الرابطة المحمدية للعلماء

اللغة العربية وتحديات العصر

د.عبد النبي الدكير:
“اللغة العربية أهم رابط بعد الدين في المجتمع الإسلامي”

نظرا للأهمية الخاصة التي تحتلها اللغة في حياة الأمم والشعوب بوجه
عام، والمكانة المتميزة التي تحوزها اللغة العربية في بنيان الحضارة العربية
الإسلامية، إذ “تمثل أهم رابط بعد الدين في المجتمع الإسلامي”، فقد جرى
تخصيص العدد الأخير من الحوار الحي حول “اللغة العربية وتحديات
العصر
” مع الأستاذ عبد النبي الدكير، الذي لم تمنعه إشادته باللغة العربية
وشرفها وجمالياتها وتميز بنائها وغناها الدلالي.. من الدعوة إلى عدم التعصب لها
بحيث ” نجعلها إلها يعبد بل وسيلة كبرى نحرص عليها..”  

وفي معرض إبراز عناصر القوة والتفرد في اللغة العربية، أوضح كيف أنها
تمتاز بالإعراب، مشددا على أن “الأمر لا يتعلق بالمعنى الاصطلاحي الضيق الذي انتهى إليه
مفهوم الإعراب في الدراسات النحوية؛ وإنما إعرابها أكبر من ذلك، فهو يتصل بالخصائص
التي تجعل من اللغة؛ “لغة اشتقاقية؛ لغة تمتاز بالتقديم والتأخير، والزيادة والحذف،
والفصل والوصل، حتى نعتها ابن جني بالشجاعة..”

أكثر من ذلك، فإن الحرف فيها، من وجهة نظره، مكمن الإعجاز مصداقا
لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “إنما أنزل هذا القرآن على سبعة أحرف كلها كاف
شاف”، الأمر الذي يؤكده افتتاح العديد من سور القرآن المجيد  بالحروف.. ليستخلص أن “الحرف في اللغة
العربية يكاد يكون كل شيء فيها؛ به نعرف، وبه نرجح، وبه
نختار، وبه نفرع أو نؤصل”.

ووعيا بالأهمية التي يكتسيها الحرف في البنية الكلية للغة العربية، فقد
أعلن عن انشغاله بإقامة” أنموذج للغة العربية يستفيد منه الصغير والكبير
والمبتدئ
والمنتهي” أطلق عليه اسم “نحو البلاغة”.

وبعد أن يؤكد أن الأزمة في جوهرها أزمة عرب لا أزمة لغة عربية؛ أي
أزمة مجتمعات عربية ينعكس حالها على حال لغتها، يستخلص أن مسؤولية النهوض باللغة
العربية مسؤولية اجتماعية جماعية؛ تبدأ من مؤسسات التنشئة الاجتماعية انطلاقا من
البيت والمدرسة، وكليات اللغة العربية ومجامعها، وغيرها من مؤسسات المجتمع الأهلي
المدني، وصولا إلى الدولة على الصعيد الوطني، والمنظمات الفرعية لجامعة الدول
العربية..فضلا عن وسائل الإعلام خاصة مع البث الفضائي..

 وفي هذا السياق يؤكد أن
للإعلام
“مكانة كبرى في التمكين للغة العربية والواجب على الدول العربية، وجميع دساتيرها تنص على أن
العربية هي اللغة الرسمية، أن تفعل هذه الدساتير وتوجب الحديث في جملة من البرامج
باللغة العربية الفصحى.. لأنها رمز الهوية، وقوة الشخصية العربية إنما تكون بها لا
بغيرها.” لذلك فقد راهن على “الدور الذي يمكن
أن تقوم به القنوات الفضائية لتقديم صورة مشرفة عن اللغة العربية..”، وفي هذا
الإطار فقد أبرز التأثر الإيجابي للدراما السورية التي صيغت سيناريوهاتها بلغة
عربية سليمة ورائقة.

فمع أن الأستاذ عبد النبي الدكير لا ينكر أن “المختصين هم أولى
فئات المجتمع للدفاع عن اللغة العربية، لكن مجهود غيرهم يجب أن لا نستقله أو نضعف من
شأنه..” أما عن جهود أقسام اللغة العربية فإنها، تظل من وجهة
نظره، فردية تختلف من جامعة إلى أخرى، الأمر الذي يستوجب التنسيق بينها وتوحيد مجهوداتها
على ضعفها..

وبخصوص التحديات التي تعرضت لها اللغة العربية سواء مع ظاهرتي
الاستعمار والعولمة فقد كشف كيف أن “اللغة العربية تعرضت لهجمات شرسة من قبل
أعدائها المستعمرين وقد تجلى ذلك في أشكال مختلفة؛ بدءا بتنحية الحرف
العربي من جملة من اللغات في العالم الإسلامي، كالتركية، على سبيل المثال، كلها
كانت تكتب بالخط العربي كالفارسية اليوم والأردية، لكن المستعمر أراد أن
يقطع دابر العربية، ويفصل هذه الشعوب عن تاريخها وماضيها الإسلامي
بإزاحة العربية التي ارتبطت بالقرآن والإسلام أشد ارتباط؛ بحيث
أن النيل منها “مقدمة للنيل من الإسلام ومن القرآن، فإذا عزلت العربية لم يفهم
القرآن على الوجه الأصح، وحلى لكل إنسان أن يقول في القرآن بهواه دون علم، يؤول كما
شاء دون ضوابط.”

ومن المفارقات التي ألمح إليها هذا “الحوار الحي” مع جمهور
زوار موقع الرابطة المحمدية للعلماء، أنه بينما تلاقي اللغة العربية جحودا وتبرما
من أهلها تلاقي اهتماما متزايدا في كثير من الجامعات الأوربية
والأمريكية، كما أحدث لها كرسي في الصين..

ومن القضايا الهامة التي تناولها هذا الحوار الحي؛ الأزمة التي تطال
بيداغوجيا منهجيات تدريس اللغة العربية وخاصة النحو العربي الذي لا ينكر الأستاذ
عبد النبي الدكير أن “فيه كثير من التعقيد لأنه كتب في زمان ولأقوام غيرنا،
ونحن إلى اليوم لا زلنا نقلد ونردد في الشاهد والمثال والقاعدة وقلما نجدد. في حين
أن التجديد
ضرورة وواجب شرعي اليوم؛ لأن المتعلم قديما ،كان قبل أن يدرس النحو مثلا، يحفظ ما
شاء الله أن يحفظ من القرآن ومن الشعر ومن الحديث وغير ذلك من النصوص، أما الطالب
اليوم وربما الأستاذ، فإن محفوظه هزيل جدا، واللغة نص، هي الأساس التي يبنى عليه النحو؛
فإذا ضيع النص الأصلي ضاع الفرع وغيره فلا يفهم، وقد يزهد فيه ويرغب عنه
لاعتياصه. ومن أنجع السبل مخاطبة كل واحد بما يعلم، والأخذ ببعض ما ثبت أنه أقوى
وأفيد في بعض الدول العربية، على أن الإكثار من التطبيق والانطلاق من النصوص من
أحسن ما يساعد على رفع بعض التعقيد”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق