مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

مصطلح “إليه المنتهى”: إطلاقه عند بعض المحدثين وذكر نماذج ممن وصف به من الرواة

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم:

    لما كانت السنة النبوية المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، قام الأئمة الأعلام من المحدثين والحفاظ بوضع قواعد متينة، وأصول رصينة ؛حفظا لها من كل انتحال وتحريف ، فظهرت تلك القواعد والأصول  في شكل عبارات ومصطلحات، وفهم  معانيها ومراد الأئمة منها يعد من الأهمية بمكان، وقد كان لعلماء الحديث جهود كبيرة في هذا المجال لا تخفى على أهل الاختصاص .

ومن هذه المصطلحات التي نجد لها ذكرا في كتب الجرح والتعديل وكتب التراجم : مصطلح "إليه المنتهى" وهو عادة  يذكر مقرونا بأحد عبارات التوثيق، أو التجريح ، ولأهمية هذا الموضوع ارتأيت أن أتناوله في مقال أتحدث فيه عن هذا المصطلح من خلال الآتي:

أولا:  مصطلح "إليه المنتهى " مقرونا بأحد عبارات التعديل وذكر بعض من وصف به

ثانيا:   مصطلح "إليه المنتهى" مقرونا بأحد عبارات التجريح وذكر بعض من وصف به.

وهذا أوان الشروع في المقصود، أقول وبالله التوفيق:  

أولا:  مصطلح: "إليه المنتهى " مقرونا بأحد عبارات التعديل وذكر بعض من وصف به :

      استعمل علماء الحديث مصطلح "إليه المنتهى" مقرونا بأحد عبارات التوثيق ، للدلالة على توثيق وعدالة الرواة، مثل قولهم في الراوي: "إليه المنتهى في التثبت"؛ وهو وصف للراوي يدل على بلوغه أعلى درجات ومراتب التعديل.

قال ابن حجر في شرح النخبة: "وأرفع مراتب التعديل: الوصف بما دل على المبالغة فيه ، وأصرح ذلك : التعبير بـ"أفعل" ك: "أوثق الناس"، أو "أثبت الناس"، أو   " إليه المنتهى في التثبت "[1]  .

 وممن وصف بذلك من الرواة أذكر : خالد بن الحارث أبو عثمان الهجيمي(186هـ)، قال الإمام أحمد :" إليه المنتهى في التثبت بالبصرة ، وقال في رواية إبراهيم : هو أرفع من بشر بن المفضل"[2] ، وبشر بن المفضل الرقاشي  البصري (187هـ): " قال أحمد بن حنبل: إليه المنتهى في التثبت في البصرة، وقال ابن إبراهيم: قيل لأبي عبد الله: بشر بن المفضل ؟ فقال: ثقة، ثقة."[3] ، ويحيى بن سعيد القطان ( 198هـ) قال أحمد: "يحيى بن سعيد القطان، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة"[4]،

وحبان بن هلال الباهلي (216هـ) : قال أحمد : "إليه المنتهى في التثبت بالبصرة".[5]

ومثل قولهم : "إليه المنتهى في الإتقان" قال الإمام الذهبي في أيوب السختياني (131هـ): "إليه المنتهى في الإتقان"[6] فهي من أعلى درجات التعديل، وقال في إبراهيم بن الحسين بن علي الهمذاني (281هـ): " إليه المنتهى في الإتقان "[7]

ثانيا:   مصطلح "إليه المنتهى" مقرونا بأحد عبارات التجريح وذكر بعض من وصف به.

       كما استعمل علماء الحديث أيضا مصطلح: "إليه المنتهى"مقرونا بأحد عبارات التجريح ، للدلالة على تجريح الرواة  ؛ مثل قولهم: "إليه المنتهى في الوضع أو الكذب" ، وهما من العبارات التي يصفون بها كبار الوضاعين  والكذابين في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهما من أسوأ مراتب التجريح؛ لأنها من الأوصاف الدالة على المبالغة فيه.

قال محمود الطحان في تيسير مصطلح الحديث في مراتب التجريح: " ثم ما دل على المبالغة في الكذب : (وهي أسوأها) مثل فلان أكذب الناس ، أو إليه المنتهي في الكذب ، أو هو ركن الكذب"[8] ثم وضعه في المرتبة السادسة وهي أسوأها.

وممن وقفت عليه من الرواة الذين وصفوا بذلك:  أحمد بن عبد الله بن محمد البكري قال الذهبي عنه في تاريخه: "البكري صاحب القصص...و إليه المنتهى في الكذب والاختلاق ، ومن طالع تواليفه جزم بذلك"[9]

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

أن مصطلح "إليه المنتهى " من المصطلحات التي تذكر  عادة مقرونة؛ إما بأحد عبارات التوثيق للدلالة على توثيق وعدالة الرواة ، أو التجريح، للدلالة على تجريح الرواة ، وقد ذكرت نموذجين اثنين في  التوثيق  وهما: إليه المنتهى في التثبت، وإليه المنتهى في الإتقان  مع ذكر بعض من وصف بذلك من الرواة ، ونموذج واحد في التجريح وهو: إليه المنتهى في الكذب مع التمثيل لذلك بنموذج واحد مما وقفت عليه من الرواة الذين وصفوا به.   

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 ******************* 

هوامش المقال: 

[1]  -  شرح نخبة الفكر (ص: 499).

[2] - بحر الدم (ص: 48).

[3]  -  بحر الدم (ص: 29)، تهذيب التهذيب (1/ 459).

[4]  -  نقلا عن الجرح والتعديل (1 /246 ).

[5]  -  بحر الدم (ص: 36).

[6] - سير أعلام النبلاء (6 /20).

[7] - سير أعلام النبلاء (13/ 186).

[8]  - تيسير مصطلح الحديث (ص: 191).

[9] - تاريخ الإسلام (33/ 209).

*****************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

بحر الدم  فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم. لأبي المحاسن يوسف بن الحسن بن عبد الهادي المعروف بابن المبرد. تحقيق وتعليق: دة: روحية عبد الرحمن السويفي . دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط1/ 1413 هـ- 1992مـ

تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق: د عمر عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي بيروت. ط1/ 1414هـ- 1994مـ

تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني. طبعة دار المعارف تصوير: دار الكتاب الإسلامي القاهرة. 1414هـ- 1993مـ

تيسير مصطلح الحديث. لمحمود الطحان. مكتبة المعارف الرياض. ط 11/ 1431هـ- 2010مـ

الجرح والتعديل. لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الرازي . دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الهند  سنة 1371هـ- 1952مـ. تصوير دار الكتب العلمية بيروت .

سير أعلام النبلاء (ج 6). لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. حقق هذا الجزء حسين بن الأسد-  أشرف على تحقيق الكتاب شعيب الأرنؤوط . مؤسسة الرسالة بيروت. ط2/ 1402هـ- 1982مـ

شرح نخبة الفكر  في مصطلح أهل الأثر. لابن حجر العسقلاني. شرحها أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد . دار المغني الرياض. ط 1/ 1430 هـ- 2009مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق