مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمعالم

تقريب (معلمة موطأ الإمام مالك) الحلقة (8)

(8) اختلاف الموطآت:

تتبع العلماء روايات الموطأ، فقيدوا ما فيها من اتفاق أو اختلاف بين رواتها، وما انفرد به بعضهم عن بعض، وقد تصدى لبيان هذه الفروق بين الروايات ثلة من العلماء، منهم الإمام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني (ت385هـ) الذي ألف كتابا سماه: أحاديث الموطأ وذكر اتفاق الرواة عن مالك واختلافهم فيه وزيادتهم ونقصانهم، وذكر فيه ما أسند مالك مما روي عنه فيه الموطأ على اختلاف الرواة عنه في ذكر اختلافهم واتفاقهم وانفراد بعضهم بالرواية عنه فيه على بعض دون غير الموطأ من حديثه.

 والإمام ابن عبدالبر (ت463هـ) في كتابه التمهيد والتقصي والتجريد، والإمام ابن العربي المعافري في المسالك، وغيرهم.

ولقد تعددت الموطآت فصار كل موطأ ينسب إلى راويه، فيقال موطأ يحيى الليثي، وهذه الموطآت بينها اختلاف كبير من عدة وجوه:

1-فهي مختلفة في ترتيب الكتب والأبواب.

2-وهي مختلفة في عدد الأحاديث المرفوعة.

3-وهي مختلفة في عدد الأحاديث المرسلة والموقوفة والبلاغات وأقوال الصحابة، والتابعين وأقوال الإمام مالك.

4-وهي مختلفة في كثير من الألفاظ سواء أكان ذلك في المرفوع أم المرسل أم غيره من المقاطع وأقوال الإمام مالك نفسه[موطأ مالك برواية أبي مصعب، ص35].

طبعات كتاب الموطأ برواية يحيى

كان من طبعات هذا الكتاب الطبعة التي طبعت سنة 1280هـ بعناية عدد من علماء تونس الفضلاء: محمود الشريف، وسالم أبي حاجب، ومحمد البشير، ومحمد البشير التواتي، وأحمد الوتاتي.

كما طبعت هذه الرواية بالهند سنة 1291هـ في المطبع الفاروقي لمحمد معظم الحسني، وأيضا طبعت في المطبع المجتبائي في دلهي من بلاد الهند سنة1307هـ، ثم تتالت الطبعات مفردة أو مع الشروح كالتمهيد والاستذكار والمنتقى وتنوير الحوالك وشرح الزرقاني.

ومن الطبعات التي عرفت انتشارا واسعا طبعة محمد فؤاد عبد الباقي التي طبعت بالقاهرة سنة1952م، واعتمد فيها ست طبعات سابقة للموطأ، ولم يعرج فيها على أي مخطوط. وكان له فيها ترجيحات واختيارات لروايات وألفاظ اعتمد فيها على كتب اللغة والحديث والرجال ظنا منه أنها الصحيحة، لا ما جاء في رواية يحيى، كما قام بوضع أرقام للكتب والأبواب استنادا إلى الأرقام التي وضعها المستشرق الهولندي الأستاذ فِنْسِنْك في كتابيه “مفتاح كنوز السنة”، و”المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي”، كما وضع أرقاما لكل حديث استنادا إلى هذين الكتابين، ولبيان منهجه قال فؤاد محمد عبد الباقي في مقدمة طبعته: “فكنت أقارن نصوص بعضها [أي المطبوعات] ببعض، فما اتفق الجميع عليه وأيقنت أنه الصواب أثبتُّه، وما اختلف فيه رجّحت الجانب الذي به شرح الزرقاني والنسخة المطبوعة في الهند عام: 1307هـ بعد أن أرجع إلى معاجم اللغة وكتب الحديث والرجال، فخلصت لي من هذه النسخ جميعها نسخة ما ألوت جهدا في أن تكون أصح ما أخرجته المطابع العربية في العالم الإسلامي”.

وهذه الكتب التي وضعها محمد عبد الباقي لم تكن تطابق ما جاء في المخطوطات، فمن المعلوم أن الإمام مالك ضمن كتاب الصلاة وقوتها وطهارتها وأبوابها الأخرى المعروفة، فجعلها ابن عبد الباقي خمسة عشر بابا متابعة منه لصنيع فنسنك، وكذلك جعل كتاب الجامع سبعة عشر كتابا، (انظر المسالك لابن العربي قسم التحقيق، ج1ص 158. والموطأ برواية يحيى تحقيق بشار عواد، ص10].

 وقد أوقعه هذا التصرف في أوهام شنيعة، وهو صنيع مماثل سيقوم به بعض العلماء والنساخ والناشرين الذين عمدوا إلى تصحيح بعض الأخطاء الواقعة في الأسانيد والمتون في رواية يحى بن يحيى مما خالف فيه رواة الموطأ الآخرين، مع أن العلماء صرحوا أن في رواية يحيى الليثي وهم وتصحيف في مواضع كثيرة نبهوا عليها. [انظر الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي القسم الأول، ص21، منشورات المجلس العلمي الأعلى، والموطأ برواية يحيى تحقيق بشار عواد، ص (10-11)].

وحسب المرء في مثل هذه النوازل أن يقتفي آثار المحدثين، فقد قال القاضي عياض رحمه الله في الإلماع: “الذي استمر عليه أكثر الأشياخ نقل الرواية كما وصلت إليهم وسمعوها، ولا يغيرونها من كتبهم …ولكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطها عند السماع والقراءة في حواشي الكتب، ويقرءون ما في الأصول على ما بلغهم، ومنهم من يجسر على الإصلاح، [الإلماع للقاضي عياض، ص185].

وطبعة بشار عواد معروف التي ظهرت سنة 1996م اعتمد فيها على نسخة فرع من نسخة المحدث ابن مَسدي (ت 663هـ).

وطبعة الدكتور مصطفى الأعظمي الذي صرح أنه اعتمد على ست نسخ خطية، لكنه وقع في أخطاء فادحة.

الطبعة المغربية التي نشرها المجلس العلمي الأعلى سنة1434هـ/2013م، وقد اعتمدت ست نسخ انتقيت بعناية من نسخ كثيرة تحتفظ بها الخزانات المغربية، وتظهر أهميتها من خلال مقارنتها بباقي الطبعات. [انظر الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي القسم الأول، ص44، منشورات المجلس العلمي الأعلى].

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق