الرابطة المحمدية للعلماء

الأمين العام للأم المتحدة يكتب عن “توفير الطاقة المستدامة للجميع”

تنشر بوابة الرابطة المحمدية للعلماء، هذا المقال الصادر عن بان كي مون، الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، وصدر مؤخرا في يومية “نيويورك تايمز” الأمريكية”، حيث تداولته العديد من المنابر الإعلامية لأهميته ونوعيته، ومن باب تعميم الفائدة، على المتصفحين الكرام لموقع البوابة، ننشره في هذا السياق:

كطفل نشأ خلال الحرب الكورية، كانت دراستي على ضوء الشموع، وكانت وسائل الرفاهية الكهربائية مثل الثلاجات والمراوح غير معروفة إلى حد كبير. بيد أنه خلال حياتي، تغيرت هذه الحقيقة كلية. فقد فتحت سهولة الوصول إلى الطاقة إمكانات جديدة وفيرة لأسرتي وبلدي.

الطاقة تغير من شكل الحياة والأعمال والشركات والاقتصادات، وتغير من شكل كوكبنا، مناخه وموارده الطبيعية وأنظمته البيئية، ولن يكون هناك تطور من دون طاقة. واليوم لدينا الفرصة لتشغيل التدفئة والكهرباء في كل منزل في العالم، مهما كان فقيرا، على الرغم من التراجع في استخدام أنظمة تنقية الهواء. والحل هو توفير الطاقة المستدامة للجميع.

وكي ننجح فنحن بحاجة لكي يجلس الجميع إلى الطاولة – من حكومات وقطاع خاص ومجتمع مدني – والعمل معا لإنجاز ما لا يستطيع أي منا القيام به بمفرده. والأمم المتحدة هي المكان الأمثل لجمع هذا النطاق الواسع من اللاعبين والتنسيق بينهم. وربما كان ذلك هو السبب في طرحي لمبادرتنا الجديدة، الطاقة المستدامة للجميع. ومهمتنا تتمثل في تحفيز التحرك الفوري القادر على تحقيق نتائج حقيقية للأفراد والكوكب.

هذه هي الرسالة التي سأحملها معي إلى قمة أبوظبي التي تبدأ الاثنين المقبل. وبحسب رؤيتي لها، فإننا نواجه تحديين ملحين في الطاقة.. الأول هو أن كل واحد من بين خمسة أشخاص على كوكب الأرض لا يستطيع الحصول على الكهرباء، وضعف هذا العدد، أي ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص على الأرض، يستخدمون الخشب والفحم أو مخلفات الحيوانات لطهي الطعام وتدفئة المنازل، وتعريض أنفسهم وعائلاتهم للأدخنة والأبخرة الضارة. فقر الطاقة هذا يدمر التنمية البشرية.

التحدي الثاني هو تغير المناخ، حيث تسهم الغازات الدفيئة المنبعثة من حرق الوقود الحفري بصورة مباشرة في تدفئة الغلاف الجوي للأرض، وكل النتائج المتعلقة بها من ارتفاعات قصوى في درجة الحرارة والكوارث الطبيعية التي تعرض حياتنا ومعيشتنا ومستقبل أطفالنا للخطر.

توفير الطاقة المستدامة للجميع بحلول عام 2030 تحد كبير، لكنه قابل للتحقيق. ورؤيتي هي لعالم قادر على الوصول إلى الطاقة مقرونا بمعدلات تحسن كبيرة في كفاءة استخدام هذه الطاقة ومضاعفة الطاقة المتجددة، بمزيجنا من مصادر الوقود. المعوقات ليست تقنية بقدر ما هي بشرية. ونحن بحاجة إلى رفع الطاقة المستدامة إلى رأس أولويات الأجندة العالمية، وتركيز اهتمامنا وإبداعاتنا ومواردنا واستثماراتنا لتحقيق ذلك.

ولعل الهواتف الجوالة خير مثال على ذلك، فقبل 20 عاما بدت قدرة الجميع على استخدام الاتصالات الجوالة أمرا منافيا للعقل. لكن ما إن طبقت الحكومات أطر عمل ملائمة، واستثمر القطاع الخاص الموارد، وقاد نموذج أعمال، حتى انفجرت ثورة الاتصالات.

ويمكن لنموذج مماثل أن يطبق في مجال الطاقة المستدامة. ويمكن للبلدان النامية تخطي الخيارات التقليدية لصالح حلول الطاقة النظيفة، تماما كما تتخطى تكنولوجيا الهواتف الأرضية لصالح شبكات الهاتف الجوال. ويمكن للبلدان الصناعية دعم هذا التحول إلى التكنولوجيات منخفضة الانبعاثات. هذا هو ما ينبغي علينا القيام به للحد من الفقر وحماية كوكبنا. وربما يكون ذلك أفضل ما يمكن القيام به لزيادة فرص العمل في أسرع الأسواق نموا في العالم، فحشد رؤوس الأموال الخاصة أمر ضروري، لا سيما في وقت تتعرض فيه الميزانيات العامة لضغوط.
ومع تفعيل الأطر السياسة المناسبة، يمكن أن يكون العائد على الاستثمار هائلا، متمثلا في زيادة الإنتاجية والنمو وخلق فرص العمل، بما في ذلك أصحاب مبادرات الأعمال المحليين وتحسين الصحة العامة، وتعزيز أمن الطاقة ومناخ أكثر استقرارا.

وقد شهدت صناعة الطاقة المتجددة خلال السنوات الخمس الماضية نموا هائلا، فزادت السعة، وتحسن الأداء، وتراجعت الأسعار، وظهرت منتجات جديدة تتطلب قدرا أقل من الطاقة، وربما كان هذا أساسا صلبا يمكن من خلاله بناء تحول الطاقة الكبير القادم.

وقد وضعت ما لا يقل عن 118 دولة أهدافا سياسية، أو وضعت سياسات طاقة متجددة داعمة. بيد أننا قادرون، أو ينبغي أن نبذل المزيد. وفي الطريق إلى مؤتمر ريو حول التنمية المستدامة، شجعت الحكومات القطاع الخاص وحملة الأسهم على تقديم وعود ملموسة لتنفيذ المبادرات على الأرض.

وبمقدور الحكومات تطوير المزيد من خطط الطاقة الوطنية الطموحة، وتوفير الدعم المالي، وتعديل التعريفات القاسية. ويمكن القيام بعمليات وتكوين سلاسل إمداد أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وتكوين شراكات بين القطاعين العام والخاص تعمل على توسيع منتجات الطاقة المستدامة. ويمكن للمستثمرين توفير أموال أولية لتقنيات الطاقة النظيفة. ويمكن للحكومات والصناعة والأوساط الأكاديمية أن تسهم جميعا في البحوث الجديدة.

يرى البعض أنه في أوقات الشكوك الاقتصادية تكون الاستدامة ترفا لا نستطيع تحمله. وأقول إننا لا نستطيع الانتظار. والعلوم والاقتصاد يصلان إلى نتيجة واحدة وهي أن دفع النمو الاقتصادي، وانتشال الأفراد من الفقر وحماية كوكبنا، تشكل جميعها جانبا من نفس الأجندة، أجندة التنمية المستدامة، وما يجمعها معا هو الطاقة.

والطاقة المستدامة للجميع فكرة حان وقتها، وتحويل الأفكار إلى واقع يعتمد علينا جميعا.

بان كي مون
 الأمين العام للأمم المتحدة
خدمة “نيويورك تايمز”، نقلا عن يومية “الشرق الأوسط” اللندنية، عدد 13 يناير 2012.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق