مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

القـول المتفق عليـه

 

الدكتور مولاي إدريس غازي

باحث بمركز دراس بن إسماعيل

 

 

قال النابغة الغلاوي في منظومته المسماة “بوطليحية”:

    فما به الفتوى تجوز بالمتفق                 عليـه فالراجح سوقـه نفق

   فبعده المشهور فالمساوي             إن عدم الترجيح للتسـاوي[1]

يأتي القول المتفق عليه في المرتبة الأولى من مراتب الأقوال المذهبية المعتمدة في الفتوى والقضاء[2]، والمراد به في الاصطلاح: القول الفقهي الذي أجمع عليه أهل المذهب المالكي دون اعتداد بمن خالفهم من أهل المذاهب الأخرى، وعليه فالاتفاق هنا مختص بعلماء المذهب، والإجماع بمعناه الأصولي العام شامل لسائر المذاهب. قال العلامة اللقاني في منار أصول الفتوى: “والمراد بالاتفاق اتفاق أهل المذهب، وبالإجماع إجماع العلماء”[3].

ويعتبر مصطلح المذهب من الاصطلاحات المفيدة لمعنى المتفق عليه، قال القادري: “وقد يطلقون لفظ المذهب على المتفق عليه فيكون حقيقة”[4].

ويندرج في المتفق عليه كل ما من شأنه أن يفيد الاتفاق أو يؤول إلى إفادة معناه كالمختلف فيه اختلافا لفظيا.[5]

وإذا كان القول المتفق عليه في أعلى مراتب الاستدلال المذهبي، فقد نبه العلماء إلى لزوم التثبت في شأنه والاحتياط في نقله، خاصة وأن من علماء المذهب من لم تطرد له قاعدة في هذا الاصطلاح كابن الحاجب، قال العلامة ابن فرحون: “اعلم أنه قد وقع للمؤلف -يقصد ابن الحاجب- في مواضع من كتابه أنه يغاير بين لفظي الإجماع والاتفاق مغايرة يغلب على الظن معها أنه أراد بالاتفاق اتفاق أهل المذهب دون غيرهم من علماء المذهب، وأنه أراد بالإجماع اتفاق جميع العلماء، ولم تطرد له في ذلك قاعدة، فقد حكى الاتفاق في محل الإجماع، وحكى الاتفاق أيضا فيما فيه خلاف”[6].

وعلى هذا الأساس جاء تحذير العلماء من نقل بعض الإجماعات وادعاء بعض الاتفاقات أو الخلافات. فقد ورد في مواهب الجليل للإمام الحطاب ما نصه: “حذروا أي الشيوخ من إجماعات ابن عبد البر واتفاقات ابن رشد وخلافيات الباجي، فإنه يحكي الخلاف فيما قال اللخمي يختلف فيه”[7] وجاء في المعيار: “إجماعات أبي عمر مدخولة، وقد حذر الناصحون منها ومن اتفاقات ابن رشد واحتمالات الباجي واختلاف اللخمي”[8]. والمعنى نفسه قرره العلامة محمد النابغة الغلاوي في منظومته المذكورة حيث قال:

وحذر الشيـوخ من إجمـاع

 

عن ابن عبد البر في السماع

وحذروا أيضـا من اتفـاق

 

عن ابن رشد عالـم الآفـاق

لكـن أقـل ذلك الجمهور

 

كمـا أقل ذا هـو الجمـهور

 

[1] – انظر من نصوص الفقه المالكي بوطليحية نظم في المعتمد من الكتب والفتوى على مذهب المالكية ص70 و71 تحقيق ودراسة يحيى بن البراء الطبعة الأولى 2002، المكتبة المكية مؤسسة الريان للطباعة والنشر بيروت.

2 – انظر البهجة في شرح التحفة لعلي بن عبد السلام التسولي 1/48، دار الفكر بيروت لبنان، 1412 هـ 1991 م، حيث قال التسولي: “المقضي به يعني من كتاب أو سنة أو إجماع بالنسبة للمجتهد أو المتفق عليه أو المشهور أو الراجح أو ما به العمل للمقلد”.

3 – انظر أصول الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى لإبراهيم اللقاني ص347، تقديم وتحقيق د عبد الله الهلالي، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب 1423 هـ / 2002 م. وانظر كذلك مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للإمام الحطاب 1/55، ضبطه وخرج آياته الشيخ زكريا عميرات الطبعة الأولى 1995، دار الكتب العلمية بيروت لبنان.

4 – رفع العتاب والملام عمن قال: “العمل بالضعيف اختيارا حرام” لمحمد بن قاسم القادري ص19، دراسة وتحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي، الطبعة الأولى عام 1406 هـ / 1985 م، دار الكتاب العربي بيروت لبنان.

5 – ميز القادري في الخلاف أنواعا خمسة هي: الخلاف اللفظي والخلاف المعنوي والخلاف في حال والخلاف في شهادة والخلاف الحقيقي. انظر في تفصيل ذلك رفع العتاب ص122 وما يليها.

6 – كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب ص114، دراسة وتحقيق حمزة أبو فارس والدكتور عبد السلام الشريف، الطبعة الأولى عام 1990 دار الغرب الإسلامي بيروت.

7- مواهب الجليل  ص56.

8 – المعيار المعرب عن فتاوى علماء إفريقيا والأندلس والمغرب لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي 12/31، خرجه جماعة من الفقهاء بإشراف الدكتور محمد حجي، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية 1401 هـ / 1981 م. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق