مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

آداب مجالس العلم

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد؛

فإن طلب العلم يتحصل إما بالمجالسة أو قراءة الكتب، ولا ريب أن مجالس العلم هي أنجع السبيلين للتلقي. فالمتعلم يكون في حضرة المعلم ليستفسر ما غمض عنه، ويتعلم ما جهله، وقد حرص العلماء قديما وحديثا، سواء في مجالسهم أو في كتبهم على الاهتمام بآداب وأخلاق مجلس العلم، فهو المكان الذي يبدأ به المتعلمون تلقي العلم من أفواه المعلمين، فكان لابد من التأدب بآدابه وأخلاقه، ومنها:

أولا: السلام

استهلال دخول المجلس بالسلام، وإذا انتهي فليختم بالسلام كذلك، لما خرجه البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس، فقال: السلام عليكم، فقال: «عشر حسنات» ، فمر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال: «عشرون حسنة»، فمر رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: «ثلاثون حسنة»، فقام رجل من المجلس ولم يسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أوشك ما نسي صاحبكم، إذا جاء أحدكم المجلس فليسلم؛ فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإذا قام فليسلم، ما الأولى بأحق من الآخرة»[1]‏.

ثانيا: البكور

التبكير إلى المجلس، فقد بارك النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة في بكورها، فقد خرج الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» الحديث[2]‏. في بكورها أي: في طلب العلم والصف الأول، لما أورده الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع من حديث: “نافع قال: سألت ابن عمر عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» فقال: في طلب العلم والصف الأول”[3]‏.

ثالثا: الأدب

التزام الأدب، والسكينة، والوقار في المجلس، ولا يكثر فيه اللغط، والحركة، واللعب، والتناجي؛ فإن ذلك يشتت التركيز على الدرس، ويشوش على الآخرين، لما خرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه ، قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير، لا يتكلم منا متكلم، إذ جاءه ناس من الأعراب، فقالوا: يا رسول الله أفتنا في كذا، أفتنا في كذا، فقال: «يا أيها الناس من الأعراب وضع الله الحرج إلا من اقترض لأخيه عرضا فذلك الذي حرج وهلك» قالوا: أ فنتداوى يا رسول الله؟ قال: «نعم إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء غير داء واحد» قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: «الهرم» قالوا: فمن أحب عباد الله إلى الله؟ قال: «أحسنهم خلقا»[4]‏.

رابعا: التفسح

الحرص على فسح المجلس، وعدم التضييق على الآخرين، والجلوس مكان الغير، لما خرجه الطبراني في المعجم الكبير من حديث مصعب بن شيبة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس، فإن وُسع له فليجلس، وإلا فلينظر إلى أوسع مكان يرى فليجلس»[5]‏، ولما خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقيم الرجل الرجل من مقعده، ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا»[6]، وقال‏ محمد بن الحسن الشيباني راوي الموطأ عقب حديث: «لا يقيم أحدكم الرجل من مجلسه فيجلس فيه»: “وبهذا نأخذ. لا ينبغي للرجل المسلم أن يصنع هذا بأخيه ويقيمه من مجلسه ثم يجلس فيه”[7].

خامسا: الكتابة

تقييد العلم بالكتابة، ذلك أنها تحفظ المعلومة ولو وقع النسيان، وهذا دأب العلماء فقد كانوا يقيدون العلم بالكتابة، لما خرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو، قال: قالت لي قريش: تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو بشر يغضب كما يغضب البشر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن قريشا، تقول: تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو بشر يغضب كما يغضب البشر، قال: فأومأ إلى شفتيه، فقال: «والذي نفسي بيده ما يخرج مما بينهما إلا حق فاكتب»[8]‏، ولهذا الحديث شاهد خرجه الترمذي في سننه وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ليس أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب”[9]‏.

هذه بعض الآداب والأخلاق مع شواهد حديثية، وهي مما ينبغي على المتعلم والمعلم أن يتحليا بها على حد سواء؛ ذلك أنه إذا كانت الظروف مواتية وكان المجلس تتوفر فيه الآداب السابقة الذكر أعلاه؛ فإن المتعلم سيغنم بأفضل تحصيل، وتزداد معارفه، وكذا المعلم ستعلو همته لإلقاء ما علمه الله تعالى، ويبتغي الأجر والثواب منه سبحانه وتعالى.   

******************

هوامش المقال:

[1]– الأدب المفرد (ص: 342).

[2]– الجامع الكبير (3 /509): أبواب البيوع، باب ما جاء في التبكير بالتجارة، رقم الحديث: 1212.

[3]– الجامع لأخلاق الراوي والسامع (1 /150).

[4]– المستدرك على الصحيحين (4 /441).

[5]– المعجم الكبير (7 /360).

[6]– صحيح البخاري (8 /61): كتاب الاستئذان، باب لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه، رقم الحديث: 6269، صحيح مسلم (4 /1714): كتاب السلام، باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه، رقم الحديث: 2177.

[7]– الموطأ رواية محمد بن الحسن الشيباني (ص: 285).

[8]– المستدرك على الصحيحين (1 /186).

[9]– الجامع الكبير (5 /40): أبواب العلم، باب ما جاء في الرخصة فيه، رقم الحديث: 2668.

****************

جريدة المراجع

الأدب المفرد لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، بيروت-لبنان، الطبعة الثالثة: 1409/ 1989.

الجامع الكبير (السنن) لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الأولى: 1382 /1962، الطبعة الثانية: 1388-1395-1397-1398 /1968-1975-1977-1987، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه (الصحيح) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، اعتناء: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1422، مصورة عن المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1313.

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق: محمود الطحان مكتبة المعارف، الرياض-السعودية، 1403 /1983.

المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى: 1411/ 1990.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصحيح) لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1412 /1991 مصورة عن دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.

المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد، مكتبة ابن تيمية، القاهرة- مصر، الطبعة الثانية: 1404/ 1983.

الموطأ لأبي عبد الله مالك بن أنس ابن مالك بن عامر الأصبحي المدني (رواية محمد بن الحسن الشيباني)، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، منشورات وزارة الأوقاف، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بلجنة إحياء التراث، القاهرة- مصر، الطبعة الرابعة: 1414 /1994.

*راجع المقال: الباحث محمد إليولو

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق