا لم تفض إلى خلاف المقصود من السياق، يجب حمل الكلام على جميعها"[88].
لا شك أن القاعدة التي ذكرها الشيخ الطاهر بن عاشور صحيحة على مذهب من يرى أن الجمع بين المعاني المتعددة أولى من الترجيح بينها متى احتمل لفظ الآية تلك المعاني ولم يظهر مانع من إرادة جميعها، وقد ذكر لهذه القاعدة أمثلة أخرى لا تثير إشكالا فيما نحن بصدد الحديث عنه. لكن عددا من هذه الأمثلة، ومنها ما ذكرنا، يشكل دخولها في القاعدة، فهو من جهة، قرر شرط الموافقة للمقصود من السياق لقبول المعنى، ومن جهة أخرى، صرح بما يفهم منه أن المعنى المستفاد؛ (أي المعنى الثاني) غير مسوقة فيه الآية أو في غير مورد الآية أو لا تؤيده قرينة السياق.
وإذا ظهر أن المعاني المذكورة خارجة عن السياق، وهي في الوقت نفسه مقبولة ولاشك لأنها من فهم الرسول صلى الله عليه وسلم وفهم صحابته، مع صحة الروايات، ألا يمكن اعتبار هذه الأمثلة شواهد على تنزيل الآيات وليست شواهد على تفسيرها، وقد يجوز من المعاني في التنزيل ما لا يجوز في التفسير؟
وإذا صح هذا الاعتبار بالنسبة للأمثلة المذكورة، فهل يصح بالنسبة لأمثلة أخرى؟ قد يكون منها ما أورده أيضا في الاستدلال على قاعدته من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خيرني ربي وسأزيد على السبعين"[89]: قال الطاهر بن عاشور: "فحمل قوله: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ (التوبة: 80) على التخيير مع أن ظاهره مستعمل في التسوية، وحمل اسم العدد على دلالته الصريحة دون كونه كناية على الكثرة كما هو قرينة السياق..."[90].
وهناك من أدخل نوعا من التفسيرات الخارجة عن مقتضى السياق ضمن مسألة: "تعميم اللفظ على عمومه الأعم دون تقييده بالسياق"[91]، وقال إنها: "مما يدخل ضمن موضوع الاستنباط؛ لأنَّ فيها العبور عما سيق اللفظ أو الجملة فيه إلى معانٍ تدخل فيهما بتجريدهما عن سياقهما الذي هما فيه"[92]، وجعل من الصور الداخلة فيها؛ إدخال ما ليس في حكم الآية بها، والاستشهاد بالآية على ما لم تنْزل فيه، وأيضا تنْزيل الآية على واقعة حدثت بعد نزول القرآن[93].
ومن أمثلة ذلك تفسير الإمام الراغب للفظ الإنف في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (البقرة: 3)، جاء فيه: "فالإنفاق من الرزق-بالنظر العامي: من المال؛ كما تقدَّم. وأما بالنظر الخاصي: فقد يكون الإنفاق من جميع المعاون التي آتانا الله، عز وجل، من النعم الباطنة والظاهرة؛ كالعلم والقوة والجاه والمال..."[94].
وهذا المثال ظاهر جدًّا، "فسياق الآية كما هو ظاهر في الإنفاق المالي، بدلالة قرن النفقة بالصلاة، والذي يقرن بها غالبًا هو الزكاة، وبدلالة أن مصطلح النفقة في القرآن يغلب على النفقة المالية.
وعلى هذا جاء تفسير السلف مع اختلافهم في نوع النفقة المالية، هل هي النفقة الواجبة؛ أي الزكاة وما يجب من النفقة على الأهل، أم هي ما دون ذلك من النفقة المستحبة؟ وأقوالهم لم تخرج عن أن المراد بها الإنفاق المالي، وعلى هذا فالصواب أنَّ الآية في الإنفاق المالي قطعًا، لكن ما ذكره الراغب، من أنه يدخل فيها جميع أنواع الإنفاق التي يبذلها المسلم من العلم والجاه والقوة وغيرها، غير مرادٍ إرادة أولية، وإدخاله إنما هو من باب تعميم اللفظ على عمومه الأعمِّ، وإخراجه من مدلول سياقه المالي إلى غيره"[95].
نخلص إلى أن ما يبدو من تفسيرات خارجة عن السياق، سواء كانت من باب تعميم اللفظ على عمومه الأعم، أو من باب حمل الآية على جميع معانيها، هي ولا شك تفسيرات تشكل على القول باعتبار السياق وتضعف من أثره في تحديد المعنى، وهي لذلك تحتاج إلى دراسة مستقلة تُجمع فيها الأمثلة وتُنقح، وتُفحص فيها آراء العلماء في ما قُرِّر من قواعد ومسائل مرتبطة بها، وحسبي، هاهنا، إثارة هذا الإشكال والتحفيز على تلك الدراسة.
خاتمة
يحمل السياق تعريفا وتوظيفا تفاصيل كثيرة، وترتبط به مشكلات وصعوبات مختلفة، وقد كان غرضي لفت الانتباه إلى ضرورة تعميق البحث في الموضوع، وتدقيق النظر في مسائله وقضاياه، وتجاوز الحديث المكرر عن أهمية السياق، والاستدلال على الوعي به وانتقاء الشواهد على اعتباره.
ولا شك أن في كلام علماء القرآن إشارات وإضاءات كثيرة، كما أن في كتب التفسير تطبيقات وأمثلة عديدة لا تخذل الباحث عندما يريد المشاركة في هذا الورش البحثي الكبير.
الهوامش
[1]. وهو رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الفقه والأصول، تحت إشراف الدكتور الشاهد البوشيخي، نوقشت سنة 1997م بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، ظهر المهراز، فاس. ومن وحي هذه الرسالة كان موضوع مشاركتي: "السياق عند الأصوليين: المصطلح والمفهوم" في الندوة العلمية الدولية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء أيام 10-11-12 جمادى الثانية 1428ﻫ، الموافق لـ26-27-28 يونيو 2007م، بعنوان: "أهمية اعتبار السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة العمل بالأحكام"، وقد نُشر الموضوع ضمن كتاب أعمال الندوة، الرباط: دار أبي رقراق، ط1، 2007، ص301. وانظر أيضا: مجلة الإحياء، الرباط: دار أبي رقراق، عدد 25 (جمادى الثانية 1428ﻫ/يوليوز2007م)، ص38.
[2]. في حدود علمي وطيلة فترة إنجاز الرسالة. ولا أعني المجال اللغوي الحديث.
[3]. غير خاف نضج علم أصول الفقه المبكر مقارنة مع علم أصول التفسير.
[4]. انظر مقال: "السياق عند الأصوليين المصطلح والمفهوم"، مجلة الإحياء، م، س.
[5]. هو عبد الرحمن بن جار الله المغربي البناني، نزيل مصر، الفقيه المالكي المتوفى سنة 1198ﻫ، صنف حاشية على شرح جلال الدين المحلي على جمع الجوامع في أصول الفقه، انظر: إسماعيل باشا البغدادي، هدية العارفين، بغداد: منشورات مكتبة المثنى، وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية بإستنبول، 1956م، ج5، ص555.
[6]. حاشية البناني على متن جمع الجوامع، ج1، م، س، ص20.
[7]. عالم شافعي من علماء مصر وأصله من المغرب، من تصانيفه: حاشية على جمع الجوامع، وحاشية على السمرقندية، وحاشية على لامية الأفعال لابن مالك، توفي 1250ﻫ. انظر: هدية العارفين: م، س، ص301، وانظر قاموس: خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، ط7، 1986م، ج2، ص220.
[8]. حاشية العطار على جمع الجوامع: ج1 ص320. وقد تداول بعض الدارسين تعريفين للسياق لم أعثر عليهما، الأول نسبوه للإمام السرخسي (ت 483 ﻫ) في أصوله، والثاني نسبوه للإمام الرازي (ت 606ﻫ) دون تعيين موضع التعريف.
[9]. جامع البيان: تفسير النساء 85.
[10]. المحرر الوجيز: تفسير البقرة 266.
[11]. إرشاد العقل السليم: تفسير الأنعام 51.
[12]. تفسير السمرقندي: تفسير المائدة 82.
[13]. بدر الدين الزركشي، البحر المحيط، حققه وخرج أحاديثه لجنة من علماء الأزهر، دار الكتبي، ط1، 1994م، تفسير النساء آية 19.
[14]. البحر المحيط، م، س، تفسير النساء 19.
[15]. تفسير القرآن العظيم: تفسير البقرة 53.
[16]. تفسير القرآن العظيم: تفسير آل عمران 36.
[17]. تفسير القرآن العظيم: تفسير البقرة 56.
[18]. المصدر نفسه.
[19]. روح المعاني: تفسير النساء 172.
[20]. روح المعاني: تفسير الشعراء 223.
[21]. جامع البيان: تفسير البقرة 282.
[22]. جامع البيان: تفسير النساء 159.
[23]. ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، تحقيق: عدنان زرزور، ط2، 1942م، ص81.
[24]. المرجع نفسه.
[25]. أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي، التسهيل لعلوم التنزيل، ضبطه وصححه وخرج آياته: محمد سالم هاشم، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، 1995م، ج1، ص13.
[26]. بدر الدين الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: أبي الفضل الدمياطي، القاهرة: دار الحديث، 2006م، النوع الحادي والأربعون/معرفة تفسيره وتأويله: ص445. وقد صرح في كتابه الأصولي بنقله عن الإمام عز الدين بن عبد السلام (ت 660 ﻫ) قوله: "السياق يرشد إلى تبيين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات، وكل ذلك بعرف الاستعمال. فكل صفة وقعت في سياق المدح كانت مدحا وإن كانت ذما بالوضع، وكل صفة وقعت في سياق الذم كانت ذما وإن كانت مدحا بالوضع كقوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾، البحر المحيط، ج8 ص55. وقالابن قيم الجوزية (ت751 ﻫ)": السياق يرشد إلى تبيين المجمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير، انظر: ابن قيم الجوزية، بدائع الفوائد، دار الفكر، ج4، ص9-10.
[27]. البرهان في علوم القرآن، م، س، النوع الحادي والأربعون، معرفة تفسيره وتأويله: ص431.
[28]. المصدر نفسه، النوع الثامن عشر/ في معرفة غريبه: ص204.
[29]. من ذلك:
- محمد بنعده، السياق وأثره في توجيه المعنى في تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، رسالة مقدمة للحصول على دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية لجامعة سيدي محمد بن عبدالله−المغرب، 1998-1999م.
- سعيد محمد سعد الشهراني، السياق القرآني وأثره في تفسير المدرسة العقلية الحديثة: دراسة نظرية تطبيقية، رسالة دكتوراه مقدمة لجامعة أم القرى بمكة المكرمة، سنة1427ﻫ.
- العلامة الشنقيطي، دلالة السياق القرآني في تفسير أضواء البيان: دراسة موضوعية تحليلية، أحمد لا في فلاح بطي المحيه المطيري، رسالة ماجستير مقدمة للجامعة الأردنية سنة 2007م
- عبد الرحمن عبد الله سرور المطيري، السياق القرآني وأثره في التفسير: دراسة نظرية وتطبيقية من خلال تفسير ابن كثير، رسالة مقدمة لنيل الماجستير في التفسير وعلوم القرآن مقدمة لجامعة أم القرى سنة2008م.
- محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشمسان، السياق القرآني ودلالته على الترجيح في التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، رسالة ماجستر مقدمة لجامعة أم القرى سنة2010م.
- عبد الحكيم بن عبدالله القاسم، دلالة السياق القرآني وآثرها في التفسير- دراسة نظرية تطبيقية من خلال تفسير ابن جرير، دار التدمرية، المملكة العربية السعودية. ط1، 2012م، وأصلها رسالة ماجستير مقدمة لجامعة الإمام محمد بنسعود الإسلامية بالرياض.
[30]. من ذلك:
- عبد الوهاب أبو صفية الحارثي، دلالة السياق منهج مأمون لتفسير القرآن الكريم، عمان، الأردن ، ط1، 1989م.
- فهد الشتوي بن عبد المعين الشتوي، دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي في قصة موسى عليه السلام: دراسة نظرية تطبيقية، رسالة ماجستير مقدمة لجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية سنة 2005م.
- عبد الرحمن بودرع، منهج السياق في فهم النص، كتاب الأمة،ع10 السنة25/1426ﻫ.
- محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الربيعة، أثر السياق القرآني في التفسير، دراسة نظرية تطبيقية على سورتي الفاتحة والبقرة، رسالة دكتوراه مقدمة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة2006م.
- محمد إقبال عروي، دور السياق في الترجيح بين الأقاويل التفسيرية، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية، ط1، 2007م.
- المثنى عبد الفتاح محمود، نظرية السياق القرآني: دراسة تأصيلية دلالية نقدية، دار وائل للنشر، ط1، 2008م. وأصلها رسالة دكتوراه مقدمة لجامعة اليرموك بالأردن سنة 2005م بعنوان السياق القرآني وأثره في الترجيح الدلالي.
- خلود العموش، الخطاب القرآني (دراسة بين النص والسياق)، الأردن: دار عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، سنة 2008م.
ومن المقالات:
- ما يقرب 30 مقالا (وعدد منها عُني بالسياق في مجال التفسير وعلوم القرآن) ضمن كتاب أعمال الندوة العلمية الدولية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، وعنوانه "أهمية اعتبار السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة العمل بالأحكام"، م، س.
- زيد عمر عبدالله، السياق القرآني وأثره في الكشف عن المعاني، مجلة جامعة الملك سعود، م 15، سنة 1423ﻫ.
- خليل خلف بشير العامري، السياق اللغوي في النص القرآني، مجلة دراسات نجفية، عدد4 سنة 2005م.
- خليل خلف بشير العامري، السياق غير اللغوي في النص القرآني، مجلة جامعة بابل، مجلد10، عدد4 سنة 2008م.
- السياق القرآني وأثره في خدمة التفسير المقاصدي عند ابن عاشور، مجلة إسلامية المعرفة، عدد 73، سنة 2013م.
[31]. لم أذكر التعريف اللغوي للسياق لأنني لست بصدد بحث تعريف السياق، ولأن العناية، هاهنا، بملاحظة الجهد المبذول في هذا التعريف.
[32]. دلالة السياق القرآني وأثرها في التفسير، م، س، ص93.
[33]. المصدر نفسه.
[34]. السياق القرآني وأثره في الترجيح الدلالي، م، س، ص14. والسياق بهذا التعريف يشمل برأي الباحث سياق السورة وسياق المقطع، انظر تفصيل القول في المقصود من السياقين من ص89 إلى ص109 من المرجع نفسه. وممن اعتمد في بحثه هذا التعريف أيضا صاحب "دلالة السياق القرآني في تفسير أضواء البيان للعلامة الشنقيطي، م، س".
[35]. أثر السياق في التفسير من خلال تفسير بن كثير، م، س، ص71. ويتسع هذا التعريف عند صاحبه ليشمل سياق القرآن الكريم بكامله، بالإضافة إلى سياق الآية، وسياق المقطع، وسياق السورة، وقد حرَّر هذا التنوع في السياق برأي الباحث صاحب كتاب دلالة السياق منهج مأمون لتفسير القرآن الكريم.
[36]. فهد الشتوي بن عبد المعين الشتوي، دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي في قصة موسى عليه السلام: دراسة نظرية تطبيقية، رسالة ماجستير مقدمة لجامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية سنة 2005م، ص27.
[37]. السياق القرآني وأثره في تفسير المدرسة العقلية الحديثة: دراسة نظرية تطبيقية، م، س، ص22. وانظر أيضا: دور السياق في الترجيح بين الأقاويل التفسيرية، م، س، ص37.
[38]. وواضح أنه أمر يصعب إنجازه نظرا لكثرة التفاسير، وطول الفترة التي امتد فيها تفسير كلام الله تعالى، وقد صرح صاحب بحث دلالة السياق وأثرها في توجيه المتشابه اللفظي في قصة موسى عليه السلام، أنه استقرأ الكثير من النصوص التي ورد فيها لفظ السياق عند علماء التفسير والأصول، وأوضح أنه استقرأ ما يربوا على خمسمائة موضع عن طريق الحاسب، لكن التعريف الذي اختاره لم يعمل فيه بنتيجة الاستقراء التي بدت مقبولة. انظر البحث المذكور ص 14 فما بعدها.
[39]. وقد يكون ذلك الاستقراء قد تم دون التصريح به.
[40]. أثر السياق في التفسير من خلال تفسير ابن كثير، م، س، ص68.
[41]. أثر السياق القرآني في التفسير دراسة نظرية تطبيقية على سورتي الفاتحة والبقرة: ص18.
[42]. ومنها ما سبقت الإشارة إليها عند تتبع بعض الاستعمالات الصريحة للفظ السياق في ثنايا التفسير وعلى لسان علماء القرآن.
[43]. تفسير القرآن العظيم، م، س، ص1.
[44]. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: تفسير النحل66.
[45]. لم أعثر على شاهد من استعمال السياق باللفظ الصريح للدلالة على سياق الحال أو السياق الخارجي أو للدلالة على سياق القرآن بكامله فيما اطلعت عليه من دراسات في الموضوع، بل وفيما اطلعت عليه أيضا من كلام المفسرين وعلماء القرآن إلى وقت كتابة هذه السطور.
[46]. انظر السياق القرآني وأثره في التفسير: دراسة نظرية وتطبيقية من خلال تفسير ابن كثير، م، س، ص67 إلى ص71. وقد سبق قول ابن تيمية في مقدمته الأصولية في معرض بيانه جهتي الخطأ في التفسير الذي مستنده الاستدلال؛ إذ فرق فيه بين مراعاة المتكلم بالقرآن والمخاطب به وبين مراعاة سياق الكلام.
[47]. انظر على سبيل المثال: أهمية اعتبار السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة العمل بالأحكام، م، س، مقال: محمد الخمليشي، دلالة السياق بين مفهومي التفسير والترجيح، ص375 + مقال عبد الكريم عكيوي، منهج اعتبار السياق في فقه النص الشرعي وضوابطه، ص853.
[48]. أثر السياق القرآني في التفسير، دراسة نظرية تطبيقية على سورتي الفاتحة والبقرة، ص8.
[49]. انظر مقال: "تفسير القرآن بالقرآن: دراسة في المفهوم والمنهج"، مجلة إسلامية المعرفة، عدد49.
[50]. ذكر الدكتور إدريس مقبول إشكالين بهذا الخصوص رآهما شديدي التعقيد: "أولهما؛ من طبيعة كيفية إذ إن أسباب النزول كانت وما تزال موضوع اختلاف وتباين في الروايات... ثانيها؛ من طبيعة كمية حيث إن أسباب النزول على ما بينها من اختلاف لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من النقول والسياقات التي حفظت من العلم ولم تضع... مما يجعل مقدار الاستثمار محدودا لهذا الركن السياقي في عمليات التأويل"، أعمال الندوة العلمية الدولية أهمية اعتبار السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة العمل بالأحكام، م، س، مقال: السياق في تداوليات أبي إسحاق الشاطبي، ص251.
[51]. مفاتيح الغيب: تفسير مريم 71.
[52]. المصدر نفسه.
[53]. المصدر نفسه.
[54]. محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، تونس: دار سحنون: تفسير مريم 72.
[55]. البرهان في علوم القرآن، م، س، النوع الثاني معرفة المناسبات بين الآيات: ص38.
[56]. جامع البيان: تفسير النساء 65.
[57]. جامع البيان: تفسير النساء 65.
[58]. ابن العربي، أحكام القرآن: تفسير النساء 25.
[59]. المصدر نفسه.
[60]. السياق وأثره في فهم مقاصد الشارع، مجلة إسلامية المعرفة، عدد 48+49، سنة 2007م، ص61.
[61]. ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، تحقيق: أحمد محمد شاكر، القاهرة: مطبعة السنة المحمدية، 1374ﻫ، ج1 ص406.
[62]. أثر السياق القرآني في التفسير، دراسة نظرية تطبيقية على سورتي الفاتحة والبقرة: ص29. وقد عرف الباحث السياق القرآني بـ: "الأغراض التي بنيت عليها الآية، وما انتظم بها من القرائن اللفظية والحالية وأحوال المخاطبين بها"، وانظر: أثر السياق في النظام النحوي، ص93.
[63]. جامع البيان: تفسير الأحقاف 10.
[64]. تفسير القرآن العظيم: تفسيرالأحقاف10.
[65]. التحرير والتنوير: تفسير الأحقاف10.
[66]. مفاتيح الغيب: تفسير المائدة 2.
[67]. الكشاف: تفسير المائدة 2.
[68]. إرشاد العقل السليم: تفسير المائدة 2.
[69]. جامع البيان: تفسير المائدة 2.
[70]. فتح القدير: تفسير المائدة 2.
[71]. جامع البيان: تفسير البقرة 233.
[72]. التحرير والتنوير: تفسير البقرة 233.
[73]. المصدر نفسه.
[74]. المصدر نفسه.
[75]. تفسير المنار: تفسير البقرة آية 233.
[76]. روح المعاني: تفسير البقرة آية 233.
[77]. مفاتيح الغيب: تفسير البقرة آية 233.
[78]. تفسير المنار: تفسير البقرة 233.
[79]. عز الدين بن عبد السلام، الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، القاهرة: دار الحديث، ص220.
[80]. جامع البيان: تفسير الأنبياء 37. قال الدكتور محمد إقبال عروي في معرض تساؤله هل تخضع دلالة السياق فعلا للإهمال بحجة هي برأي الطبري ظاهر التنزيل أو خبر صحيح أو إجماع من أهل التأويل: "كيف يمكن لإجماع علمي تفسيري أن ينقض دلالة السياق؟ وهل يتصور جواز ذلك أصلا؟ وهل وجد فعلا خبر صحيح مناقض لدلالة السياق؟ أليس ظاهر الآية جزء من سياقها المعتبر؟ يعين على الفهم ولا يقتصر عليه. إن الأمر يستدعي استقراء دقيقا لمعرفة هل وجدت، فعلا، دلالة سياقية لآية ما، ووجد إلى جانبها إجماع من قبل المفسرين بمرجوحيتها أو ضعفها؟ وقل الأمر نفسه بخصوص قيد الخبر الصحيح وظاهر القرآن". أهمية اعتبار السياق في المجالات التشريعية وصلته بسلامة العمل بالأحكام، مقال: السياق في الاصطلاح التفسيري مفهومه ودوره الترجيحي، م، س، ص370.
[81]. البرهان في علوم القرآن، م، س، النوع الحادي والعشرون: ص221.
[82]. التحرير والتنوير، م، س، ج1، ص 93.
[83]. المصدر نفسه، ص94.
[84]. صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب: ما جاء في فاتحة الكتاب: رقم الحديث 4474.
[85]. انظر التحرير والتنوير، م، س، ج1، ص95.
[86]. سنن أبي داود رقم 334. وانظر صحيح ابن حبان رقم الحديث: 1315.
[87]. انظر التحرير والتنوير، م، س، ج1، ص96.
[88]. المصدر نفسه، ص97.
[89]. "عن قتادةَ قال: لمَّا نزلَت اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: قد خيَّرني ربِّي ، فواللهِ لأزيدنَّ على السَّبعينَ" انظر أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري، تحقيق: محب الدين الخطيب، القاهرة: المكتبة السلفية، ط1، 1400ﻫ، ج8، ص186.
[90]. التحرير والتنوير، م، س، ج1 ص95.
[91]. مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار، مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير، الرياض: دار المحدث/المملكة العربية السعودية، ط1، 1425ﻫ، ص30. ولاحظ أن القاعدة تدل بلفظها على قيد الخروج عن السياق.
[92]. مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير، م، س.
[93]. المرجع نفسه.
[94]. أبو القاسم الراغب الأصفهاني، مقدمة جامع التفاسير مع تفسير الفاتحة ومطالع البقرة، تحقيق: أحمد حسن فرحات، دار الدعوة، ط1، 1984م، ص158-159.
[95]. مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير، م، س، ص31.