مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

إسهامات المرأة المغربية في الكفاح والجهاد من أجل الحرية والاستقلال ابان الفترة الكلونيالية

بقلم صهيب الحجلي[1]

 

 

 

 إنه لمن المجحف جدا أن تمر علينا ذكرى الثامن من مارس، ذكرى الاحتفال بعيد المرأة دون أن نخصص ولو سطورا تبرز دور المرأة في مقاومة المحتل إبان فترة الكفاح والجهاد، أجل، الموضوع قد يبدو غريبا ونحن نعيش في الألفية الثالثة بعد أن مر على استقلال المغرب أزيد من ستة وخمسين سنة، لكن واقع الحال يشهد بأن هذا الحضور الوازن والمؤثر للمرأة المغربية في مسيرة الجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي الذي تنغمر فيه بلادنا، ما هو إلا استمرار وامتداد لمسيرة الجهاد الأصغر من أجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية والوحدة الترابية إبان مرحلة الاستعمار.

ربما قد نكون أقحمنا أنفسنا في مغامرة ونحن نحاول التأريخ لأشكال حضور النساء المغربيات في المقاومة.. فهذا الأخير –أي موضوع المقاومة النسائية بالمغرب- ونحن لا نبالغ في ذلك، موضوع طويل وشائع وزئبقي، تعترض المتحدث عنه والنابش في دلالاته مشاكل كبيرة ومتعددة، ومن جملة تلك المشاكل ما يتعلق أولا بالمنهج، أي أي منهج يجب أن يتبع في تدوين الحركة الوطنية والمقاومة النسائية المغربية؟ نعم، لقد أبرز الاحتكاك بين المقاومات والمؤرخين أهمية مسألة تدوين وقائع الماضي، ماضي الكفاح والنضال، لكن مع ذلك، ظهر جليا أن لكل طرف مقاربته الخاصة وأهدافه المحددة بالرغم من التقاطع الواضح المنصب في عمومه إلى صيانة الذاكرة الوطنية وتحصين الهوية..

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ودائما في موضوع المشكلات التي تعترض الباحث في مجال المقاومة، مشاكل تتعلق بالمصادر والأرشيف، لكون المقاومة في مجملها سواء النسائية أو الرجالية كانت تحاط بالسرية الكاملة، وحتى محاولة الاعتماد على الرواية الشفهية لوحدها، هي محاولة محفوفة بمخاطر النرجسية والخيال، أضف إلى ذلك المشكل المتعلق ببشخصية المكتوب عنه، فكونه مؤنث، هذا لوحده يطرح إشكالات عدة…، ثم مشكل البيبليوغرافيا، أي عائق غياب الكتابات التاريخية عن هذا الصنف من المقاومة.. فجل المؤلفات التي ألفت عن تاريخ المغرب أثناء فترة الاستعمار، مؤلفات يغيب فيها تماما الحديث عن مساهمة المرأة المغربية، اللهم بعض المؤلفات التي تناولت هذه المساهمات في حيز صغير جدا، في إطار دراسة المقاومة المغربية بصفة عامة ككتاب ألبير عياش “المغرب والاستعمار” وبعض الأطاريح الجامعية وبعض المقالات المنشورة في بعض المجلات إلا أنها تبقى يتيمة ومادة شحيحة.. لكن، وبما أن المناسبة شرط، سنحاول أن نخوض غمار هذا الطرح، وسنحاول الحديث على نماذج من إسهامات المرأة المغربية في مقاومة المستعمر الفرنسي أو الاسباني على السواء.

فمن حيث مساهمتها في ميدان المقاومة نلاحظ أن هذه المساهمة كانت على خطين، خط في المدن وخط في البوادي.. ففي البوادي كانت مساهمة المرأة القروية ومشاركتها في حركة المقاومة فعالة منذ البداية، فإذا كان الرجل حاضرا في الواجهة فإن المرأة قامت بأعمال خفية يمكن اعتبارها القاعدة الخلفية لكل المبادرات، إذ أن عامل القرابة العائلية التي تربط بين المقاومين وزوجاتهم وبناتهم أو خالاتهم وقس على ذلك.. هي عامل لدخولهن معترك الكفاح من أجل الاستقلال فكانت حاضرة إلى جانب الرجال في كل الجبهات، حيث كان من أعمالها ملئ البنادق بالرصاص وتسليمها للمقاومين من ساحة المعركة وصنع القنابل اليدوية ومساعدة الرجال على تنفيذ مخططاتهم الفدائية، كما نجدها حاملة للسلاح مواجهة الغزاة مباشرة في زي رجولي أو برفع زغرداتها المدوية أمام صوت المدافع.. هذا وقد كانت تعمل على تطبيب وإسعاف الجرحى بعيدا عن ساحة المعركة.. كما كانت -وهنا نجد البعد الرمزي في المقاومة النسائية- بحمل إناء من الحناء الممزوج بالقطران لرش كل من فر من ساحة المعركة من رجال المقاومة..

أما على خط المدن، فقد كانت المرأة المغربية تعمل على مقاومة المستعمر بطرق أخرى غير تلك التي ذكرنا سالفا.. فقد كانت تعمل على توزيع المنشورات ورسائل التهديد الموجهة للمستعمرين ولكل من فكر في أن يخالف قرارات الوطنيين من عدم إقامة الأفراح لموازاتها مع إحدى حلقات النضال أو بإيصال الرسائل الشفهية إلى المقاومين وهذا كان يجعلها تتعرض للاستنطاق في مخافر الشرطة مرفوق بالتهديد والضرب وغير ذلك من أشكال المهانات.. كما كانت تعمل على صب الماء الساخن والزيت المغلي من على السطوح على جيوش المستعمر، أو تعمل على توعية النساء وتحفيزهن وتشجيعهن للانخراط في الأحزاب والمشاركة في المظاهرات، والعمل على إخفاء السلاح وتوزيعه…

لقد أثبتت المرأة المغربية المقاومة بلا منازع حضورها الفعال في ساحة الوغى وميدان الشرف والنضال وفي صميم وعمق الحركة الوطنية والمقاومة من أجل الحرية والاستقلال فقدمت صورا مشرقة ورائعة في المشاركة النوعية بأوجه الكفاح الوطني إلى جانب أخيها الرجل بروح نضالية عالية في المداشر والحواضر والقرى، حاملة للسلاح أو محتضنة لرجال المقاومة أو مؤتمنة على الأسرار والتوجيهات، لكن مع ذلك نجد أن أعداد المقاومات جد قليل مقارنة بالرجال.. والسؤال الذي يطرح نفسه هل هذا هو واقع الحال؟ إلى حد بعيد هو كذلك، فالمرأة نعم، كانت حاضرة وبقوة، لكن أعدادها لم تكن كبيرة، لكن لماذا لا نجد تفسيرات لحقيقة هذه الاعداد؟
في إحدى المقابلات التي أجرتها الباحثة مارية دادي مع ثلة من المقاومات والمقاومين حول هذا الغموض في أعداد المقاومات المغربيات، فوجدت بأن هناك عاملين أساسيين يحولان دون المرأة وقيامها بنشاطات مقاوماتية، هما الأسرة والمجتمع المحيط بهما، فالمجتمع بقيمه وعاداته في ذلك كان لا ينظر للمرأة باحترام كبير عندما توسع نطاق احتكاكها واختلاطها بالرجال.. فاعتبر ذلك السلوك شادا مما حتم عليها ارتداء ملابس رجالية تسترا من المجتمع ومن المستعمر كذلك.. أو خوض غمار الحرب ضد المستعمر بصيغة غير مباشرة.

وعموما، نستخلص أن مقاومة المرأة المغربية منذ بداية الحماية إلى الاستقلال، متعددة الوجوه والأشكال، ساهمت جنبا إلى جنب مع الرجل، فكانا متساويين في مواجهة الأخطار.. وإذا كنا نقرأ على أن التاريخ هو دراسة الماضي لفهم الحاضر واستشراف للمستقبل، فخير درس نخرج به هو ما افتتحنا به مقالنا، ألا وهو أنه لا يمكن أن يستقيم مجتمعنا إلا بمساهمة الاثنيين معا -الرجل والمرأة- بنوع من التكامل في سائر مجالات الحياة.

 


[1] باحث في التاريخ

 

 

نشر بتاريخ: 01 / 04 / 2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق