وحدة الإحياءدراسات عامة

الاستدلال بالخطاب القرآني واعتراضاته الأصولية

إذا علم من دين الأمة أن القرآن كلية الشريعة وعمدة الملة وينبوع الحكمة ونور الأبصار والبصائر، والبحر الذي لا ينفد والنهر الذي يشرب منه كل وارد عليه، فإن الكرع من نور معارفه واستثمار أحكامه إنما يتم منهجيا وعلميا من مدخل الدرس الأصولي.

 ولا غرو أن ينشأ عن إعمال الدرس الأصولي في الخطاب القرآني عبر القرون السابقة ذلكم التراث الفقهي الضخم الذي ملأ المدونات الفقهية وعجز الباحثون إلى الآن عن الإحاطة به تحقيقا وتخريجا حتى أصبح مفخرة من مفاخر هذه الأمة.

 وكان البحث الأصولي وما يزال الأصل الذي اتسع ويتسع به الفكر الإسلامي وفق المقاربة المستمرة بين ثوابت النصوص ومتغيرات الزمان والمكان.

 وإن من أبرز قضايا الدرس الأصولي في الخطاب القرآني وأولى قضاياه الاستدلال بالنص القرآني ومنهج تحريره مما يرد عليه من اعتراضات حتى يستقيم استدلالا صحيحا يعول عليه في إثبات الحجة وإقامة الأدلة، هذا ما سأحاول معالجته في هذه الدراسة المتواضعة من خلال المحاور التالي:

 – تحديد مفاهيم الموضوع.

 – موقع الاستدلال بالخطاب القرآني في الدرس الأصولي.

 – أوجه تحرير الاستدلال بالخطاب القرآني.

المحور الأول: تحديد مفاهيم الموضوع

 جريا على عادة علمائنا في تصدير أبحاثهم ومؤلفاتهم بمقدمات حدودية يتولون فيها تحديد مدلولات المصطلحات التي يودون استعمالها، أبدأ بتحديد المصطلحات الواردة في عنوان الموضوع على النحو التالي:

– الاستدلال

 من الناحية المعجمية: طلب الدليل، وقيل تقرير الدليل لإثبات المدلول[1]، والدليل ما يستدل به[2] وهو من دل يدل دلالة بفتح الدال وكسرها إذا هدى وسدد[3].

 وللاستدلال في الاصطلاح الأصولي إطلاقان: أحدهما عام والآخر خاص، وهذا ما ينص عليه تعريف الآمدي حين قال: “يطلق تارة بمعنى ذكر الدليل وسواء كان الدليل نصا أو إجماعا أو قياسا أو غيره ويطلق تارة على نوع خاص من أنواع الأدلة”[4]، وأوضحه أبو الحسن البصري بقوله: “اعلم أن الاستدلال على الأحكام ضربان استدلال بدليل شرعي كالخطاب والأفعال والقياس واستدلال بالبقاء على حكم العقل”[5].

 ومن التعريفين نفهم أن الاستدلال يعم معناه حين نقصد به مجرد ذكر الدليل، ويتخصص عند ما نجرده من الدليل الشرعي (نص – إجماع – قياس).

 وهذا المعنى الخاص للاستدلال[6] هو ما قصده الجويني حين قال: “هو معنى مشعر بالحكم مناسب له فيما يقتضيه الفكر العقلي من غير وجدان أصل متفق عليه”[7].

 والقصد من استعمال مصطلح الاستدلال في هذا الموضوع لا يخرج عما ذكره أهل الفن في معناه العام مع نوع من التخصيص وهو ذكر نص الخطاب القرآني على وجه الاحتجاج وبناء الأحكام، ولذلك جاء مصطلح الاستدلال في العنوان مقيدا بالخطاب القرآني حتى يخرج ما سواه من أوجه الاستدلال بالدليل الشرعي[8].

– الاعتراض

 إذا أردنا أن نقارب هذه اللفظة معجميا فهي من مادة (ع ر ض)، وعرض له أمر كذا يعرض أي ظهر كما جاء في الصحاح[9]، وعرض لفلان إذا جن[10]، واعترض الشيء دون الشيء أي حال دونه[11]، واعترض فلان عرضي إذا وقع فيه وتنقصه[12]، واعترض فلان فلانا أي وقع فيه[13].

 وللاعتراض عند أهل الجدل الأصولي معنيان أحدهما عام والآخر خاص أما المعنى العام، فهو كل ما يقدح به في دليل الخصم من أوجه القدح[14]، ويدخل في ذلك المطالبة والاعتراض، بمعناه الخاص، والمعارضة، أما المعنى الخاص للاعتراض فيحدده الباجي بقوله: “وأما الاعتراض فهو الاعتراض في نفس الدليل بما يبطله”[15].

 وإجمالا فالاعتراض أحد وجوه القدح الثلاثة الذي يمثل المرحلة الفكرية الجدلية الثانية بعد مرحلة المطالبة وقبل المعارضة في منهج تحرير الدليل وبناء المعرفة الصحيحة[16].

 وعليه فمقصدي من مصطلح الاعتراضات جملة القوادح والأسئلة الجدلية الأصولية التي ترد على الاستدلال بالخطاب القرآني: “على وجه الصحة والاحتياط عن مكامن الزلل وعثرات الوهم عند تعارض الاحتمالات في التفاريع”[17].

المحور الثاني: موقع الاستدلال بالخطاب القرآني في الدرس الأصولي

 لاشك أن الاستدلال بالخطاب القرآني من أبرز قضايا الدرس الأصولي في القرآن الكريم وأجلها وأشرفها، خصوصا إذا علمنا أنه الوسيلة لالتماس واستمداد ما في كتاب الله من هداية أحكامه وإرشادات خطابه للناس أجمعين أفرادا وأمة.

 وأنه الوسيلة لتحقيق معاني التحاكم إلى كتاب الله تعالى والاعتصام بحبله فرارا من الهوى، استجابة لأمر الله سبحانه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103) وقوله سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (النساء: 58)، وقوله عز من قائل: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ (المائدة: 51)، ويزداد هذا المطلب القرآني إلحاحا في ظرفنا هذا العصيب الذي تتلاطم فيه أمواج الغزو الثقافي العالمي المدمر لهويات الشعوب الحضارية وخصوصياتها الثقافية.

 والاستدلال بالقرآن مسعى أصولي لتأطير حياة المسلمين بالمعرفة القرآنية على الدوام، وقد تقرر عند أهل العلم أن “ليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها”[18]، وعليه فلا سبيل لتأمين الحياة وضمان سيرورتها وفق واجب الاستخلاف الشرعي ومطلب الإحسان الرباني ما لم تؤسس الحياة اليومية للفرد والجماعة على أرضية أحكام القرآن وتوجيهاته عبر مدخل الاستدلال الأصولي بالقرآن لقضاياها.

 وإذا كان استثمار المعرفة الشرعية من نص القرآن عبر المدخل الأصولي يتوقف على عمليتين علميتين متكاملتين: فقه المراد من النص وفقه المورد من الواقع، فإن الاستدلال بالقرآن بحث عملي في فقه المراد من النص، أولاه أهل الأصول عناية كبيرة لأهميته التشريعية الكبرى.

 فقد ذهب أهل الجدل الأصولي إلى أن القرآن أصل الأصول وكلي الأحكام، وعليه يكون الاستدلال به الخطوة الأصولية اللازمة الأولى في استثمار أحكام الشريعة وتأصيل قضايا الواقع، ولا يلجأ إلى السنة إلا بعد إعواز القرآن، لأن السنة تالية للقرآن ومبينة له كما تقرر أصوليا.

 غير أن الاستدلال بالخطاب يفتقر إلى معرفة ما يفيده الخطاب كما قال أبو الحسن البصري[19]، ومعرفة ما يفيده الخطاب متوقفة على معرفة درجات البيان في الخطاب القرآني انطلاقا من وجوه النظم ووجوه البيان بالنظم ووجوه استعمال ذلك النظم وجريانه في باب البيان ثم وجوه الوقوف على المراد والمعاني[20].

 ولذلك وضع أهل الجدل الأصولي محطات جدلية لتمحيص الاستدلال واختبار مدى سلامة اعتماده في استثمار المعرفة الشرعية من مظانها، وذلك من خلال جملة من الاعتراضات الجدلية الأصولية التي لا يستقيم الاستدلال بالقرآن إلا بالإجابة عنها بما يسقطها كما سيأتي.

المحور الثالث: أوجه تحرير الاستدلال بالخطاب القرآني

 حرص علماؤنا على تأمين قضية الاستدلال بالقرآن الكريم وتحصينها من الزلل والشغب وسوء التأويل ضمانا لسلامة المنهج المتبع في استثمار الأحكام الشرعية وصحة ما يترتب عنه من نتائج، وذلك من خلال اهتبالهم بالأسئلة الجدلية التي ترد على الاستدلال بالخطاب الشرعي عموما وبالخطاب القرآني خصوصا، فبينوا مواردها وكيفية إيرادها ووجوه الإجابة عنها[21]، نحاول فيما يلي مقاربة أهم هذه الاعتراضات.

أولا: الاعتراض بالاستدلال بما لا يقول به المستدل

 القدح في الاستدلال بأن المستدل استدل بما لا يقول به ضابط جدلي يحمل المستدل على ارتباطه بمذهبه وانسجامه مع موقفه في استدلاله[22]، لأنه “لا يجوز أن يثبت الحكم من طريق وهو يعتقد بطلانه”[23].

 وهذا القادح الجدلي في الاستدلال قد يكون في أصل من الأصول كالعموم والأمر ودليل الخطاب، وقد يكون في فرع من الفروع، ولتوضيح الصورة أكثر نورد المثالين التطبيقيين التاليين:

– نمثل للقضية الأصولية بمن استدل بدليل الخطاب وهولا يقول به، كأن يستدل من لا يقول بدليل الخطاب بقوله عز وجل: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ (البقرة: 234) على اشتراط عدم المساس في إيجاب المتعة للمطلقة، فيعترض عليه بأن هذا استدلال بما لا تقوم به الحجة عندك وهو دليل الخطاب[24].

– ونمثل للقضية الفرعية بمن استدل بآية لا يقول بمقتضاها، كما في استدلال الحنفي بقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ (المائدة: 106)، على جواز قبول شهادة أهل الذمة بينهم، فيعترض عليه بأن مقتضى الآية قبول شهادة أهل الذمة على المسلمين وأنت لا تقول به، فلا يصح احتجاجك بالآية[25].

ثانيا: الاعتراض بالقول بالموجب والمنازعة في المقتضى

 ومعنى القول بالموجب عند أهل الجدل الأصولي “تسليم ما اتخذه المستدل حكما لدليله على وجه لا يلزم منه تسليم الحكم المتنازع فيه”[26]، ويشمل هذا الاعتراض جميع أنواع أدلة الخطاب القرآني من نص وظاهر وعام ومجمل.

1.المنازعة في النص

 تكون بمنع نصوصيته إما بدعوى الإجمال أو الاحتمال وذلك على التفصيل التالي:

أ. منع النصوصية بدعوى الإجمال: كما في الاستدلال بقوله عز وجل: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ (محمد: 4) على أن الآية نص في جواز المن والفداء، فيعترض على هذا الاستدلال بأن الآية مجملة، ذلك أنها أباحت المن والفداء إلى غاية مجهولة وهي قوله تعالى: “حتى تضع الحرب أوزارها”، وهي غاية تحتمل الوجود وعدمه، فأوجب ذلك إجمال الآية فتسقط دعوى النصوصية[27].

 وعلى المستدل أن يدفع قادح الإجمال عن الآية حتى يصح استدلاله، وذلك ببيان معلومية الغاية في الآية بأدلة[28].

ب. منع النصوصية بدعوى الاحتمال: ونمثل لها بالاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ (النساء: 22) على تحريم المصاهرة بالزنى، على أن المراد بالنكاح الوطء، فيعترض عليه بحمل النكاح على العقد[29].

 ولا يسلم هذا الاستدلال ويصح إلا بنفي الاحتمال عن الآية، كأن يبين أن الخطاب الشرعي بلغة العرب والشرع لم يتصرف في الأسماء بالنقل، وعليه فالنكاح في عرف اللغة الوطء[30].

2.المنازعة في الظاهر

 وتنقسم هذه المنازعة عند أهل الجدل الأصولي إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ظاهر بالوضع: والمنازعة فيه من جهتين: الحمل على العرف والحمل على غير المعنى الذي حمل عليه المستدل في اللغة.

أ. الحمل على العرف

 وهو نوعان:

  • عرف الشرع: ونمثل له بالاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ (المائدة: 4) على عدم شرطية التسمية في الذبيحة، فالذي لم يسم عليه قد ذكي، فيجب أن يباح أكله، ويعترض عليه بأن تارك التسمية عمدا غير مذك لأن التذكية إذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها الذكاة الشرعية، ومتى تعمد الذابح ترك التسمية لم توجد منه الذكاة الشرعية[31].

 ولا يسلم هذا الاستدلال إلا بنفي ذلك الاعتراض، وذلك بنفي وجود عرف للشارع في لفظة الذكاة أو بيان عدم اقتضاء الذكاة في الشريعة للتسمية واقتضائها للتطييب[32].

  • عرف اللغة: كما في الاستدلال بقوله عز وجل: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ (النساء: 43) و(المائدة: 7) على وجوب الوضوء على من خرج منه الدم، لأن الآية لم تفرق بين من خرج منه دم أو غيره[33].

 ويعترض عليه بأن لفظة الغائط وضعت في أصل اللغة على المطمئن من الأرض ثم استعملت لمن أتى من قضاء حاجته حتى صار ذلك عرفا فيها، واللفظة إذا كان لها عرف في اللغة حملت عليه ولم يتعد بها إلى غير موضوعها في كلام العرب إلا بدليل[34].

 وسلامة الاستدلال متوقف على أحد أمرين: منع عرف اللغة إن أمكن، أو بيان دليل التعدية إلى غير موضوعها[35].

 ب. الحمل على غير المعنى الذي حمل عليه المستدل في اللغة

ويتعلق الأمر هنا باللفظ الموضوع لمعنيين وهو ثلاثة أنواع:

  • اللفظ الموضوع لمعنيين وهو في أحدهما أظهر: وذلك كأن يستدل في جواز العفو عن القصاص مع بقاء الدية من غير رضى الجاني بقوله عز وجل: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ (البقرة: 177)، بمعنى أن المطالبة بالدية تجوز مع العفو عن القصاص فيعترض عليه بأن المراد بالعفو هنا البذل لأن العفو في اللغة قد يراد به البذل[36] كما في قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ (الأعراف: 199)، ولا يسلم الاستدلال إلا بالجواب بأحد أمرين:

– بيان أن العفو في الترك والصفح أظهر منه في البذل، واللفظ إذا احتمل معنيين وجب حمله على أظهرهما وأشهرهما، ولا يحمل على الآخر إلا بدليل.

– بيان ما يمنع من حمله على ما ذكره الخصم[37].

  • اللفظ الموضوع لمعنيين لا مزية لأحدهما على الآخر: كالاستدلال بقوله عز وجل: ﴿لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ (المائدة: 97) على وجوب الجزاء على من قتل الصيد في الحرم، فيعترض عليه بأن المراد بالحرم المحرمون بالحج والعمرة[38].

 وعلى المستدل أن يجيب أن اللفظ يحتمل المعنيين معا ويحمل عليهما إذ لا تنافي بينهما، أو يبين أن المراد به ما ادعاه[39].

  • اللفظ متنازع الوضع: كما في الاستدلال بقوله عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ (البقرة: 188) على أن الإحرام بالحج يصح في غير أشهر الحج، إذ جعلت كلها مواقيت للحج فصح أن يحرم في جميعها للحج[40].

 ووجه الاعتراض هنا أن مقتضى الآية أن يكون بعض الأهلة مواقيت للناس وبعضها مواقيت للحج، أما جعل جميع الأهلة مواقيت للناس وجميعها مواقيت للحج فمخالفة لظاهر الآية[41]، وعلى المستدل أن يثبت ما ادعاه وينفي إرادة التبعيض.

القسم الثاني: ظاهر بالعرف: وهو نوعان:

   أ. ظاهر بعرف الشرع

 والمنازعة فيه بمناكرة العرف وحمله على مقتضاه في اللغة، كما في الاستدلال بقوله عز وجل: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ (النساء: 25) على أن الحر الموسر لا يجوز أن يتزوج الأمة لأن إباحة نكاح الأمة في الآية مشروطة بعدم وجود الطول[42]، ويعترض على هذا الاستدلال بحمل لفظة النكاح على الوطء، وعلى المستدل بيان أن المراد بالنكاح في عرف الشرع العقد[43].

 ب. ظاهر بعرف اللغة

 والمنازعة في مقتضاه تكون بأمرين: مناكرة العرف ودعوى النسخ.

القسم الثالث: ظاهر بالدلالة

وينقسم إلى قسمين:

أ. ما لا يتم الدليل منه إلا بتقدير محذوف مضمر

 ونمثل له بالاستدلال بقوله تعالى: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ (المائدة: 97) على أن الحاكم في جزاء قتل الصيد لا يكون المحكوم عليه، ووجه الدلالة أن الحاكم يقتضي محكوما عليه، فكأنه قال تعالى: “يحكم به ذوا عدل منكم عليكم” وهذا يستوجب أن يكون الحاكمان غير المحكوم عليه لأن الإنسان لا يحكم على نفسه[44].

 ووجه القدح هنا إضمار غير ما أضمره المستدل لمعارضته، أو يجري الآية على ظاهرها من غير إضمار، ولا يصح الاستدلال إلا إذا بين المستدل أن المراد بالآية ما ذكره[45].

ب. ما لا يتم الاستدلال معه إلا بإقامة لفظ مكان لفظ

 ويمثل له بالاستدلال بقوله عز وجل: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 82) على أن المحدث لا يمس المصحف، ووجه الاستدلال أن لفظ الآية لفظ الخبر، ولا يصح أن يراد به الخبر لأن مخبره يكون بخلاف خبره، وخبر الباري لا يكون بخلاف مخبره، فثبت أن لفظ الآية لفظ الخبر ومعناه النهي عن أن يمسه إلا طاهر[46].

 ووجه المنازعة في ذلك أن يحمل اللفظ على ظاهره مع تأويل الآية على أن المراد الإخبار عن اللوح المحفوظ الذي لا يمسه إلا طاهر وهم الملائكة، وعلى المستدل، كي يسلم دليله، أن يدفع قادح الخصم بما يبين أن المراد ما ذكره[47].

3.المنازعة في العموم

 ومعناه أن يستدل المستدل بلفظ يدعي انه يتناول موضع الخلاف لعمومه، فيمنع السائل أن يكون عاما في موضع الخلاف، وذلك من وجهين:

أ. دعوى الإجمال: كمن استدل بقوله عز وجل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ (البقرة: 182) على جواز صوم رمضان بنية في أوله لعموم اللفظ في كل ما سمي صياما، فمتى أتى المكلف بما يقع عليه الاسم فقد أتى بالمطلوب وبرئت ذمته منه إلا ما خصه الدليل.

 ووجه الاعتراض هنا ادعاء الإجمال في الصيام لأنه لا يعلم المراد به من ظاهره بل يفتقر في معرفته إلى بيان خارجي فصار إجمالا[48]، وعلى المستدل أن يدفع دعوى الإجمال.

ب. التسليم بالعموم والمنازعة في موضع الخلاف: كمن استدل على جواز التيمم بالحصى بقوله عز وجل: “فتيمموا صعيدا طيبا”، والحصى من الصعيد فوجب حمل ذلك على عمومه، فيعترض عليه بعدم شمول اسم الصعيد للحصى إذ الصعيد اسم للتراب خاصة، وعلى المستدل أن يبين شمولية الصعيد للحصى[49].

4.المنازعة في المجمل

 والمنازعة فيه أن يستدل أحدهم بالآية ويدعي فيها الإجمال لحاجته إلى ذلك[50]، كما إذا استدل بقوله تعالى: “وأقيموا الصلاة” ويدعي أنها مجملة وأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذا المجمل بفعله[51]، والمنازعة فيه من وجهين:

أ. منع الإجمال في الآية وإثبات العموم لأن الصلاة في كلام العرب هو الدعاء، وإنما أضيف إليه شروط، وذلك لا يخرجه عن موضوعه، وعلى المستدل أن يقرر ما ادعاه من الإجمال في الآية[52].

ب. منع كون الخبر بيانا للآية وإنما يجوز أن يكون بيانا ويجوز أن يكون فعلا مبتدأ على وجه الاستحباب، وإذا احتمل الأمرين بطل دعوى البيان[53].

ثالثا: الاعتراض بدعوى المشاركة

 وهو أن يجعل المعترض ما استدل به المستدل دليلا له في المسألة، وهو نوعان:

1.الاشتراك في الدليل من جهة الظاهر

 وهو على ضربين:

 أ. أن يكون لفظا مشتركا بين معنيين يحمله كل واحد على معنى: كما في الاستدلال على جواز عفو الولي عن الصداق قبل الدخول وبعد الطلاق بقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ (البقرة: 235)، والذي بيده عقدة النكاح هنا عند المستدل هو الولي، وعليه يجوز عفوه عن الصداق بحق الظاهر[54]، ويعترض عليه بمشاركته في الاستدلال بالآية نفسها مع حمل “الذي بيده عقدة النكاح” على الزوج لأنه أملك للعقد وأحق به من الولي، وعلى المستدل أن يبين رجحان قوله في المسألة[55].

 ب. أن يكون محل الدليل لفظين يتعلق كل واحد من المتجادلين بلفظ غير ما يتعلق به الآخر:

 كأن يستدل أحدهم على اشتراط الولي في النكاح بقوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ (البقرة: 232)، ووجه الاستدلال هنا أن لو لم يكن تزويجها إليه لما صح العضل، فيعترض عليه المخالف بأن هذا حجة له لأنه قال: “أن ينكحن” فأضاف النكاح إليهن فدل على أن لهن أن يعقدن[56].

2.الاشتراك في الدليل من جهة العموم

 ويمثل له بمن استدل على اعتبار الطلاق بالرجال بقوله عز وجل: “الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” إلى قوله سبحانه: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ (البقرة: 230)، ووجه الاستدلال أن الله جعل لكل زوج هنا أن يطلق زوجه ثلاثا حرة كانت أو أمة حملا للآية على هذا العموم[57].

 ويعترض عليه بأن الآية حجة لنا، ذلك أنها جعلت لكل زوج أن يطلق زوجته ثلاثا حرا كان الزوج أو عبدا، وهذا يقتضي أن العبد إذا كانت تحته حرة أنه يملك ثلاث تطليقات، فتعلق كل واحد بعموم الآية كل من زاويته، وعلى المستدل أن يبين عدم دخول العبد في الآية حتى يسلم دليله ويسقط الاعتراض[58].

رابعا: الاعتراض باختلاف القراءات

ويكون من وجهين:

  1. الاعتراض بقراءة أخرى لا تنافي الأولى: كاستدلال أحدهم على وجوب الوضوء من لمس النساء بقوله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ (النساء: 43) و(المائدة: 6)، فيعترض عليه المخالف بأن المراد بالآية الجماع والدليل أنها قرئت (أو لامستم النساء)، وهذا لا يستعمل إلا في الجماع لأنه من صيغة المفاعلة بخلاف اللمس باليد فإنه من فاعل واحد[59]، وللمستدل أن يرد اعتراض الخصم ببيان أن الملامسة قد تستعمل في اللمس، أو بالجمع بين القراءتين[60] وذلك بإيجاب الوضوء من اللمس باليد على قراءة (أو لمستم) والطهارة بالجماع على قراءة (أو لامستم)، والجمع بينهما أولى من إسقاط أحدهما[61].
  2. المعارضة بقراءة منافية لقراءة المستدل ليوقف الاستدلال: كما في الاستدلال على تحريم وطء الحائض قبل اغتسالها بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ (البقرة: 220) (بالتشديد)، وأصله يتطهرن والتطهر هو الاغتسال، والقادح الذي يرد عليه هنا هو المعارضة بقراءة

“حتى يطهرن” (بالتخفيف)، ذلك أن إباحة الوطء معلقة على غاية وهي انقطاع الدم فدل على جواز الوطء بعد الغاية[62].

 ولا يسلم الاستدلال إلا بالجمع بين القراءتين عملا بقاعدة حكم القراءتين حكم الآيتين، خصوصا وأن قراءة المعارض تتضمن شرطين لإباحة الوطء: انقطاع الدم والتطهر بالماء “حتى يطهرن فإذا تطهرن”، ذكر الطهر من الحيض ثم استأنف بعد الغاية لاشتراط الاغتسال[63].

خامسا: الاعتراض بدعوى النسخ

وفيه أوجه:

  1. أن ينقل النسخ صريحا كما في الاستدلال على إيجاب الفدية على المرضع والحامل بقوله عز وجل: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ (البقرة: 183)، فيعترض عليه بأن الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (البقرة: 185) كما روي عن سلمة بن الأكوع، وعلى المستدل أن يبين أن النسخ إنما حصل في حق غير الحامل والمرضع[64].
  2. ادعاء النسخ بآية متأخرة: كأن يستدل على جواز المن الفداء بقوله تعالى: “فإما منا بعد وإما فداء”[65]، وهو نص في إباحة المن والفداء، فيعترض عليه بالنسخ بالآية المتأخرة “فاقتلوا المشركين” (التوبة: 5)، وللمستدل أن يدفع دعوى النسخ بالجمع بين الآيتين، وإذا أمكن الجمع لم يجز دعوى النسخ[66].
  3. دعوى النسخ بأنه شرع من قبلنا: كما في الاستدلال على وجوب قضاء الفوائت في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها بالآية ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ (طه: 13)، فيعترض عليه بان هذا ليس بشرع لنا لأنه خوطب به موسى عليه السلام، وقد نسخت شريعته[67]، وللمستدل أن يسقط دعوى النسخ ببيان أن الخطاب متوجه إلى جميع العباد، أو أن يدفع بأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه[68].

سادسا: الاعتراض من جهة التأويل

 وهو نوعان:

  1. تأويل الظاهر: وهو حمل اللفظ على غير ظاهره بدليل[69]، كما في الاستدلال على وجوب السكنى للمطلقة البائن بالآية ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ (الطلاق: 6) فيعترض المخالف بحمل الأمر في الآية على الندب بدليل، فيضطر المستدل للكلام على اعتراض الخصم بما يسقطه ليسلم له دليله[70].
  2. تخصيص العموم: وهو لا يحتاج إلى أكثر من ذكر الدليل على تخصيص ما يدعيه المخصص، كما في الاستدلال على جواز اللعان بين أهل الذمة بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ (النور: 6) تمسكا بعموم الآية التي لم تخص مسلما من كافر، فيعترض المخالف بالتخصيص بالقياس لأن الذمي ليس من أهل الشهادات فلم يكن من أهل اللعان قياسا على المجنون[71].

 وللمستدل هنا أن يجيب على اعتراض الخصم بما يبطله كان ينقضه بالأعمى الجنين والفاسق، فهما ليسا من أهل الشهادة ولكنهما من أهل اللعان[72].

سابعا: الاعتراض بالمعارضة

 يعد قادح المعارضة آخر محطة جدلية أصولية من محطات تحرير عملية الاستدلال وضبطها من أجل ضمان سبيل المعرفة الصحيحة.

 ومفهوم المعارضة عند أهل الجدل هو “مقابلة الخصم للمستدل بمثل دليله أو بما هو أقوى منه”[73]، بمعنى أن قادح المعارضة لم يعد يستهدف تفكيك بنية استدلال الخصم، وإنما يبحث عن الدليل الأولى بالاعتماد في إنتاج المعرفة، لأن مجرد اللجوء إلى المعارضة يتضمن بداية تسليم صحة استدلال الخصم.

 والمعارضة في الاستدلال القرآني نوعان[74]:

1.معارضة بنص قرآني

 وهنا لابد من التمييز بين ثلاث حالات:

أ. حالة كون هذا الدليل المعارض أخص من نظيره

 ومثاله معارضة من استدل على صحة البيع والإمام يخطب يوم الجمعة بقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (البقرة: 274ٍ) بقوله تعالى: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ (الجمعة: 9)، ووجه الاستدلال أن النهي يقتضي الفساد والآية نص في موضع الخلاف، وفي الأخذ بها جمع بين الآيتين وإعمال لهما وهو أولي[75].

ب. حالة كون الدليل المعارض أعم من نظيره

 وذلك كما في معارضة من استدل بقول الله تعالى: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ[76] على تحريم وطء الحائض قبل الغسل بقوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ (البقرة: 221)، فيجيب المستدل بان دليله قاض على دليل المعترض لأنه يتناول موضع الخلاف على وجه خاص بينما يتناوله دليل المعترض على وجه محتمل، فتحمل آية المعترض على غير الحائض[77].

ج. حالة كون الدليل المعارض مثل نظيره

 ويمكن تفريعها إلى الفروع التالية:

– أن يكون الدليلان المتعارضان عامين، أو خاصين، أو أن كل واحد منهما عام من وجه وخاص من وجه آخر[78].

– ففي حالة كون دلالة كلا الآيتين عامة تصح المعارضة مبدئيا، كما في معارضة الاستدلال بقوله تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا[79] في جواز المن والفداء، بقوله سبحانه: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ﴾ (الأنفال: 68) في المنع[80].

 ودفع التعارض هنا يتم عبر المسالك التالية[81]:

  • مسلك الجمع: وهو المسلك الأصولي الأمثل في درء التعارض عموما بين الأدلة الشرعية انسجاما مع قاعدة: إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما والجمع بين الآيتين السابقتين يكون بحمل كل منهما على مقتضى المصلحة في حكم المن والفداء.
  • مسلك النسخ: وذلك عند معرفة المتقدم من المتأخر من الدليلين كما في المثال السابق فقد رأى الباجي أن الآية الثانية نزلت في بدر قبل الآية الأولى، لذلك تكون المتأخرة ناسخة للمتقدمة[82].
  • مسلك الترجيح: من خلاله يحاول المستدل أن يرجح دليله بوجه من وجوه الترجيح إن وجد إلى ذلك سبيلا.

 وفي حالة كون الدليلين المتعارضين خاصين: تقوى المعارضة ويتعذر الجمع بينهما ويبقى المخرج في هذه الحالة إما تطبيق قاعدة النسخ إن عرف التاريخ، أو قاعدة الترجيح كما سبق[83].

وفي حالة كون كل واحد من الدليلين عاما من وجه وخاصا من وجه: كما في معارضة من يستدل بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ (البقرة: 234) على وجوب العدة أربعة أشهر وعشرا على المتوفى عنها حاملا كانت أو غير حامل، بناء على عدم التفريق في الآية بينهما، بقوله تعالى: ﴿وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ (الطلاق: 4) إذ لم يفرق هنا بين المتوفى عنها والمطلقة، فالآية عامة من هذا الوجه وخاصة بالحامل، فيتعين الجمع بين الآيتين وذلك ببناء عموم الواحدة على خصوص الأخرى درءا للتعارض[84].

2.معارضة بقياس

 عندما يكون المعارض للآية هو القياس، وجب تدقيق النظر في الآية لتحديد نوع دلالتها من حيث النصوصية أو الظهور أو العموم:

  • ففي حالة كون الآية نصا لا يحتمل التأويل تكون المعارضة غير ذات موضوع لأن القياس لا يقوى على معارضة نص الكتاب اتفاقا[85].
  • وفي حالة كون دلالة الآية ظاهرا يحتمل التأويل تصح المعارضة مبدئيا، ويتعين على المستدل أن يبطل قياس المعارض ليسلم له دليله، كما في معارضة الاستدلال بالآية: “أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم”[86] على وجوب السكنى للمطلقة المبثوثة بقياس السكنى على النفقة بجامع عدم الوجوب في كل، مع حمل الأمر في الآية على الندب تأويلا[87].
  • وفي حالة كون دلالة الآية عامة تحتمل التخصيص، تصح المعارضة كذلك من الناحية المبدئية كما في الحالة السابقة، ويتعين لدرئها الكلام على القياس بما يسقطه[88].

 لائحة المصادر والمراجع

  • إجابة السائل شرح بغية الآمل لمحمد بن إسماعيل الصنعاني تحقيق حسين السياغي وحسن مقبولي الطبعة الأولى مؤسسة الرسالة بيروت 1986م.
  • إحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي تحقيق تركي دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى 1986م.
  • الإحكام في أصول الأحكام للآمدي تحقيق سيد الجميلي دار الكتاب العربي الطبعة الثانية 1987 م.
  • إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني تحقيق محمد سعيد البدري الطبعة الأولى لدار الفكر بيروت 1992م.
  • إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية مراجعة طه عبد الرؤوف سعد دار الجيل بيروت طبعة 1973م.
  • أساس البلاغة للزمخشري مكتبة لبنان ناشرون ط.1. 1996.
  • أصول البزدوي لعلي بن محمد البزدوي مطبوع بهامش كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري دار الكتاب العربي بيروت طبعة بالأوفست 1974م.
  • الإيضاح لقوانين الاصطلاح في الجدل والمناظرة لمحيي الدين بن الجوزي ت. محمود الدغيم ط.1. 1995. مكتبة مدبولي القاهرة.
  • البرهان في أصول الفقه للجويني الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية بيروت1997 م.
  • تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي محمد مرتضى الحسيني المطبعة الخيرية القاهرة 1306- 1307هـ.
  • الحدود في الأصول للباجي تحقيق نزيه حماد ط.1. 1973 مؤسسة الزعبي بيروت.
  • الرسالة للشافعي تحقيق أحمد محمد شاكر طبعة دار الفكر بدون تاريخ ولا رقم الطبعة.
  • ضوابط الجدل والمناظرة لمحمد رفيع مؤسسة الندوي وجدة ط 2. 2003.
  • مختار الصحاح للرازي طبعة المكتبة العصرية بيروت2001.
  • المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي تحقيق تركي ط.2. 1987، دار الغرب الإسلامي بيروت.
  • المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري تقديم خليل الميس دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1983 م.
  • المعونة في الجدل للشيرازي. ت. تركي ط 1. 1988. دار الغرب الإسلامي بيروت.
  • مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول للتلمساني ت. عبد الوهاب عبد اللطيف مكتبة الخانجي بمصر 1962.
  • الصحاح للجوهري تحقيق عبد الغفور عطار دار الكتاب العربي القاهرة 1956م.
  • القاموس المحيط للفيروز آبادي طبعة دار الكتب العلمية الأولى بيروت 1995 م.

الهوامش

  1. تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي مادة (د ل ل).
  2. المصدر السابق، ومختار الصحاح للرازي ص106، طبعة المكتبة العصرية، بيروت: 2001.
  3. ينظر القاموس المحيط للفيروز آبادي 3/516 طبعة دار الكتب العلمية الأولى بيروت: 1995 م.
  4. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: 4/125 تحقيق سيد الجميلي دار الكتاب العربي الطبعة الثانية: 1987 م، وينظر المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسن البصري: 2/342، وإجابة السائل شرح بغية الآمل: 1/214.
  5. المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري: 2/342.
  6. ينظر في موضوع أنواع الاستدلال الخاص إجابة السائل: 1/215 وإحكام الآمدي: 4/125فما بعدها وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني: 1/395 وإعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم: 1/131 وغيرها.
  7. البرهان في أصول الفقه للجو يني: 2/721 الطبعة الأولى لدار الكتب العلمية بيروت: 1997 م.
  8. كالاستدلال بأ قوال السنة وأفعالها وبالإجماع وبالقياس.
  9. الصحاح للجوهري مادة (ع ر ض).
  10. أساس البلاغة للزمخشري مادة (ع ر ض) مكتبة لبنان ناشرون: ط.1. 1996.
  11. ينظر الصحاح وتاج العروس مادة (ع ر ض).
  12. أساس البلاغة مادة (ع ر ض).
  13. الصحاح مادة (ع ر ض).
  14. وفي هذا المعنى استعمل الشيرازي الاعتراض في كتاب المعونة . ت. تركي ط 1. 1988 . دار الغرب الإسلامي بيروت ، والتلمساني في مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ت. عبد الوهاب عبد اللطيف مكتبة الخانجي بمصر 1962 ص137 وما بعدها والباجي في المنهاج في ترتيب الحجاج تحقيق تركي ط.2 .1987، دار الغرب الإسلامي بيروت.
  15. المنهاج ص:41.
  16. ينظر ضوابط الجدل والمناظرة ص39 للباحث مؤسسة الندوي وجدة ط 2. 2003 .
  17. الإيضاح لقوانين الاصطلاح في الجدل والمناظرة لمحيي الدين بن الجوزي ص101 ت. محمود الدغيم ط.1. 1995. مكتبة مدبولي القاهرة.
  18. الرسالة للشافعي ص20 تحقيق أحمد محمد شاكر طبعة دار الفكر بدون تاريخ ولا رقم الطبعة.
  19. المعتمد في أصول الفقه: 2/342.
  20. ينظر أصول البزدوي: 1/6.
  21. يمكن الرجوع في هذا المجال على سبيل المثال إلى: المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص42 فما بعدها والمعونة في الجدل للشيرازي  ص144فما بعدها. والإيضاح لقوانين الاصطلاح في الجدل والمناظرة  ص201 فما بعدها.
  22. تنظر تفاصيل ضوابط الاستدلال في كتابنا: ضوابط الجدل والمناظرة ص23 وما بعدها.
  23. المنهاج ص42.
  24. ينظر المعونة ص145.
  25. ينظر المنهاج ص43 والمعونة  ص146.
  26. إحكام الآمدي: 4/117، وينظر كذلك الإيضاح لقوانين الاصطلاح ص335.
  27. ينظر المنهاج ص45.
  28. تنظر بعض طرق رفع الإجمال عن تلك الآية في المنهاج ص45، والمعونة  ص147.
  29. ينظر المعونة ص147.
  30. ينظر المعونة ص147 ومثال آخر في المنهاج  ص46.
  31. ينظر المنهاج ص47.
  32. ينظر المصدر السابق.
  33. ينظر المنهاج ص47.
  34. ينظر المصدر السابق ص47-48.
  35. ينظر المصدر السابق ص48.
  36. ينظر المنهاج ص48 والمعونة  ص147.
  37. ينظر المنهاج ص48 والمعونة  ص148.
  38. ينظر المنهاج ص49.
  39. ينظر المصدر الساب .
  40. ينظر المنهاج ص49 – 50.
  41. ينظر المصدر السابق.
  42. ينظر المنهاج ص51.
  43. ينظر المصدر السابق.
  44. ينظر المنهاج ص52.
  45. ينظر المصدر السابق.
  46. ينظر المنهاج ص54.
  47. ينظر المصدر السابق.
  48. ينظر المنهاج ص55.
  49. ينظر المنهاج ص56.
  50. ينظر المعونة ص148– 149.
  51. ينظر المنهاج ص57.
  52. ينظر المصدر السابق.
  53. ينظر المصدر السابق ص57– 58.
  54. ينظر المنهاج ص58– 59.
  55. ينظر المصدر السابق ص59.
  56. ينظر المعونة ص150.
  57. ينظر المنهاج ص60.
  58. ينظر المصدر السابق.
  59. ينظر المنهاج ص62- 63. والمعونة  ص150.
  60. قال الشيرازي: ” القراءتان كالآيتين” المعونة ص150.
  61. ينظر المصدرين السابقين.
  62. ينظر المنهاج ص63.
  63. تنظر تفاصيل ذلك في المصدر السابق.
  64. ينظر المنهاج ص65 والمعونة  ص151.
  65. سبق تخريج الآية.
  66. ينظر المنهاج ص65 والمعونة  ص151.
  67. ينظر المنهاج ص66.
  68. ينظر المصدر السابق.
  69. قال الباجي في تعريف التأويل: ” صرف الكلام عن ظاهره إلى وجه يحتمله” المنهاج ص12.
  70. ينظر المنهاج ص67– 68 والمعونة  ص153.
  71. ينظر المنهاج ص69 والمعونة  ص153.
  72. ينظر المصدرين السابقين.
  73. إحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي ص174 تحقيق تركي دار الغرب الإسلامي: ط. 1. 1986 م. والحدود في الأصول للباجي  ص79 تحقيق نزيه حماد ط. 1. 1973 مؤسسة الزعبي بيروت، وينظر كذلك المنهاج  ص14 و41 و151.
  74. ينظر المنهاج ص70 فما بعدها والمعونة  ص153– 154. وضوابط الجدل والمناظرة  ص49 فما بعدها.
  75. ينظر المنهاج ص70–71.
  76. سبق تخريجها.
  77. ينظر المنهاج ص71.
  78. ينظر ضوابط الجدل ص51.
  79. سبق تخريج الآية.
  80. ينظر المنهاج ص71– 72.
  81. تنظر تفاصيل هذه المسالك في ضوابط الجدل ص52.
  82. ينظر المنهاج ص72.
  83. ضوابط الجدل ص52– 53.
  84. ينظر ضوابط الجدل ص53.
  85. ينظر المنهاج ص73.
  86. سبق تخريجها.
  87. ينظر المنهاج ص73– 74.
  88. ينظر المصدر السابق ص74.
Science
الوسوم

د. محماد رفيع

أستاذ أصول الفقه والمقاصد

بكلية الآداب والعلوم الإنسانية

ظهر المهراز فاس–المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق