مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

لفظة الشك في رواية الحديث “تعريفه، أسبابه، وبعض نماذجه”

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،

    فإن وقوع الشك في رواية الحديث أمر وارد بين الرواة، وهم متفاوتون فيه،  وتختلف دوافعه باختلاف حالهم ضبطا وحفظا، وفي هذا المقال سأتناول فيه باختصار الآتي:

أولا التعريف اللغوي والاصطلاحي للفظة الشك .

ثانيا:  أسباب الشك في الرواية، وبعض نماذجه.

وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

أولا: التعريف اللغوي للفظة الشك.

الشك لغة: ضد اليقين قال ابن فارس: “الشين والكاف أصل واحد مشتق بعضه من بعض، وهو يدل على التداخل، من ذلك: قولهم شككته بالرمح، وذلك إذا طعنته فداخل السنان جسمه… ومن هذا الباب: الشك الذي هو خلاف اليقين، إنما سمي بذلك؛ لأن الشاك كأنه شك له الأمران في مشك واحد، وهو لا يتيقن واحدا منهما،… ومن الباب الشكة، وهو ما يلبسه الإنسان من السلاح، يقال هو شاك في السلاح. وإنما سمي السلاح شكة لأنه يشك به، أو لأنه كأنه شك بعضه في بعض. .. ويقال بل الشك: لصوق العضد بالجنب. فإن صح هذا فهو أظهر في القياس. والشكائك: الفرق من الناس”([1])

الشك اصطلاحا: هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح قال الجرجاني: “التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك، وقيل: الشك: ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما، فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن، فإذا طرحه فهو غالب الظن، وهو بمنزلة اليقين”([2])

ثانيا:  أسباب الشك في الرواية، وبعض نماذجه.

1-أسباب الشك في الرواية:

    من البديهي أن يقع الشك والتردد من بعض الرواة في الحديث، فكما يقع للحافظ الضابط يقع كذلك للضعيف قليل الضبط؛ وعليه فإن دوافع الشك عندهما تختلف،  فللأول منهما بدافع التثبت والاحتياط، والحرص على أداء الرواية كما سمعها من غير زيادة ولا نقصان؛  و الرواة في ذلك متفاوتون؛ فمنهم الذي كان يشك إلا أنه لم يكثر منه، ومنهم عكس ذلك حتى عرف عند المحدثين بكثرة شكه كالإمام يحيى بن يحيى النيسابوري (ت: 226هـ) حيث قال عنه ابن أبي حاتم الرازي: ” أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي، قال: سمعت أبي يذكر يحيى بن يحيى النيسابوري، فأثنى عليه خير، وقال: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى كنا نسميه: يحيى الشكاك من كثرة ما كان يشك في الحديث “([3]).

وأما الثاني منهما فبسبب عدم ضبطه إما لغفلته، أو نسيانه ،أو وهمه أو خطئه، … وما إلى ذلك.

2- بعض  نماذجه :

قد يقع الشك في رواية الحديث في السند، أو المتن، وسأقتصر هنا على ذكر نموذجين اثنين أحدهما في السند والآخر في المتن وهما كالآتي:

في السند:

سئل الدار قطني عن حديث عاصم بن ضمرة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الغنم والإبل والبقر والرق …

فقال : يرويه أبو إسحاق ، واختلف عنه ؛ فرفعه أبو أحمد الزبيري ، عن الثوري ، عن أبي إسحاق ، علي شك منه في رفعه، ووقفه غيره ، عن الثوري. ورواه عبد المجيد ، عن معمر ، عن أبي إسحاق مرفوعا. ورواه زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم ، والحارث ، عن علي. وشك زهير في رفعه. كذلك قال الحسن بن موسى الأشيب ، عن زهير. ورواه أبو بدر شجاع بن الوليد ، عن زهير , عن أبي إسحاق ، عن عاصم ، والحارث ، عن علي ، فرفعه بغير شك ، إلا أنه لم يذكر في حديثه إلا زكاة البقر فقط. ورفعه الحسن بن عمارة ، عن أبي إسحاق، عنهما عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورفعه سلمة بن صالح ، وأيوب بن جابر ، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي. ووقفه شعبة ، وأشعث بن سوار ، وعلي بن صالح ، وأبو بكر بن عياش ، وغيرهم ، عن أبي إسحاق. والصواب موقوف عن علي، والله أعلم. ([4]).

في المتن:

قال مسلم : حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، ومحمد بن المثنى، واللفظ لابن المثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن وهو ابن مهدي، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب،أن اليهود قالوا لعمر:” إنكم تقرءون آية لو أنزلت فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت، وأي يوم أنزلت، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنزلت، أنزلت بعرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة”.

قال سفيان: أشك كان يوم جمعة أم لا؟([5])

وقد جاءت رواية أخرى بصيغة الجزم فأزالت الشك “نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، في يوم جمعة”([6])

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

1-أن وقوع الشك في رواية الحديث أمر وارد بين الرواة وهم فيه متفاوتون بحسب حال الرواة ضبطا وحفظا.

2-يقع الشك للحافظ الضابط، كما يقع للضعيف غير الضابط أو قليل الضبط.

3-تختلف دوافع الشك عند الضابط الحافظ من دوافعه عند الضعيف غير الضابط أو قليل الضبط؛ فالأول بدافع التثبت والاحتياط، والثاني بسبب عدم ضبطه.

4-أوردت في المقال نموذجين اثنين أحدهما في السند والثاني في المتن.

والحمد لله رب العالمين.

**********************

([1]) معجم مقاييس اللغة (3/ 173) مادة: “شك”.

([2]) معجم التعريفات للجرجاني (ص: 193).

([3]) الجرح والتعديل (9/ 244).

([4]) علل الدار قطني (1 /462-463).

([5])  صحيح مسلم (2 /1373)، كتاب: التفسير، برقم: (3017).

([6]) المصدر نفسه نفس الجزء والصفحة.

***********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الجرح والتعديل . لأبي محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي. تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت (د.ت).

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.

علل الدار قطني أو العلل الواردة في الأحاديث النبوية. لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدار قطني. تحقيق: عادل بن سعيد.  دار الكتب العلمية بيروت (د.ت).

معجم التعريفات (قاموس لمصطلحات وتعريفات علم الفقه واللغة والفلسفة والمنطق والتصوف والنحو والصرف والعروض والبلاغة ). لعلي بن محمد بن علي بن الزين الشريف الجرجاني. دار ميراث النبوة ط1/ 1442هـ-  2021مـ.

معجم مقاييس اللغة. لأحمد بن فارس . تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر 1399هـ- 1979مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق