مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

أصول التصوف من خلال السنة النبوية

ذ.مصطفى بوزغيبة

باحث بمركز الإمام الجنيد

يعتبر التصوف ركن من أركان الدين الإسلامي، فهو مقام الإحسان الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك»،[1] والتصوف يستمد أصوله ومبادئه من المصدرين الزكيين: الكتاب والسنة النبوية المطهرة، شأنه شأن باقي العلوم الشرعية، على الرغم من أن البعض يشكك في استمداد التصوف من القرآن الكريم والسنة النبوية، ويذهبون إلى أن التصوف يستمد من الديانات الأخرى كالرهبانية عند اليهود والنصارى… بل يرجع البعض استمداد التصوف إلى الديانات الوضعية كالبوذية وغيرها.

وهذا المقال محاولة لتتبع الأصول التي بنى عليها الصوفية مذهبهم من خلال السنة النبوية الشريفة، باعتبارها المصدر الثاني في التشريع.

فإذا كان الفقهاء قد اتفقوا على جعل السنة النبوية المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، فإن الصوفية بدورهم لم يختلفوا عما سار عليه الفقهاء، فالفقهاء أرجعوا أمورهم إلى ثلاثة أو أربعة أحاديث، وهي:

حديث عمر بن الخطاب: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».[2]

 وحديث النعمان بن بشير: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».[3]

 وحديث: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ».[4] 

 وحديث: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس».[5]

 وقد جمع الحافظ أبو الحسن طاهر بن مفون المعافري الأندلسي أصول الدين ـ على خلاف بين العلماء في تحديدها ـ في بيتين وهما:

عمدة الديــن عندنا كلمـات          أربع من كلام خير البريـه

    اتق الشبهات وازهـد ودع ما          ليس يعنيك واعملن بنيـة[6] 

أما الصوفية فقد ردوا جميع ما تكلموا فيه إلى أربعة أحاديث هي معتمدهم وأصلهم وهي:

1- حديث جبريل حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإحسان، فقال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه »[7]

2- وحديث عبد الله بن عباس أنه قال: أخذ الرسول بيدي، وقال لي: «يا غلام، احفظ الله يحفظك».[8]

3- وحديث وابصة: «الإثم ما حاك في صدرك، والبر ما اطمأن إليه نفسك»[9].

4- وحديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الحلال بين والحرام بين»،[10] وقوله: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام».[11]

يتبين لنا أن الصوفية بنوا مذهبهم على مجموعة من الأحاديث اتخذوها أصولا ومنارات، وعمدة في منهجهم التربوي والتزكوي، ومرجعا يحتكمون إليها.

 الهوامش:

[1] – صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: الإيمان والإسلام.  رقم 50.

[2] – أخرجه البخاري، باب: بدء الوحي. رقم 1.

[3] – أخرجه البخاري، كتاب: الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه. رقم 52. وأخرجه مسلم، كتاب: المساقاة، باب:  أَخْذِ الْحَلَالِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ. رقم 715.

[4] – سنن الترمذي، كتاب: الزهد، بَاب فِيمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يُضْحِكُ بِهَا النَّاسَ، رقم الحديث: 2250. وأخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الفتن، بَاب: كَفِّ اللِّسَانِ فِي الْفِتْنَةِ.رقم الحديث: 3974.

[5] – أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب: الزهد، باب: الزهد في الدنيا، رقم الحديث: 4100، وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، رقم الحديث: 7942.

[6]– انظر جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، 12- 13.

[7]– صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: الإيمان والإسلام.رقم 50.

[8]– البيهقي في شعب الإيمان، باب في أن القدر خيره وشره من الله عز وجل، رقم195، 1/ 217.

[9] – مسند الإمام أحمد، رقم 17538.

[10]– صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه رقم 52 . صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال  وترك الحرام. رقم 715.

[11]– اللمع، الطوسي،  143.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق