مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينأعلام

أمّ المؤمنين، خديجة بنت خُوَيلِد رضي الله عنها

اسمها ونسبها وولادتها:

 هي خديجة أمّ المؤمنين، وسيّدة نساء العالمين في زمانها، وأُولى أمَّهات المؤمنين في الإسلام، أمّ القاسم ابنة خُويلد بن أَسَد بن عبد العُزَّى بن قُصَيّ بن كِلَاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤَي بن غالب بن فِهر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة القُرشية الأَسَدِية. أمّ أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأول من آمن به وصدَّقه قبل كلِّ أحد، وثبَّتَت جأشَه ومضت به إلى ابن عمّها ورقة[1].

وأمّا كنيتها، فكانت تكنى أمّ هند، فقد أخرج ابن سعد بسنده، عن عائشة رَضي الله عنها: «أنّ خديجة كانت تكنى أم هند»[2]. وقد ولدت قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة، وكانت يوم تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت أربعين سنة[3].

 زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسّلم:

كانت السيّد خديجة رضيَ الله عنها، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلّم تحت أبي هالة بن زُرَارة بن نباش بن عدي التميمي[4].  وذكر ابن سعد أنها كانت قبل أن يتزوجها أحد قد ذُكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي فلم يقض بينهما نكاح فتزوجها أبو هالة واسمه هند بن النباش بن زرارة، وكان أبو هالة ذا شرف في قومه ونزل مكة وحالف بها بني عبد الدار بن قصي وكانت قريش تزوج حليفهم فولدت خديجة لأبي هالة رجلاً يقال له: هند، وهالة رجل أيضاً ثم خلف عليها بعد أبي هالة عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فولدت له جارية يقال لها: هند فتزوجها صيفي بن أمية بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهو ابن عمها؛ فولدت له محمدا ويقال لبني محمد هذا بنو الطاهرة، لمكان خديجة، وكان له بقية بالمدينة وعقب فانقرضوا[5].

 وكان سبب تزوجها برسول الله صلى الله عليه وسلّم ما ذكره ابن إسحاق قال: كانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها تضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه. فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيرَه من التُّجار، مع غلام لها يقال له: مَيْسَرَة، فقبله منها وخرج في مالها ومعه غلامها ميسرة، حتى قدِم الشام، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب، فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ قال: هذا رجل من قريش من أهل الحرم. فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط. إلا نبي. ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد، ثم أقبل قافلاً إلى مكة، فلما قدِم على خديجة بمالها باعت ما جاء به، فأضعف أو قريباً، وحدثها ميسرة عن قول الراهب. وكانت خديجة امرأة حازمة، لبيبة، شريفة، مع ما أراد الله بها من كرامتها. فلمّا أخبرها ميسرة بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: «إني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك» ثم عرضت عليه نفسها، وكانت أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً. فلما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالت، ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه حمزةُ بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسَد، فخطبها إليه، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ولده كلّهم قبل أن ينزل عليه الوحي، وهم: زينب، وأم كلثوم، وفاطمة، ورقية، والقاسم، والطاهر والطيب. فأما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا قبل الإسلام، وبالقاسم كان يكنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما بناته فأدركن الإسلام، فهاجرن معه واتبعنه وآمن به[6].

وكانت السّيّدة خديجة رَضي الله عنها أسنّ من النبي عليه الصّلاة والسّلام، فقد أخرج ابن سعد عن مغيرة بن عبد الرحمن الأسدي، عن أهله، قالوا: سألنا حكيم بن حزام أّيهما كان أسنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو خديجة؟ فقال: «كانت خديجة أسن منه بخمس عشرة سنة، لقد حرمت على عمّتي الصلاة قبل أن يولد رسول الله» قال أبو عبد الله: قول حكيم حرمت عليها الصلاة يعني حاضت، ولكنه تكلم بما يتكلم به أهل الإسلام[7].

 مناقبها:

عرفت السيّدة خديجة رضيَ الله عنها، بخصال عظيمة، وكانت مساندة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فهي ظلّه الوريف الذي يأوي إليه، وهي ممن كمل من النّساء. وكانت عاقلة، جليلة، ديّنة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يثني عليها ويفضّلها على سائر أمّهات المؤمنين ويبالغ في تعظيمها بحيث إنّ عائشة كانت تقول: ما غِرتُ من امرأة ما غرت من خديجة من كثرة ذِكر النبي صلى الله عليه وسلّم لها[8].

قال ابن إسحاق: تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسَلم المصائب بهلاك أبي طالب وخديجة. وكانت خديجة وزيرة صدق. وهي أقرب إلى قصيّ من النبي صلى الله عليه وسَلم برجل. وكانت متموّلة فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مالها إلى الشام فخرج مع مولاها ميسرة. فلما قدم باعت خديجة ما جاء به فأضعف فرغبت فيه فعرضت نفسها عليه فتزوجها وأصدقها عشرين بكرة. فأولادها منه: القاسم والطيب والطاهر ماتوا رضعاً ورقية وزينب وأمّ كلثوم وفاطمة[9].

 إسلامها:

أخرج الإمام أبو نعيم في «الدلائل» عن عائشة، «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان جالساً معها، إذ رأى شخصاً بين السَّماء والأرض، فقالت له خديجة: ادْنُ منِّي، فدنا منها، فقالت: تراه: قال: «نعم» . قالت: أدخِل رأسك تحت درعي، ففعل، فقالت: تراه؟ قال: «لا». قالت: أبشر، هذا ملك، إذا لو كان شيطاناً لما استحيى، ثم رآه بأجياد، فنزل إليه وبسط له بساطاً، وبحث في الأرض فنبع الماء، فعلَّمه جبرئيل كيف يتوضأ، فتوضّأ وصلى ركعتين نحو الكعبة، وبشَّره بنبوته وعلمه: «اقرأ باسم ربك»، ثم انصرف، فلم يمرّ على شجر ولا حجر إلاّ قال: سلام عليك يا رسول الله، فجاء إلى خديجة فأخبرها، فقالت: أرِني كيف أراك، فأراها فتوضأت كما توضّأ ثم صلّت معه، وقالت: أشهد أنّك رسول الله»[10]. قال ابن حجر: وهذا أصرح ما وقفتُ عليه في نسبتها إلى الإسلام[11].

فضائلها:

في الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنهَا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم «بشّر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب»[12].

وفي الصّحيحين أيضاً من رواية عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن عليّ رضيَ الله عنه، أنه سمعه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران»[13].

ويفسّر الحديث ما أخرجه ابن عبد البر في ترجمة فاطمة عن عمران بن حصين، أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم عاد فاطمة وهي وجعة، فقال: «كيف تجدينك يا بنية؟» قالت: إني لوَجِعَة، وإنّه ليزيد ما بي ما لي طعام آكله. فقال: «يا بنية، ألا ترضين أنّك سيدة نساء العالمين؟» قالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران؟ قال: «تلك سيّدة نساء عالمها» وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيّدا في الدنيا والآخرة[14].

قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: فعلى هذا مريم خير نساء الأمة الماضية، وخديجة خير نساء الأمة الكائنة[15].

وفاتها ومدفنها:

توفّيت أمّنا خديجة رَضي الله عنها، في عام عرف في السيرة النبوية بعام الحزن، لمِا تركته من عميق الحزن على فراقها، واقترن أيضاً بوفاة عمّه أبي طالب، قال ابن إسحاق: كانت وفاة خديجة وأبي طالب في عام واحد، وكانت خديجة وزيد صدقا على الإسلام، وكان يسكن إليها. وقال غيره: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح، وقيل بأربع، وقيل بخمس.

وقالت عائشة: ماتت قبل أن تفرض الصّلاة، يعني قبل أن يعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: كان موتها في رمضان.

وتوفيّت رضي اللهُ عنها وهي بنتُ خمس وستين سنة، وذلك سنة عشر من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشّعب، ودفنت بالحجون، ونزل النبي الله صلى الله عليه وسلم في حفرتها، ولم تكن شرعت الصّلاة على الجنائز[16].

—————————————————————————-

[1]  انظر: طبقات ابن سعد:8/14.  وأسد الغابة: 6/78. وسير أعلام النبلاء: 3/411.

[2]  أخرجه ابن سعد في الطبقات: 8/14.

[3]  نفسه: 8/14.

[4]  أسد الغابة: 6/78.

[5]  طبقات ابن سعد: 8/15.

[6]  سيرة ابن هشام: 1/ 190. وأسد الغابة: 6/78.

[7]  أخرجه ابن سعد في الطبقات: 8/14.

[8]  سير أعلام النبلاء: 3/411.

[9]  سيرة ابن هشام:1/190.

[10]  أخرجه أبو نعيم في دلائل النّبوّة:1/218.

[11]  الإصابة: 8/99.

[12]  أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب مناقب الأنصار.  باب تزويج النبي صلى اللهُ عليه وسلم خديجة، وفضلها رضيَ الله عنها: 5/39. ح: 2432. ومسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة.  باب فضائل خديجة أم المؤمنين رَضي الله عنها. 4/1887. ح: 2433.

[13]  أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب مناقب الأنصار.  باب تزويج النبي صلى اللهُ عليه وسلم خديجة، وفضلها رضيَ الله عنها: 5/38. ح: 3815. ومسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة.  باب فضائل خديجة أم المؤمنين رَضي الله عنها. 4/1886. ح: 2430.

[14]  الاستيعاب: 4/1895.

[15]  الإصابة: 8/99.

[16]  الإصابة: 8/99.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق