مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم النساء

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فقد حث الاسلام على التعليم ودعا إليه، وجعل للعالم مكانة رفيعة كما في قوله تعالى: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾([1]) ولم يفرق في ذلك بين الذكر والأنثى بل جعلهما سواء فقال عليه الصلاة والسلام: «إنما النساء شقائق الرجال»([2]).

وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروعَ مثلٍ في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في حقِّ التعلُّم،  وفي حرصه على تعليم المرأة بما قام به في خطبة العيد كما جاء في حديث البخاري عن  جابر بن عبد الله قال: « قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء، فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء الصدقة».([3])

بل خصص لهن يوما يلتقي بهن بعيدا عن الرجال، يحدِّثهن ويعظهن، ويبيِّن لهن أمور الدين وأحكامه وكل ما يتعلق بشؤونهن مما ينفردن به عن الرجال بمقتضى تكوينهن الجسدي والنفسي. روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: «اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا»، فاجتمعن فأتاهنَّ رسول الله ﷺ فعلمهن مما علمه الله. ثم قال: «ما منكنَّ امرأة تقدم بين يديها من ولَدها ثلاثة إلا كان لها حجاباً من النار». فقالت امرأة منهن: يا رسول الله، اثنين؟ قال: «فأعادتها مرتين، ثم قال: واثنين، واثنين، واثنين».([4])

وكان يحث نساءه على التَّعَلُّم وهذا واضح من قصة أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما التي تعلمت الكتابة من الشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية كما جاء ذلك في سنن أبي داود عنها قالت: دخل علي رسول الله ﷺ وأنا عند حفصة فقال لي: «ألا تعلمين هذه رقية النملة، كما علَّمتيها الكتابة»([5])، كما كان يحثهن على تعليم النساء الأخريات أحكامَ وفقهَ النساء  ويدل لذلك ما روي عن  عائشة رضي الله عنها قالت: أن امرأة سألت النبي ﷺ عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: «خذي فرصة من مسك فتطهَّري بها». قالت: كيف أتطهر؟ قال: «تطهَّري بها» قالت: كيف؟ قال: «سبحان الله، تطهَّري». فاجتبذتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الدم([6]).

ولقد بلغ من اهتمامه ﷺ بتعليم النساء أنه كان يزوج المرأة على أن يكون مهرها هو تعليمها شيئا من كتاب الله تعالى كما جاء في حديثه ﷺ لسهل بن سعد: «اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن»([7]).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقدر ويحترم رأي المرأة  احتراما كبيرا وله في ذلك مواقف عديدة ومنها أخذه بمشورة أم سلمة المعروفة يوم الحديبية التي حصل بها النفع الكبير.

ومن آثار التربية النبوية للمرأة  أن كان لها دور بارز في العديد من الميادين بعده؛ فكم من تفاسير الاىات القرآنية وروايات الأحاديث النبوية جاءتنا من قبل نساء الأنصار والمهاجرات حتى إن نصف هذا العلم نقل إلينا من عالمتهن عائشة الصديقة وكانت أعلمهن بأيام الله، وأشعار العرب، وأسباب نزول الآي..، وأرواهن لأحاديثه ﷺ، وكان لها حضور قوي في الاجتهاد والفتوى، حتى قيل لها يوما: يا أم المؤمنين هذا القرآن تلقيته عن رسول الله ﷺ، وكذلك الحلال والحرام، وهذا الشعر، والنسب، والأخبار، سمعتها من أبيك وغيره، فما بال الطب؟ قالت: كانت الوفود تأتي رسول ﷺ، فلا يزال الرجل يشكو علة، فيسأله عن دوائها.فيخبره بذلك، فحفظت ما كان يصفه لهم وفهمته ([8]).

وصدق أبو موسى الأشعري الذي قال: (ما أُشكل علينا أصحاب محمد ﷺ حديثا قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما) ([9])

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

******************

هوامش المقال:

([1]) سورة فاطر  من الآية: 28.

([2]) أخرجه الترمذي في سننه (1 /154-155)كتاب: الطهارة، باب: ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما برقم: (113)أبو داود في سننه (1 /171) كتاب: الطهارة، باب: الرجل يجد البلة في منامه برقم: (236).

([3]) أخرجه البخاري في صحيحه  (1 /309) كتاب العيدين باب موعظة الإمام النساء يوم الفطر برقم: (978).

([4]) أخرجه البخاري في صحيحه  (4 /366) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل برقم: (7310).

([5]) أخرجه أبو داود في سننه (6 /35)كتاب الطب، باب ما جاء في الرقى برقم: (3889).

([6]) أخرجه البخاري في صحيحه (1 /118)كتاب الحيض، باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض وكيف تغتسل وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع أثر الدم برقم: (314)، ومسلم في صحيحه (1 /160) كتاب: الحيض، باب: استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم برقم: (332).

([7]) أخرجه البخاري في صحيحه (3 /347)كتاب: فضائل القرآن، باب: القراءة عن ظهر قلب برقم: (5030)، ومسلم في صحيحه (1 /643) كتاب:النكاح، باب: الصداق وجوازكونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمس مائة درهم لمن لا يجحف به برقم: (1425).

([8]) سير أعلام النبلاء (2 /197).

([9]) أخرجه الترمذي في سننه (6 /182) أبواب المناقب، باب: من فضل عائشة رضي الله عنها برقم: (3883).

****************

لائحة المراجع المعتمدة

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1 / 1400هـ.

الجامع الكبير.الترمذي:  أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي.حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي بيروت.ط 1- 1996.

السنن. أبو داود سليمان بن الأشعث. تحقيق: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي. دار الرسالة العالمية. ط 1430-2009.

سير أعلام النبلاء.شمس الدين بن عثمان الذهبي. تحقيق: شعيب الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة. ط11 / 1417-1996.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.

راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق