وحدة الإحياءأعلام

من أعلام تازة علي بن عبد السلام التسولي.. الفقيه المصلح المجاهد

أثناء البحث عن أعلام إقليم تازة كنت أعثر بين الحين والآخر على تراجم مختصرة لبعض الفقهاء الذين ينتمون إلى هذا الإقليم كالتسول والبرانس وجزناية ومجاص ورشيدة، مخلفا البعض منهم مؤلفات فقهية، والبعض الأخر نوازل شرعية، بينما آخرون لم أعثر لهم إلا على ترجمة قصيرة.

ولعله من المفيد أن أشير إلى بعض الفقهاء الذين أنجبتهم قبيلة التسول، ثم أركز الحديث على فقيهنا التسولي المصلح المجاهد بيت قصيد هذا البحث القصير.

1. الفقيه موسى بن محمد التسولي

جاء في “درة الحجال…”ج2 ص: 316 ما يأتي: “موسى بن محمد بن الحسن بن أبي بكر التسولي، الشيخ الصالح المدرس الورع الأستاذ شيخ ابن الأزرق، توفي بمدينة فاس سنة 716ﻫ، ودفن بمقبرة من مسجد الصابرين داخل باب الجيريين قرب أبي زيد الهزميري”.

2. الفقيه علي بن عبد الرحمن التسولي

 “ومنهم أبو الحسن علي بن عبد الرحمن التسولي، الفقيه المحدث العلامة النحوي، أخذ عن أبي العباس الزقاق وابن غازي وغيرهما، وأخذ عنه الإمام القصار وغيره، له نظم جيد، توفي سنة 966ﻫ”.

3. الفقيه سيدي أحمد بن الحسن التسولي

“ومنهم سيدي أحمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد التسولي، الفقيه الأستاذ النحوي المحدث، أخذ بمدينة فاس عن الأستاذ المكثر الرواية المحدث أبي العباس أحمد بن محمد الدقون، وعن الأستاذ أبي عبد الله بن غازي وعن الشيخ زروق، وأخذ عنه القصار وغيره، وكان له نظم رائق، قال في “الجذوة” توفي بفاس في شهر رجب عام: 969ﻫ”

4. الفقيه عيسى بن عمران التسولي

“قال عنه صاحب “المعجب…” عند ذكر قضاة يوسف بن عبد المومن الموحدي ما نصه: قضاته.

“عبد الله المالقي، ثم عزله وولى بعده عيسى بن عمران التازي من أهل رباط تازة من قبيلة يقال لها التسول من البربر يرجعون إلى زناتة”.

كان عيسى هذا من فضلاء أهل المغرب ونبهائهم، وكان خطيبا مصقعا وبليغا لسنا وشاعرا مفلقا، مشاركا في كثير من العلوم…”ﻫ.

وجاء في كتاب بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس”:

“عيسى بن عمران قاضي الجماعة، فقيه حافظ عالم متصرف في العلوم جامع لها، خطيب مصقع…”.

توفي بمراكش وهو يتولى قضاء الجماعة لخمس بقين من شعبان عام 578ﻫ.

5. الفقيه إبراهيم التسولي الملقب بابن أبي يحيى

“جاء في كتاب “المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا” لأبي الحسن النباهي المالقي الأندلسي ما يأتي:

“ومنهم الشيخ الفقيه أبو إسحاق إبراهيم التسولي التازي، تولى خطة القضاء، واستعمل في السفارة فحمدت حالته وشكرت سيرته، وكان صدر فقهاء وقته، مشاركة في الفنون وقياما على الفقه…” ثم قال: “وتعرفت أنه إلى داره من تازة بلده فتوفي بها في حدود: 749ﻫ…”.

6. الفقيه يحيى بن الحسن التسولي: كاتب العلامة

كاتب العلامة أو صاحب العلامة هو الذي يتولى التوقيع باسم السلطان ويضع شارته على المخاطبات والمراسيم الملكية، وكانت هذه الوظيفة من أهم الوظائف الإدارية في القصور المغربية، ويعرف بابن أبي دلامة. وقد تولى هذه الوظيفة مع ثلاثة ملوك مرينيين.

يقول ابن القاضي في “جذوة الاقتباس…”ج2 ص: 539: “يحيى بن أبي دلامة الفقيه الكاتب واضع العلامة عند أبي سعيد بن أبي العباس بمدينة فاس، وكان ممن شهد له في عصره أنه حاز في النظم الفائق قصب السبق، وكان من الأدباء، ذكره التاورتي ولم يذكر وفاته”ﻫ

7. الفقيه ابن بري التسولي

ومن الفقهاء الذين أنجبهم إقليم تازة أبو الحسن علي بن محمد الشهير بابن بري التسولي الأصل التازي الدار، ولد في حدود: 660ﻫ وتوفي بتازة عام 730ﻫ كان ابن بري عالما مشاركا، وقد أجمع الذين شرحوا منظومته “الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع” على تحليته بالفقيه الكاتب البارع البليغ، اللغوي النحوي العروضي الفرضي بالإضافة إلى تبحره في علوم القرءان.

وقد تجلى تفقهه في المؤلفات الآتية:

  1. وضع شرحا على كتاب “التهذيب” في اختصار المدونة، لأبي سعيد البراذعي ولم يكمله.
  2. كما وضع شرحا على وثائق العالم العلامة أبي إسحاق إبراهيم ابن عبد الرحمن الغرناطي.
  3. كتب تأليفا في الوثائق، ذكر هذه المؤلفات شراح منظومته “الدرر اللوامع”.
  4. شرح قصيدة في الفرائض، فقد ذكر الأستاذ البحاثة السيد محمد المنوني في مجلة “تطوان” عدد: 8 سنة 1963 أنه يوجد في مكتبة الخزانة الحمزاوية شرح قصيدة في الفرائض لأبي الحسن علي بن محمد الشهير بابن بري التازي شرح فيه القصيدة التي نظمها في الفرائض أبو الحسن علي بن عطية الونشريسي المكناسي…
  5. الفقيه علي بن عبد السلام التسولي المصلح المجاهد

هو القاضي العالم العلامة حامل لواء المذهب المالكي بالمغرب والمطلع على أسراره، أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي أصلا ومنشأ، كان فقيها مشاركا محررا، له اليد الطولي في علم النوازل والأحكام.

يحدثنا الأستاذ الباحث الحسن اليوبي عن مراحل تعليم فقيهنا التسولي وشيوخه وتلامذته فيقول[1]: “كان الطفل المغربي في عصر الفقيه سواء في المدينة أو القرية يبدأ تعليمه في الكتاب”المسيد” حيث يلقن مبادئ القراءة والكتابة، ويحفظ القرءان الكريم، ثم ينتقل بعد ذلك إلى متابعة دراسته بأحد المراكز العلمية، حيث كانت تلقى الدروس في حلقات تعقد بالمسجد، وهي دروس يتعلق أغلبها بالناحية الدينية كالتفسير والحديث والفقه والأصول، وبعد أن ينال الطالب ثقة مدرسيه يحصل على إجازة تخول له ممارسة التدريس، وهذا هو السبيل الذي سلكه الفقيه التسولي، فقد تلقى تعليمه الأولي في كتابه بالقرية، ثم انتقل إلى مدينة فاس لإتمام دراسته بجامع القرويين، وهو أهم مركز علمي في المغرب أنذاك، وبعد حصوله على الإجازة انتقل إلى وظيفة التدريس، وهي وظيفة ظل محافظا عليها إلى جانب تعاطيه للإفتاء وحتى في الفترات التي تقلد فيها منصب القضاء”.

وقد اهتمت المصادر بشيخين كبيرين من شيوخه وهما:

  1. الشيخ محمد إبراهيم الدكالي الذي تولى القضاء والإفتاء بمدينة فاس، وكان عمدة الفقيه التسولي في الفقه، والفقيه يذكره في مؤلفاته بإعظام وتقدير”.
  2. الشيخ حمدون بن الحاج، وهو من الفقهاء النابغين بمدينة فاس، وقد عرف الشيخ الأول كعلامة في الفقه ومبرز في الإفتاء، فكان له على الفقيه أثر من الناحية الفقهية…

أما الشيخ الثاني فقد عرف بتضلعه في التفسير والشعر والتصوف، ولعله هو صاحب الفضل في ميل الفقيه إلى العودة لنصوص الكتاب والسنة والاهتمام بها في مؤلفاته”.

“وقد أخذ عن الفقيه تلاميذ منهم: الشيخ علي قصارة والشيخ أحمد المرنيسي وغيرهما”ﻫ.

وقال في حقه أبو محمد العربي بن علي المشرفي في كتابه: “نزهة الأبصار لذوي المعرفة والاستبصار…” المخطوط بالخزانة الحسنية رقم: 5616 وبالخزانة العامة: 5795 وهو يتحدث عن تراجم بعض فقهاء إقليم تازة:

“ومنهم العلامة نحرير المدرسين وإمام أهل النظر المتنافسين، أبو الحسن سيدي علي التسولي، كان فقيها جليلا ذا همة عالية، يتنافس الناس في الجلوس إلى مجلسه للدرس، تولى خطة القضاء بفاس سنة 1247″ وأتم شرح الشامل” بأمر من مولاي سليمان، فقد شرحه بعض العلماء ومات قبل إتمامه، وأراد مولاي سليمان إتمامه على منوال صاحبه، فقيل للسلطان: هذا هو الذي يتممه على نحو ما أردت، فلما أكمله ورآه السلطان قدس الله ضريحه أعجبه هذا الصنيع وأحسن إليه”ﻫ.

بينما ورد في مجلة “دعوة الحق” في البحث الذي أعده الباحث السيد الحسن اليوبي والأستاذ بكلية الشريعة بفاس حول: “الفقيه بن عبد السلام التسولي ونوازله” ما يأتي[2].

“وفي سنة1231ﻫ نجد الفقيه يتصل بالسلطان سليمان، ويظهر أنه تمتع بشهرة فقهية لا يستهان بها في هذه المرحلة من حياته، لأنه كلف من طرف السلطان بإتمام شرح شامل بهرام، وكان السلطان قد كلف الفقيه محمد ابن هنو اليازغي المتوفى سنة1231ﻫ بشرح كتاب “الشامل” إلا أن اليازغي توفي قبل إتمام الشرح، فكلف السلطان الفقيه التسولي وقد توفي السلطان قبل أن يتم الشرح، مما جعل خلفه عبد الرحمن يحث الفقيه التسولي على إتمامه”ﻫ.

وقد خلف هذا الفقيه النوازلي آثارا فقهية هامة:

  1. “البهجة على شرح التحفة” وهو مطبوع في جزأين من الحجم الكبير
  2. شرح أو حاشية على “لامية الزقاق” ويوجد مخطوطا بمكتبة المرحوم العلامة سيدي عبد الله كنون الحسني بطنجة.
  3. تكملة شرح “الشامل” للفقيه بهرام، ويوجد مخطوطا في أربعة أجزاء بخزانة القرويين.

وقد ذكر الأستاذ المرحوم العابد الفاسي في الجزء الأول من مخطوطات خزانة القرويين أن الفقيه التسولي أتم شرح “الشامل” في أربعة أجزاء، وأن المؤلف تعرض في آخره إلى قضية حانوت بسوق السباط، حبسها السلطان مولاي سليمان على من يدرس “الشامل” لبهرام، وكان الشارح يتصرف في خراجها مدة، ثم بيعت أيام الفتنة 1236ﻫ وقدم الشيخ التسولي لأمير وقته قصيدة تائية في الموضوع، منكرا بيعها من الوجهة الشرعية، وطالبا رجوعها لأصلها من التحبيس، وعقب القصيدة وثيقة استرعائية بتحبيس الحانوت المذكورة بعام 1248ﻫ ثم علامة عدلين”ﻫ.

  1. “مناقب وكرامات مولاي العربي بن الشيخ الطيب الوزاني” وهو مخطوط بخزانة القرويين تحت رقم: 2636.
  2. “النوازل” وقد سماها: “الجواهر النفيسة فيما يتكرر من الحوادث الغريبة ولازالت مخطوطة بالخزانة الحسنية تحت رقم: 12574 والتي تبلغ ستة مجلدات.

وهذه النوازل أو الفتاوى الفقهية قد كتب عنها في بحث مستفيض بمجلة “دعوة الحق” عدد: 1297 السيد حسن اليوبي الأستاذ بكلية الشريعة بفاس فقد تعرض في بحثه القيم لهذه النوازل، وأعطى نظرة مركزة على كل جزء من أجزائها، مع بيان مكانتها الفقهية، خصوصا وأنها، كما قال الكاتب، “تمثل في غالب الأحيان اجتهادات فقهية تتناول ما جد في حياة الناس من أحداث، كما أنها تعتبر مادة خصبة يستمد منها الباحث الاجتماعي معالم مهمة من حياة المجتمع والعصر الذي تمثله”ﻫ. فمتى تخرج هذه النوازل من غياهب الرفوف إلى نور المطابع كما خرجت نوازل مغربية أخرى؟ هل من ناشر مشكور سلفا؟ هذا الجانب الفقهي الهام الذي اشتهر به فقيهنا التسولي، إلا أن هناك مظهرا آخر في حياة هذا الفقيه، هو اهتمامه بإصلاح المجتمع الذي يعيش فيه، ولعل نوازله تدخل ضمن هذا الاهتمام، كما اهتم أيضا – مدفوعا بروح إسلامية – بما يجري من مؤامرات استعمارية ضد استقلال الجزائر تلك المؤامرات التي كانت تقض مضاجع المغاربة عموما قمة وقاعدة كما يقال، فلم يقف فقيهنا التسولي متفرجا، بل جاهد بقلمه ولسانه ما استطاع، ودعا إلى ذلك.

وقد تجلت مظاهر هذا الإصلاح والجهاد فيما يأتي:

فقد جاء في “مذكرات من التراث المغربي المجلد الخامس ص: 26 و27 ما يأتي تحت عنوان: “محاولات الإصلاح في بداية القرن العشرين” للكاتب أحمد الكوهن المغيلي:

“كان أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي المسمى مديدش قاضيا وأستاذا في القرويين سنة 1242ﻫ واهتم هو أيضا بالجهاد وبتنظيم الجيش وساق أهم ما جاء في الكتاب “البسيط” وهو من مؤلفات التسولي، إلا أنه لم يذكر أين يوجد هذا الكتاب وهل هو مطبوع أو مخطوط؟ إلا أن الأستاذ البحاثة السيد محمد المنوني ذكر في كتابه “مظاهر يقظة المغرب الحديث” ج1 أن هذا الكتاب مطبوع على الحجر بفاس”.

هذا وقد ورد في كتاب “شجرة النور الزكية…”ص: 397 ما يأتي: “القاضي أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي الفقيه النوازلي، الحامل لواء المذهب، المطلع على أسراره، المحقق العلامة المتقن، المؤلف المتقن، صاحب المؤلفات الفقهية والفتاوى الشرعية” وبعد أن ذكرها قال: “وفي سنة 1252ﻫ بعث الأمير الحاج عبد القادر بن محيي الدين سؤالا لعلماء فاس في شأن الخطب الذي حل بالقطر الجزائري، وأجاب عنه برسالة في عدة كراريس، وهذا الخطب تسبب عنه استيلاء فرنسا على الجزائر وعلى بقية القطر شيئا فشيئا”ﻫ.

ولعله من المفيد – وأنا أتحدث عن مظاهر الإصلاح ومظاهر الجهاد التي اتسمت بها حياة هذا الفقيه، أن أشير بشيء من التفصيل إلى ما أجمله مؤلف “شجرة النور الزكية” حول موضوع تأييد المغرب وبيان مواقفه المشرفة عندما دارت الدوائر الاستعمارية على القطر الجزائري الشقيق، فقد جاء:

أولا في كتاب “جذور اتحاد المغرب والجزائر” لمؤلفه عمر بوزيان المطبوع سنة 1988م ص 135 ما يأتي تحت عنوان: مراسلات علماء المغرب مع الأمير عبد القادر.

“اشتهرت سياسة الأمير عبد القادر أثناء زعامته الجهاد بالجزائر بالتشاور واستفتاء أهل الرأي من العلماء ورجال الدين فيما يتعلق بتطبيق بعض القوانين الزجرية والمالية، ولعل أهم هذه المراسلات رسالة بعثها الأمير الجزائري سنة 1837م إلى علماء المغرب يطلب منهم فتوى في بعض المشاكل التي اعترضت طريقه، ومما جاء في هذه المراسلة: “سادتنا الأعلام وأئمة الهدى فقهاء الحضرة الإدريسية… جوابكم أبقاكم الله فيما عظم فيه الخطب واشتد به الكرب بوطن الجزائر الذي صار لغربان الكفر جزائر، وذلك أن العدو الكافر يحاول ملك المسلمين، ومن المسلمين من يداخلهم ويبايعهم ويجلب إليهم الخيل، ومن أحياء العرب المجاورين لهم من يفعل ذلك ويتمالؤون على الجحود والإنكار…

فما حكم الله في الفريقين في أنفسهم وأموالهم؟ وما الحكم فيمن يتخلف في المدافعة عن الحريم والأولاد إذا استنفر نائب الإمام الناس للدفاع فهل يعاقبون؟ ومن أين يرتزق الجيش المدافع عن المسلمين؟ ولا بيت مال، وما يجمع من الزكاة لا يفي بشبعهم فضلا عن كسوتهم وسلاحهم وخيلهم ومؤونتهم، فهل يترك ويستبيح الكافر الوطن أم يكون ما يلزم على جماعة المسلمين؟ وهل على العموم أو على الأغنياء فقط؟ أجيبوا عما ذكرنا والسلام في 19 ذي الحجة 1252ﻫ 1837م.

وقد أجاب عن هذه الأسئلة بأمر من السلطان مولاي عبد الرحمن العالم التسولي تحت عنوان: “أجوبة العالم التسولي على أسئلة الأمير الجزائري” وثانيا: جاء في كتاب “مظاهر يقظة المغرب الحديث “للأستاذ البحاثة السيد محمد المنوني ج1 ص: 16 و17 و18 و19 ما يأتي:

ومما يحق أن يذكر في صف المصلحين في هذا الطور أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي المدعو مديدش المتوفى سنة1258ﻫ 1842م فقد ضمن جوابه في “البسيط”[3] الذي أجاب فيه عن الأسئلة التي رفعها إلى علماء فاس محيي الدين الأمير عبد القادر الجزائري – عدة توجيهات وأفكار تتناول واقع الحياة إذ ذاك بالمغرب، ومما كتبه بخصوص تنظيم الجيش.

“يجب على الإمام أن يهتم بأمور الجهاد، فيأمر كل قبيلة بتعلم الحروب والتدريب، وإن رأى أن يعين من كل قبيلة مائة أو أكثر تتعلم الحروب، مهيئة نفسها لكلمة الأمير، وتكون تلك المائة من الوجوه الذين لا يولون بالأدبار، وعند كل خمسة أشهر ونحوها، يأمر بالضرب بين يديه بمرأى منه، فمن رآه منهم كثير الإصابة والتدريب أحسن إليه وقربه لديه، وهكذا حتى يعرف من كل قبيلة أبطالها وشجعانها، فيعينهم حينئذ للاستنفار الأمثل، فالأمثل، ومن وجده من القبائل لم يعتن بما أمره به من تعلم الحروب أهانها وأهان قائدها، ولامهم على مخالفة أمره، ولا يتكل في اختيارهم على غيره، فينتظم الأمر حينئذ، فإذا احتاج الأمير إلى إقامة جيش لصد العدو ونحوه، أقامه في ساعة واحدة من الأبطال، لأنهم مكتوبون عنده في الديوان من كل قبيلة، ولا يحتاج حينئذ إلى فريضة الحراك، لأنهم إذا وكلوا لفرضهم لا يحركون إلا أوباش الناس الذين إذا قاتلوا العدو ولوا الأدبار، فيفسد الأمر ويختل الملك، وربما كانوا لا يفرضون الحركة إلا بعد انتهاز العدو في المسلمين الفرصة” ﻫ ثم قال الأستاذ المنوني: ومما ورد في هذا الكتاب في موضوع الدفاع عن الجزائر:

“تنبيه”: “إذا نزل عدو الدين بأرض الإسلام أو قريبا منها مريدا الدخول إليها، فإن الجهاد فرض عين على أهل ذلك البلد وعلى إمامهم شيوخا وشبانا أحرارا وعبيدا، بل وإن على امرأة إن كان لها قوة، ولا يتوقف قتالهم للعدو النازل على مشورة الإمام ولا سيما إن بعد منهم، بل وإن لم يكن لهم إمام تعين عليهم مدافعته ونصب الإمام، فإن لم يقدر أهل ذلك البلد مع إمامهم على مقاومة العدو، تعين على أقرب الأئمة إليهم، وعلى رعيته أن يعينوهم، فإن لم تكن فيهم كفاية ومقاومة أيضا، وجب على من والاهم، وهكذا حتى يأتي الوجوب منسحبا على جميع المسلمين”، “فقطر الجزائر مثلا حيث لم يقدروا على دفعه لعدم من يضبط كلمتهم، ولعدم وجود القوة منهم، بدليل أنه يتردد العدو إليهم ويأخذ مدائنهم شيئا فشيئا “فإنه يجب على من والاهم من أئمة المشرق والمغرب إلى سوس الأقصى وإلى بغداد بل وإلى الهند مثلا – أن يعينوهم بالجيوش والعدة والعدد، وإن عصا من والاه ولم يعن، تعين على من والاه وهكذا…”.

“ذلك بعض ما ورد في أجوبة التسولي، هذا التأليف الذي يعد أول مظهر لليقظة الوطنية بالمغرب الحديث”.

ونود، يقول المنوني، ألا نترك هذا الكتاب حتى ننقل عنه للمرة الأخيرة خطبة كان أنشأها مؤلفه التسولي، ثم خطب بها عند احتلال فرنسا للجزائر، حرض فيها على الاستعداد ودعا للجهاد، ونثبت محل الحاجة منها كمثال لإحدى مظاهر تلك اليقظة، وكنموذج لصدى احتلال الجزائر في المجامع المغربية، قال:

“… فحرضوا أنفسكم وأشياعكم عليه (الجهاد) بقلب وقالب وجازم الاعتقاد، وأكثروا من الأهبة والنفر إليه وبادروا إليه بغاية الاستعداد…

فإن لم تشغلوكم، وإن لم تقاتلوهم قاتلوكم، كيف وهم لكم بالمرصاد؟

ألا ترون أنهم نزلوا على من بالقرب منكم، واستولوا لهم على أعظم الثغور، وصارت تخلى رعبا منهم – المنازل والقصور، ويغتالون لهم الرقاب والأموال والأولاد، فانظروا – أيدكم الله – لأنفسكم، فإن فساد الكفر لا يعد له فساد، يبث له الشرك والتثليث وينسخ كلمة التوحيد ويمحو أثر قائلها من الأرض والبلاد، أولا تتيقنون أن الله سبحانه أمرنا بالغلظة عليهم والتقوى وكثرة الاستعداد؟ أو لا تعلمون أن الله وعدنا بالنصر عليهم؟ وهو سبحانه إن وعد بشيء لا يخلف الميعاد، قال جل من قائل : ﴿ إن تنصروا الله ينصركم﴾ وقال: ﴿وليجدوا فيكم غلظة﴾ وقال: ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾ وقال: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة﴾ وقال: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم﴾ وقال: ﴿وقاتلوا المشركين كافة﴾ وقال: ﴿أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم﴾ أي أحسبتم أن تتركوا فلا تومروا بالقتال في الجهاد ولا تمتحنوا ليظهر الصادق في إيمانه من الكاذب، ويتميز كل على الانفراد، وقال: ﴿ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين﴾؛ أي لنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالقتال في الجهاد، حتى يتبين الصابر على دينه من غيره، ونظهر أخباركم للحاضر والباد”.

“فانتبهوا –أيدكم الله– فإنكم بهذه الآيات القرءانية المخاطبون، وبالأحاديث المصطفوية المقصودون، إذ بيدكم الحل والعقد والرعية في طوعكم، فكيف بأمرها بالجهاد تبخلون، وأنتم خلفاء الله في أرضه، فكيف على دينه لا تغيرون؟ أأمنتم مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون؟ آتخذتم عند الله عهدا فأنتم عليه متوكلون، أم تعتقدون إن كفاركم اليوم لا يقصدونكم بالقتال والجلاد، أم تقولون: نحن اشتغلنا اليوم بجهاد أنفسنا ورعيتنا وبالخدمة على الأولاد، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما بعثه الله مجاهدا، وفي الغرض الأدنى زاهدا مقتنعا باليسير وهو يستعد للعدو الاستعداد الكبير، فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون؟ وإذا لم تهتدوا به فبمن تهدون؟ وإذا لم تشمروا عن ساق الجد في هذه البرهة ففي أي وقت تشمرون؟ وإذا لم تستعدوا في هذه الفسحة فمتى تستعدون؟ أفلا تتذكرون أن الله سبحانه أمرنا بالذهاب إليهم وقتالهم في أراضيهم، فكيف إن قدموا إلى برنا هذا بالغي والفساد، أم لنا براءة استثنانا الله تعالى بسببها من عموم دعوة الجهاد؟ فالجهاد فريضة عين على من نزل بهم عدو الدين، فإن لم تكن فيهم كفاية أو لم تجتمع لهم كلمة، فعلى الذين يلونهم، وهكذا إلى أن تحصل الكفاية، ولو اتصل ذلك من مثل المغرب لبغداد أو غير ذلك من الآفاق الحاضر والباد.

فأيقظوا أنفسكم من وسن الغفلة، وانتهزوا من العدو الفرصة ما دامت منكم فسحة الاستعداد، قبل أن يتفاقم الهول ويحق القول، ويسد الباب ويحق العذاب، وتسترق بالكفر الرقاب، ويحصل الفوت بسبب الازدياد، فإنكم إن لم تستعدوا فهو لكم بصدد الاستعداد والوقوف لكم بالمرصاد، ولا تنكلوا على ما يخبركم به ضعفاء العقول من وفائهم باستمرار العهود وعدم نقضهم للميثاق المعقود، فإن ذلك كله مردود، إذ لا ميثاق ولا عهد لأعداء الدين وأهل الفساد، ونحن لا نعتبر عهودهم وشهادتهم بالإضافة إليهم، فكيف نعتبرها بالنسبة إلينا بإجماع أهل العلم والاجتهاد”.ﻫ

ولا شك أن هذه الخطبة تعتبر مظهرا من مظاهر الجهاد باللسان، فقد أخرج الإمام أحمد عن كعب بن مالك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه».

توفي فقيهنا التسولي المجاهد صبيحة يوم السبت خامس عشر من شهر شوال عام: 1258ﻫ/1842م بمدينة فاس ودفن بها رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه في جنة قطوفها دانية آمين.

انظر العدد 8 من مجلة الإحياء

من أعلام تازة علي بن عبد السلام التسولي.. الفقيه المصلح المجاهد

الهوامش

  1. مجلة “دعوة الحق” العدد: 297 ص 77.
  2. مجلة “دعوة الحق” العدد: 297، ص74.
  3. وهذا هو المؤلف السادس لفقيهنا التسولي.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق