مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من مظاهر الرحمة النبوية بالأرامل في السيرة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

تقديم:

    كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على ضمان حقوق النساء، وحمايتهن من الأذى، وقد كان دائم الوصية بهن”استوصوا بالنساء خيرا”([1])، وتكررت منه صلى الله عليه وسلم هذه الوصية في آخر أيام حياته وذلك في حجة الوداع، وهو يخاطب أمته بذلك فقال صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم”([2])، وقال صلى الله عليه وسلم : “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”([3])، وما بالك بالأرملة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليها، وجعل الساعي عليها كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار” ([4]).

لأجل ذلك سأحاول في هذا المقال أن أقف وإياكم على بعض مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم بالأرامل، لكن قبل ذلك ارتأيت أن أعرف معنى الأرملة أولا، ثم أتحدث بعدها عن بعض مظاهر عناية النبي صلى الله عليه وسلم بها، وهذا أوان الشروع في الموضوع فّأقول وبالله التوفيق والسداد:

تعريف الأرملة:

الأرملة: هي المرأة التي لا زوج لها، وقد أرملت؛ بمعنى المرأة التي مات عنها زوجها([5]).

قال النووي: “الأرملة من لازوج لها، سواء كانت تزوجت أم لا، وقيل هي التي فارقت زوجها”([6]).

وقال ابن قتيبة : “سميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال، وهو: الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج”([7]).

من مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأرامل:

    لقد أولى النبي صلى الله عليه وسلم عناية فائقة بالأرامل، فكان لا يتكبر عليهن ولا يأنف منهن، بل يسارع إلى قضاء حوائجهن، فقد روى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين؛ فيقضي له الحاجة”([8]).

ومن رحمته بهن: أنه كان يحسن إليهن ويتصدق عليهن، فعن ابن عباس قال: “قدمت عير المدينة، فاشترى النبي صلى الله عليه وسلم منها، فربح أواقي فقسمها في أرامل بني عبد المطلب، وقال: لا أشتري شيئا ليس عندي ثمنه”([9]).

ومن رحمته بالأرامل: زواجه صلى الله عليه وسلم بالنساء اللاتي توفي عنهن أزواجهن في الجهاد في سبيل الله، واللاتي لم يكن لهن كفيلا؛ إكراما لهن، وتطيبا لنفوسهن، كالسيدة أم المساكين زينب بنت خزيمة رضي الله عنها، التي استشهد زوجها، إثر الجراح التي أصابته يوم بدر([10]).

بل رفع النبي صلى الله عليه وسلم من قدر راعي شؤونهن ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار”([11])؛ لأن السعي عليهن سبب لرحمة الله تعالى، ذلك أن الله تعالى جعل ثواب الساعي على مصالحهن كثواب المجاهد في سبيل الله تعالى، أو الصائم النهار من غير فطر، أو القائم الليل من غير فتور.

قال النووي: “المراد بالساعي الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما”([12])، وقال ابن حجر: “السَّاعي: الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملةَ والمسكين”([13]) ،وقال الطيبي: “وإنما كان معنى الساعي على الأرملة ما قاله النووي، لأنه صلى الله عليه وسلم عداه بـ: “على” مضمنا فيه  معنى الإنفاق”([14]).

كما أوصى بحسن معاملة المرأة عامة ، وبالأرامل منهن خاصة، محذرا الأمة عواقب تضييع حقوقهن، والاعتداء عليهن، واستغلال ضعفهن، فقال: “اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة”([15]).

     هذه هي بعض أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في رعايته واهتمامه بالأرامل، وخير ما نختم به ما قاله أبو طالب مادحا خلقه صلى الله عليه وسلم مع هذه الفئة في المجتمع، قال:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى، عصمة للأرامل([16])

***************

هوامش المقال:

([1])  جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه (1 /673) كتاب: الرضاع، باب: الوصية بالنساء، برقم: (1468).

([2])  جزء من حديث رواه الترمذي في سننه (2 /455) أبواب: الرضاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في حق المرأة على زوجها برقم: (1163). وقال: هذا حديث حسن صحيح.

([3])  رواه الترمذي في سننه (6 /188-189) كتاب: المناقب، باب: في فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، برقم: (3895).

([4])  رواه البخاري في صحيحه (3/ 424)، كتاب: النفقات، باب:  فضل النفقة على الأهل، برقم: (5353)، ومسلم في صحيحه (2/1360)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: الّإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، برقم: (2982) وهذا لفظ البخاري.

([5])  مختار الصحاح (ص: 257) مادة: “رمل”.

([6])  صحيح مسلم بشرح النووي (9/ 339).

([7])  نقلا من صحيح مسلم بشرح النووي (9/ 339).

([8])  أخرجه النسائي في سننه (2 /76) كتاب: الجمعة، باب: ما يستحب من تقصير  الخطبة برقم: (1414) قال الألباني: صحيح صحيح سنن النسائي(1/ 456)..

([9])  أخرجه أحمد (4/ 6-7) برقم: (2093)

([10])  منتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (ص: 48).

([11])  أخرجه البخاري في صحيحه (3 /424) كتاب: النفقات، باب: فضل النفقة على الأهل، برقم: (5353)، ومسلم في صحيحه (2/1360)، كتاب: الزهد والرقائق، باب: الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، برقم: (2982) واللفظ للبخاري.

([12])  مسلم بشرح النووي (9 /339).

([13])  فتح الباري (10/ 490).

([14])  شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (9/ 199).

([15])  سنن ابن ماجه (4 /222)، كتاب: الأدب، باب: حق اليتيم، برقم: (3678).

([16])  صحيح البخاري (1 /318).

********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400.

الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي بيروت.ط1/ 1996.

سنن ابن ماجه. لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني. تحقيق: محمود محمد محمود حسن نصار. دار الكتب العلمية بيروت. 2018.

سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي تحقيق: عبد الوارث محمد علي. دار الكتب العلمية بيروت. 2012.

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى: الكاشف عن حقائق السنن. لشرف الدين الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي. اعتنى به وعلق عليه أبو عبد الله محمد علي سمك. دار الكتب العلمية بيروت. 2013.

صحيح سنن النسائي. لمحمد بن ناصر الدين الألباني. مكتبة المعارف الرياض. ط1/ 1419-1998.

صحيح مسلم بشرح النووي. حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة. ط3/ 1419-1998.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.

فتح الباري بشرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز. دار الفكر بيروت ط1/ 1441-2019.

مختار الصحاح. لمحمد بن أبي بكر الرازي. عني بترتيبه: محمود خاطر. دار المعارف القاهرة. ط8 /2019.

مسند أحمد (ج4). أشرف على تحقيقه: شعيب الأرنؤوط- عادل مرشد. مؤسسة الرسالة بيروت. ط1/ 1416- 1995ـ.

منتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. لمحمد بن الحسن بن زبالة رواية الزبير بن بكار. تحقيق: أدرم ضياء العمري. مطبعة الجامعة الإسلامية المدينة المنورة ط1/ 1401ـ- 1981.ـ

*راجع المقال الباحث: يوسف ازهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق