الرابطة المحمدية للعلماء

الفكر المقاصدي عند الإمام مالك

د.محمد العسري: ” الإمام مالك أحسن من فهم وطبق اجتهادات الصحابة والتابعين..”

اختار موقع الرابطة المحمدية للعلماء في حواره المفتوح لهذا الأسبوع مع الدكتور محمد منصيف العسري، موضوعا بالغ الأهمية بالنظر إلى صلته بالمرجعية المذهبية لعموم المغاربة وجانب واسع من جمهور المسلمين عبر العالم، ومما زاد من أهمية هذا الموضوع تناوله للفكر المقاصدي عند الإمام مالك رحمه الله. وهو ما أسهم في طرح العديد من الأسئلة النوعية ذات النفس المنهجي على ضيفنا الكريم؛ من قبيل التساؤل عن المنطلقات والضوابط التي يمكن من خلالها دراسة الفكر المقاصدي عند الامام مالك.؟ وهل الحديث عن الفكر المقاصدي عند الإمام مالك يعني أن مبحث المقاصد كمبحث علمي مستقل كان معروفا وقتذاك؟ وكذا التساؤل عن موقع الفكر المقاصدي عند الإمام مالك ضمن التطور العام لنظرية المقاصد؟ وحدود الحديث عن نظرية مقاصدية مالكية؟ وغيرها من التساؤلات والاستفسارات.

فعن المنطلقات والضوابط التي يمكن من خلالها دراسة الفكر المقاصدي عند الإمام مالك نبه الأستاذ محمد العسري على ضرورة تحديد المقصود بالفكر المقاصدي ابتداء، وأهم ما يتضمنه من خلال تقسيم المقاصد إلى قسميها: مقاصد الشارع، ومقاصد المكلف، ومعرفة الأسس التي بنا عليها الإمام مالك منهجه التشريعي بصفة عامة. وهي الأسس التي أجملها في” الاعتماد على مذهب جماعي ذي أصول عمرية، وكثرة أصوله وتوسعه في إعمالها مع توفيقه بين الاعتماد على الحديث واستعمال الرأي.

ومن حيث الضوابط؛ يمكن أن تدرس في إطار مسالك الاجتهاد المقاصدي التي تتلخص في تفسير النصوص بمقاصدها، والجمع بين الكليات والجزئيات، وجلب المصالح ودرء المفاسد، واستثناء حالة الضرورة، وتقدير المآلات ، والحكم على تصرفات المكلف بمقاصده ومراعاة الأعراف والظروف، واعتماد القرائن، مع تغليب عدم التنقيب كثيرا عن المقاصد للأمور التعبدية.”

أما عن خصوصية النظر المقاصدي عند الإمام مالك، فمع تأكيد الأستاذ العسري أن “كل الأئمة وكل المذاهب الفقهية اعتمدت النظر في المقاصد واعتبارها في الاجتهاد الفقهي”، إلا أنه أبرز أن هناك تفاوتا بين الأئمة والمذاهب في الأخذ بالمقاصد والالتفات إليها؛ مدللا على ذلك بقوله أن  “مذهب الشافعية وإن كان يعمل مقاصد الشارع إلا أنه لا يلتفت إلى مقاصد المكلف في الحكم على تصرفاته وعقوده، وإنما يقتصر على ظاهر التصرف؛ وكذا مذهب الظاهرية. وإن كان مذهب الحنفية الأكثر اعتمادا على الفكر المقاصدي من حيث الاعتماد على مقاصد الشارع في مجال الاجتهاد، وكذا الالتفات أحيانا لمقاصد المكلف، ويبقى المذهب الحنبلي الأقرب إلى الرجوع إلى مقاصد المكلف بكثرة، وبهذا يتبين أن المذهب المالكي هو الرائد في هذا المجال لجمعه بين مقاصد الشارع ومقاصد المكلف، واهتمام علمائه في اجتهاداتهم بهذين الجانبين معا بنسبة أكثر مما هي عند المذاهب الأخرى.” مضيفا أن الإمام مالك في إطار مراعاته لمقاصد الشارع كان “حريصا على تحصيل مصالح العباد في الدارين، وكان يعمل على مراعاة التيسير وعدم التكليف بالمشاق، كما كان مهتما بإخراج المكلف عن داعية هواه. وأما في إطار مراعاته، رضي الله عنه، لمقاصد المكلف فكان يعتبر المقاصد عموما في التصرفات والعقود، وكان يحرص على موافقة قصد المكلف لمقصود الشارع، كما كان يبطل عمل من ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له، وأخيرا كان يعامل المكلف بنقيض مقصوده الفاسد.”

كما نفى ضيف حوارنا الحي أن يكون حديثه عن الفكر المقاصدي عند الإمام يفيد أن هناك نظرية مقاصدية مكتملة العناصر لدى الإمام مالك؛ مذكرا كيف أن “تدوين العلوم الشرعية بصفة عامة لم تنشط حركته إلا في بداية القرن الثاني الهجري وما بعده، وأن علم أصول الفقه بالذات لم يتم تدوين مباحثه وتفصيلها وضبطها إلا مع كتابات الإمام الشافعي وعلى الخصوص في كتابه الرسالة وبعض الكتب الواردة ضمن مؤلفه الكبير “الأم”” مضيفا أن “مقاصد الشريعة يمكن أن تدرج ضمن مباحث علم أصول الفقه، كما يمكن القول باستقلالها عند البعض. والذي يهمنا، يواصل الضيف الكريم، هو أن مبحث المقاصد في القرن الثاني الهجري لم يكن الكلام فيه كمبحث مستقل وإنما كان يتم الاجتهاد الفقهي على وفق النظر فيما تتطلبه المقاصد الشرعية كما كان الشأن في كثير من اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم والتابعين. وإنما بدأ الكلام في المقاصد كمبحث مستقل مع أواخر القرن الثالث الهجري وما بعده..”

وبالنسبة للموقع الذي يندرج فيه الفكر المقاصدي عند الإمام مالك ضمن التطور العام لنظرية المقاصد، أوضح الباحث أن الأمر “يتحدد أساسا في كونه أحسن من فهم وطبق اجتهادات الصحابة والتابعين وعلى وجه الخصوص من كانوا من علمائهم بالمدينة وعلى رأس هؤلاء، عمر بن الخطاب بالنسبة لمجال فقه الرأي والاجتهادات المبنية على المقاصد بالإضافة لاجتهادات عبد الله بن عمر، فيما يخص الفقه المستند أساسا على الأثر، ويضاف إلى ذلك اجتهادات “الفقهاء السبعة” حيث انتقل علم هؤلاء كلهم إلى الإمام مالك، فكان اجتهاده مبنيا على مذهب جماعي، وكان فكره المقاصدي مقتبسا من كثير من اجتهادات سابقيه التي كانت ترتكز أيضا على عمل أهل المدينة”..

وأما فيما يخص من لحقه فقد أبرز الضيف أن “تطور الفكر المقاصدي فيما بعد أخذ يتجلى في كثير من الاجتهادات وعلى رأسها: الاجتهادات الفقهية التي قام بها تلاميذ الإمام مالك، وعلى رأسهم عبد الرحمن بن القاسم، حيث تم التوسع في القواعد والأصول التي كان يعتمدها مالك والتخريج عليها، ثم تم ضبط كل ذلك فيما بعد في كثير من الأفكار مع بعض أعلام المذهب المالكي وغيرهم وعلى رأسهم ابن العربي، والقرافي، ثم الإمام الشاطبي..”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق