مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةتراث

أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

مخطوطة: (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار)

تأليف: الإمام أبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد الأزرقي (250هـ)

رواية:  أبي محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع الخزاعي (308هـ)

نسخة جامعة ليدن بهولندا:

توصيف وتعريف.                                                     

تمهيد:

يعد كتاب (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) للمؤرخ أبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد الأزرقي (250هـ) من المصنفات البواكر في تاريخ البلد الحرام، استقى كثيرًا من معلوماته الواردة في كتابه عن عبد الله بن عباس وتلاميذه، حيث كان لديهم معلومات وفيرة عن مكة، وكان الأزرقي معتنيا بمعرفة الأخبار التاريخية وروايتها، كما أن اسمه يظهر كمصدر للمعلومات عن تاريخ مكة القديم، وكذلك فيما يتعلق بتاريخها الإسلامي وما صاحبه من أحداث، تناول فيه تاريخ مكة الجاهلي واستغرق  منه ثلاثة أرباع الكتاب، والربع الباقي تناول فيه البقاع والمواطن والأمكنة المقدسة الأخرى من مكة بالإضافة إلى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاصريه من المكيين، وعن خطط مكة وأطرافها.

ولقد وفقني الله تعالى إلى الوقوف على نسخة نفيسة من كتاب تاريخ مكة للأزرقي ضمن ذخائر جامعة ليدن بهولندا، فأحببت أن أكتب حولها بحثا يبين قيمتها العلمية ونفاستها، من خلال الحديث عن مسوغات نفاستها، وإثبات عنوانها، وناسخها، وتاريخ نسخها، ومكان النسخ، وبداية المخطوط، وآخره، والحديث عن التملكات وقيود الشراء بطرتها، وبيان طباق السماع في آخرها، وقيود المقابلة.

فأقول وبالله التوفيق:

أولا ـ مسوغات نفاستها:

وتكمن نفاسة هذه النسخة من كتاب: (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) للأزرقي في الآتي:

1 ـ أنها نسخة تامة، خالية من الخروم، مقروءة،  ومقابلة على أصل صحيح مرارا في عدة مجالس منتصف القرن الثامن الهجري بمكة المكرمة، مكتوبة بخط عتيق نسخي بعضه بلا نقط.

2 ـ أنها نسخة سمعت في عدة مجالس، على عدة شيوخ يمنيون، وحجازيون، ومكيون، أولها عام (720هـ) بمكة، وآخرها مجالس عام (737هـ)  تجاه الكعبة الشريفة خلف مقام إبراهيم عليه السلام.

3 ـ  أنها نسخة مقيدة بقيود التملك وانتقال أصل المخطوط بين العلماء في طرة الكتاب.

4 ـ أنها نسخة مختتمة بطباق سماع هذا الكتاب في مجالس العلماء بالسند المتصل إلى مؤلفه الأزرقي رحمه الله.

5- أنها نسخة عليها رموز التصحيح والمقابلة .

ثانيا: وصف النسخة المخطوطة:

هي نسخة جيدة، تامة، تحتفظ بأصلها جامعة ليدن بهولندا تحت رقم: O r .424، تناقلها العلماء، وجامعي الكتب بالتملك والشراء، حيث يوجد بطرتها أربعة من قيود الشراء والتملك أحدها أرخ بعام (846هـ)، وعليها ختم المكتبة المالكة للأصل، مطررة ببعض رموز التصحيح، والمقابلة، ورقها عتيق، وتسفيرها حديث جلدي لونه بني، تتوسطه ترنجة مضغوطة، نسخت وقوبلت بأصل صحيح على يد العلامة قطب الدين الأنصاري الخزرجي نزيل الحرمين الشريفين ثاني عشر ذي القعدة عام (737هـ) في اتجاه الكعبة ومقام إبراهيم، كتبت بقلم نسخي قديم فيه ضبط، وتتألف من 156 ورقة، مسطرتها 25س، بها أثر بسيط للأرضة غير مؤثر في صلب الكتاب عبارة شق أسفل الأوراق من الورقة 136 إلى الورقة: 155، وبها ورقة طيارة ما بين الورقة: 147، والورقة: 148،  وعنوانها كما جاء في طرة الكتاب:(أخبار مكة شرفها الله تعالى وما جاء فيها من الآثار)، بآخرها طباق السماع للكتاب، وقيد مقابلة الكتاب على نسخة صحيحة في مجالس آخرها يوم الخميس، ثاني عشر ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة تجاه الكعبة الشريفة خلف مقام إبراهيم عليه السلام.

أولها: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيد الأمة محمد نبي الرحمة وآله وصحبه.

أخبرني والدي الفقيه الإمام المحدث صدر الدين بقية المشايخ أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي الميانشي رحمة الله عليه، قال: ثنا القاضي الإمام أبو المظفر محمد بن علي بن الحسين الشيباني الطبري، عن جده الشيخ الإمام الحسين، وعن الشيخ أبي الحسن علي بن خلف الشامي، عن خلف بن هبة الله الشامي، عن أبي محمد الحسن بن محمد بن فراس، عن أبي الحسن محمد بن نافع الخزاعي، عن أبي محمد إسحاق بن أحمد الخزاعي، عن أبي الوليد محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد الأزرقي رضي الله عنه.

ذكر ما كانت الكعبة الشريفة عليه وقبل أن يخلق الله السموات والأرض وما جاء في ذلك:  قال كعب الأحبار: كانت الكعبة غُثاء على الماء قبل أن يخلق الله -عز وجل- السموات والأرض بأربعين سنة، ومنها دُحيت الأرض…

آخرها: …التخابر: بعضها في الحل، وبعضها في الحرم، وهو على يمين الذاهب إلى جدة، إلى نصب الأعشاش، وبعض الأعشاش في الحل  وبعضها في الحرم، وهي بحيرة البهيما، وبحيرة الأصغر، والرغباء ما أقبل على بطن مر منهن فهو حل، وما أقبل على المريرا منهن فهو حرم، كبش: الجبل الذي دون نعيلة في طرف الحرم رحا: في الحرم، وهو ما بين أنصاب المصانيع إلى ذات الجيش، ورحا هي ردهة الراحة والراحة: دون الحديبية على يسار الذاهب إلى جدة، البغيبغة: والبغيبغة بأذاخر.

ثالثا: قيود الشراء والتملكات، بطرة المخطوطة:

إن قيود التملك والشراء على طرر المخطوطات لها أهميتها المفيدة جدا للمفهرس والمحقق لكتب التراث، من خلال التعرف على الطريق الذي سلكته النسخة المخطوطة من خلال انتقالها من مالك لآخر، ومن بلد لبلد حتى وصلت إلينا، بمعنى تعين على فهم الجغرافية التي احتضنت المخطوطة ومرت منها من خلال محطات متباينة من حيث الزمان، والمكان، والأشخاص. كما تعيننا قيود التملك أيضا على التعرف على أسماء الأشخاص الذين تملكوا أصل المخطوطة، فنجد منهم طبقات اجتماعية وثقافية متنوعة: فمنهم كبار الأمراء والسلاطين والملوك المعتنين بنفائس النسخ، ومنهم العالم المشهور المعتني بكتب خاصة، ومنهم هواة جمع الكتب، وأصحاب المكتبات المشهورين بالاعتناء بخزائن الكتب النفيسة، وغير ذلك…الخ.

وقد قيدت على طرة هذه المخطوطة الموصوفة أربعة قيود من قيود التملك والشراء، أحدها مؤرخ بعام (846هـ)، وأتت هذه التملكات على ظهرية المخطوطة على النحو الآتي:

(1) – “ملكه بالبيع الشرعي من فضل الله تعالى علي بن موسى السمنجي الحنفي بن الشيخ محمد القاهري”.

(2) – ” ملكه الفقير خشقدم الأمجد لامرأة سيدي عثمان والد المقام الرشيق الملك الظاهر محمد جقمق”.

(3) – ” الحمد لله من كتب الفقير إلى رحمة ربه الباقي عبد الرحيم بن محمد بن النجم الواجقي حامدا ومصليا ومسلما ومبجلا سنة (846هـ)”.

(4) – ” تملكه بفضل الله…عبد الله بن عبد الله بن لطف الله الشهابي عفى عنهما”.

رابعا: طباق السماع في المخطوطة:

لا شك أن لطباق السماع في المخطوطات العربية أهميته وفائدته التي لا تخفى على المشتغلين بتحقيق المخطوطات وفهرستها، فالطباق بمثابة وثيقة قانونية تثبت صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفها، من خلال السند الذي انتقل به الكتاب سماعا ورواية جيلا بعد جيل، وعصرا بعد عصر، وقديما قيل: (الأسانيد أنساب الكتب)([1]) وحق لنا أن نقول أيضا: (الطباق أنساب المخطوطات).

ويوجد بالمخطوطة طباق سماع بالورقة رقم: 156، ونصه: ” صورة طباق السماع على الشيخ رضي الدين رحمه الله تعالى: سمع الوالد المبارك فتح الدين صدقه مع والده القاضي أبي بكر محمد بن أحمد ….على الشيخ الإمام رضي الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري إمام مقام إبراهيم([2]) صلى الله عليه وسلم جميع (كتاب أخبار مكة حرسها الله تعالى) تأليف: أبو الوليد الأزرقي بروايته عن الشيخ أبو القاسم بن أبي …..قال: أخبرنا أبو حفص الميانشي([3])، قال: أخبرنا القاضي أبو المظفر محمد بن علي بن الحسين الشيباني، قال: أخبرنا جدي الحسين والشيخ علي بن خلف الشامي، قالا: أخبرنا خلف بن هبة الله الشامي، عن الحسن بن فراس([4])، عن محمد بن نافع الخزاعي، عن أبي محمد بن إسحاق بن أحمد الخزاعي، عن المؤلف بقراءة العبد الضعيف إبراهيم بن عمر العلوي اليمني…في مجالس آخرها الثامن والعشرين من رمضان سنة (720هـ )بمنزل الشيخ بمكة، وأجاز لهما رواية ما يجوز له روايته، والحمد لله …وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا وبه نستعين.

خامسا: قيود المقابلة والتصحيح في المخطوطة:

إن ما يميز هذه النسخة كونها ضبطت وقوبلت على أصح أصولها الخطية، على يد عالم نحرير مدقق هو العلامة قطب الدين الأنصاري الخزرجي نزيل الحرمين الشريفين، وبيت المقدس، وتمت هذا المقابلة والتصحيح في مجالس آخرها يوم الخميس، ثاني عشر ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة (737هـ) تجاه الكعبة الشريفة خلف مقام إبراهيم عليه السلام، ونص المقابلة:

قال رحمه الله :” بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

قوبل به على نسخة صحيحة جهد الطاقة وهو :”أخبار مكة كتاب الأزرقي”، فسمعه على العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العلامة قطب الدين…الأنصاري الخزرجي نزيل الحرمين الشريفين، والبيت المقدس بسنده في ظهر هذه الورقة بروايته عن الشيخ الإمام العلامة مفتي المسلمين المعمر الرحلة رضي الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري إمام المقام الشريف مقام إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وسلامه شهاب الدين أحمد بن ……خادم الحرم الشريف، وصفي الدين عبد السميع البلاوي…ومسعود المجاور بمكة وفتح ابن عبد الله النعماني، وعلي ابن حميد وجماعة كثيرون يمنيون، وحجازيون، ومكيون لم يحصر أسماهم لفوات كثير، وصح ذلك وتبث في مجالس آخرها يوم الخميس، ثاني عشر ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة تجاه الكعبة الشريفة خلف مقام إبراهيم عليه السلام، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والحمد لله رب العالمين”.

الخاتمة:

وقبل الختام أقول: إن تراث الأمة النفيس لا يزال يحتاج إلى جهود جبارة من أصحاب الأموال، والخبرات، والهمم العالية لبذل المال، والمهج، والنفس والنفيس؛ لأجل نفض غبار الإهمال والنسيان والضياع عنه، خصوصا تلك المخطوطات المهاجرة خارج أوطانها الأصلية في الدول الغربية، لأسباب معلومة معروفة، وهي الآن حبيسة الرفوف في ردهات تلك الخزائن والمكتبات العالمية، وعلى الرغم من الاعتناء الكبير الذي حظيت به هناك من: حفظ، وترميم، وتخزين وغيرها، إلا أنها تناجي أهلها بشوق، وتنادي أقاربها، ليجددوا صلة الرحم بها، فما أوثقها من صلة وقربة، وما أعظمها من جمع بعد فرقة.

فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يهيئ لذلك العمل الرائد من ينهض به، ويقوم عليه،

 وأن يستعملنا في طاعته ورضوانه.

والحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى، ونبيه المجتبى.

*******************

 هوامش المقال:

([1])- قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري (1/ 5): “وقد رأيت أن أبدأ الشرح بأسانيدي إلى الأصل بالسماع، أو الإجازة، وأن أسوقها على نمط مخترع؛ فإني سمعت بعض الفضلاء يقول: الأسانيد أنساب الكتب، فأحببت أن أسوق هذه الأسانيد مساق الأنساب”. وللسيوطي كتاب سماه” أنشاب الكتب في أنساب الكتب”.

([2])  ـ  هو العلامة شيخ مكة في عصره، وإمام المقام الشريف بها  إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، أبو أحمد، رضي الدين الطبري الشافعي (722هـ).

([3])  ـ  هو العلامة الإمام المحدث صدر الدين بقية المشايخ أبو حفص عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي الميانشي المهدوي التونسي نزيل مكة وشيخ الحرم (581هـ).

([4])  ـ هو الشيخ  أبو محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي المكي شيخ مكة في عصره(422هـ).

راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق