مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

فَزَاحِمْ بِالذَّكَاءِ لِتَفْضُلاَ!!!

فَزَاحِمْ بِالذَّكَاءِ لِتَفْضُلاَ!!!(*)
كتبه: أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي
الباحث بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية
كان لسلفنا الصالح همة عليّة وعزيمةٌ قويّة، وكانوا ذوي حرصٍ على العلم واكتسابه، ورغبةٍ شديدةٍ في تحصيله وتطلابه، ومن الطريف أن بعضاً منهم جرتْ له حادثةٌ هَزَّتهُ، فكانت سببَ تَشميره، حتى أصبح من الجهابذة الذين يشار إليهم بالبنان، ومن فُحول العلماءِ الذين لا يُقعقعُ لهم بالشِّنان، وحسبنا من ذلك حادثتانِ وقعتا لعلمين من أعلام الأمّة، من ذوي الفضل والصلاح والهمة، فلعلهما تشحذان همم طُلاب العلوم والمعالي، وتستنهضانهم لمكابدة الأهوال والليالي، وهما:
الأولى: وقعت لإمام النحو سيبويه – رحمه الله تعالى -؛ فقد كان في أوَّلِ أَمْرهِ يصحبُ الفقهاء وأهل الحديث، وكان يستملي على حماد بن سلمة، فاستملى يومًا قوله – صلى الله عليه وسلم -:«ليسَ من أصْحَابِي إلَّا مَنْ لَوْ شئتُ لأَخَذْتُ عَليهِ، لَيسَ أبا الدرداء»، فقال سيبويه:”أبُو الدرداء”، وظنَّه اسمَ ليسَ، فقال حماد:«لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، وإنما “ليس” هاهنا استثناء». فقال:«سأطلُبُ علمًا لا تُلَحِّنني فيهِ»، فلزم الخليل فبرع”(1).

 

فَزَاحِمْ بِالذَّكَاءِ لِتَفْضُلاَ!!!(*)

كان لسلفنا الصالح همة عليّة وعزيمةٌ قويّة، وكانوا ذوي حرصٍ على العلم واكتسابه، ورغبةٍ شديدةٍ في تحصيله وتطلابه، ومن الطريف أن بعضاً منهم جرتْ له حادثةٌ هَزَّتهُ، فكانت سببَ تَشميره، حتى أصبح من الجهابذة الذين يشار إليهم بالبنان، ومن فُحول العلماءِ الذين لا يُقعقعُ لهم بالشِّنان، وحسبنا من ذلك حادثتانِ وقعتا لعلمين من أعلام الأمّة، من ذوي الفضل والصلاح والهمة، فلعلهما تشحذان همم طُلاب العلوم والمعالي، وتستنهضانهم لمكابدة الأهوال والليالي، وهما:

الأولى: وقعت لإمام النحو سيبويه – رحمه الله تعالى -؛ فقد كان في أوَّلِ أَمْرهِ يصحبُ الفقهاء وأهل الحديث، وكان يستملي على حماد بن سلمة، فاستملى يومًا قوله – صلى الله عليه وسلم -:«ليسَ من أصْحَابِي إلَّا مَنْ لَوْ شئتُ لأَخَذْتُ عَليهِ، لَيسَ أبا الدرداء»، فقال سيبويه:”أبُو الدرداء”، وظنَّه اسمَ ليسَ، فقال حماد:«لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، وإنما “ليس” هاهنا استثناء». فقال:«سأطلُبُ علمًا لا تُلَحِّنني فيهِ»، فلزم الخليل فبرع”(1).

الثانية: وقعت لأبي محمد بن حزم الظاهريّ – رحمه الله تعالى -؛ فقد ذكر أنّ سبب تعلّمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر والحفْلُ فيه، فجلس ولم يركع، فقال له أستاذه- يعني الذي ربَّاهُ – بإشارةٍ:«أَنْ قُمْ فَصلِّ تحيّةَ المسجدِ» فلم يفهمْ، فقال له بعض المجاورين له:«أبَلغت هذه السنّ ولا تعلم أن تحية المسجدِ واجبةٌ؟!» وكان قد بلغ حينئذ ستةً وعشرين عاما، قال: فقمتُ ورَكعتُ وفهمتُ إذن إشارة الأستاذ إليّ بذَلك. قال: فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركةً للأحياء من أقرباء الميت دخلتُ المسجدَ فبادرتُ بالرُّكوع، فقيلَ لي:«اجلسْ، اجلسْ، ليس هذا وقتَ صلاةٍ»، فانصرفت عن الميت وقد خَزِيتُ وَلحقَني ما هانتْ عليّ به نَفسي، وقلت للأستاذ:«دُلَّني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله ابن دحون»، فدلّني فقصدتُه من ذلك المشهدِ وأعلمتُه بما جرى فيه، وسألته الابتداء بقراءة العلم واسترشدتُه فدلّني عَلى «كتابِ الموطّإ» لمالك بن أنس – رضي الله عنه -، فبدأتُ به عليه قراءةً من اليوم التالي لذلك اليومِ، ثم تتابعتُ قراءتي عليهِ وعلى غيره نحو ثلاثة أعوامٍ وبدأتُ بِالمناظرة(2).

فانظر إلى هذين العلمين الراسخين، والطودين الشامخين؛ فلم يُداخلْهما القنوط والملل، ولم يخلدا إلى الدعة والكسل، بل أدلجا لطلبِ العلم وتشمّرا، وشدَّا حيازيمهما للمعالي وأدمنا السُرى، حتى صارَا من أفذاذ الفضلاء، ومن أعلامِ النُّبلاء، لا يبلى ما تحليا به من المآثر، ولا يزول ما لهما من المناقب والمآثر؛ فأخرج سيبويه – رحمه الله تعالى – للناس كتابَه الذي كان عمدةً لمن بعده، ويقول فيه السيرافي – رحمه الله تعالى -:”وكانَ «كتابُ سيبويه» لشُهرتهِ وفضلهِ عَلَماً عند النحويين، فكانَ يُقالُ بالبصرة: قرأ فلانٌ الكتابَ، فَيُعْلَم أنّه كتابُ سيبويه، وَقرأتُ نصفَ الكتابِ، ولا يُشَكُّ أنهُ في كتابِ سيبويه. وكانَ محمد بن يزيد المبرّدُ إذَا أرادَ مريدٌ أن يَقرأَ عليهِ كتابَ سيبويهِ يقولُ لهُ:«هل ركبت البحرَ؟!» تعظيماً لهُ واستصعاباً لما فيه. وكان المازنيُّ يقولُ:«مَنْ أرادَ أن يعمل كبيراً في النحو بعد كتاب سيبويه فَلْيَسْتَحي»(3)”.

وأمَّا أبو محمد ابن حزم – رحمه الله تعالى – فقد أخرج للناس كتباً من أجلّها قدرًا وأبقاها ذكراً كتابهُ «المحلَّى» الذي يقول فيه الشيخ عزُّ الدين بن عبد السلام:«ما رأيتُ في كتب الإسلام في العلم مثل «المحلَّى» لابن حزم، وكتاب «المغني» للشيخ مُوَفّق الدين»، قال الإمام الذهبي معلِّقاً على كلامه:« لقد صدق الشيخُ عزُّ الدين . وثالثهمَا «السنن الكبير» للبيهقي، ورابعها «التمهيد» لابن عبد البرِّ؛ فمن حصَّل هذه الدواوينَ – وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها – فَهُوَ العالم حقًّا»(4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 الهوامش

(*) هذا العنوانُ من «حرز الأماني» لأبي محمد الشاطبي – رحمه الله تعالى –، ومن قوله:

وَمَا كانَ ذَا ضِدٍّ فَإِنِّي بِضِدِّهِ /// غَنِيٌّ، فَزَاحِمْ بِالذَّكاءِ لِتَفْضُلَا

قال شارحه:”فزَاحم العلماء بثاقب فِكْرك وحصافة ذهنك لتُعَدَّ معَ الفضلاء”[الوافي (ص:27)]

(1)  أخبار النحويين البصريين (ص: 35)، طبقات النحويين واللغويين (66)، البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة (ص:222). وفي الحديث المذكور بحثٌ!

(2) معجم الأدباء (4/1652-1653)، سير أعلام النبلاء (18/199). والقول بوجوب تحية المسجد مذهب داود الظاهري وأصحابه.

(3)  أخبار النحويين البصريين للسيرافي (ص: 40)

(4) سير أعلام النبلاء (18/193).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق