مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

وقفات مع حديث عائشة رضي الله عنها”كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان”

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين.

وبعد؛

فإن حديث عائشة رضي الله عنها الذي قالت فيه: “كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان”، قال يحيى: الشغل من النبي أو بالنبي صلى الله عليه وسلم.

فيه مسائل فقهية متعددة، ومقاصد شرعية عظيمة، ومعاني حديثية جليلة، ودرر وفوائد قيمة، ولهذا اخترت الوقوف على بعض فقه هذا الحديث ومقاصده من خلال شروح الحديث وفق ما يلي.

ـ أولا: تخريج الحديث:

أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: كتاب الصوم، باب متى يقضى قضاء رمضان، رقم الحديث: (1950) [1] والإمام مسلم في صحيحه: كتاب الصيام، باب قضاء رمضان في شعبان، رقم: (1146) [2]، والفظ للبخاري.

ـ  ثانيا: الوقوف على بعض معاني الحديث وفقهه.

هذا الحديث فيه من الفقه والمعاني ما يلي:

* جواز تأخير قضاء الفائت من رمضان إلى شعبان مع العذر، قال ابن دقيق العيد: “فيه دليل على جواز تأخير قضاء رمضان في الجملة، وأنه موسع الوقت”[3].

*  عدم جواز تأخير القضاء إلى رمضان  ثان،  قال ابن دقيق العيد:” وقد يؤخذ منه: أنه لا يؤخر عن شعبان حتى يدخل رمضان ثان”[4].

* تأخير عائشة رضي الله عنها قضاء الفائت من رمضان إلى شعبان فيه الأخذ بالرخصة والتوسعة، قال ابن بطال: “إنما حمل عائشة على قضاء رمضان في شعبان الأخذ بالرخصة والتوسعة، لأن ما بين رمضان عامها ورمضان العام المقبل وقت للقضاء ، كما أن وقت الصلاة له طرفان ، ومثله قوله عليه السلام: “ليس التفريط في النوم ، إنما التفريط في اليقظة”[5]، على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى ، وأجمع أهل العلم على أن من قضى ما عليه من رمضان في شعبان بعده أنه مؤد لفرضه غير مفرط” [6].

* تقديم حسن العشرة على باقي الفرائض، ما لم تخالف فرضا محصورا بالوقت. قال عبد الرحمن بن الجوزي: “اعلم أن تأخير قضاء رمضان جائز إلى شعبان، إلا أنه إذا بيَّت النية ليقضي، ثم أصبح صائما لم يجز له أن يُفطر ذلك اليوم؛ لأنه بشروعه فيه قد تعين، وقام مقام المقضي، وكانت عائشة أحب نسائه إليه، فلم يمكنها أن تبيت النية للقضاء مخافة أن يريدها فأخرت القضاء قضاء لواجب حقه، فلما علمت أنه يصوم شعبان أخذت في القضاء، وقد دل هذا على أن حق الزوج مقدم على كل شيء ما خلا الفرائض”[7].

وقال المباركفوري:”وفي الحديث إن حق الزوج من العشرة والخدمة يقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضا محصورا في الوقت”[8].

* عدم جواز صيام المرأة النفل إلا بإذن زوجها، وأيضا قضاء رمضان إذا لم يضق الوقت، قال فيصل بن عبد العزيز النجدي: “لا يجوز للمرأة أن تصوم نفلا إلا بإذن زوجها، وكذلك قضاء رمضان إذا لم يضق الوقت، قالت عائشة: “كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان للشغل برسول الله – صلى الله عليه وسلم” [9].

هذا ما تيسر الوقوف عليه من الفوائد من حديث عائشة رضي الله عنها الذي جمع مسائل فقهية ومقاصد ومعاني كثيرة في ألفاظه القليلة.

**************

هوامش المقال:

[1]  صحيح البخاري(3 /35).

[2]  صحيح مسلم(2 /802).

[3]  إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام(2 /23).

[4]  إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام(2/ 23).

[5]  أخرجه الإمام أحمد في مسنده رقم الحديث: (22600 )(37 /287).

[6]  شرح البخاري لابن بطال(4 /95).

[7]  كشف المشكل من حديث الصحيحين(4 /352).

[8]   مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(7 /23)

[9]  تطريز رياض الصالحين(1 /207).

***********

جريدة المصادر والمراجع:

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لتقي الدين أبي الفتح محمد بن علي ابن دقيق العيد، تحقيق:مصطفى شيخ مصطفى و مدثر سندس، مؤسسة الرسالة، ط1، 1426 هـ – 2005 م

تطريز رياض الصالحين، لفيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي، تحقيق: د. عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم الزير آل حمد، دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1423 هـ – 2002 م.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه،لمحمد بن إسماعيل أبي عبد الله البخاري الجعفي،تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت-لبنان، دار المنهاج، جدة-السعودية، ط1، 1422، مصورة عن الطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1311.

شرح صحيح البخاري لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، تحقيق : أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد – السعودية ـ الرياض، ط2 – 1423هـ – 2003م

كشف المشكل من حديث الصحيحين لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، تحقيق : علي حسين البواب دار النشر دار الوطن – الرياض، 1418هـ – 1997م

مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لأبي الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني المباركفوري، إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء ـ الجامعة السلفية – بنارس الهند، ط3، ـ 1404 هـ، 1984 م.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمسلم بن الحجاج أبي الحسن القشيري النيسابوري،تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

مسند أحمد بن حنبل لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط ـ عادل مرشد، وآخرون،مؤسسة الرسالة،ط1، 1421هـ ـ 2001م.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار.

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق